هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 مارس 2011

عبقريات ومعضلات الثورة المصرية



عادل العمرى

24 مارس 2011



1-     كل من تنبأ بالثورة توقع أنْ تنفجر الجماهير المعدمة وشبه المعدمة، مثلما حدث في يناير 1977. إلا أنَّ ما حدث كان مختلفًا تمامًا؛ فقد كانت بداية الانتفاضة ككل على أيدي مثقفين؛ كثير منهم ليسوا فقراء، ثم انخرطت شرائح من الطبقة الوسطى، والمهنيين، وأشباه البروليتاريين؛ وفي النهاية انضم عمال الصناعة. وقد كان دور الفلاحين محدودًا تمامًا، ولم يكن لأفقر محافظات مصر في الصعيد دورٌ مهم؛ بل بعضها لم يبد أيَّ اهتمام بالأمر. كان أغلب المتمردين على مستوى البلاد ينتمون للفئات الوسطى. وفي المدن الكبرى؛ القاهرة والإسكندرية أساسًا، اتخذ التمرد طابعًا سياسيًّا بشكل أساسي وظلت انتفاضة هذه المدن تطبع الثورة ككل بطابعها السياسي والسلمي إلى حد كبير. في مناطق معينة، أهمها السويس، والمحلة، وسيناء، لجأت الجماهير للعنف وحققت انتصارًا عسكريًّا باهرًا على الأمن، ولكن كرد فعل على القسوة المفرطة للشرطة منذ البداية.
إذن لم تكن ثورة جوعى ولم تركز على مطالب اقتصادية، بل كانت ثورة سياسية ترفع شعارات ديموقراطية: ثورة ديموقراطية بامتياز. وعكس كل التوقعات لم تلعب الطبقات الاجتماعية الأساسية دورًا قياديًّا ولا حتى دورًا حاسمًا في العملية الثورية حتى الآن، بل كان للمثقفين الدور القيادي، وقد خاضوا معارك عنيفة فُرضت عليهم، وعلى رأسها موقعة الجمل، التي كانت نقطة تحول في مسار الثورة، وحفزت استمرار الانتفاضات القوية في الاسكندرية وغيرها من المدن. ولكن الآن فقط بدأت الطبقة العاملة تتحول إلى الخصم الأقوى للسلطة العسكرية بمطالبها الاقتصادية. ويجب ملاحظة أنَّ القوى التي أنجزت المرحلة الأولى من الثورة لا تشمل ملايين الفقراء وأشباه البروليتاريين وكثيرًا من المهنيين. بل وفي مرحلة ما؛ بعد خطاب مبارك الأول صارت أغلبية السكان تعارض استمرار الانتفاضة ولم ينقذ الموقف سوى غباء النظام في موقعة الجمل.
والآن عاد الملايين يرفضون مزيدًا من التمرد رغبة في تحقيق ما يسمونه الاستقرار وانتظار منح وعطايا العسكر، التي لن تأت أبدًا، وقد شهدنا علامات ذلك في الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية. إذن قام بالثورة مالا يزيد عن ربع المصريين بأيِّ حال، بينما للأكثرية الصامتة صوت في صناديق الاقتراع ورأيٌ آخر في الاحتجاجات الآن: يريدون الاستقرار.

2-     لم يتم التخطيط للثورة من أيِّ جهة، ولم تقدها قوى منظمة، بل نظم الشباب المهمش سياسيًّا نفسه عبر الانترنت دون أنْ يعرف بعضه بعضًا، فكانت عبقرية التنظيم الالكتروني. ولأول مرة شهد التاريخ ثورة باستخدام التكنولوجيا، وعالم الاتصالات المتقدمة، ولم يشرف على عملية التنظيم العبقرية أشخاص بعينهم، أو مركز قيادي، بل تعددت المبادرات الفردية.

3-     أصر الشباب الذي نظم نفسه عبر الانترنت أنْ تكون الشعارات المرفوعة عامة؛ لا دينية ولا طبقية، ولا يعبر أيٌّ منها عن اتجاه سياسي معين، والتزم الجميع بهذا، حتى الإسلاميون، بمن فيهم السلفيون، وشيوخ المساجد، ورجال الأزهر؛ فكانت ثورة شعبية عامة دون تميز أيٍّ من القوى السياسية التي شارك أفرادها فيها. وكان هذا تعبيرًا عن أنَّ من شارك هم أفراد من اتجاهات متعددة، ولم تشارك منظمة ما بصفتها كذلك. وحتى تجمعات الفيس بوك من الشباب لم يهتم بإبراز هوية خاصة. وهذه ربما أول ثورة في التاريخ لا ترفع فيها مختلف القوى السياسية شعاراتها الخاصة.

4-      لعب ما يسمى بالوعي الجمعي دورًا فعالًا؛ فقد تمت في شكل سيمفونية واحدة بدون مايسترو، ولم يشذ أحدٌ تقريبًا عن الإيقاع الجميل، فالتزم الجميع بالطابع السلمي للانتفاضة، إلا للدفاع عن النفس، ولم ترفع جهة ما شعاراتها الخاصة، ورحب الجميع بنزول الجيش في مختلف المناطق، واتفق الجميع في كافة المناطق على توقيت الاحتجاجات المليونية، دون أنْ يعرف بعضهم بعضًا بشكل شخصي، وكان كل من شارك حتى بالدعاية والكتابة وأشكال الاحتجاج المختلفة متسقًا مع التوجه السلمي والديموقراطي العام للثورة.

5-     كل شيء يدل على أنَّ هذه ثورة ديموقراطية، ومن الأمور الفريدة أنَّ قوى لا ديموقراطية، بل فاشية (الإسلاميون أساسًا) قد باركتها وتركت أفرادها يشاركون، ربما لإرضاء قواعدها، ولعدم فقدان تأييد الشارع المصري. والأغرب أنَّ أغلب الجماهير المشاركة لا تحمل ثقافة ديموقراطية أصلًا، وأرادت إزالة النظام الشمولي، أملًا في تحسين أوضاعها فيما بعد، وتبنت شعارات الديموقراطية كمدخل للقضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية. بل تعشق هذه الجماهير الفكر الديني المنغلق، ولا تؤمن بحرية الاعتقاد، وتود فرض الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع. هذا التناقض يعد من عبقريات هذه الثورة، والتي بدأت فيما بعد تعاني منه؛ فالآن بدا على السطح شبح صراع قادم بين الديموقراطيين والفاشيست الإسلاميين، بينما شارك الكل في ثورة ديموقراطية، بل ويصر الفاشست على أنَّ اللعبة الديموقراطية تسير في صالحهم، على أساس أنَّ الديموقراطية هي حرية الترشيح والانتخاب، أيْ ديموقراطية صناديق الاقتراع، دون ثقافة الديموقراطية، ويتوقع هؤلاء في المرحلة القادمة أنْ تختارهم الجماهير بكل حرية ليكون لهم اليد العليا في صياغة النظام السياسي وهذا الوهم يعززه تقريب العسكر لهم واستمالتهم لاستخدامهم ضد حركة الثورة.

6-     لعبت قوات الجيش دورًا لا يستهان به في حماية الثورة، والأمر الفريد أنَّ الجيش يتكون من قيادة موالية تمامًا للنظام، بل تشكل جزءًا منه، وتغرق في نفس فساده، بينما تنتمي قواعد نفس الجيش للقواعد الشعبية التي قامت بالثورة، وقد اضطرت تلك القيادة التي تقود تلك القواعد إلى تنحية مبارك وجزء كبير ومهم من النخبة الحاكمة، ورفضت إطلاق النار على المظاهرات، ربما خوفًا من قواعد الجيش التي تطوع أفراد منها بدون أوامر لحماية الثوار يوم الجمل.
هكذا لعب جزء من النخبة الحاكمة دورًا في تنفيذ أول مطالب الثوار، وهو تنحية مبارك، وحتى الآن تحرص النخبة العسكرية على تجنب الاصطدام الكامل بقوى الثورة، رغم أنها تقود الثورة المضادة في نفس الوقت بحذر وقدر من الدهاء لإنقاذ نفسها من الطوفان.

7-      لم تستول قوى الثورة على السلطة، ولم تفكر في هذا أصلًا، بل وجدت نفسها تلقائيًّا تنادي الجيش، مطالبة إياه بحمايتها، وتحقيق أهدافها. والمعتاد في كل الثورات أنْ يكون الاستيلاء على السلطة هو الخطوة الأولى لتحقيق النجاح، بينما تمكنت الثورة المصرية من إجبار جزء من النظام على تصفية جزءٍ آخر منه، ومازالت تضغط عليه لتحقيق المزيد.

وقد ُخدع الثوار في البداية باعتبار الجيش شيئًا واحدًا: جيش الشعب، بينما تغرق قيادته في فساد شديد، وتشكل جزءًا من النظام. وترتب على ذلك أنْ وجدت الثورة نفسها وقد صفقت لقيادة الثورة المضادة، دون أنْ تدري، تواجه الالتفاف على مطالبها، وتشويه شعاراتها وقمع أفراد منها في سجون الجيش.

فالآن تجد قوى الثورة نفسها أمام معضلة: إنَّ قيادة الجيش لها أجندتها الخاصة، وليست أداة طيعة في أيديها، وهي تقاوم إحداث المزيد من التغيرات؛ فقد خضعت بصعوبة لمطلب تغيير وزارة أحمد شفيق وتعيين رئيس وزراء أراده الثوار. هكذا استطاعت الثورة أنْ تخترق السلطة من أعلى بتغيير الوزارة. وفي الوقت نفسه مازالت الثورة العفوية تستمرة من أسفل: المطالب الفئوية والجهوية المتزايد، والتي تعمل على تطهير مؤسسات الدولة من عناصر النظام وسياساته، وتنجح في انتزاع حقوق الجماهير المسحوقة تدريجيًّا. إذن السلطة من أعلى مازالت في أيدي النظام، والسلطة من أسفل تنتزع تدريجيًّا من جانب الجماهير العفوية.

8-      رغم سيادة ثقافة لا ديموقراطية في مصر أدت الثورة إلى تحرر المصريين من الخوف من الدولة، وإرساء مفهوم "الحق" وهيَ نقلة ضخمة، ورغم تخوف الكثيرين من المستقبل ومن العلمانية ومن الإسلاميين، إلا أنَّ هذا التحرر كفيل باستمرار الجماهير في محاولة انتزاع حقوقها، وهو ما سيشكل صعوبة بالغة أمام أيِّ قوة سياسية تسعى للانفراد بالسلطة؛ لأن مطالب ضخمة تنتظرها وستطالبها الجماهير بكل جرأة.

9-     المعتاد أنَّ الثورات المضادة تكون في صورة هجمة عنيفة وحادة للإطاحة بقوى الثورة والإجهاز عليها. أما في الثورة المصرية فكل شيء يسير بأقل قدر من الحدة؛ فالثورة المضادة يقودها العسكر، الذين أطاحوا بعصابة مبارك، وفي الوقت نفسه تزحف الثورة إلى السلطة من أسفل، كما يقدم العسكر على تقديم تنازلات متوالية للثوار، بينما يشنون هجمات محدودة من حين لآخر، في صراع يشبه لعبة الشطرنج، ولا يبدو أنَّ هناك منتصر ومهزوم في النهاية بل في الغالب سيتم تسوية الموقف بحلول وسط بين المعسكرين، مالم تنفجر الجماهير الجائعة في وجه السلطة، وهو أمر غير مستبعد تمامًا، ولا يمكن التنبؤ به أيضًا؛ خصوصًا أنَّ خزانة الدولة شبه فارغة، وهناك مئات الألوف يعودون من ليبيا بدون وظائف. والفريد في الأمر أنَّ الثورة المضادة بقيادة الجيش قد لبست ثوب الثورة؛ فالمجلس العسكري يزعم أنه استمد شرعيته من الثورة وأنه ينفذ أجندتها، بينما يعمل العكس تمامًا؛ كما تقمص الكثير من رجالات العهد الشمولي لباس الثوار، بمن في ذلك كثير من رجال الإعلام السلطوي، وحتى رجال الكنيسة حلفاء مبارك وعائلته، كما يزعم الإسلاميون المنظمون الشيء نفسه، بينما يعملون في الواقع على الالتفاف على الأهداف الديموقراطية للانتفاضة. وهذا يعكس خوف هذه القوى من فقدان امتيازاتها؛ فآثرت السلامة وفضلت لعبة الشطرنج.

10-                    في أغلب الحالات تكون الثورات عنيفة تقتلع الأنظمة وتقضي عليها. وعلى العكس أصر الثوار المصريون على سلمية انتفاضتهم، وكان العنف من جانب النظام، واستطاع الثوار الدفاع عن أنفسهم في حدود، ولذلك استنجدوا بالجيش فور اشتداد عنف الأمن بدلًا من تصعيد العنف. وقد نجحت الثورة السلمية في إنجاز مرحلة هامة؛ هيَ إزاحة رأس النظام. وبسبب هذا الطابع السلمي الاحتجاجي لم تنجز الثورة الشيء الأهم في الثورات، وهو الاستيلاء على السلطة، وكان غياب هذا الهدف منذ البداية متوافقًا مع الطابع السلمي للاحتجاجات. واليوم تجني قوى الثورة نتيجة سلميتها: سيطرة الجيش الفاسد والمدجج بالسلاح على السلطة السياسية، والذي تصعب مواجهته مباشرة إلا بانتفاضة شعبية أوسع من انتفاضة 25 يناير وما قد يترتب عليها من انقسام الجيش وتفككه؛ أو بالصدفة: إذا تورط في حرب خارجية وهزم. وما يناسب قوى الثورة حاليًّا هو الصراع الهادئ مع الجيش: الاستيلاء على السلطة من أسفل، بتشجيع المطالب الفئوية وإزاحة قوى النظام من المحليات ومؤسسات الدولة والضغط بالاحتجاجات السلمية لانتزاع مكاسب جزئية من حين لآخر ومقاومة الفساد الواسع المنتشر داخل الجيش بتصفية تدريجية لعناصر فاسدة وثيقة الصلة بالجنرالات.. أيْ لعبة شطرنج طويلة المدى. إنَّ الجيش يحتاج إلى إعادة بناء وتنقيته من الفساد، وهذه معضلة كبرى أمام الثورة.

11-                    لم يصل الصراع السياسي والاجتماعي في تاريخ مصر الحديث وربما طوال تاريخها أبدًا إلى نهايته؛ فتسود هنا ثقافة الحل الوسط (نقسم البلد نصفين)، وهذا لا يعكس فقط قوة الدولة القاهرة، بل أيضًا الحاجة الدائمة إليها. فهذا الكيان الباطش؛ الدولة كان دائمًا تقريبًا مفيدًا أيضًا، وطوال تاريخ مصر كانت الدولة أقوى من المجتمع المدني بكثير، وارتبط مجد هذه البلاد بقوة الدولة صعودًا وهبوطًا.
من الممكن في الثورات أنْ تتغير أحوال وتهتز مفاهيم راسخة، وهذا ممكن الآن. وضمن عبقريات الثورة المصرية أنه لأول مرة يصبح لليبراليين المتمردين على الدولة دور أساسي في المعادلة السياسية، وصار لهم اعتبار كبير. ويكفي أنَّ إزاحة الفرعون قد تمت للمرة الثانية فقط خلال خمسة آلاف عام، ولم يأت حتى الآن فرعون آخر ومن المحتمل تمامًا ألا يأتي.
في الثورات المصرية الجذرية في الماضي كان يتم تدمير الدولة وبالتالي خراب البلاد ثم يأتي فرعون آخر ويعاد بناء الدولة. أما هذا المرة فلم يتم تدمير الدولة بل تحجيم دورها ومحاصرتها.
وقبل 1952 كان الليبراليون من أبناء الدولة بدرجة أو بأخرى، أما الليبراليون الثوار الآن فمعظمهم من غير المنتمين لأيِّ مؤسسات، مهمشون سياسيًّا، وكثير منهم مهمشون اجتماعيًّا ومهنيًّا، بل لا يعرف بعضهم بعضًا إلا في أضيق الحدود. هؤلاء جاءوا من خارج النظام، ومن خارج جعبة الدولة، وجروا وراءهم قوى شعبيىة متعددة قليل منها مهمش.
لأول مرة في تاريخ مصر أصبح من الممكن اليوم تحجيم دور الدولة بشكل فعلي وجذري لصالح المجتمع المدني.

12-                    لا يمكن إغفال تأثير قوى خارجية في رسم الحياة السياسية في مصر المستقبل. فالنفوذ الأمريكي والإسرائيلي فاعلان داخل النخب المسيطرة، ولن تسمح كليهما بأن تتغير مصر في اتجاه يؤدي إلى إضعاف نفوذهما، مالم تصبح قوى الثورة أكبر بكثير. هناك فيتو على جعل مصر دولة إسلامية مثل إيران، على الأقل حتى لا تنتشر الموجة في المنطقة كلها، وإذا ظهر هذا الاحتمال سيتم جعل الإسلاميين عبرة لمن يريد تقليدهم. أما التحول إلى ديموقراطية حقيقية، فيهدد بظهور حكومات شفافة لا تقبل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية ولذلك يعتبر هذا التحول أيضًا خطًا أحمر.
وعلى ضوء قراءة موازين القوى الداخلية الآن وانضمام الملايين إلى الثورة المضادة (أملًا في تحقيق الاستقرار) أصبح أمام قوى الثورة لكي تنجز أهدافها الديموقراطية أنْ تعمل بدأب وتنظم نفسها وأن تحاول كسب الجموع إلى الثورة مرة أخرى، والطريق الوحيد الملائم لقوتها هو تشجيع المطالب الاقتصادية، لدفع السلطة إلى الاشتباك مع الجماهير الجائعة.

13- يمكن تلخيص المعضلات التي تواجه الثورة المصرية الآن في:
-          وجود الثورة المضادة في السلطة بقيادة المجلس العسكري، والذي لن يسمح – مالم يتعرض لضغوط شديدة وتهديدات حقيقية - إلا بقيام نظام سياسي كسيح، يسمح للمؤسسة العسكرية بالاستمرار كجهاز منعزل عن الشعب، لا يخضع لأيِّ رقابة، ولا يقترب أحد من رجاله الغارقين في الفساد. ويترتب على وجود هذه السلطة تعرض الثوار لأشكال من القمع والتهديد بالمحاكم العسكرية السرية وغير العادلة. ومن المحتمل بالطبع أنْ يستمر الجيش في السلطة عن طريق ترشيح رئيس جمهورية عسكري.
-          الثقافة السائدة اللاديموقراطية والرافضة لمبدأ حق الفرد في التصرف في جسده وعقله بحجة الشريعة الإلهية الصحيحة. ويضاف أنَّ هناك قوى فاشية منظمة وقوية وغنية تروج لهذه الثقافة، وتعمل على إجهاض الثورة واختزالها في مشروع نهضوي محدود وضيق الأفق.
-          نقص التنظيم مقابل تنظيم قوى الثورة المضادة لنفسها جيدًا.
-          صعوبة المأسسة بسبب عدم الاستيلاء على السلطة ومقاومة العسكر لمأسسة الثورة.
-          انضمام ملايين الكادحين لصفوف الثورة المضادة، أملًا في تحقيق الاستقرار وتوفير لقمة العيش.
-          نقص مشروع تحديثي شامل يصلح كمرجعية فكرية في الصراع المرتقب مع الثورة المضادة.

14- رغم ذلك فالعسكر أيضًا في ورطة كبرى: فهم لا يريدون التورط في مزيد من عمليات التطهير ومحاكمة عناصر الفساد والكشف عن أسرار النظام، بسبب تورطهم في كل فضائحه، كما لا يريدون تحقيق كثير من الإصلاحات حتى لا يمسون شركاءهم، بينما يتعرضون للضغط المستمر من أجل تحقيق أهداف الثورة، وأخشى ما يخشونه هو ما يسمونه بالمطالب الفئوية، والتي لن تهدأ دون تقديم شيء ملموس للجماهير الفقيرة. هذا يدفعهم إلى محاولة استمالة كتل جماهيرية، وتغييب غيرها والبطش بآخرين لقمع روح التمرد. ولكن من الصعب تصور أنهم سينجحون. هذه الوضعية تهدد بصدام بينهم وبين الطبقات الفقيرة في المرحلة القادمة ولا يستطيع أحد أنْ يتنبأ بحجم الصدام القادم. والشيء المؤكد أنَّ الشعب المصري لن يسكت ويكتفي بطرد حسني مبارك، خصوصًا أنَّ الثورات العربية تشتعل من حوله كما عاد من ليبيا آلاف مؤلفة من العاطلين.. ومن المحتمل أنْ يقوم صغار الضباط بأعمال تمرد، ومن المحتمل كثيرًا أنْ تتشكل منظمات مسلحة كرد فعل لليأس من اشتعال موجات احتجاج جماهيري مؤثرة.

ويعاني العسكر من ورطة أخرى: فالاستفتاء على التعديلات الدستورية لم يحقق لهم شيئًا؛ فقد اكتشفوا أنهم كانوا أغبياء، لأنّ عودة العمل بدستور مبارك المعدل تنزع عنهم شرعية الحكم، مما اضطرهم للإعداد لإعلان دستوري كان من الممكن إعداده منذ البداية وبالتالي إرضاء الغالبية الساحقة من الجماهير.