هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012

في ذكرى وفاة هيجل






عادل العمري
14 نوفمبر 2012

اليوم تحل ذكرى وفاة فيلسوف ألمانيا العظيم: هيجل. وهو نفس يوم ميلاد ابنتي الوحيدة.
لن أقول ما يكتب في العادة عن هيجل فكله معروف، بل سأتكلم عن انطبعاتي الشخصية عنه.
في فترة ما كنت هيجليًّا – ماركسيًّا، متحفظًا على ما اعتبرته ثغرات في مذهب هيجل سأعالجها في يوم ما. وما أن حاولت معالجتها جاهدًا حتى وجدت أن المذهب كله ثغرات ولا يمكن تبريره على الإطلاق فأعلنت الطلاق إلى الأبد من الميتافيزيقا كلها. فالفلسفة – كما أعتقد - عمومًا هي محاولة فاشلة لتنسيق العالم في قوانين أو كشف حقيقة عقلية للوجود الذي هو في الواقع مجرد شيء غامض: فالوجود ورطة وليس أكثر من عبث في عبث على رأي سارتر، بلا أيِّ حقيقة نهائية وعلى رأي سارتر أيضًا: الحقيقة شيء في طريقه إلى أن يوجد.

- حاول هيجل تلخيص الوجود بأسره في نسق فكري مغلق يفسر نفسه بنفسه ولا يحتاج لأيِّ براهين من خارجه، ليقدم لنا العالم كمجرد فكر وليجعل وجود الأشياء الجزئية وجودًا غير حقيقي؛ بمعنى أنه غير ضروري عقليًّا، فالعالم هو فكر محض وهو عقل صرف يحدد نفسه بنفسه ولا يحتاج للجزئيات، فيكون الفكر المجرد هو علة العالم، أيْ علة نفسه.

 - رفض هيجل المادية التي اعتبرها مجرد لحظة منطقية في فلسفته والتي يسميها "الفلسفة" بألف لام التعريف؛ معتبرًا أنَّ المادة لا تخلق الفكر ، كما أنَّ العكس ليس ممكنًا أيضًا، فالفكر بالإضافة إلى أنه نشاط ذاتي هو في نفس الوقت ماهية موضوعية مستقلة عن الإنسان. فالوجود هو نفسه فكر وما النشاط الذاتي هذا إلا تماهيًا مع هذا الفكر الموضوعي.

- الفكرة الجوهرية هي أنَّ العالم معقول (دون أيِّ تبرير "معقول" لهذه الفكرة نفسها) أيْ له علة لا تحتاج لتبرير من خارجها، وهو (الله) نفسه في الفكر الديني. وقد قال هيجل: الله هو الحقيقة God is Truth، وكان كل هدف فلسفته هو الوصول إلى هذه الحقيقة؛ إلى علة العالم المعقول حسب تصوره، أو الذي يجب أنْ يكون معقولًا. والله في ذاته ليس كائنًا بل عقل محض غير مدرك لذاته، أو "عقل متحجر"، أيْ موضوعي وغير واع، وهو في تحققه يصبح هو "الروح" أيْ الكائن البشري. فالعقل يتحول منطقيًّا إلى ضده: الطبيعة ثم يعود إلى ذاته في "الروح" التي تمثل وحدة العقل الخالص والطبيعة. وفي مرحلة الروح يصير عقلًا لذاته، وفي النهاية، في آخر مفهوم في فلسفة هيجل؛ مفهوم الفلسفة يصبح العقل مدركًا لذاته. فالفلسفة تكون "في بيتها".

لذلك لا يمكن القول بالجدل الذي يسير على رأسه ثم جعله ماركس –زعمًا - يسير على قدميه؛ فالجدل هو "حوار العقل الخالص مع نفسه"، فهو "رأس" محض - إنْ صح التعبير- ولم يشرح ماركس كيف جعله يسير على قدميه. وكل ما فعله هو استخدام الديالكتيك كطريقة عرض، خصوصًا في (رأس المال).

باختصار حاول هيجل أن يقدم العالم كعقل يتحقق.

- كانت فلسفة هيجل – في تصوري- هي أقصى محاولة للوصول بالميتافيزيقا إلى منتهاها،  وقد حقق ذلك بالفعل ولكن في اللحظة نفسها أثبتت الميتافيزيقا عجزها النهائي؛ فالمحاولة الجبارة للكشف عن حقيقة العالم العميقة قد فشلت بوضوح. وحين نقرأ هيجل نصاب بالدوار من الجهد الهائل الذي بذله للكشف عن الحقيقة النهائية، وفي نفس الوقت لا نجد أنه قد نجح في إقناعنا بهذه المذهب؛ فهو يزعم أنه قد استنبط العالم من مقولة وحيدة بسيطة: الوجود الخالص، ثم سار من مقولة لأخرى زاعمًا أنه يستنبط استنباطًا عقليًّا بحتًا، فإذا به يضطر إزاء استحالة ذلك إلى اللجوء لضرب الأمثلة من الأحداث المادية العادية، وكثيرًا ما كتب شروحات إضافية جانبية اعتبرها – ضمنًا- تقع خارج النسق الذي قدمه، كما لم يلتزم طول الوقت بالثلاثية الشهيرة. من أبرز الأمثلة على ضعف وتفكك المنهج استنباطه لكل شيء من الوجود الخالص، فإذا كان الوجود الخالص مجردًا تمامًا فكيف يمكن له أنْ يحتوي على أيِّ شيء آخر؟!! ولذلك نشعر في مفهوم "الصيرورة" – مثلًا - أنَّ هيجل قد تورط في هذه المحاولة كلها ولذلك راح يكتب فقرات طويلة أسماها: "إضافات" و"ملاحظات" لتبرير هذه الثلاثية العجيبة، أول مكونات منهجه ومذهبه: الوجود – العدم – الصيرورة.

أما فلسفة الطبيعة؛ نفي المنطق والمكون الثاني من ثلاثيته الكبرى فكتابة بدائية لا تقنع حتى تلميذًا صغيرًا.

 كما لجأ إلى استخدام لغة شديدة التعقيد رغم جمالها الواضح حيث استخدم البلاغة على نطاق واسع إلى درجة تشبه لغة الشعر، ولهذا السبب يكون فهم كثير من عباراته مستحيلًا (مثل لغة الصوفيين الكبار عمومًا) ويمكن للمرء فقط أنْ يتذوقها كبلاغة أو "يتمثلها" على الأكثر. من أمثلة ذلك مثلًا:

The concept of the spirit has its reality in the spirit- This concept of philosophy is the self-thinking idea- Pure Being and pure nothing are, therefore, the same- Being and nothing are the same; but just because they are the same they are no longer being and nothing, but now have a different significance. In becoming they were coming-to-be and ceasing-to-be

- ورغم اختلال المنهج وتفكك المذهب تم عرضهما في صورة رائعة الجمال، كما لو كانا سلسلة من المفاهيم التي تستخرج من بعضها وتتجاوز بعضها، كسلسلة تبدو منطقية وعقلانية، وهي تشبه لوحة فنية معقدة وجميلة تثير الانتباه وتدغدغ المشاعر.

- الصوفية الهيجلية ليست قشرة ولا مجرد جانب من ديالكتيك هيجل كما ذهب ماركس بل هي لحم وعظم فلسفة هيجل كلها، فهو من أكبر منظري وحدة الوجود (يعادله ابن عربي لدى العرب). فالعالم لديه ليس شيئًا آخر سوى الله نفسه والله في وجوده لذاته هو الروح. ولأنه يتعامل مع العالم كفكر لجأ إلى التجريد الشديد واستخدام مفردات غريبة على من يفكر تفكيرًا عينيًّا، فهو محلق في عالم الميتافيزيقا ولا يهبط إلى العالم المادي إلا لشرح أفكاره للقارئ غير المتفلسف. ولأنه يستنبط المفاهيم من بعضها بشكل متعسف وغير مقنع لا يستطيع شرح أفكاره بوضوح، وهذه الصعوبة اللغوية ليست إلا دليلًا على عجزه عن إقناع القارئ. وهنا أستدعي كلمات منسوبة لأينشتين: "إذا لم تستطع شرح فكرتك لطفل عمره 6 أعوام فأنت نفسك لم تفهمها بعد!"

- لم يعتبر هيجل أنَّ هناك فلسفات متعددة بل فلسفة واحدة فقط راحت تتطور على نحو منطقي يعبر عن تطور الروح وقد اكتملت على يديه هو؛ فـ "الفلسفة" هي فلسفة هيجل لا غير، وكل ما سبقها كانت لحظات منطقية فيها وقد شرح ذلك في تناوله لتاريخ الفلسفة.

- ورغم الصوفية ووحدة الوجود، واعتبار الله هو علة العالم بل هو العالم نفسه، ورغم موقفه من البروتستانتية؛ فهيجل ملحد بلا شك، فالله عنده ليس كائنًا متعاليًا صنع العالم ولديه ملائكة وجنة ونار..إلخ، بل هو عقل الوجود غير المدرك لذاته، ولا يصبح موجودًا لذاته إلا في الروح؛ أيْ في العالم البشري، ففي النهاية يكون الإنسان هو الله نفسه متحققًا كوجود لذاته. وإذا ترجمنا القصة بلغة مبسطة نقول إنَّ التاريخ البشري ما هو إلا تحقيق للعقل، بمعني قوانين الوجود التي يستلهمها الإنسان أو التي تشكل عقله، وهو في تشكيل وعيه لا يصنع المنطق بل يكتشفه في العالم المحيط ويكتشف الوحدة بين "عقله" الذاتي والعقل الموضوعي، متجاوزًا بذلك "الشيء في ذاته" الكانتي، شكليًّا فحسب كما سأشرح بعد.

- الهيجلية وقفت في النهاية عاجزة أمام العالم الموجود أمامنا، فالموجودات المادية ليست حقيقية، أيْ ليست معلولة، وبالتالي فهي ليست موضوعًا للفلسفة ولا تعتبر بذلك شيئًا قابلًا للفهم.. فالوجود المادي على هذا الأساس هو عبث في عبث، بلا أيِّ معني. فإذا اعترفنا أنَّ الفكر ليس إلا نتاجًا بشريًّا يكون الوجود كله عبث بلا أيِّ علة ولا غاية. وقد شعر هيجل نفسه بالورطة حين طالبه "كرودج" بأن يستنبط له قلمه، فعلق تعليقًا لا معنى له: "الفلسفة لديها ما يشغلها عن قلم كرودج". والرد غير المنطقي يتضمن اعترافًا بأنَّ الأشياء المادية هي "الشيء في ذاته" الكانتي الذي كرس هيجل جهدًا كبيرًا لتجاوزه، وبذلك وقع في شباك كانت! ولكنه لم يستسلم، بل اعتبر أنَّ تناول الموضوعات المادية هو موضوع العلم وليس الفلسفة. ولكن هذا "الحل" غير مقنع أيضًا، لأنَّ العلم لا يعلل الماديات عقليًّا بل يتبع المنهج التجريبي، وبذلك تظل مشكلة الشيء في ذاته.

- هيجل حكيم كبير؛ ففي سياق عرضه للفلسفة أطلق الكثير من الحكم التي لا يمكن اعتبارها حقائق مطلقة. من ذلك إبراز وحدة المتناقضات والطابع الديناميكي للموجودات وأثر التراكمات الكمية في التحولات الكيفية وعلاقة الشكل بالمضمون..إلخ. وهي حِكَم ترصد أغوار الواقع ولكن لا يمكن التدليل على ضرورتها العقلية وشمولها لكل شيء.

- هيجل كان رجعيًّا وثوريًّا في نفس الوقت: فرغم موقفه المؤيد للدولة البروسية القمعية وأفكاره التي تعتبر أنَّ التاريخ قد اكتمل، ظهرت له مواقف أخرى متعاطفة مع ثورة الفقراء باعتبارها حق، كما انتقد النظام الرأسمالي مبشرًا بالثورة البروليتارية.

- تتسق فلسفة هيجل مع الفكر الحديث عمومًا الذي وضع الإنسان في مركز العالم، فقد اعتبر هيجل أنَّ العقل البشري هو نفسه عقل العالم والروح هي نفسها عقل الوجود متحققًا، لذاته، فالإنسان هو الإله الحقيقي لهذا العالم وقد عرض هذه الفكرة عرضًا وافيًا طوال فلسفته.

- رغم أني لم أعد مقتنعًا لا بمنهج ولا بمذهب هيجل إلا أنه مازالت تشدني لهذا العملاق علاقة قوية وأعتبره أبي الروحي الذي استلهمت منه الكثير والكثير.

ما يشدني إلى هيجل أنه تصرف مع الوجود كأنه ملكه الخاص وراح يحلله كما لو كان إلهًا، فرسمه في لوحه من خيال شديد الخصوبة ويتضح من عرضه أنه يمتلك أفقًا واسعًا لأقصى حد، كما أنَّ لديه إصرارًا قويًّا على تنسيق العالم في مقولات، زعم أنها تستنبط من بعضها البعض في سلسلة تبدو منطقية وجميلة.

كما أن فكر قد اتسم بتبجيل العقل وبنزعة عقلية صارمة، كما بذل جهودًا جبارة للبرهنة على صحة ما قدمه من أفكار، وقدم محاولة مضنية لتبرير كل ما يقول تبريرًا عقليًّا. هذا بغض النظر على إذا ما كان قد نجح في تبرير ما يقول. كما أن منهجه كطريقة عرض أعتبره جيدًا جدًّا، ولكن ليس "صحيحًا" ولا مثاليًّا؛ فهو منهج ضمن مناهج أخرى ممكن استخدامها، ولكنها بالفعل طريقة تقدم الموضوعات بشكل يسهل استيعابه وتحليله، وتتلخص في الانتقال من الكلي إلى الجزئي إلى الفردي، من الموضوع ثم نقيضه ثم نفي النفي... وهو ما فعله ماركس في كتابه (رأس المال)، خصوصًا الفصل الأول منه. وقد أقر هيجل نفسه أن منهجه يمكن أنْ يسير بالعكس: من العيني إلى المجرد، ولكنه بذل جهدًا خارقًا في (علم المنطق) لتبرير البدء من مفهوم الوجود ولم يحاول قط أن يبدأ من "الفلسفة"؛ آخر مفهوم في مذهبه.



الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

جذور العنصرية العربية



عادل العمري
30 سبتمبر 2012

مقدمة:
هل توجد عنصرية عربية؟ توجد مشاعر عنصرية بين شعوب الأقطار العربية تجاه بعضهم البعض وهناك شعور متبادل بالتعالي والتفوق بين هذا الشعب وذاك بدرجات متفاوتة كما توجد مشاعر وسلوكيات عنصرية في الخليج بالذات تجاه الشعوب الفقيرة في آسيا وأفريقيا. ولكن الكلام هنا يتعلق بعنصرية عربية صرف تجاه غير العرب. ويوجد ما يدل على ذلك وخصوصًا بين عرب المشرق، حتى من المسيحيين أصحاب الثقافة الإسلامية، باعتبارهم جميعًا أصحاب الإسلام وحاملو الرسالة الأبدية وأصحاب اللغة التي نزل بها القرآن؛ المعجزة الأبدية التي لم يستطع أحد كما يقولون أنْ يتحداها عمليًّا. فالقرآن هو كتاب العرب المقدس، بل أقدس أقداسهم، وإعجازه الوحيد – حسب اعتقادهم - هو لغته البليغة والجميلة، التي يفاخرون بها الأمم. فالعرب – زعمًا – يملكون كنزًا إلهيًّا مقدسًا لا يستطيع غيرهم أنْ يفهمه، وهذا ما يعطيهم مبررًا لمطالبة الأخرين إما بالتعرب وإما باتباع فقهائهم دون جدال كثير؛ لأنهم الوحيدون الذين يستطيعون فهم كنوز القرآن اللغوية، خصوصًا أنَّ ما يسمى بالإعجاز العلمي هو محاولة حديثة للبرهنة على الأصل الإلهي للقرآن، وهو برهان ضعيف إلى حدٍ كبير، وهناك من المفكرين المسلمين من يرفضه وينكره.
الخلاصة أنَّ العرب يرون أنفسهم أهل القرآن ذي المعجزة اللغوية، وبالتالي يفضلون أنفسهم على "العجم"؛ لامتلاكهم هذه المعجزة الأبدية. ولا يجد العرب المسلمون من شيء يفخرون به على سائر الشعوب سوى حملهم للغة القرآن، وبالتالي دورهم القيادي في نشر الإسلام وتفسيره، ويمدون هذا الكلام على استقامته، فيقدمون لغتهم على أنها أفصح اللغات وأغناها، وأن شعرهم شديد التفوق على غيره، وأنهم أهل البلاغة.. إلخ؛ وإلا فلماذا اختار الله اللغة العربية لينزل بها القرآن؟ ويحمل هذا الشعور بالتفوق حتى مسيحيو الشام؛ المسلمون ثقافيًّا. وإذا أعادوا مد هذا على استقامته زعموا أنهم أمراء الكلام، وأهل الكرم، والمروءة، والسخاء، وأشجع الناس، وأكثرهم حكمة.. إلخ"[1]).
 وسوف أحاول هنا تحليل جذور هذه العنصرية لدى العرب؛ كيف نظر العرب إلى أنفسهم وإلى الآخر غير العربي قبل الإسلام وبعده وأثر الأخير في هذه النظرة ومدى تغيرها وفي أيِّ اتجاه، ولماذا توجد هذه العنصرية. وسيكون المقصود بالإسلام في هذا المقال الفهم السائد للمسلمين له، كما أتصوره وليس معناه "الحقيقي" الذي لا أزعم أنني أعرفه دون غيري وليس حتى معناه الحقيقي من وجهة نظري.
      
**********************
1- العرب:
أقرب أصل للعرب نعرفه بالفعل هو سكان الجزيرة العربية، دون أيِّ إمكانية للزعم بوحدة عرقهم، فلم يفلح أحد في البرهنة على نقاء أيِّ شعب بعينه أبدًا([2]). أما أصل عرب الجزيرة، فاختلفت فيه النظريات، وكثرت الآراء وتشعبت، وليست هناك معلومات قاطعة في هذا الصدد. وقد صارت هناك شعوب عربية منتشرة على نطاق أوسع بعد ظهور وانتشار الإسلام، الذي كان له الدور الأكبر في تعريب كثير من شعوب أخرى تعيش فيما يُسمى بالعالم العربي الآن. وبذلك يكون أمامنا عربان: العرب قبل الفتوحات الإسلامية؛ سكان الجزيرة أساسًا، والعرب بعد إعادة تكوينهم بعد الإسلام.
ولا يوجد اتفاق بين الباحثين حول أصل كلمة عرب ومعناها قبل الإسلام. ولكن الغالب أنَّ غير العرب قصدوا بها الشعوب البدوية التي عاشت شمال الجزيرة العربية، أو من أسماهم العروبيون بالعرب المستعربة. وبعد الإسلام وحتى الآن تطلق على من يتكلم من حيث الأصل اللغة العربية، حتى أنَّ بلادًا مثل الصومال، وإريتريا، يصفها العرب بأنها بلاد عربية؛ لأن أغلب أهلها يتكلمون العربية، رغم الأصول الإثنية والعرقية المختلفة لهم – في الغالب - عن أصول عرب الجزيرة. والقصد من هذا هو - كما أعتقد - هو توسيع قاعدة العروبية في مواجهة أعدائها.
وحين تكلم كتاب العرب القدامى، وكثير أيضًا من المحدثين من علماء اللغة، بل وحتى مؤرخون محدثون في الغرب والشرق من كل صنف عن تعريف العرب وتقسيمهم وتحديد أصولهم، اختلطت الأساطير بأخبار النسابين بالقصص الخيالية والمنحولة، والغيبيات والروايات الدينية من التوراة وغيرها، بحيث لا يستطيع المرء أنْ يعتمد استنتاجاتهم([3]). لذلك سنتعامل مع هذه المسألة بكثير من التحفظ، مكتفين بتناول الأمر بشكل أكثر عملية. فالموضوع شديد التعقيد، وفهم العلاقة بين أصل العرب ولغتهم يحتاج معرفة كبيرة بعلم اللغة وعلم الأجناس والأنثروبولوجيا، وكل هذا لا أزعم أنَّ ليَ فيه باع يذكر، علاوة على أنَّ هذا يحتاج لجهود مئات الباحثين.
والغالب أنَّ عرب الشمال الموصوفين بالمستعربة هم الذين سادوا في الجزيرة قبل الإسلام مباشرة وبعده، خاصة أنَّ منهم قريش، التي حكمت الشرق الأوسط لمدة قرون.
أما عن أحوال العرب قبل الإسلام، فتواجهنا مشكلة كبرى؛ هي النقص الشديد في المعلومات الموثقة في هذا المجال، والغالبية العظمى من المعلومات المتاحة عنها ذكرت بعد الإسلام، وفي سياق صراعات اجتماعية عديدة، لعبت دورًا هاما في انتحال الوقائع والنصوص، بما فيها حتى ما يعرف بالشعر الجاهلي، المشكوك كثيرًا في انتساب معظمه لعرب ما قبل الإسلام، حيث لا توجد وثائق مكتوبة يعتمد عليها. وقد ذكر لويس عوض أنَّ أقدم نص عربي معروف ينتمي إلى عام 328 ميلادية([4])، مع أنه ليس نصًّا عربيًّا خالصًا، بل آراميًّا-عربيًّا([5]). وحتى التاريخ الإسلامي يستحق الشك والتشكيك الشديد؛ لأنه أيضًا لم يعتمد على وثائق (كانت قرارات الدولة شفوية معظم الوقت)، وما توفر من آثار وعملات لم يكن كافيًا لرصد وقائع هذا التاريخ بدرجة معقولة من الدقة، وبل اعتمد إلى حد كبير- على النقل الشفهي النقل الشفهى من الإخباريين، كما تختلط فيه الوقائع بالأساطير والخرافات وقصص الوحي، وتخضع الروايات للمصالح وتنازع الفرق الإسلامية. لذلك تتباين من كاتب لآخر، بل يذكر الكاتب الواحد أحيانا عدة روايات مختلفة لشرح واقعة معينة (الطبري، وهو من أهم المؤرخين العرب، مثل بارز جدًّا)، وتكفي الإشارة إلى أنَّ السيرة النبوية قد بُدء في كتابتها بعد وفاة النبي بقرن ونصف على الأقل، وكُتبت بناء على النقل الشفهي، وهي مكتظة بالخرافات التي لا يستسيغها حتى عقل طفل صغير. وقد دفع هذا المنهج في كتابة التاريخ العروبيين إلى زعم تبريري، يدعي القوة الخارقة لذاكرة العرب، واعتبار ذلك ضمن مزاياهم، التي يتفوقون بها على غيرهم، وهو بالطبع زعم لا يقبله أيُّ عاقل. لذلك سنتعامل بكل تحفظ مع الوقائع. أما الشعر "الجاهلي" فلا يمكن الركون إليه كمصدر لحياة العرب، وقد قدم كل من مرجليوث([6]) وطه حسين([7]) ما يكفي للتشكيك فيه على الأقل، وإذا عرفنا أنَّ شعراء ما قبل الإسلام اعتمدوا أساسًا على الإلقاء الشفهي، وأن جمع الشعر "الجاهلي" قد بدأ في العصر الأموي، لأدركنا بالتأكيد أنَّ معظمه منحول، وأن غير المنحول منه إما نادر، أو لم يصل إلينا. ولا يقف تبرير ابراهيم أنيس([8]) لاختلاف لغة الشعراء عن لهجات القبائل التي انتموا إليها على أرض صلبة؛ فقد برر ذلك بأنَّ لغة النخبة في بلاد العرب "الجاهليين" كانت واحدة ورفيعة، ولم تتخذ لهجات القبائل منهجا. فهل من المعقول أنَّ كافة شعراء العرب قد اتخذوا لغة تشبه لغة القرآن؛ أيْ لغة قريش كلغة لأشعارهم؟ فكيف يمكن أنْ يتم هذا الاتفاق ولماذا اختاروا لغة قريش بالذات؟ الأكثر اتساقًا مع المنطق أنَّ ما وصلنا من هذا الشعر كما ذهب كل من مرجليوث وطه حسين قد كتب بعد سيادة لغة القرآن بين العرب، وبالتالي فإن معظمه منحول. ولا يمكن الاعتماد حتى على الشعر المكتوب في عصر النبي أو بعده بقليل، مثل شعر حسان بن ثابت، وعمر بن أبي ربيعة، وعبد الله بن الزبعري السهمي، فرغم حداثته ومعاصرته للدعوة الإسلامية عمل فيه النحال الكثير([9]). أما الأحاديث المنسوبة للنبي فلا يمكن اعتبارها صحيحة، من حيث نسبها له، لأسباب عدة، منها أنها كتبت بعد وفاته بقرن ونصف على الأقل، ولم توثق في حياته قط، كما أنَّ بها الكثير من المتناقضات والخلاف ومخالفة القرآن، وكل فرقة إسلامية اعتمدت لنفسها أحاديث خاصة، ولكلٍ أسانيده وقرائنه([10]).  
ويعد القرآن حتى الآن أهم وثيقة كتبت باللغة العربية، رغم ما شاب جمعه من صعوبات ومشاكل لا حصر لها، ورغم اختلاف المؤرخين المسلمين حول تاريخ وطريقة جمعه، وحول أول وآخر آياته، والأحرف والقراءات السبع أو العشر التي لم يتم الاتفاق، لا على عددها ولا على معناها، والتي أثارت مشاكل لا حل لها([11])، ومبدأ النسخ وتحديد الآيات المنسوخة والناسخة، بخلاف الآيات المفقودة والمضافة في زعم البعض، وأخطاء الجمع المحتملة، كما كانت الكتابة العربية في البداية غير منقوطة ولا مشكّلة، وتمت إضافة النقط والتشكيل على مراحل، وتمت كل إعدادات المصحف في عهد الأمويين، بإشراف الحجاج بن يوسف الثقفي([12]).
ومن المنطقي أنَّ القرآن قد ُكتب بلغة يستطيع أنْ يفهمها عرب الجزيرة؛ فقد كان مادة للنقاش طوال 23 سنة، وبالتالي فلغة هذا النص هي نفسها لغة عرب ما قبل الإسلام، رغم أنه بالتأكيد كُتب بلهجة قريش حيث نشأ النبي محمد. ولذلك فهو كمصدرلاستنباط أحوال العرب قبل الإسلام يُعد موثوقًا أكثر بما لا يقاس مما يُسمى بالأدب الجاهلي. ورغم ذلك يمكن الزعم أنَّ فهم لغة القرآن قد تغير منذ صياغة اللغة العربية ووضع قواعدها، عن فهمها في عصر ماقبل الإسلام. فالقرآن نفسه لم يكن المرجع الوحيد بل أعيد فهمه لغويًّا وإخضاعه لقواعد لغوية تم وضعها لاحقًا استنادًا للغة القبائل البدوية التي اعتبرها النحويون العربية النقية.
وكلمة عرب هي صفة أطلقها سكان وادي الرافدين على بدو جزيرة العرب، ومرتبطة بالأعراب. أما العروبيون فقد اعتبر بعضهم أنَّ لفظ العرب مستوحى من اللغة العربية نفسها([13]). وقد ذهب جواد علي إلى استنتاج أنَّ ذلك استنبط من القرآن واللغة([14])، فكلمة إعراب تحمل معنى تفسيري وتوضيحي، وكلمتا أعرب ويعرب معناها الإفصاح، فالعربية مرتبطة بالفصاحة. وذهب بعض اللغويين إلى أنَّ اللفظ مشتق من يعرب بن قحطان([15])، وهناك تفسيرات أخرى أقل شهرة.
أقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري شلمانصر الثالث  852، ق. م.
وقد ظهر لفظ العرب سنة 530 ق. م. في النصوص الفارسية، ثم ظهر لدى اليونان آواخر القرن الخامس قبل الميلاد، ثم ورد في النقوش السبئية في القرن الأول قبل الميلاد. وكان اللفظ يدل على سكان البوادي بالجزيرة العربية.
وكان القرأن أول وثيقة عربية معروفة تستخدم لفظة عرب للإشارة إلى سكان الجزيرة العربية ككل، سواء من البدو أو الحضر. وقبل القرآن كان اللفظ يشير إلى بدو العرب فحسب([16]).
وقد لجأ العروبيون إلى تقسيم العرب. والتقسيم الأكثر شيوعًا هو 3 طبقات، وهو: العرب البائدة (القبائل التي اختفت)، والعرب العاربة، الذين تكلموا العربية منذ بداية نشوئهم، والعرب المستعربة، الذين من أصل غير عربي واكتسبوا اللغة العربية، وهم وفقًا لهذا التقسيم أبناء إسماعيل([17])، وهم الذين انحدرت منهم قريش ونبيُّ الإسلام. ووفقًا لجواد علي أنَّ كل ما روي من هذا التقسيم لم يرد إلينا من النصوص "الجاهلية"، وإنما من الكتب المدونة في الإسلام، لذلك لا نستطيع أنْ نعزي هذا التقسيم لعرب قبل الإسلام. وهناك تقسيم آخر أقل شهرة: العرب البائدة أو العاربة، والعرب الباقية التي تنقسم إلى المستعربة والتابعة للعرب([18])، وهذا التقسيم وذاك لا ذكر لهما لا في الموارد اليهودية اليونانية أو اللاتينية، أو السريانية ويظهر أنه تقسيم عربي خالص.
ظهر هذا التقسيم في العصر الأموي، وفي الغالب لجأ إليه العرب من أصول جنوبية لاستعادة اعتبارهم من عرب الشمال الذين انحدر منهم نبي الإسلام، وتسلطوا في عهد الخلفاء "الراشدين"، ثم بني أمية. ولا يوجد من تاريخ "الجاهليين" ما يشير إلى هذا التقسيم أصلًا، ولم يشر القرآن، وهو أكثر الوثائق العربية موضعًا للثقة، إلى وجود طبقات من العرب، بل خاطبهم ككل واحد. ولكن من المتوقع أنَّ هناك من تعربوا بالفعل من قبائل وأفراد وجماعات مجاورة للعرب، أو هاجرت إلى أرضهم واختلطت بهم، مثلما حدث لكل الشعوب. أما التقسيم المذكور ففي الغالب هو محض خرافة، والأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير، وهو يعتمد على أساطير تتعلق بأبناء نوح، خصوصًا سام (أصل القحطانيين)، وفي هجرة إسماعيل بن ابراهيم إلى مكة (أصل العدنانيين)([19]). وقد اختلف العروبيون بشكل كبير في شرح تفاصيل هذا التقسيم، ورسم شجرة الأنساب العربية للطبقات الثلاث([20]).
والتمييز هنا لغوي بشكل أساسي، وبدون أفضلية لعربيٍّ على آخر، بل إنَّ الرسول وفقًا لهذه النظرية منحدر من أصل مستعرب.

***************************

2-        لغة العرب والزعم بتفوقها
تميز اللغة العربية بين العرب وبقية الشعوب، التي تسمى بـ "العجم". وكما ذهب نصر أبو زيد “هو من قبيل التصنيف القيمي الذي يعطي العرب مكانة التفوق، كما يعطي للغتهم مكانة ((اللغة)) بألف ولام العهد، كأنَّ ما سواها من اللغات ليس كذلك، وكأنَّ من يتحدثون بلغة غيرها هم بمثابة العجماوات التي لا تبين ولا تنطق”([21]).
ولفظ العجم يعني: الإبهام، عدم التفصيل، عدم الفصاحة([22]). وكأنَّ اللغات غير العربية غامضة وغير فصحى بطبيعتها وليست كذلك فقط بالنسبة للعرب. واستخدام لفظي عرب وعجم، أو فصيح وأعجم يتضمن اعتزازًا خاصًّا بلغتهم وكأنَّها ((اللغة))؛ فالنسبي، أيْ الفصاحة في هذا المقام، يُعامل كما لو كان مطلق رغم إدراك نسبيته. ويسمي العرب القاموس بالمعجم وهو يشرح معاني الألفاظ الغامضة، مما يتضمن أنَّ العجم يساوي الغموض.
وصفة العجم، وإن كانت كلمة عامة، قصد بها كل من هو ليس بعربي، لكنها أطلقت في الغالب على الفرس واليونان، بينما قد نظر العرب قبل الإسلام على الأقل للأفارقة على أنهم درجة دنيا من العجم؛ بسبب غرابة لغتهم عن العربية، وعدم قدرتهم على التمكن من النطق بها، فيسمون بالطمطمانية. وقد لاحظ جواد علي([23]) ما ورد في معلقة عنترة: تأوي له قلص النعام كما أوت حزق يمانية لأعجم طمطـم([24])، وهو ما يعني وصف للذي لا يفصح من العجم كان أو من العرب فأعجم([25]).
وقد مال من وضعوا النحو وجمعوا الكلمات العربية في العصر الأموي إلى تدوين لغة عربية "نقية"؛ فاعتبر العروبون أنَّ لغة البدو هي الأصل، بدليل أنهم حين بدأوا يضعون قواعد النحو راحوا يبحثون عن البدو في كل مكان لمعرفة العربية "الأصيلة" منهم، ووضع القواعد النحوية "السليمة". وتفادوا عمدًا الاعتماد على سكان المدن، أو أطراف الصحراء المجاورين لشعوب أخرى غير العرب، بل واعتمدوا على قبائل بعينها اعتبرت لغتها أكثر نقاء([26]).
 إذن اعتبر العرب أنفسهم متميزين على غيرهم، باعتبارهم الأكثر فصاحة، فاللغة العربية في عرفهم هي لغة الفصاحة، ويعتبرونها أفصح وأغنى اللغات. وهذا الاعتقاد مازال سائدًا للغاية بين العرب عمومًا، بل صارت اللغة العربية تتمتع بالقدسية، وتعد فخرًا لأصحابها، ليس لأنهم يعتبرونها لغة عظيمة فحسب، بل أيضًا لأنها – في عرفهم- أغنى وأجمل اللغات؛ فلسان العرب في عرف أهله “أتُم الألسنة بيانا، وتمييزًا للمعانى جمعًا وفرقًا بجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل، إذا شاء المتكلم الجمع. ويميز بين كل لفظين مشتبهين بلفظ آخر مختصر، إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي”([27]). وصفها إخوان الصفا بأنها "اللغة التامة لغة العرب، والكلام الفصيح كلام العرب، وما سوى ذلك ناقص. فاللغة العربية في اللغات مثل صورة الإنسان في الحيوان. ولما كان خروج صورة الإنسان آخر صور الحيوانية، كذلك كانت اللغة العربية تمام اللغة الإنسانية وختام صناعة الكتابة. لم يحدث بعدها شيء ينسخها ولا يغيرها ولا يزيد عليها ولا ينقصها"([28]). ورغم أنَّ الجاحظ قد فهم كلمتي عرب وعجم بمعنى نسبي إلا أنه اعتبر أنَّ اللغة العربية هي الأكثر فصاحة، فقال “الفصيح هو الإنسان، والأعجم كل ذي صوت لا يفهم إرادته إلا ما كان من جنسه.. والإنسان فصيح، وإن عبر عن نفسه بالفارسية أو بالهندية أو بالرومية، وليس العربي أسوأ فهما لطمطمة الرومي من الرومي لبيان لسان العربي، فكل إنسان من هذا الوجه يقال له فصيح، فإذا قالوا: فصيح وأعجم، فهذا هو التأويل في قولهم أعجم، وإذا قالوا العرب والعجم ولم يلفظوا بفصيح وأعجم، فليس هذا المعنى يريدون، إنّما يعنُون أنه لا يتكلم بالعربية، وأن العرب لا تفهم عنه”([29])‘ ثم عاد يقول: وفضيلة الشعر مقصورة على العرب، وعلى من تكلم بلسان العرب([30])، بل راح يصف الوزن العربي بالمعجز: "ولو حولت (يقصد ترجمت) حكمة العرب، لبطل ذلك المعجز الذي هو الوزن، مع أنهم لو حولوها لم يجدوا في معانيها شيئًا لم تذكره العجم في كتبهم"([31]).
ويبدو أنَّ العرب قبل الإسلام قد تمكنوا من إنتاج شعر جيد، بدليل أنَّ القرآن قد كتب بلغة بليغة ومتماسكة، ولها نظم خاص وتتميز بالجمال، وهذا لم يكن ممكنا دون أنْ تكون لغة عرب ما قبل الإسلام على مستوى من التطور والرقي، فليس من المتصور أنَّ القرآن قد جاء من فراغ، ورغم التشكك في الأشعار المنسوبة لعرب "الجاهلية"، يمكن تصور أنَّ الشعر "الجاهلي" الحقيقي لم يصل إلينا الكثير منه، ولكن لا يمكن إنكار وجوده. وهناك إجماع واسع على وجود شعراء فطاحل وخطباء وحكماء كثيرين قبل الإسلام، رغم الاختلاف حول محتوى إنتاجهم الحقيقي والمنحول منه. وقد أشار القرآن لوجود الشعر لدى العرب، بل هناك سورة تسمى سورة الشعراء. وإن المبالغة في التشكيك في مجمل الشعر "الجاهلي" بحجج منها أنَّ بعضه يحتوي على ألفاظ ومفاهيم قرآنية يفوته أنه كانت قبل الإسلام توجد جماعات من الأحناف، أشار لهم القرآن؛ مسلمون قبل محمد. ومن الوارد تمامًا أنَّ أنبياء كثيرين ظهروا قبل محمد ولم ينجحوا، بل توجد نصوص فرعونية موثقة تشبه عبارات ومفاهيم قرآنية صريحة([32]). وفي الواقع – وحسب ما ذكرته كتب التاريخ - لم يجد عرب ما قبل الإسلام شيئًا يفتخرون به على غيرهم سوى فصاحتهم المتمثلة في الشعر أساسًا، الذي لا يوجد ما يدل على تفوقه على أشعار الشعوب الأخرى. أما لماذا كانت اللغة العربية بهذا القدر من التطور، فهذا ما لا أزعم القدرة على تفسيره بوضوح، ولا أجد تفسيرًا سوى أنها كانت نتاجا لحضارات عربية بادت، مثل حضارة اليمن، وشمال الجزيرة، والبحرين، وغيرها.
لا يوجد أيُّ دليل على تفوق عرب ما قبل الإسلام على الشعوب المجاورة، لهم لا في تطور اللغة ولا في إنتاج الشعر والأدب، ولا حتى على اعتقادهم بذلك؛ خاصة أنَّ معظم ما وصلنا من أشعارهم منحول، ولم يشر القرآن إلى عنصرية العرب تجاه غيرهم. وكل ما هنالك أنهم اعتبروا "العجم" عجما لأن لغتهم غير مفهومة لهم، وهو موقف ينم عن ضيق الأفق والتعصب، وربما ينم عن الشعور بالنقص تجاه الحضارات المحيطة بهم، بعد أنْ تدهورت حضاراتهم القديمة، وربما كانوا بالفعل يظنون أنهم متفوقون في لغة الشعر على غيرهم([33]). ويبدو أنَّ كل ما تبقى لهم من حضاراتهم البائدة هو اللغة المتطورة بالنسبة لعصرها.
في الواقع لا نستطيع الكلام عن عنصرية عربية بمعنى الكلمة وبشكل مؤكد قبل الإسلام.

**************************
3-        أثر الإسلام:

 القرآن لم ينحاز للعرب بشكل صريح، إلا أنه أكد على تفوق لغته العربية، واصفًا غيرها بالأعجمية، فأقر نفس التمييز اللغوي بين العرب وغير العرب، فاللغات غير العربية تسمى أعجمية: ولو جعلناه قرآنا أعجميًّا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي.. (فصلت: 44) وأهم ما يعد إعجازًا للقرآن هو لغته العربية البليغة([34]). وتضاف معجزات أخرى أقل أهمية وغير جادة عمومًا([35]).
وقد فهم الناس من الآيات أنَّ المقصود بعربية القرآن ليس فقط جعل فهمه ممكنا من جانب العرب: وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيًّا (الشورى: 7)، بل يقصد كذلك أنَّ عربيته بليغة تتحدى العرب أنْ يقلدوه([36]): وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتُوا بسورة من مثله (البقرة: 23).
والإسلام كما قدمه القرآن هو دعوة عالمية وليس موجها للعرب فقط: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سبأ: 28).
 النتيجة المنطقية أنَّ غير العرب أو "العجم" لن يتبينوا إعجازه اللغوي، ولن يمثل تحديًا لهم. وإذا كانت الرسالة موجهة للعالمين فكيف يمكن إقناعهم بها؟ الأمر المنطقي تمامًا أنَّ توصيل الرسالة لـ "العجم" لابد أنْ يقوم به العرب؛ لأن القرآن جاء بلغتهم. هكذا منح الإسلام للعرب ميزة كبيرة، فهم حملة الرسالة الإلهية التي نزلت بلغتهم. وقد كُلف العرب بمهمة حمل الرسالة للعالم، وفقًا للتراث الإسلامي، لأنهم قد امتازوا – زعما - من بين سائر الأمم بصفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم، كما أنهم أطوع للخير، وأقرب للسخاء، والحلم، والشجاعة، والوفاء؛ أصحاب إباء لا يعرفون التزلف والنفاق وتحمل الاستبداد. ومما تميز به العرب الصدق، حتى الذين كانوا يحاربون الإسلام ظهر صدقهم في أمور([37]).
وقد أقر القرآن بتميز الناس إلى عرب و"عجم" دون أنْ يغير من معنى كلمة عجم، وهو في الواقع لم يفضل اللغة العربية على غيرها بشكل صريح، واكتفى بتقسيم العرب والعجم كما اعتاد العرب، وكل ما ذكره حول لغته أنها بليغة تتحدى العرب أنْ ينتجوا مثلها. وفقط لأنه جاء باللغة العربية للعالم كله فقد منح العرب شرف حمل وتوصيل الرسالة للأخرىن. مع ذلك يمكن التأكيد أنَّ النص القرآني لم يتضمن نزعة عنصرية عربية، بل يميل إلى المساواة بين الناس ويفاضل بينهم على أساس التقوى، وقد رفع الانتماء العقيدي فوق الانتماء القبلي والشعوبي، ودعا لسيطرة المسلمين وليس العرب.
كما دفع انتصار الإسلام العرب إلى الاعتزاز بلغتهم دفعة كبرى؛ فمع انتشار القرآن المكتوب كله تقريبًا بلهجة قريش([38])، بدأ اعتبار لهجة قريش هي أفضل لهجات العرب، علاوة بالطبع على اعتبار العربية أفضل لغات العالم، خصوصًا أنَّ الإسلام قد سارعلى نفس درب "الجاهليين" معتبرًا اللغة العربية هي (اللغة) بألف لام التعريف. وأدى انتصاره إلى جعل الاعتزاز اللغوي مزدوجًا؛ بلاغيًّا، وهو السابق على الإسلام، ودينيًّا باعتبارها لغة مقدسة، اعتبر الثعالبي – كمثال – أنَّ "الإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين وسبب إصلاح المعاش والمعاد"([39]). وهي لغة أهل الجنة حسب الحديث: عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللـه أنا عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي ([40]). وقد ُنسب لعمر بن الخطاب القول: تعلموا العربية فإنها من دينكم([41])، « لا تعلموا رطانة الأعاجم»([42]). وقد بالغ بعض علماء اللغة وتطرف في تصور قدسية اللغة العربية فذكر أنها لغة آدم في الجنة ولغة القرآن في اللوح المحفوظ منذ الأزل (التصور الذي خرج عليه المعتزلة باعتبارهم أنَّ القرآن - وبالتالي لغته- مخلوق) وأنها لغة الناجين من الطوفان ثم تفرعت منها اللغات الأخرى. وقد بلغ الأمر ببعض العروبيين أنْ حاولوا منح الشرف للعرب المستعربة لأن منهم الرسول فزعموا بأن آدم هو أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والكُتُب كلها قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها فِي طين وطبخه. فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتابًا فكتبوه، فكان من نصيب إسماعيل الكتاب العربي وعُززت هذه الأسطورة بقول منسوب لابن عباس أنَّ إسماعيل هو الذي أول من وضع الكتاب العربي([43])، وهو كلام يتناقض مع الزعم بوجود العرب البائدة والمستعربة، بل يكون إسماعيل هو أبو العرب العاربة وليس عدنان.
ولا يمكن إنكار أنَّ الإسلام قد حفَّز تطور اللغة العربية؛ فوُضعت لها القواعد، وتم ابتكار التنقيط والتشكيل بغرض المحافظة على معاني القرآن من الضياع وضبط قراءته. كما تطور الإعراب لغرض ديني أساسًا. ولا شك أنَّ القرآن نفسه كنص قد فاق ما قبله من نصوص عربية، بدليل أنه تحدى العرب أنْ يكتبوا سورة منه، ولم يقبل أحد هذا التحدي بجدية، بل لم يقدم محمد دليلًا على نبوته أهم من القرآن، متحديًا العرب به. وقد أدى هذا إلى المزيد من الاعتزاز العربي باللغة، التي صارت أكثر تطورًا وانضباطا بفضل الإسلام.
والعرب بوجه عام يعتزون بالبلاغة([44]) اعتزازًا شديدًا، وتعطيهم لغتهم إمكانيات كبيرة في هذا المجال. ولذلك كان للشعراء أهمية كبيرة في المجتمع العربي قبل الإسلام، لما للشعر من تأثير كان يُقارن بتأثير السيف، وقد اهتم العرب بشعرائهم باعتبارهم من حماة القبيلة بلسانهم، لما كان من تأثير كبير للأشعار، سواء في السلم أو الحرب. ومن هنا اعتبروا إعجاز القرآن لغويًّا. فرغم أنَّ اللغة من إنتاج البشر، إلا أنَّ أصحاب اللغة أعلنوا عجزهم عن أنْ ينتجوا بها نصًّا كالقرآن، من حيث البلاغة، وهذا هو أهم دليل قدمه القرآن نفسه على مصدره الإلهي. وكان يكفي لكثير من العرب أنْ يستمع إلى عدد من آيات القرآن ليعلن إيمانه بالإسلام كله، اعتمادًا على بلاغة لغة القرآن وموسيقاه التي فاقت ما كان يسمعه من الشعر. فقد كانت مجرد تلاوة القرآن وحدها كافية لتحويل بعض العرب إلى مسلمين([45])، ونشير كمثال إلى ما ُذكر في التراث من تأثر أحد شيوخ وفصحاء قريش، وهو الوليد بن المغيرة بالقرآن؛ فوصفه قائلًا: والله إنَّ له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما يقول هذا بشر وإنه ليعلو ولا يعلى([46]).
وأما الرافضون للإسلام فرأوا فيه سحرًا، لما فيه من بلاغة تتحداهم، وقليلون من ادعى أنه يستطيع أنْ يتحدث أفضل من محمد دون أنْ يحقق ذرة من نجاحه، فقد انتصر محمد انتصارًا ساحقًا. وما زالت البلاغة تحدث تأثيرًا هامًّا للمستمعين العرب، بحيث قد تصرفهم عن مضمون الحديث نفسه.
وبذا قام الإسلام بتجاوز التقسيم إلى عرب و"عجم" دون أنْ ينفيه نفيًا مطلقًا؛ أيْ نفاه واحتفظ به في نفس الوقت؛ هضمه وتجاوزه. ومنذ الآن تصبح العروبة مختلطة تمامًا بالإسلام، ويصبح أساسها ثقافيًّا يتضمن اللغة العربية، وليس لغويًّا محضًا كما كان، وأصبحت العروبة هي جسد الإسلام. ولأن اللغة العربية أصبحت لغة النص المقدس ولغة أهل الجنة، فقد صارت لغة مقدسة.
وأؤكد هنا أنه بالرغم من أنَّ القرآن لم يميز العرب على غيرهم بالنص فقد استغل العرب هذا النص المقدس في تقديس لغتهم وبالتالي منح أنفسهم واجب غزو العالم والسيطرة عليه مستغلين أيضًا دعوة القرآن للمسلمين لفرض شريعته على العالم وابتكروا الأحاديث النبوية كل حسب مصلحته ورؤيته والتى يتضمن كثير منها عنصرية عربية صريحة. فقد كان للإسلام الدور الأكبر في دفع العرب إلى غزو الشعوب الأخرى، فبالإضافة إلى توحيد العرب حول حكومة واحدة قادرة على توجيه القبائل المتناحرة إلى الاتحاد ضد الشعوب الأخرى، قدم الإسلام مبررات أيديولوجية لفكرة الغزو، الذي اعتبره مهمة مقدسة لنشر الإسلام وتحقيق السيادة لدين الله. هكذا أضفى على الغزو طابعًا مقدسًا، وجعل منه واجبًا وليس حقًّا للعرب المسلمين، بل صار الفقه الإسلامي يعتبر الغزو أشرف الأعمال([47]). وبدعوته للغزو ونشر الإسلام في العالم مهد الطريق لظهور حكم الغزاة أنفسهم، ووضع في يد العرب – عمليًّا - أيديولوجيا تبرر الاستيلاء على الأراضي والسيطرة على أصحابها.
 وقد أدى ظهور وانتصار الإسلام إلى تغيرات اجتماعية وسياسية عميقة في الجزيرة العربية والشرق الأوسط كله:
1- تشكلت حكومة عربية-إسلامية مركزية في جزيرة العرب كلها، ثم أخذت تضم المزيد من الأراضي والسكان.
2- تكونت أرستقراطية دينية تمثلت في الصحابة كان لها نفوذ معنوي ضخم.
3- مع غزو البلدان المجاورة تدفقت الثروات على العرب فاغتنى الكثيرون.
4- تدريجيًّا سيطر الأمويون على السلطة السياسية، ابتداء من عصر عمر بن الخطاب، حين سيطروا على الشام، ثم اتسع نفوذهم بشدة في عهد عثمان بن عفان وعلي، حتى استولوا على الدولة كلها، وحرموا بقية البطون العربية من مكاسب الفتوحات.
5- ظهرت فئة ضخمة من المسلمين هم "الموالي"؛ أبناء البلاد المفتوحة، وبالتالي صار هناك مسلمون عرب ومسلمون موالٍ.
6- ضمت الدولة الجديدة مسلمين وغير مسلمين.
كل هذه التغيرات خلقت مصالح متباينة وصراعات اجتماعية عديدة، وبالتالي أفكارًا وأيديولوجيات متناقضة. ولأن العرب قد سيطروا على السلطة والثروة بدون شرعية راحوا يبتكرون شرعية مصطنعة، أهمها الأحاديث التي تبرر سيطرة العرب وسيادتهم، بل وقدسيتهم، بالإضافة لكتابة السيرة النبوية وتاريخ الإسلام، بحيث يخدم هذه الشرعية. ولا يمكن إنكار أنَّ القرآن نفسه كنص قد شجع غزو الشعوب الأخرى، وفرض تعاليمه بالقوة المسلحة، وهذا تمشى مع نزوع قبائل العرب قبل الإسلام نحو الغزو وممارسة النهب والسلب، ومع الجوع وحسد الشعوب المجاورة على ثرواتها تم إنتاج هذه الأفكار، التي منحت تلك القبائل شرعية الغزو والتسلط وجعلت نهبهم للشعوب الأخرى واجبًا مقدسًا، بدلًا من نهب بعضهم البعض وهم فقراء في مجموعهم. ولذا بالذات كان الإسلام دعوة للعالمين وليس للعرب فقط، لتسويغ الغزو والسيطرة العربية، ولأنه دعوة عالمية، لم يتبق للعرب شيئًا يسوغون به مشروعية قدسيتهم سوى لغة النص المقدس، التي اعتبروها مقدسة.
بهذا المعني كان الإسلام – موضوعيًّا - هو المحفز الأول لظهور العنصرية العربية، التي تحججت باللغة المقدسة. وأنا لا أقصد وجود أيِّ خطة محمدية محددة لإنتاج أيديولوجيا شاملة، بل تم إنتاجها بالتفاعل بين القائد والجمهور، فجاء الإسلام - حسب تفسير العروبيين - مناسبًا لطموحاتهم وإمكانياتهم.

****************************
 4- عروبيون وإسلاميون:
 يمكن أنْ نقول إنه بعد انتصار الإسلام برزت ثلاثة اتجاهات أيديولوجية عامة لدى العرب([48])، راح كل منها يبرر موقفه بابتكار الأحاديث والتفاسير والأحداث التاريخية التي تناسبه.
الأول: اتجاه عروبي- إسلامي: جعل من العروبة الأصل الذي جعل الله يحدد أين ولمن يبعث بالرسالة الإسلامية. وهذا الاتجاه قد برز وسيطر مع نمو نفوذ ثم سيطرة الأمويين، واستمر سائدًا بعد ذلك معظم الوقت. وهذا هو الاتجاه الأكثر صراحة في تعبيره عن العنصرية العربية التي نحن بصددها.
ولدى هذا الاتجاه لم يُعتبر اختيار اللـه أنْ تكون رسالته الأخيرة للبشر باللغة العربية وأن يكون النبي عربيًّا أمرًا اعتباطيًّا. وقد فسر ذلك بطريقتين: الأولي أنَّ الرسالة أنزلت باللغة العربية لفضلها على سائر اللغات، بل ذكر البعض أنَّ كل الكتب السماوية قد أنزلت باللغة العربية، وكان جبريل يترجم لكل نبي بلسان قومه([49]). والثانية أنَّ الرسالة أبلغت للعرب وبالتالي كان لابد أنْ تأتي بلغتهم، واتساقًا مع التفسير الثاني ذهب كثير من الفقهاء والمثقفين العرب مذهبًا ذو نزعة عنصرية عربية فجة، ولنقرأ معًا هذا النص القاطع لواحد من أكبر "علماء" الإسلام؛ ابن تيمية:
“جنس العرب أفضل من جنس العجم- فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أنَّ جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانيهم وسريانيهم، روميهم وفرسيهم، وغيرهم. وأن قريشًا: أفضل العرب، وأن بني هاشم: أفضل قريش، وأن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو: أفضل الخلق نفسًا، وأفضلهم نسبًا. وليس فضل العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم لمجرد كون النبي صلى اللـه عليه وسلم منهم، وإن كان هذا من الفضل، بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك يثبت لرسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: أنه أفضل نفسًا ونسبًا”.
“بغض العرب كفر أو سبب للكفر، ونفاق، وحبهم إيمان: وهذا دليل على أنَّ بغض جنس العرب، ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر، ومقتضاه: أنهم أفضل من غيرهم، وأن محبتهم سبب قوة الإيمان، لأنه لو كان تحريم بغضهم كتحريم بغض سائر الطوائف - لم يكن ذلك سببًا لفراق الدين، ولا لبغض الرسول، بل كان يكون نوع عدوان، فلما جعله سببًا لفراق الدين وبغض الرسول - دل على أنَّ بغضهم أعظم من بغض غيرهم، وذلك دليل على أنهم أفضل، لأن الحب والبغض يتبع الفضل، فمن كان بغضه أعظم - دل على أنه أفضل، ودل - حينئذ على أنَّ محبته دين، لأجل ما فيه من زيادة الفضل ولأن ذلك ضد البغض، ومن كان بغضه سببًا للعذاب بخصوصه - كان حبه سببًا للثواب، وذلك دليل على الفضل”([50]).
ومما ذُكر في التراث أنَّ “لهم مكارمُ أخلاق محمودة لا تنحصر، غريزة في أنفسهم، وسجية لهم جُبلوا عليها، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير. ومما يدل على فضل العرب أيضًا ما رواه البزار بإسناده قال: قال سلمان - رضيَ اللـه عنه-: نفضلكم يا معشر العرب لتفضيل رسول اللـه – صلى اللـه عليه وآله وسلم- إياكم، لا ننكح نساءكم، ولا نؤمُكُم في الصلاة”([51]). وقال ابن حنبل أستاذ ابن تيمية: ”ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم لحديث النبي صلى اللـه عليه وسلم فإن حبهم إيمان وبغضهم نفاق”([52]).
 ومن الأحاديث التي تفرض حب العرب:
 من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي (الجامع الصحيح سنن الترمذي-3928)([53])لمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم -أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي([54]).
- وفي مسند أحمد - 23346 جاء:.. عن سلمان قال: قال لي رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: يا سلمان، لا تبغضني فتفارق دينك، قال: قلت: يا رسول اللـه، وكيف أبغضك وبك هدانا الله؟ قال: تبغض العرب فتبغضني. وُذُكر الحديث نفسه في سنن الترمذي -4096.

وحتى الخوارج قصروا الدخول في مذهبهم على العرب، ورأوا أنَّ الإمامة تنحصر في العرب، وذلك حتى ضعفت شوكتهم، ولم يعد لديهم ما يكفي من الأتباع، فاضطروا لدعوة الموالي، والتحول إلى الاتجاه الذي يرى أنَّ الحكم يمكن أنْ يكون لأي مسلم، وطبقوا ذلك بالفعل، فسمحوا أنْ يكون حاكم دولتهم بالمغرب: دولة بني مدرار، زنجيًّا([55]).
المفهوم من هذا الكلام أنَّ اختيار محمد ليس سابقًا على اختيار العرب لحمل الرسالة، فلم تكن عروبة محمد صدفة، بل تم اختياره لأفضلية العرب على "العجم" أصلًا.
وقد ذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى اشتراط أنْ يكون إمام المسلمين من العرب، وأغلبهم رأى أنْ يكون من قريش بالذات([56])، واستندوا في هذا إلى أحاديث صحيحة في عرف علماء الإسلام، وأخذ بها الغالبية العظمى من الفقهاء والأئمة السنة الأربعة، وبعض المعتزلة، ولم يخالفها إلا الخوارج، وبعض المعتزلة([57])، وبعض الأشاعرة، وبعض الزيدية. كما يؤمن بها الكثير من عامة المسلمين نظريًّا، وإن كانت غير مطروقة عمليًّا في العصر الراهن.
وقد استخدم الحديث لتأكيد "صحة" هذا الخيار: جاء في صحيح البخارى - 3424: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقيَ منهم اثنان - ‏‏قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم([58])، إن اللـه حين خلق الخلق بعث جبريل فقسم الناس قسمين قسم العرب قسمًا وقسم العجم قسمًا وكانت خيرة اللـه في العرب ثم قسم العرب إلى قسمين فقسم اليمن قسمًا وقسم مضر قسمًا وكانت خيرة اللـه في مضر وقسم مضر قسمين فكانت قريش قسمًا وكانت خيرة اللـه في قريش ثم أخرجنى من خيار من أنا منه([59]).
ونجد في الفكر الإسلامي على مدى التاريخ ما خص حتى "الكفار" من العرب بما يميزهم على نظرائهم من "العجم"؛ إذ لا رق لعربي، وفقًا لقسم مهم من الفقهاء، منهم مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، في مذهبه القديم ورواية لأحمد وابن تيمية، وكذلك عمر بن الخطاب، الذي حرر السبي من العرب في حروب الردة حين تولي الخلافة، والبديل هو القتل ما لم يدخلوا في الإسلام؛ تكريمًا لهم. وهذا ما اتفق عليه معظم الفقهاء، عدا الشافعي في مذهبه الجديد، ورواية لأحمد، والشوكاني، باعتبار أنَّ القتل أفضل من الاسترقاق.
وقد عُزي فضل قريش لحكمتهم ومكانتهم الدينية حتى قبل الإسلام: ففي مسند الإمام أحمد (16423) جاء: إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش. فقيل للزهري: ما عنى بذلك قال: نبل الرأي([60])، وكانوا قبل الإسلام يسمون أهل اللـه، ويسمون سكان اللـه، وأهل الحرمة، وقطان بيت اللـه..([61])، رغم أنهم من العرب المستعربة، حسب التراث.
ومن الأفكار التي تعزز مكانة قريش ما يشيع حتى الآن لدى العرب عن أنَّ لغة قريش هي الأكثر بلاغة بين لهجات العرب، ويُضاف أنَّ القرآن جاء بها، مما يتسق مع القول بأفضلية قريش على بقية الناس، رغم أنَّ تفوق لغة قريش ليس مؤكدًا، كما أنه ليس من المؤكد أنَّ كل لغة القرآن بالكامل هي بلسان قريش، فمن المحتمل أنَّ به كلمات بلهجات أخرى من مختلف لهجات العرب، كما اختلف ثقاة الصحابة في تقرير اللغة التي كتب بها أهي لغة قريش أم مضر كما أنه من المؤكد أنَّ به الكثير من الكلمات المعربة وحتى غير المعربة، وفقًا لأغلب آراء المتفقهين في هذا الأمر([62]). والأقرب للمعقول أنَّ لغة قريش نفسها تضمنت كلمات من أصل غير عربي.
وفي ممارسة الشعائر أقر كثير من كبار مفكري الإسلام أنْ تُفرض أيضًا اللغة العربية، فقال مالك في المُدونة([63]): أكره أنْ يدعو الرجل بالأعجمية في الصلاة. ولدى النووي لا تجوز القراءة بالأعجمية سواء أحسن العربية أم لا سواء كان في الصلاة أم خارجها([64]) ورأى ابن حزم أنَّ من قرأ بالأعجمية في الصلاة فلم يقرأ القرآن بلا شك([65]).
ولأن العرب اعتبروا أنفسهم أفضل من غيرهم، وأن المرأة أقل من الرجل، سمحوا قبل الإسلام للرجل العربي أنْ يتزوج أيَّ امرأة، ولكن لم يسمحوا للمرأة العربية أنْ تتزوج إلا عربي، حتى لا يتحكم في العربية أعجمي([66]). واستمر هذا التمييز بعد الإسلام، وأضيف عليه رأيٌ أخذ به معظم الفقهاء، يرى ألا يتزوج مسلم أعجمي من امرأة عربية، بحجة عدم الكفاءة، وهو رأيُ بعض كبار الفقهاء، ومنهم الأحناف (نسبة لأبي حنيفة). ورغم أنه لا يوجد حديث نبوي يفيد ذلك بل العكس، رُفض – كما قيل في التاريخ- تزويج بلال وسلمان الفارسي من نسوة عرب وفي حياة النبي، لعدم التكافؤ([67])، غالبًا بالمخالفة لتعليماته. وقد أشار الجاحظ إلى هذا التمييز، ناسبًا إلى الزنج: وقد قالت الزّنج للعرب‏:‏ من جهلكم أنّكم رأيتمونا لكم أكفاء في الجاهلية في نسائكم فلمّا جاء عدل الإسلام رأيتم ذلك فاسدًا وما بنا الرغبة عنكم‏([68]). ‏ ونُسب إلى عمر بن الخطاب تشدده في هذه المسألة، بالنهي عن زواج العجم من العرب، وقال: لأمنعن فروجهن إلا من الأكفاء([69]). وعلى العكس، فمما ذكرته السيرة النبوية أنَّ النبي قد تجاوز شرط التكافؤ، فزوج ابنة عمه ضباعة بنت الزبير للمقداد بن الأسود([70])، وهو في العرف السابق على الإسلام أقل تكافؤا، فهو ليس قرشيًّا، ولكنه عربي. ورفض بعض الفقهاء تمييز العرب و"العجم"، مثل الصنعاني، مستعينًا بواقعة أخرى، إذ سمح أبو حذيفة بتزويج ابنة أخيه هند بنت الوليد من سالم بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار([71]).
وبلغت العنصرية قمتها في العصر الأموي، حيث اعتبر الأمويون – عمليًّا - الإسلام دين العرب؛ فرفضوا إسلام "العجم"، الذين كانوا يُسمون الموالي، وفرضوا على من أسلم منهم الجزية، ورفضوا أيَّ مشاركة في الحكم لغير العرب الأقحاح، بل ومنع الحجاج بن يوسف الثقفي غير العرب من إمامة الصلاة. لم يتخذ الأمويون هذه السياسة من منطلقات أيديولوجية أو بناء على مشاعر عنصرية بحتة، بل وضعوا الأيديولوجيا لمصلحة الدولة، لجمع أكبر كم من الضرائب، وضمان استقرارها، ولو بمخالفة الشريعة صراحة. وقد انقلب عمر بن عبد العزيز على هذه السياسة؛ فجعل الأولوية للمبادئ الإسلامية القرآنية، ويمكن اعتباره إسلاميًّا لهذا السبب([72]). وقد خفت هذه النزعة كثيرًا في عصر الدولة العباسية، التي شارك “العجم” في إقامتها، بل وكان كل خلفائها من أبناء الجواري، “العجم” عدا ثلاثة فقط([73]).
 وقد خبى هذا التوجه مع انحسار سيطرة العرب، منذ الدولة العباسية، وصعود مكانة الموالي، ثم المماليك، وخصوصًا منذ السيطرة العثمانية. ثم عاد للانتشار من جديد مع تدهور الدولة العثمانية وبدء سيادة الغرب وانتشار الفكرة القومية عمومًا وصعود الحركة القومية العربية، في مواجهة الأتراك. ولا يمكن اعتبار هذا التوجه مجرد ميراث أيديولوجي- مع عدم إنكار هذا العنصر- بل الأهم هو عامل آخر: تزايد الاضطهاد التركى للعرب فى عصر أفول تلك الإمبراطورية، والأهم: العنصرية الأوروبية ضد الأخرىن، والمواجهات المستمرة بين العرب والغرب العنصري؛ فتكونت عنصرية مضادة.
وقد تبني القوميون العرب هذا التوجه (أيْ عروبة الإسلام). فعلى سبيل المثال رأى قسطنطين زريق أنَّ واجب أيِّ عربي أياً كانت طائفته أنْ يحيي ويمجد ذكرى نبي العرب محمد وأن يدافع عن الإسلام دائمًا، وكان ساطع الحصري يرى أنْ الإسلام ذو دور مهم في الهوية العربية، فهو عامل مساعد على نمو الشعور القومي.
وإذا نظرنا إلى أفكار حزب البعث لوجدناه ينتمي لهذا الاتجاه، وحتى المؤسس المسيحي الديانة اعتبر الإسلام هو حركة قومية عربية، فالعروبة لها أولولية منطقية على الإسلام وما الأخير إلا سلاح عربي لتحقيق الوحدة ورسالة الأمة. فوفقًا لميشيل عفلق: "أما صدر الإسلام فإنه من ناحية أخرى يمثل اتحاد النفس العربية مع القدر بعد أنْ كانت متجاهلة له، فتصبح إرادة القدر هي إرادتها بعد عزلة المكان ووحشة الزمان ويصبح العالم كله، لا بل الكون وكل ما هو منظور وغير منظور مسرحا لنشاطه ولتطبيق تلك القيم الجديدة التي ظهرت في الحياة العربية"([74])، وكان يدعو إلى عدم تنحية الدين مثل الماركسية، بل تبني أفكار دينية تقدمية. وبوجه عام سار المسيحيون العرب في المشرق العربي عمومًا نفس المسار؛ فصار معظمهم مسلمين من حيث الثقافة وعرب من حيث الانتماء، وكانت مساهمتهم الملموسة في حركة القومية العربية ضمن عوامل نمو هذا الاتجاه العروبي – الإسلامي.
وقد سار على الدرب القوميون العرب عمومًا، مثل الناصريين. وقد صار الخطاب العروبي رسميًّا تتبناه الدولة مع صعود الناصرية، التي أرادت استخدام الحركة القومية العربية لصالحها، وكذلك بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا والعراق.
وقد تطرف هذا الاتجاه في العصر الحديث، معتبرًا العرب ليسوا مجرد شعوب ناطقة بالعربية، بل أمة عربية واحدة (وأضافت شعارات حزب البعث : ذات رسالة خالدة، ويقصد بها رسالة قيمية وأخلاقية)، رغم وجود خلافات عرقية وثقافية واضحة بين الناطقين بالعربية، بل وحتى مشاعر الانتماء. ومارس العروبيون تمييزًا عنصريًّا واضحا ضد الأكراد، والتركمان، والأمازيج، وقبائل جنوب السودان، ودارفور من غير العرب، وإلى حد ما النوبيين؛ لأن هذه الشعوب لم تتعرب لغويًّا بالكامل، ولم تعلن انتسابها للمشروع العروبي المضاد للعثمانيين ثم للصهيونية والغرب فيما بعد. وبينما قدمت القومية العربية نفسها كمشروع للتحرر من الاستعمار وتوحيد العرب، إلا أنها مارست اضطهادًا شديدًا تجاه الأقليات القومية والإثنية بلغت حد ارتكاب مذابح جماعية واسعة، ومحاولات مستميتة لإفناء الثقافات غير العربية، ولم توافق أبدًا على حق الأمم غير العربية في تقرير مصيرها تجاه الحكم العربي. ونجد جذور هذا التوجه في الغزوات العربية في صدر الإسلام، حيث عمل العرب كل جهدهم لتعريب البلدان التي احتلوها وضمها لأملاكهم، وفي البداية قسموا السكان إلى عرب وموالي، ولكن مع اتساع التعريب وامتزاج السكان اختفى وصف الموالي، وصار المتعربون منهم يعتبرون عربًا.
وقد اهتم العروبيون بإبراز التاريخ العربي، الذي بدأ منذ ما قبل الدعوة الإسلامية على حساب تاريخ الأقطار العربية المختلفة: الفرعوني والبابلي وغيرهما. وأعادوا الاعتبار للتاريخ "الجاهلي"، بإبراز فضائل العرب قبل الإسلام، واستعدادهم للقيام بالمهمة المقدسة التالية لـ "الجاهلية"، وتصويرهم كما لو كانوا أصحاب حضارة عريقة، كما نفخوا في فضائل اللغة العربية بشدة، وتعاملوا مع الإسلام كنتاج لعبقرية عربية. بل اعتبر كثير منهم شعوبًا متحضرة غير عربية الأصل ضمن العرب مثل الفينيقيين، والآراميين، والبابليين.. إلخ.
 وبفضل اعتبار لغتهم مقدسة وأنها لغة الكتاب المقدس، يعتقد العروبيون أنَّ الله معهم، وأنهم منتصرون في النهاية على أعدائهم، فالصراع السياسي مع الشعوب الأخرى يتخذ في أذهانهم صورة دينية، فالعروبة ليست مجرد انتماء لغوي أو قومي، بل انتماء لشيء مقدس يفضله الله على العالمين؛ إنها دين حقيقي؛ إنها رسالة خالدة مدعومة من السماء، وقد سبقوا ماركس الذي أخذ بالحتمية التاريخية؛ فاعتبروا انتصار القومية العربية هو حتمية تاريخية مدعومة من الله نفسه.
الثاني: اتجاه إسلامي صرف: ذهب إلى اعتبار الإسلام هو معيار التفوق وليس اللغة أو العنصر، وهؤلاء تمثلوا في الخوارج، في مرحلة متأخرة من تاريخهم([75])، وجزء من المعتزلة، والقرامطة الذين مثلوا الاتجاه الأكثر مساواتية في الإسلام([76]). ورغم قوة حجج الخوارج المنطقية والنصية (القرآن) لم ينجحوا في تحقيق سيادتهم؛ فقد سحقهم علي بن أبي طالب، وخلفاء بني أمية وبني العباس بقسوة([77])، أما الشعوبيون فسادوا في مناطق معينة، مثل فارس، وبعض سواحل الخليج، وطالما تعرضوا لقمع بالغ من خلفاء العرب. وكُتب في التراث الإسلامي ما يفيد أنَّ غير العربي، كصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وغيرهم؛ قد يكون أفضل من آلاف من العرب([78]). والواضح – حسب هذا التوجه - أنَّ ميزة العرب الأهم صارت بعد الإسلام تتلخص في قدرتهم على حمل وتوصيل الرسالة الإلهية، وإذا لم يلتزموا بذلك فربما – وفقًا للأحاديث - أنْ تنتقل المهمة إلى غيرهم. فالأولوية تظل للدين ومهمة الدعوة له: حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا شيخ من أهل المدينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال تلا رسول اللـه - صلى اللـه عليه وسلم- يوما هذه الآية: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم، قالوا ومن يستبدل بنا قال فضرب رسول اللـه -صلى اللـه عليه وآله وسلم- على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه هذا وقومه (سنن الترمذي- 3883). وبناء على ذلك ذهب بعض الإسلاميين إلى أنَّ الإمامة كانت من قريش بفضل "عصبيتهم"، أيْ قوتهم وقدرتهم على قيادة الأمة، ولكن ما أنْ ضاعت هذه العصبية وبرزت غيرها حتى انتقل حق الخلافة إلى غيرهم؛ العثمانيين([79]).
واستند هؤلاء أيضًا إلى الكثير من النصوص المقدسة من القرآن والأحاديث، التي لا تميز بين الناس إلا على أساس التقوى والعمل الصالح، وقد جاء في الحديث: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيي حدثنا شعبة قال: حدثني أبو التياح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل حبشي كأنَّ رأسه زبيبة (صحيح البخاري- 684) والتقليل من شأن الحبشي واضح هنا، ولكن الملاحظ أنَّ الحديث لا يستنكر تبوأه للإمامة. وفي مسند الإمام أحمد - 4376: يا معشر قريش، فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا اللـه، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحي هذا القضيب، لقضيب في يده ثم لحا قضيبه فإذا هو أبيض يصلد، أيْ أنَّ أولويتهم مرهونة بعدم معصيتهم للـه.
وبالطبع يسود هذا التوجه في البلدان الإسلامية غير العربية، مثل باكستان وغيرها، حيث لم تنتشر أصلًا اللغة والثقافة العربية. وقد ذهب كل من المودودي والخمينى نفس المذهب فى الفصل بين الإسلام والقومية، ومن المحتمل أنَّ هؤلاء يتمثلون نهجا قوميًّا غير عربي بحكم انتمائهم. فالمودودي فى كتابه: نظرية الإسلام السياسية نادى بالخلافة الإسلامية رافضًا فكرة المواطنة.. إلخ([80]).
 وفي العصر التركي كانت السيادة بالطبع للاتجاه الإسلامي حتى ظهرت الحركات القومية، فظهر من جديد الاتجاه العروبي الإسلامي والإسلام العروبي، بدءا من محمد بن عبد الوهاب الذي أعلن الجهاد ضد الصوفية المدعومة من العثمانيين وخاض حربًا ضارية ضد الدولة العثمانية.
وهذا التوجه الإسلامي الصرف ليس له دور يذكر في الصراع السياسي فى العالم العربي ولا علاقة له بالعنصرية العربية التي نحن بصددها.
الثالث: اتجاه إسلامي- عروبي: ويمكن أنْ نحدد الفرق الجوهري بين الاتجاهين العروبي-الإسلامي والإسلامي-العروبي في أنَّ التيار العروبي يقدم خطابًا يضع الإسلام في خدمة العروبة، والعكس بالعكس. ولكن حسب ما أعتقد فهذا الخلاف شكليٌ فحسب؛ فيتفق الاتجاهان في وضع اعتبار خاص للعروبة، من حيث هي اللغة المقدسة، وبالتالي اعتبار العرب هم الأعلي شأنًا بين الأمم، بفضل هذه اللغة. فكلاهما اتجاهان قوميان عربيان في النهاية، يستخدم الأول (العروبي) الإسلام لخدمة العروبة بينما يتوسع الثاني (الإسلامي) في هذا الاستخدام نفسه؛ فيستقوي بعموم المسلمين لخدمة أهدافه القومية. وقد استخدم قديمًا كل من الخلفاء الراشدين، وهم من الاتجاه الإسلامي، والخلفاء الأمويين، وهم عروبيون شعارات دينية لتبرير الغزوات، ولكن صبت الغنائم في الحالتين لصالح العرب. ولكن للاتساق مع النفس ينزع الإسلاميون إلى إقصاء غير المسلمين والعلمانيين في البلدان العربية، ويمنحون الأولوية للانتماء الديني لا القومي، ويميلون إلى تطبيق الشريعة، وهم من شكلوا الإسلام السياسي.
لا يختلف الإسلاميون العرب عن العروبيين في الاعتراف بقدسية اللغة العربية، وبفضل العرب في نشر الرسالة، وفي نزول الأخيرة إليهم، لفضائل تخصهم، وتميزهم عن بقية الشعوب. وقد وضعوا للعروبة مكانة خاصة في الإسلام. فأغلب قادته ومفكريه قد احتفظوا للعرب بمركز القيادة والسيادة في أطروحاتهم.
وقد رأينا جمال الدين الأفغاني، رغم توجهه إلى جعل الأولوية للرابطة الدينية فيما عرف بالجامعة الإسلامية يدعو إلى ضرورة قيادة العرب لهذه الجامعة، داعيًا الأتراك أنفسهم إلى التعرب: "فالعرب يمتلكون لسان الدين"، الذي يعتبره أهم الأركان، كما أنَّ لهم تاريخاً وحضارة ومدنية لم تتوفر لغيرهم. وقد قارن بين فتوحات العرب وفتوحات الترك؛ فالفتوحات العربية تركت آثارًا أدبية ومادية على البلدان المفتوحة، بعكس الترك الذين لم يتركوا نفس الآثار([81]).
كذلك ذهب حسن البنا إلى تفضيل جنس العرب على غيرهم: ”ولسنا مع هذا ننكر خواص الأمم ومميزاتها الخلقية، فنحن نعلم أنَّ لكل شعب مميزاته وقسطه من الفضيلة والخلق، ونعلم أنَّ الشعوب في هذا تتفاوت وتتفاضل، ونعتقد أنَّ العروبة لها من ذلك النصيب الأوفي والأوفر”، واعتبر أنَّ من أسباب تحلل الدولة الإسلامية انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب([82]). وواضح من كلامه أنَّ أفضلية العرب ثقافية بحتة.
وقد كتب محمد عمارة، الإسلامي، كتابًا كبيرًا([83]) يشرح فيه بالتفصيل هذه العلاقة التي لا تنفصم بين الإسلام والعروبة، يصور فيه العرب كحاملي الرسالة المقدسة، والقيم الفاضلة، والساعين لبناء حضارة إنسانية تجمع كل الأجناس، منتقدًا غلو الأمويين، دون أنْ يقلل من محورية الدور المنوط بالعرب في حمل راية الإسلام.
ومن الغريب أنَّ أبا الحسن الندوي، وهو هندي، قد أقر بمركزية الدور العربي تجاه الإسلام والعالم: “والعالم العربي بمواهبه وخصائصه وحسن موقعه الجغرافي وأهميته السياسية يحسن الاضطلاع برسالة الإسلام، ويستطيع أنْ يتقلد زعامة العالم الإسلامي، ويزاحم أوروبا بعد الاستعداد الكامل، وينتصر عليها بإيمانه وقوة رسالته ونصر من اللـه، ويحول العالم من الشر إلى الخير، ومن النار والدمار إلى الهدوء والسلام”([84]). ولأن العرب هم حاملو الرسالة، فهم حسب ما ذهب د. محمد شوقي الفنجري أعظم الأمم لأنهم يحملون أعظم الرسالات التي تقدم الطريقة المثلى في الحياة([85]).
كما ذهب بعض الإسلاميين بعيدًا في تعصبهم، وحملوا نزعة عنصرية متطرفة؛ فعلى سبيل المثال اعتبر الوهابيون أنَّ المسلمين أتباعهم فحسب، وراحوا يقاتلون مسلمين أخرىن، ويقتلونهم، ويسبون نساءهم، ويفرضون عليهم الجزية، ويمارس ورثتهم في السعودية عنصرية سعودية صريحة ضد كل من هو من خارجهم وخصوصًا من غير العرب. كما يذهب أنصار وورثة حسن البنا مذهبًا شبيهًا؛ فيعتبرون الإسلام وتنظيمهم توأمان، فأعداؤهم هم أعداء الإسلام، ومنتقدوهم حتى من المسلمين عملاء للكفار، ومتآمرون على الإسلام "الصحيح". وهذا الإقصاء إنما ينم عن نزعة أقل حتى من قومية متطرفة بل نزعة طائفية أو قبلية (في الحالة السعودية)، ضيقة الأفق. وعلى نهج العروبيين لجأ الإسلاميون في السودان إلى اضطهاد غير العرب، مثل أبناء جنوب السودان، ولم يتورعوا عن ارتكاب مجازر بحق مئات الألوف من سكان دارفور من غير العرب، رغم أنهم مسلمين من خلال دعم الحكومة الإسلامية للقبائل العربية في المنطقة.
ويجد الإسلاميون سندًا لأيديولوجيتهم في النص المقدس وفي تراث الإسلام ككل. فهناك كثير من النصوص، سبق أنْ أوردنا بعضها، تساوي بين الناس، على أساس الدين، وتنبذ القبلية والعرقية، بل وتتوعد حتى العرب إذا تقاعسوا عن أداء الرسالة بسحب المهمة منهم.. إلخ.
وفي الحقيقة يعتبر التوجه الإسلامي العروبي توجهًا قوميًّا أو قطريًّا يغلف نفسه بالدين؛ فهو نتاج للحداثة وليس مجرد امتداد للماضي، وحديثًا صار يتبنى خطابًا قطريًّا صريحًا؛ فنجد الإسلاميين يتحدثون باسم مصر أو سوريا مثلًا، أو يمجدون المملكة (السعودية)، ومن قبل حارب الوهابيون الخلافة العثمانية تحت حجة مكافحة الصوفية.. إلخ.
ومع ذلك فهناك خلاف كبير مهم؛ فإشكالية العلاقة بين الإسلام والعروبة كانت تعبيرًا عن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة، التي طرحت فى العصر الأموي بسبب فرض الجزية على المسلمين الموالي، وكانت أحد عوامل ثورة الموالي ضد العرب، وقدمت للثورة العباسية -الشيعية، ثم طرحت بشدة منذ مرحلة أفول الخلافة العثمانية. فالعروبيون – بوجه عام - يميلون إلى العلمانية، فالأمويون كانوا يتجاوزون نصوصًا دينية صريحة تمامًا، مثلما فرضوا الجزية على المسلمين الموالي لصالح الدولة، فالدولة كانت لديهم فوق الدين، وهم في الغالب الذين قتلوا الخليفة الذي حاول تعديل هذا الاتجاه بتطبيق الشريعة. وحديثًا مال البعثيون والناصريون ومن شابههم إلى توسيع فهم الشريعة لكي ينسجم مع الحداثة. أما الإسلاميون المعاصرون فيميلون إلى تطبيق الشرع كما يفهم ظاهريًّا، ومنهم الوهابيون والإخوان والسلفيون المعاصرون، بينما قاد السلف اللاحقون منذ سيطرة الحنابلة عصر الانحطاط العربي.
- يمكن أنْ نضيف اتجاهًا رابعًا: هم القوميون المتطرفون من سائر الأقطار العربية، المتأثرون بالقومية الأوروبية، ومنهم من يرفض كل من العروبة والإسلام كمرجعية لهم، وهي توجهات ضعيفة بوجه عام. كما ظهر أحيانًا بعض العروبيين الرافضين للثقافة والمرجعية الإسلامية بالكامل ومنهم بعض الليبراليين والماركسيين أنصار فكرة الأمة العربية، وهي توجهات ضعيفة وغير عنصرية بالطبع.

**********************
5- التفوق العربي منحة إلهية:
لم يتضمن التراث العربي والإسلامي القديم حسب علمي نصوصًا مهمة تدعي أنَّ هناك أساسًا بيولوجيًّا لتقسيم البشر إلى عرب وعجم، بل أساس لغوي- ثقافي بحت. بل ويوجد ما يدل على إدراك العرب بتفوق الشعوب المجاورة لهم حضاريًّا وعلميًّا وغير ذلك. وقد اقتصر افتخارهم على اللغة والفصاحة والفروسية وبعض الصفات الأخلاقية([86]). وتسعفنا هنا المقارنة مع ثقافات أخرى رأت أنَّ الناس خلقت درجات بيولوجية مثل تعليل الهنود قديما لوجود 4 طبقات مغلقة، وكلام بعض فلاسفة الإغريق (خاصة أفلاطون وأرسطو) حول التفوق الطبيعي للعنصر الإغريقي بالنسبة لبقية العالم، وأنهم خلقوا لكي يحكموا العالم باعتبارهم يحملون أفضل سمات الجنس البشري، وقد اعتبر أرسطو أنَّ الإغريق نبلاء بطبيعتهم؛ أما بقية البشر فأسماهم برابرة، وأن هذا التقسيم من فعل الطبيعة، التي مثلما قسمت الناس إلى ذكور وإناث وإلى سادة (يمارسون العمل الذهني) وعبيد (لا يصلحون إلا للعمل اليدوي) جعلت من البرابرة ككل عبيدًا، وبالتالي منحت الإغريق حقًّا طبيعيًّا في حكم العالم واستعباده([87]). والنظريات الاستعمارية التي بررت استعباد السود باعتبارهم أقل من البيض بيولوجيًّا؛ فقدراتهم محدودة، خصوصًا ذكاؤهم، بل زعم البعض أنَّ لهم ذيولًا، ويأكلون لحم البشر، وحجم مخهم صغير.. إلخ.
ولكن وجد من العروبيين المحدثين من تبني نزعة عنصرية بيولوجية فجة، مثل مصطفى صادق الرافعي، الذي قال حرفيًّا: "سكان الفيافي وتربية العراء ينبسطون مع الشمس ويفيئون مع الظل ويطيرون في مهب الهواء، بل أولاد السماء، ما شئت من أنوف حمية وقلوب أبية وطباع سيالة وذهان حداد، ونفوس منكرة، وقد أصبحت بقاياهم الضاربة في بوادي العربية ومصر وسورية لهذا العهد، موضع العجب لأهل البحث من علماء الطبائع، حتى أجمعوا على أنه لا ند لهذا الجنس في جميع السلائل البشرية، من حيث الصفات التي تتباين فيها أجناس البشر َخلقًا وخُلقًا، وحتى صرح بعضهم بأن هذه السلالة تسمو على سائر الأجيال، بالنظر إلى هيئة القحف وسعة الدماغ وكثرة تلافيفه وبناء الأعصاب وشكل الألياف العضلية والنسيج العظمى وقوام القلب ونظام نبضاته وفضلًا عما هي عليه من ملاحة السحنة وتناسب الأعضاء وحسن التقاطيع ووضوح الملامح، وفضلًا عما في طباعها من الكرم والأنفة والأريحية وعزة النفس والشجاعة. لا جرم كانوا أهل هذه اللغة المعجزة التي ناسبتهم بأوضاعها في معاني التركيب، حتى كأنَّما كتب لها أنْ تكون دين الألسنة الفطري، لتصلح بعد ذلك أنْ تكون لسان دين الفطرة"([88]).
 ولكن لم تصبح هذه النزعة العنصرية الفجة واسعة الانتشار.
ولا يوجد في المرجع العربي الأساسي؛ القرآن، أيُّ تمييز بيولوجي بين البشر، ولكن جعلهم الله درجات، ولم يفسر أحد هذه الدرجات بمعنى بيولوجي، بل اجتماعي أو ديني فحسب. وهناك آيات تدل على وحدة أصل الجنس البشري:
يا أيها الناسُ اتقوا ربّكم الذي خلقكُم مّن نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهُما رجالًا كثيرًا ونساء (النساء آية: 1)، وأن التقوى هي معيار الرضا الإلهي:
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم إن اللّه عليم خبير (الحجرات: 13)
ولم يدعُ إلى استعباد جنس لآخر مثلًا. ولم يعترض أعداء الإسلام من العرب في مكة وغيرها على ذلك، مما يدل على غياب أو ضعف العنصرية البيولوجية لديهم.
وفي الحديث: لافضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح (المسند الجامع -15693)([89])، إن أكرمكم عند اللـه أتقاكم (الحجرات: 13). هكذا امتدت أفضلية اللغة إلى أفضلية ذي العمل الصالح، أيْ – بطبيعة الحال – المسلم الحق. وبذا غير الإسلام من تقسيم العرب للبشر إلى عرب وعجم ؛ فالبشر ينقسمون الآن إلى مسلمين وغير مسلمين، مع الاحتفاظ بعناصر من التقسيم السابق إلى عرب و"عجم"، على أساس أنَّ للعرب دورًا خاصًّا في نشر الإسلام المرتبط باللغة العربية.
وقد غير الإسلام في عصر الرسول من الأساس الذي كان يحدد "شرف" القبائل العربية قبله، من القرابة إلى خدمة الكعبة مخلوطة بالنفوذ المالي، إلى السبق للإسلام والتفاني في خدمته، وقد دعا القرآن إلى تجاوز الانتماء القبلي لصالح الديني، وبالتالي للرسول بما مثله من سلطة روحية وسياسية، وفي النهاية يعني ذلك رفع الانتماء للدولة على الانتماء للقبيلة.
ونفهم مما سبق أنَّ تميز العرب على غيرهم كما اعتبره العروبيون نسبيٌ تمامًا، ويمكن تجاوزه إذا تعرب الشخص غير العربي، فتكلم العربية بفصاحة، كما أنَّ التفوق العربي – زعمًا - نسبي ومشروط بحملهم الرسالة الدينية – الأخلاقية بأمانة وإخلاص، وتبني قيمها، والقدرة على نشرها، والتضحية من أجلها، وإلا يمكن أنْ تنتقل المهمة لغيرهم، بل وحتى ذهب بعضهم إلى اعتبار حكم وإمامة قريش ليس قاعدة مقدسة، بل مرنة تمامًا؛ فيمكن لعبد حبشيّ أنْ يتولى إمامة المسلمين.. فالأفضلية العربية مشروطة بالتقوى والإيمان، بما يعني أنها مكتسبة وليست بيولوجية. شيء يشبه الحصول على بركة الرب. وحتى القول بأزلية اللغة العربية في اللوح المحفوظ، وفي الجنة، تعني أنَّ اللغة هي المقدسة، وليس العرب كجنس؛ لأن أيَّ إنسان يستطيع أنْ يصبح عربيًّا. ومن الممكن لـ "العجمي" أنْ يكتسب فضائل العرب بمجهوده([90]) (لكن هناك بعض الاختلافات بين العروبيين والإسلاميين).
ولكن يبدو من النصوص التي تجعل من المحتمل أنْ يسحب الله مهمة حمل الرسالة من العرب ومنحها لغيرهم أنها مجرد نصوص لتشجيع العرب وتحفيزهم على توصيل الرسالة المقدسة، بدليل النص الصريح على أنَّ محمد هو خاتم الرسل، وبالتالي ستظل الرسالة المكتوبة بالعربية هي آخر الرسالات، فأيُّ شعب هذا الذي سيكلف من جديد بحمل الرسالة عربية اللغة؟ لابد أنْ يتعرب أولا.
وبخصوص السود كان من العرب قبل وبعد الإسلام من قلل من شأنهم، وقد عُيّروا في "الجاهلية" وفي الإسلام بسوادهم وبملامح أجسامهم وبطريقة تكلمهم. هذا حسان يهجو أحدهم بقوله: وأمّك سوداء نوبـيّة كأنَّ أناملها الحنظب([91]). ولكن في الغالب لم تكن هذه المشاعر العنصرية ضد السود سائدة أو لها وزن كبير، فقد كانت بعض قبائل العرب لونها أسود، كما روى الجاحظ: "وكان عبد الله بن عباس أدلمًا ضخمًا‏. ‏ وآل أبي طالبٍ أشرف الخلق وهم سودٌ وأدمٌ ودلم‏. ‏ قالوا‏:‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏بُعثت إلى الأحمر والأسود‏‏‏. ‏ فإذا قال‏:‏ بُعثت إلى الأحمر والأسود‏،‏ ولسنا عنده حُمرٌ ولا بيض فقد بُعث إلينا فإنما عنانا بقوله "الأسود"‏‏. ولا يخرج الناس من هذين الاسمين فإن كانت العرب من الأحمر فقد دخلت في عداد الروم والصّقالبة وفارس وخراسان‏. ‏ وإن كانت من السُّود فقد اشتّق لها هذا الاسم من اسمنا‏"([92]). ‏
  فغالبًا كان التقليل من شأن السود غير المتعربين والعبيد لتخلفهم الحضاري، وعدم فصاحتهم، ولاعتبارات جمالية، لا عنصرية (فالعرب يفضلون الشخص الأبيض).
رغم هذا لا يمكن نفي الغياب المطلق للعنصرية البيولوجية بين العرب، لا قبل ولا بعد الإسلام. خصوصًا تجاه اللون الأسود، بل وجدت بشكل هامشي. وقد جاء في القرآن:
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الّذِين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (آل عمران: 106) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة اللّهِ هم فيها خالدون (آل عمران: 107). هذه الإشارة تعني أنَّ الوجه الأبيض أفضل من الأسود، وأن هذا كان مقبولًا عند العرب عمومًا. وكانت كلمة أسود في كثير من الأحيان مرتبطة بالعبودية، وكأنَّ الأسود خلق عبدًا. وقد ذكر المسعودي أنَّ طاوس اليماني (من أعلام التابعين)، صاحبُ عبد الله بن عباس، لم يكن يأكل من ذبيحة الزنجي، ويقول: إنه عبد مُشوه الخلقة، كما ذكر أنَّ أبا العباس الراضي بالله بن المقتدر بالله كان لا يتناول شيئًا من أسود، ويقول: إنه عبد مشوه خلقه([93]).
ورغم هذه النزعة العنصرية لم يكن هناك تمييز منهجيٌّ ضد السود، لا قبل ولا بعد الإسلام. فحين اختار الرسول بلال، وهو أسود، كمؤذن خاص لجمال صوته لم يثر هذا أيَّ استهجان من أيِّ طرف. ويمكن أنْ نتصور موقف العرب قبل وبعيد الإسلام من السود مثل موقف العرب الحاليين، فبياض البشرة لدى أغلب العرب ضمن علامات الجمال، ولكن هذا لا يعني أنَّ هناك تفرقة عنصرية خاصة ضد السود، تقارن مثلًا بما عليه الحال في بلدان مثل جنوب افريقيا أو الولايات المتحدة في فترة ما.
عنصرية العرب التالية للإسلام إذن هي بشكل أساسي عنصرية ثقافية، أساسها تفوقهم الأخلاقي والقيمي والفكري، زعما. هذا لأنهم – وفقًا – لتراثهم – الأكثر معرفة بالله منذ عبدوه على دين إبراهيم، وحتى بعد أنْ ارتدوا وعبدوا الأصنام، ظل القرشيون "أهل الله"، وقطان بيته (أيْ سكانه).. إلخ. كما رأينا من قبل. وكان الإعجاز اللغوي للقرآن دعمًا حاسمًا في إضفاء طابع القداسة على لغة العرب؛ مما منحهم حجة كبري لإعلان تفوقهم. ومع ذلك ليس للعرب تميز في الحساب والعقاب على سائر البشر، وهناك الكثير من الأحاديث التي تنفي هذا التميز، فالتميز معنوي فقط. وهو تمييز يلقي على العرب بمهمة دينية، كما ذهب الإسلاميون العروبيون، أو أخلاقية، كما ذهب العروبيون المحدثون (القوميون)، فهي عنصرية تقدم نفسها كحامل لواجب مقدس، وليست حقًّا يميز العرب على غيرهم في الثروات أو حتى يوم القيامة. فالعرب إذن هم أصحاب رسالة، وليسوا غزاة ومستغلين، وحتى غزواتهم ومذابحهم ونهبهم للشعوب الأخرى يبررونها، بأنها تمت من أجل المهمة التاريخية التي ألقاها عليهم الرب. هذا بالطبع هو المبرر الأيديولوجي للعروبية.
إلا أنَّ هذه العنصرية الثقافية لم تجد أيَّ تبرير سوى تفوق العرب فطريًّا، كما يتضح من كلام ابن تيمية وغيره، فلماذا تفوقت اللغة العربية أصلًا؟ لم يقل أحد بأن سبب ذلك يرجع إلى تفوق العرب حضاريًّا أو علميًّا، بل اقتصرت كافة التفسيرات على طبيعة خاصة بجنس العرب. ومع ذلك لم يقدم العروبيون أنفسهم إلا فيما ندر (كما ذهب مصطفى صادق الرافعي كما أسلفنا) كجنس متفوق بيولوجيًّا بشكل مباشر، كما فعل النازيون الألمان مثلًا أو الأوروبيون عمومًا، فحتى تم الاعتراف شكليًّا بعروبة كل من تكلم العربية إلى حد ما، إلا أنَّ الأصل العربي ظل طول الوقت عامل تفوق، كما أوضحنا من قبل (الإمامة في الصلاة وعلاقات الزواج..). والمقصود العرب العاربة والمستعربة من أبناء جزيرة العرب، لا فرق، لأسباب تخص الطبيعة الأخلاقية والثقافة العربية "الأصيلة".
هذا التفوق الثقافي العربي الفطري لم يبرر بتفوق التكوين البيولوجي، بل بفطرة غير مبررة، شيء يشبه "بركة الرب"، كما أشرنا من قبل.. قرار إلهي لا أكثر. مما يدل على أهمية الأصل العربي نجد أنَّ كثيرًا من قادة العرب وغيرهم من المسلمين من حاول إثبات أصله العربي القح، ولكن الأكثر شيوعًا هو محاولة إثبات الانتماء للبيت النبوي، مما يدل على أنَّ الانتماء "للفطرة الأخلاقية" هو الموضوع.
وكان من نتائج انتشار الإسلام وغزو العرب للبلدان تحت مبرر نشر الإسلام أنْ لعب الدين ولغته العربية دورًا محوريًّا في الحضارة العربية – الإسلامية. فكانت مختلف علوم الدين واللغة العربية أكثر ما اهتم به العرب والمتعربون على مدى تاريخهم. وحتى طريقة جمع وتصنيف اللغة تمت على أساس المحافظة على اللغة الأصلية وتنقيتها من اللغات الدخيلة، وحكم المسلمون العرب هاجس المحافظة على نص القرآن الأصلي، وكان هذا مثلًا من مبررات جمع القرآن وحرق المصاحف وتوحيد المصحف. وكان لتطوير اللغة العربية بإضافة النقط، ثم علامات الإعراب، ثم اختراع النحو وغيره من علوم اللغة، هدف واحد هو المحافظة على النص المقدس وفهمه، فهذا هو رأس المال العربي الأهم على الإطلاق.

***************************
6- وضع اليهود:
وفقًا لجواد علي أنه يظهر من مواضع من التلمود أنَّ نفراً من العرب دخلوا في اليهودية. ومن المتوقع مع وجود اليهود في سائر الجزيرة العربية لمدة طويلة أنْ يتهود بعض العرب، خصوصًا أنَّ علاقتهم باليهود كانت حميمة، وصلت للتزاوج أحيانا. فكعب بن الأشرف مثلًا كانت أمه يهودية وأبوه من قبيلة طيِّئ العربية اليمنية الأصل. ويلاحظ جواد علي أنَّ يهود الجزيرة العربية ما قبل الإسلام لم يحافظوا على يهوديتهم وعلى خصائصهم التي يمتازون بها محافظة شديدة، كما حافظوا عليها في الأقطار الأخرى. فأكثر أسماء القبائل والبطون والأشخاص، هي أسماء عربية، والشعر المنسوب إلي شعراء منهم، يحمل الطابع العربي والفكر العربي. وفي حياتهم الاجتماعية والسياسية لم يكونوا يختلفون اختلافاً كبيراً عن العرب، فهم في أكثر أمورهم كالعرب. فيما سوى الدين. ولعل هذا بسبب تأثير العرب المتهودة عليهم، وكثرتهم بالنسبة إلي من كان من أصل يهودي، مما سبب تأثيرهم، وهم ذوو أكثرية، في اليهود الأصيلين الذين أثروا فيهم فأدخلوهم في دينهم، فأثروا هم فيهم، وطبعوهم بطابع عربي. وقد عاش اليهود في جزيرة العرب معيشة أهلها، فلبسوا لباسهم، وتصاهروا معهم، فتزوج اليهود عربيات، وتزوج العرب يهوديات، ولعل كون بعض اليهود من أصل عربي، هو الذي ساعد على تحطيم القيود التي تحول بين زواج اليهود بالعربيات وبالعكس. والفرق الوحيد الذي كان بين العرب واليهود عند ظهور الإسلام هو الاختلاف في الدين. وقد تمتع اليهود بحرية واسعة لم يحصلوا عليها في أيِّ بلد آخر من البلاد التي كانوا بها في ذلك العهد.
ولكن اليهود مع ما كان لهم من قلاع وحصون لم يتمكنوا من بسط نفوذهم وسلطانهم على الأرض التي عاشوا فيها، ولم يتمكنوا من إنشاء ممالك وحكومات يحكمها حكام يهود، بل كانوا مستقلين في حماية سادات القبائل العربية، يؤدون لهم إتاوة في كل عام مقابل حمايتهم لهم ودفاعهم عنهم ومنع الإعراب من التعدي عليهم.
ولم يرصد موقف عربي عدائي ضد اليهود قبل الإسلام، بل ومع بدء الدعوة الإسلامية اتخذ محمد من قبلة اليهود قبله لصلاته، وتوجه لهم بالدعوة إلى الإسلام، وكان يأمل في انضمامهم له، ولكن آمن به قليلون للغاية، وظلت الأغلبية العظمى معادية لدعوته. وبعد الإسلام فقط بدأت الصراعات العدائية بين الطرفين، فيذخر تاريخ الإسلام المبكر بصراعات دموية بين المسلمين واليهود، من ذلك مذبحة بني قريظة، وغزوة خيبر، ثم قرار عمر بن الخطاب بطردهم من جزيرة العرب. ونجد في القرآن ما يبين المشاعر العدائية بين الطرفين في مواضع عديدة:  
يا أيها الذِين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إِن اللّه لا يهدي القوم الظالمين(المائدة : 51)، لتجدن أشد الناسِ عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (المائدة: 82)، وهناك آيات تحط من شأنهم وتشرح كفرهم "التاريخي"، رغم كثرة أنبيائهم، بل وتكشف تاريخهم المنكر لنعم الله، حتى في زمن نبيهم موسى. والخلاصة أنَّ القرآن صور اليهود في صورة المتعصبين، والمستكبرين، والمنكرين لنعم الله، والمعادين للخير وللحق، وللإسلام وأهله، وهى فعلًا صورة شيطانية بشعة، تثير كراهية عميقة لدى المسلم العادي (طبعًا بغض النظر عن مدى صحتها).
كما توجد أحاديث كثيرة معادية لليهود، ولاعنة لهم، ومحرضة للمسلمين على عدم الثقة بهم، بل وتتوعدهم بالإبادة في يوم ما على أيديهم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله (البخاري- 2859).
ومع ذلك لم تشهد الدول العربية الإسلامية ظاهرة اضطهاد عملي مميز وواضح لليهود قبل بدء تنفيذ المشروع الصهيوني أكثر مما تعرض بقية أهل الكتاب، إلا أنَّ الصورة السوداء لهم في التراث الإسلامي لم تبرح الأذهان، مما كان له دور في إذكاء المشاعر العنصرية فورًا وبشدة منذ بدء تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، ومنذئذ اضطُهد اليهود في البلدان العربية؛ مما كان له أكبر الأثر في هجرة كثير منهم إلى فلسطين وغيرها. ويختلف عداء العروبيين والإسلاميين لليهود منذ المشروع الصهيوني؛ فالعداء العروبي سياسيٌ في جوهره، أما العداء الإسلامي فديني - سياسي أو سياسي مغلف بالدين. ولأن المشروع الصهيوني هو مشروع يهودي بالأساس (توجد صهيونية غير يهودية)، قائم على أساطير دينية، نجد أنَّ العداء العروبي السياسي ليس خاليًا من العداء الديني لليهود عمومًا وليس للصهيونية فقط، وقد رأينا القوميين العرب في كل البلدان العربية يمارسون اضطهادًا ضد اليهود ككل، مما كان له دور مهم في هجرة الكثير منهم إلى إسرائيل، ورغم التشدق بأنهم معادون للصهيونية وليس لليهود، قامت حكومة مثل الحكومة الناصرية بطرد اليهود من مصر (25 ألفًا) على الهوية الدينية وحدها، ولم يتبق سوى من أسلم منهم، أو من رفض الهجرة بقوة وتشبث بالبقاء، ولم تسمح الحكومات العربية بتجنيد مواطنيها اليهود في الجيش أو أجهزة الأمن، استنادًا لهويتهم الدينية وحدها. كما مارست الجماهير العربية إقصاء لليهود وليس الصهاينة منهم بعد تبلور المشروع الصهيوني. ولكل هذا لعبت العروبية دورًا أساسيًّا في إقامة دولة إسرائيل([94]).
ومن الواضح من طبيعة الموقف العربي الإسلامي العدائي لليهود أنه ينبع من اعتبارهم مصدرًا للشر وليس لكونهم من سلالة معينة، فهو عداء ثقافي، بدليل أنَّ دخول اليهودي في الإسلام يجد ترحيبًا شديدًا من قبل المسلمين عرب وغير عرب. أما الخطب العنصرية الفجة التي تصفهم بـ "أحفاد القردة والخنازيز" فلا تعبر عن اعتقاد حقيقي بانحطاطهم البيولوجي؛ وهي تعبيرات تستخدم للإهانة فحسب، ولا يوجد في النص الديني الإسلامي مايدل على ذلك، بل العكس. فمن الحديث: إِن اللّه عز وجل لم يهلك قَوما، أَو يعذب قومًا، فيجعل لهم نسلًا. وإِن القردة والخنازِير كانوا قبل ذلك (صحيح مسلم - 6723) ــ حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو سعيد ثنا داود بن أبي الفرات ثنا محمد بن زيد عن أبي الأعين العبدي عن أبي الأحوص الجشمي عن ابن مسعود قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير أمن نسل اليهود ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يلعن قوما قط فمسخهم وكان لهم نسل حتى يهلكهم، ولكن الله عز وجل غضب على اليهود فمسخهم وجعلهم مثلهم (مسند أحمد- 3768).
ومن الطريف أنَّ الفكرة اليهودية القائلة بأنهم شعب الله المختار قد استوردها العروبيون وعربوها. فالعرب هم الأكثر فصاحة وبلاغة، ولهم من السمات الأخلاقية ما يميزهم على كافة البشر بفضل قرار إلهي بذلك كما أوضحنا؛ فالله قد فضلهم على العالمين، ثم منحهم أيضًا شرف حمل وتوصيل رسالته الأخيرة، مختارًا منهم خاتم المرسلين، ومرسلًا كتابه المقدس بلغتهم، بل حفظه في لوح محفوظ باللغة نفسها، كما يظن أغلب العرب. وقد وصف القرأن المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس (آل عمران : 110). فإذا كان العرب هم خير المسلمين كما يظن العروبيون، فهم إذن خير البشر. ومثلما وعد الله اليهود بأرض فلسطين وعد المسلمين وقادتهم العرب بالسيادة على العالم: وعد اللـه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم (النور: 55). وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أنَّ المقصود هو كل الأرض، أوكما قال الطبري: ”أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها”([95]).
هكذا تصير العروبية – الإسلامية صهيونية عربية.

************************
7- العنصرية العربية دافعها المصالح:
ظل الترادف بين كلمتي عرب ومسلمين مستمرًّا لمدة طويلة، وقد صبت جل غنائم الغزو بعد انتصار الإسلام في جيب العرب بالطبع، ورغم دخول كثير من أبناء الشعوب المغلوبة في الإسلام، سموا بالموالي، وفرض عليهم الأمويون دفع الجزية لصالح دولة بني أمية العربية، واستخدم الأمويون دعاويهم العنصرية مبررًا لاستمرار استغلال المسلمين الموالي، حتى تغير الوضع في العهد العباسي ثم التركي، حيث مورس الحكم باسم الإسلام. ثم ظهرت القومية العربية من جديد مع أفول العثمانيين، وكذلك ظهور الاستعمار الغربي، ولجأت لشعارات عروبية عنصرية بدرجة أو بأخرى، بل راحت تضطهد الأقليات غير العربية بقسوة متفاوتة. ومع فشل القومية العربية والعلمانية عمومًا في تحقيق تحديث فعلي، ظهر الإسلام السياسي الذي ينحو منحي إسلامي - عروبي، أو قومي في صورة دينية، للاستقواء ببقية المسلمين في الصراع مع الغرب. لقد خرج العرب إلى العالم بالإسلام، فلجأوا إلى ربط شرعية حكمهم به، وادعوا أنهم أصحاب رسالة مثل أيِّ استعمار يزعم أنه يحتل البلاد الأخرى لكي ينشر الحضارة. فهم ادعوا أنهم المسؤولون عن نشر الإسلام، وأنهم يحتلون العالم لهذا الغرض، واخترعوا الأحاديث التي تسوغ لهم الحكم والسلطة ومدح الغزو. وقد خلق الإسلام ثقافة إسلامية جهادية، بدأها النبي نفسه وحفزها القرآن، وقد أدى نجاح الغزو إلى دفع العرب للاستئثار بالسلطة والثروة، كما منحهم شعورًا هائلًا بالزهو والتفوق بعد أنْ قهروا إمبراطوريات كبرى، مما حفز ابتكار الأفكار العروبية الإسلامية، فكانت الأيديولوجيا نتاجًا لواقع ظهر منذ عصر الفتوحات، وربما وضعت بذرتها منذ موقعة ذي قار([96]).
ومع ظهور الاستعمار الأوروبي وتقسيمه للشرق الأوسط إلى أقطار، حاول الإسلاميون استخدام شعار الرابطة الإسلامية، والالتفاف حول الخلافة العثمانية لمقاومة الاحتلال، ولكن مع سقوط الخلافة أصبح الطريق ممهدًا أمام الخطاب العروبي، القطري، والقومي بدرجة أقل، حيث تكونت طبقات جديدة ذات مصالح راحت تتناقض تدريجيًّا مع مصالح الاستعمار. وكان الخطاب العروبي أعلى صوتا في المشرق العربي، بفضل الموروث الثقافي العروبي القوي، والاضطهاد العثماني الشديد، والتلاحم القوي بين شعوب أقطار المشرق وقتها (كانت سوريا تشمل كل بلاد الشام). كما استخدم الإنجليز فكرة القومية العربية في فترة ما للاستفادة من جهود عرب الجزيرة (أتباع الشريف حسين) لمواجهة العثمانيين. أما في شرق الجزيرة فقد ظهرت الحركة الوهابية المعادية للعثمانيين، بالتحالف مع آل سعود، المحرَّضين من قبل الإنجليز مباشرة.
وكما هو معروف أنَّ الحركة القومية العربية الحديثة قد فشلت في تحقيق الوحدة العربية، وساد الخطاب القطري، حتى بين الإسلاميين؛ حتى في معقل العروبيين في سوريا والعراق. وبعد كل معارك القرن الماضي يمكن أنْ نرصد الآن أنَّ الدعوة القومية العربية لم تكن إلا أداة الطبقات المحلية (القطرية) للاستفادة من المحيط العربي، كلٌ لتكريس سلطته في المنطقة على حساب الاستعمار الغربي والشعوب العربية نفسها، بينما يتوسع الإسلاميون في الاستعانة بالشارع الإسلامي الأوسع لتكريس هيمنتهم، بل حاول حتى نظام القذافي استغلال العمق الأفريقي لدعم نظامه، وكانت الناصرية تحاول استخدام الدوائر الثلاث: العربية والإسلامية والأفريقية لصالح سلطتها المحلية لا أكثر.
ومن الغريب أنَّ العنصرية العربية التي ترتب عليها نهب وسلب الشعوب الأخرى، والمذابح الكبرى، وأشكال من اضطهاد غير العرب، قد بُررت بأن العرب يؤدون رسالة مقدسة، فكل هذا واجب عليهم وليس حقًّا لهم، فهم نبلاء بالطبيعة ولا يريدون الاستئثار بالدنيا، بل هو الواجب المقدس. وقد اشترك العروبيون بأطيافهم في الترويج لهذه الفكرة، فحتى البعثيون اعتبروا أنَّ للعروبة رسالة خالدة، هي نشر القيم السامية، بينما ذهب الإسلاميون العروبيون إلى أنَّ رسالة العرب هي جعل كلمة الله هي العليا، لأنهم الأقدر على حملها بفضل لغتهم المقدسة وأخلاقهم الرفيعة وقيمهم السامية. لقد بلغوا قمة الديماجوجية.
 في النهاية يمكن أنْ نقول بخصوص العروبية بمختلف صورها: ابحث عن المصالح.
8- خلاصة:
- العنصرية العربية ذات أيديولوجيا ثقافية، ناتجة عن منحة وتكليف إلهيين – زعما - ولا علاقة لها بالتكوين البيولوجي للعرب، إلا لدي قليل من العروبيين. وقد كان انتصار الإسلام هو المحفز لظهور هذا الشعور العربي بالتفوق الثقافي على الشعوب الأخرى، الذي ربما كانت بذوره قبل ذلك.
- يمكن أنْ يتعرب أيُّ شخص بتعلم اللغة المقدسة واكتساب الصفات العربية ولكن يظل العربي الأصلي أكثر عروبة لدي أغلب العروبيين لأنه الأكثر أصالة من الناحية الفطرية، الأخلاقية.
- التفوق الثقافي العربي يخص بالذات اللغة العربية التي يعتبرها العروبيون أفصح وأغني اللغات، ويعتبرها الكثيرون لغة أهل الجنة، ولغة اللوح المحفوظ.. إلخ.
- ترتبط العروبة بالإسلام ارتباطًا وثيقًا؛ فالعربية هي لغة القرآن، وقد جعلها الإسلام لغة مقدسة أو اختار الله رسالتة بالعربية لأنها لغة مقدسة أصلًا.
- العروبية تحمل العرب تكليفًا وواجبًا أكثر مما تمنحهم حقًّا، بل ما تمنحهم إياه من حق هو من أجل تنفيذ الواجب المقدس: نشر الرسالة الدينية أو الأخلاقية.
- يختلف العروبيون عن الإسلاميين في التكتيك فقط؛ فالعروبيون يستخدمون الإسلام لخدمة المشروع القومي؛ أما الإسلاميون العرب فيستخدمون العروبة لمشروع الوحدة الإسلامية، التي مع ذلك يقودها العرب، فهو نفس المشروع القومي العربي مستفيدًا من العمق الإسلامي. ويميل الإسلاميون أكثر إلى تطبيق الشريعة في الحكم بدرجة أكبر من العروبيين، الذين يميلون أكثر إلى العلمانية، بل وإلى وعلمنة الإسلام نفسه.
- في الواقع الفعلي مارس العروبيون والإسلاميون بأطيافهم قمعًا وحشيًّا ضد الأقليات العرقية والإثنية، ولم يسمحوا لغيرهم بحق تقرير المصير، مستخدمين أحيانا حجة اشتراك هذه الشعوب معهم في الإسلام.
- لعب الإسلام دورًا جوهريًّا وحاسمًا في بلورة العنصرية العربية بآليات متعددة. ورغم أنَّ القرآن لم ينص أبدًا على تفوق العرب صراحة، إلا أنَّ الأحاديث نصت على ذلك كثيرًا. ورغم النص على إمكانية سحب الرسالة من العرب، جاء هذا النص في صورة تهديد بغرض حفز العرب وشحذ هممهم على الغزو ونشر الرسالة.  

****************************






([1]) تكلم الكثيرون من العروبيين بهذه اللهجة، وقد خصص – مثلًا- محمود شكري الألوسي البغدادي عشرات الصفحات لشرح مزايا العرب على غيرهم، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.
([2]) اختلف العروبيون في ذلك؛ فزعم ابن هشام ‏‏‏‏‏مثلًا أنَّ العرب كلها من ولد إسماعيل وقحطان، ونسب إلى بعض أهل اليمن ‏‏‏‏الزعم بأن قحطان من ولد إسماعيل، السيرة النبوية، ملف 12 من 116‏‏‏‏‏،
أما ابن كثير - كمثل مضاد - فذكر غير ذلك؛ فرفض القول بأن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل، معتبرًا أنَّ العرب العاربة قبل إسماعيل، ‏أما العرب المستعربة‏، وهم عرب الحجاز فمن ذرية إسماعيل، وأما عرب اليمن‏، وهم حِمْيَر، فالمشهور أنهم من قحطان. البداية والنهاية، 27 من 239،
([3]) يمكن بخصوص هذه المسألة العودة إلى أحمد بن علي القلقشندي، نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب،
وجواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام،
([4]) مقدمة في فقه اللغة العربية، رؤية للنشر والتوزيع، جمع وتنفيذ الشركة الدولية لخدمات الكمبيوتر، الطبعة الأولى 2006، ص 31. وهيَ نص شاهد قبر امرئ القيس. "مر القيس بر عمرو، ملك العرب كله، ذو استرالتج وملك الأسدين ونزروا وملوكهم وهرب مذحجو".
([5]) من أشهر النقوش التي قيل إنها سبقت الأدب "الجاهلي":
-                    نقش النمارة، لامرئ القيس وتاريخه 328 م.
-          نقش زيد،­­ وهيَ أطلال قرب حلب ويسجل تاريخ بناء كنيسة وتاريخه 512 م.
-                    نقش حوران ويرجع تاريخه إلى 568 م وبه كلمات لا تعرفها العربية مثل كلمة المرطول بمعنى كنيسة. ويبدأ بـ: "أنا شرحبيل بر ظلموا"، إبراهيم أنيس، في اللهجات العربية، مكتبة الأنجلو، القاهرة، ص 32.
نص نقش النمارة: "تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا بزجي في حبج نجران مدينة شمر وملك معدو ونزل بنيه الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه عكدي هلك سنة 223 يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده"، وتاريخه 328م، وترجمته باللغة العربية المعاصرة:
1- هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي تقلد التاج. 2 - وأخضع قبيلتي أسد ونزار وملوكهم وهزم مذحج وقاد. 3- الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر وأخضع معدًا واستعمل بنيه. 4- على القبائل ووكلهم فرساناً للروم فلم يبلغ ملك مبلغه.5 - إلى اليوم. توفى سنة 223 م في 7 من أيلول وفق بنوه للسعادة، عام 223 بتقويم بصري يوافق 328 ميلادي.
([6]) أصول الشعر العربي، ترجمة د. إبراهيم عوض، 2006،   
([7]) في الشعر الجاهلي،
([8]) نفسه، ص ص 38 – 40.
([9]) استعرض وليد عرفات في كتابه: ديوان حسان بن ثابت، عمليات الانتحال العديدة التي جرت لشعر حسان مما يدفع المرء للتحفظ البالغ، دار صادر بيروت.
([10]) ليس المجال هنا مناسبًا لتحليل هذه المسألة. ويمكن الاطلاع على ماقدمه أحمد صبحي منصور من نقد لنسبة الأحاديث للرسول في كتابه: القرآن وكفى مصدرًا للتشريع،
وكتاب زكريا أوزون، جناية البخاري إنقاذ الدين من إمام المحدثين،
([11]) كتب الكثير والكثير عن هذه القضية، نذكر منها الحجة في القراءات السبع المنسوب لابن خالويه،   
الأحرف السبعة لأبي عمرو الداني،
شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي، إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر (حسب العربية القياسية يجب أنْ تكتب: الأربع عشرة –عادل)،
عدنان بن أحمد البحيصي: المتحف في معنى الأحرف السبعة،
والقضية لها علاقة وثيقة بموضوع جمع وتدوين القرآن، الذي قيل فيه الكثير، وتباينت الروايات، وبلغ الأمر حد ادعاء البعض من السنة والشيعة بتحريف القرآن.
([12]) كان القرآن مكتوبًا بدون تنقيط ولا تشكيل، وقد أمر بجمعه أبو بكر الصديق ثم وحد عثمان بن عفان المصاحف في مصحف واحد. ولما تولى علي بن أبي طالب، أمر أبا الأسود الدؤلي بأن يشكل كلمات القرآن بطريقة التنقيط الملون، إذ جعل لكل حركة من حركات التشكيل نقطة مختلفة اللون بتنقيط الحروف أما الحجاج بن يوسف الثقفي فقد أمر نصر بن عاصم بتشكيله.
([13]) قال القلقشندي: والذي عليه العرف العام إطلاق لفظة العرب مشتقة من الأعراب وهو البيان أخذا من قولهم أعرب الرجل عن حاجته إذا أبان سموا بذلك لأن الغالب عليهم البيان والبلاغة، جذور الإرب في معرفة أنساب العرب، نفس الموضع، سبق ذكره.
([14]) نفسه.
([15]) لسان العرب والقاموس المحيط.
([16]) جواد علي، نفس المرجع، الفصل الأول، سبق ذكره.
([17]) د. حسين الشيخ، العرب قبل الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1993، ص ص 69 -74.
([18]) مصطفى صادق الرافعي، تاريخ آداب العرب، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2000، ص 37. منشور على:
([19]) المراجع العروبية التي روت هذه الأسطورة لا تحصى، منها، بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، محمود شكري الألوسي البغدادي، سبق ذكره.
([20]) أشار جورجي زيدان إلى هذه الخلافات بشيء من التفصيل في كتابه: العرب قبل الإسلام، مطبعة الهلال، مصر 1922، منشور على النت، 
ومع ذلك عاد يتكلم عن تاريخ العرب، مستخدما التوراة ومعتمدًا للتقسيم إلى عرب بائدة وعاربة... الذي لا دليل عليه.
([21]) نصر حامد أبو زيد، ضرورة تجديد الخطاب العربي النسوي، الحوار المتمدن، العدد: 951، 9/9/2004،
([22]) حسب (لسان العرب): عجم: العجم والعجم: خلاف العرب والعرب، يعتقب هذان المثالان كثيراً، يقال عجمي وجمعه عجم، وخلافه عربي وجمعه عرب، ورجل أعجم وقوم أعجم؛ والعجم: جمع الأعجم الذي لا يفصح. يقال: هؤلاء العجم والعرب أفصح أو لم يفصح.
قال الأزهري: ومعناه أنَّ اللـه عزوجل قال: {ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته} عربيةً مفصلة الآي كأنَّ التفصيل للسان العرب، وأعجمت الكتاب: ذهبت به إلى العجمة، وقالوا: حروف المعجم فأضافوا الحروف إلى المعجم، فإن سأل سائل فقال: ما معنى حروف المعجم؟ هل المعجم صفة لحروفٍ أو غير وصف لها؟ فالجواب أنَّ المعجم من قولنا حروف المعجم لا يجوز أنْ يكون صفة لحروفٍ هذه من وجهين: أحدهما أنَّ حروفاً لو كانت غير مضافة إلى المعجم لكانت نكرة والمعجم كما ترى معرفة ومحال وصف النكرة بالمعرفة، والآخر أنَّ الحروف مضافة ومحال إضافة الموصوف إلى صفته، والعلة في امتناع ذلك أنَّ الصفة هي الموصوف على قول النحويين في المعنى، وإضافة الشيء إلى نفسه غير جائزة، وإذا كانت الصفة هي الموصوف عندهم في المعنى لم تجز إضافة الحروف إلى المعجم، لأنه غير مستقيم إضافة الشيء إلى نفسه، قال: وإنما امتنع من قبل أنَّ الغرض في الإضافة إنما هو التخصيص والتعريف. والأعجم: الأخرس. والعجماء والمستعجم: كل بهيمةٍ. وفي الحديث: العجماء جرحها جبار أيْ لا دية فيه ولا قود؛ أراد بالعجماء البهيمة، سميت عجماء لأنها لا تتكلم، قال: وكل من لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. ومنه الحديث: بعدد كل فصيح وأعجم؛ قيل: أراد بعدد كل آدمي وبهيمةٍ، ومعنى قوله العجماء جرحها جبار أيْ البهيمة تنفلت فتصيب إنساناً في انفلاتها، فذلك هدر، وهو معنى الجبار. ويقال: قرأ فلان فاستعجم عليه ما يقرؤه إذا التبس عليه فلم يتهيأ له أنْ يمضي فيه. وصلاة النهار عجماء لإخفاء القراءة فيها، ومعناه أنه لا يسمع فيها قراءة. واستعجمت على المصلِّي قراءته إذا لم تحضره. واستعجم الرجل: سكت. واستعجمت عليه قراءته: انقطعت فلم يقدر على القراءة من نعاس. والعجمات: الصخور الصلاب. وعجم الذنب وعجمه جميعاً: عجبه، وهو أصله، وهو العصعص، وزعم اللحياني أنَّ ميمهما بدل من الباء في عجبٍ وعجب. والأعجم من الموج: الذي لا يتنفس  أيْ لا ينضح الماء ولا يسمع له صوت. وباب معجم أيْ مقفل.
([23]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الفصل 136، 
([24]) المعلقات السبع،
([26]) كتب السيوطي في هذا بشيء من التفصيل في: المزهر في علوم اللغة وأنواعها،  ملف 4 من 20،
([27]) مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي أو مرعي الكرمي، مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب،   
و
([28]) رسائل إخوان الصفا، ص 432،
([29]) الحيوان، الجزء الأول، ص10،   
([30]) نفسه، ص24.
([31]) نفس الموضع.
([32]) قدم عماد الصباغ بحثا جيدًا عنهم بعنوان: الأحناف، دار الحصاد، للنشر والتوزيع، سوريا، الطبعة الأولى 1998، وقد أورد بعض النصوص الفرعونية نقلًا عن ماليس بودج (الأديان المصرية القديمة) الفصل الأول. مثل: "إنَّ الله واحد ووحيد وما من إله آخر معه، إنَّ الله واحد، وهو الذي خلق الأشياء طرًا".
([33]) مثل هذه الأوهام ممكنة تمامًا، فالمصريون المعاصرون، وهم في مؤخرة البشرية على كل الأصعدة تقريبًا، يعتقدون أنهم أكثر البشر تمدنًا وذكاءً...إلخ استنادًا لماضي الأجداد وحده.
([35]) مثل ما ذكره أحمد ديدات، القرآن معجزة المعجزات،   
([36]) فسر ابن كثير الآية السابقة: وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربيًّا، أيْ واضحاً جلياً بيناً. وقد أقر جل المفسرين (ابن كثير والبغوي.. وغيرهما) أنَّ المقصود بـ "ما حولها" كل البلاد العربية وغير العربية.
([37]) جزيرة العرب بين التشريف والتكليف، مشاركة ناصر بن سليمان العمرالمشرف العام على موقع المسلم  www.almoslim.net
ضمن أوراق البعد الرسالي لمجلس التعاون الخليجي، 
([38]) نقول ذلك على سبيل الاستنتاج؛ فمن الطبيعي أنْ يكتب القرآن بلغة النبي محمد وهى لغة قريش ولا توجد بالطبع وثائق مؤكدة للغة قريش قبل القرآن، ولكن كثر الكلام في التراث الإسلامي عن تعدد قراءات القرآن ووصل عدد الآراء فيها إلى العشرات واختلف العلماء في تعريف القراءة وفي عدد القراءات وضمن ماقيل أنَّ القرآن قد نزل بلغة قريش ولغات عربية أخرى أو بسبع قراءات من لغة قريش نفسها...إلخ، والمصادر في هذا الصدد لا تحصى. كما ذكر البعض أنَّ بالقرآن ألفاظا أعجمية منها سريانية. ألفونس مينغانا، التأثير السرياني على أسلوب القرآن، ترجمة مالك مسلماني،
([40]) مرعي الكرمي، نفسه.
([41]) مرعي الكرمي، نفسه.
(42) ذكره نقلًا عن آخرين ابن قيم الجوزية في: أحكام أهل الذمة، ص 228،
    وابن تيمية في: اقتضاء الصراط المستقيم،
([43]) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة،
([44]) تعريف البلاغة حسب ما جاء في معجم مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا:
 "(بلغ) الباء واللام والغين أصل واحد وهو الوصول إلى الشيء. تقول بلغت المكان، إذا وصلت إليه. وقد تسمى المشارفة بلوغاً بحق المقاربة. قال اللـه تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروفٍ} ((ٌنتمبر 2012" لامريءيءالطلاق: 2). ومن هذا الباب قولهم هو أحمق بلغ وبلغ، أيْ إنه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبلغة ما يتبلغ به من عيشٍ، كأنَّه يراد أنه يبلغ رتبة المكثر إذا رضيَ وقنع، وكذلك البلاغة التي يمدح بها الفصيح اللسان، لأنه يبلغ بها ما يريده، ولي في هذا بلاغ أيْ كفاية. وقولهم بلغ الفارس، يراد به أنه يمد يده بعنان فرسه، ليزيد في عدوه. وقولهم تبلغت القلة بفلانٍ، إذا اشتدت، فلأنه تناهيها به، وبلوغها الغاية". الجزء الأول،
([45])هذه المسألة تناولها الكثيرون من القدامى والمحدثين، وتوسع جمال البنا في وصفها وهو من المستنيرين، فأبرز أهمية هذه الظاهرة وحللها. انظر: نحو فقه جديد، الباب الثاني، الفصل السابع، فهم الخطاب القرآني كما يجب أنْ يكون، ص 154، سبق ذكره.
([46]) ذكر ذلك في كثير من كتب السيرة النبوية منها سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية.
([47]) تناولت ذلك تفصيلًا في كتابي: النزعة المركزية الإسلامية، الفصل الخامس،   
([48]) الرأيُ الشائع هو ما ذكره لويس عوض أنَّ هناك مجريين في الفكر الإسلامي؛ هما مجرى العروبة ومجرى الإسلام، وأن الأخير تمثل في الخوارج والشيعة (واعتبر الشيعة حركة شعوبية). مقدمة في فقه اللغة العربية، ص ص 75 – 80، سبق ذكره.
([49]) الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام، لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم،   
([50]) اقتضاء الصراط المستقيم، سبق ذكره.
([51]) مرعي الكرمي، مسبوك الذهب، سبق ذكره. ذكر هذا بروايات مختلفة من المحتمل أنَّ بعضها يحمل معنى الاستنكار ونقد العرب. يمكن الرجوع في ذلك لكتاب: سلمان الفارسي، السيد جعفر مرتضى العاملي،   

([52]) كتاب العقيدة،   

http://www.almeshkat.net/books/archive/books/ahmed1.zip

([54]) الحاكم النيسابوري، معرفة علوم الحديث، ذكر النوع الثامن والثلاثين من علوم الحديث،   
([55]) محمود إسماعيل، نفس المرجع، ص31.
([56]) من أهم منظري سياسة الحكم في الدولة الإسلامية: الماوردي وقد اعتبر النسب القرشي هو الشرط السابع للإمام، الأحكام السلطانية،
وذهب مثله أبو يعلي الفراء، الأحكام السلطانية،   
([57]) من المعتزلة من رأى حصر الإمامة في قريش ومنهم من رأى أنه إنْ لم يكن في قريش من يصلح جازت إمامة غيرهم (محمد عمارة، المعتزلة ومشكلة الحرية الإنسانية، دار الشروق، الطبعة الثانية، 1988 ص 177).
([58]) وهو الحديث الذي- وفقًا لرواية ابن كثير- احتج به أبو بكر ليتولى الخلافة بعد وفاة محمد في اجتماع سقيفة بني ساعدة، ابن كثير، البداية والنهاية، ‏‏ج 5، ص‏268‏‏،
قال ابن كثير مسندًا كلامه إلى الإمام أحمد: "قال‏: ‏ فانطلق أبو بكر وعمر يتعادان حتَّى أتوهم، فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول اللـه من شأنهم إلا ذكره وقال‏: ‏ لقد علمتم أنَّ رسول اللـه صلَّى اللـه عليه وسلَّم قال‏: ‏ ‏‏لو سلك النَّاس وادياً وسلكت الأنصار وادياً، سلكت وادي الأنصار‏‏ ولقد علمت يا سعد أنَّ رسول اللـه صلَّى اللـه عليه وسلَّم قال وأنت قاعد‏: ‏ قريش ولاة هذا الأمر فبر النَّاس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم". وهو ما أنكرته كافة المراجع الإسلامية الأخرى الهامة من سنية وشيعية.
([59]) نقلًا عن: علي بن برهان الدين الحلبي، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، جزء 1 ص 44،   
([60]) تناول أبو عبد اللـه الذهبي هذه القضية بالتفصيل في: هل القرشية شرط في الإمامة؟ معتمدًا على النصوص المقدسة وغيرها،   
([61]) استعرض محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو، البغدادي، أبو جعفر فضائل قريش من الأحاديث النبوية وغيرها بالتفصيل في كتاب: المنمق من أخبار قريش،

([62]) حلل هذه القضية بالتفصيل جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الفصل 136، سبق ذكره. وأفرد السيوطي فصولًا من كتابه: الإتقان في علوم القرآن للكشف عن الكلمات غير القرشية وغير العربية في القرآن (الفصل 16، 38، 39)،

 http://www.al-eman.com/Islamlib/viewtoc.asp?BID=156

وعلى نقيضه ذهب ابن حسنون، إلى أنَّ لغة القرآن هي لغة العرب فقط بلسان قريش وقد وافقت بعض ألفاظه ألفاظا من لغات أخرى، وهذا هو موضوع كتابه: اللغات في القرآن،

www.hdhod.com/file/90312/

([64]) الإمام محيي الدين النووي، المجموع شرح المهذب، ص 165،

http: //www.almeshkat.net/books/archive/books/almohdab.zip

([65]) الإحكام في أصول الأحكام،   
([66]) تناول تفاصيل ذلك عبد السلام الترمانيني في كتاب: الزواج عند العرب، سلسلة كتب عالم المعرفة، رقم 80.
([67]) من المصادر كتاب المبسوط للسرخسي، كتاب النكاح، باب الأكفاء،   
وكتاب حاشية ابن عابدين لمحمد أمين بن عابدين، كتاب النكاح، باب الكفاءة (كتاب إلكتروني، شركة العريس للكمبيوتر).
([68]) رسائل الجاحظ،  الرسالة الرابعة كتاب فخر السودان علي البيضان، وقد امتدح الجاحظ مزايا السودان في هذا الفصل وعدد من كان منهم ذو أهمية لدى العرب والمسلمين الكثير.
([69]) المبسوط للسرخسي، كتاب النكاح، سبق ذكره.
([70]) الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، سير أعلام النبلاء، الجزء الثاني، 274، http://saaid.net/book/open.php?cat=7&book=1237
([71]) سبل السلام شرح بلوغ المرام، كتاب النكاح، باب الكفاءة والخيار، أم الكتاب للأبحاث والدراسات الإلكترونية. متاح أيضًا كنسخة إلكترونية، شركة العريس للكمبيوتر.
([72]) تناول يوليوس فلهوزن تاريخ الدولة الأموية بشيء من التفصيل متضمنًا فترة حكم عمر بن عبد العزيز، في كتابه: تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام الى نهاية الدولة الأموية،
([73]) هم: أبو العباس السفاح، والمهدي بن المنصور، ومحمد الأمين بن هارون الرشيد، هند يوسف مجيد السامرائي، أثر الجواري في العصر العباسي،
([74]) في سبيل البعث، الجزء الأول، ص 108،
([75]) محمود إسماعيل، الحركات السرية في الإسلام، سينا للنشر، القاهرة، 1997 ط 5، ص14. هذا رغم أنَّ الخوارج قد قصروا أعضاء مذهبهم على العرب فقط لمدة طويلة ثم سمحوا بانضمام الموالي لمذهبهم بل وتبوء القيادة أحيانا (نفسه، ص 25).
([76]) اندرج في حركة القرامطة القبائل العربية الضعيفة والعبيد والموالي، محمود إسماعيل، المرجع السابق، ص 123.
([77]) محمود إسماعيل، نفس المرجع، ص ص 21- 22.
([78]) مرعي الكرمي، مسبوك الذهب، سبق ذكره
([79]) محمد الخضري، اتمام الوفاء في سيره الخلفاء، المكتبه الثقافيه، 1982، ص ص 8-9.
([81]) خاطرات الأفغاني – آراء وأفكار، تقرير محمد باشا المخزومي – إعداد وتقديم: سيد هادي خسرو شاهي، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 90.
([82]) رسائل الإمام حسن البنا، دعوتنا،
([83]) العرب والتحدي، سلسلة عالم المعرفة، 29.
([84]) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، الباب الخامس، الفصل الثاني، زعامة العالم العربي،   
([85]) الإسلام والنظريات الاقتصادية المعاصرة (بالإنجليزية)، إهداء،   
([86]) قال مرعي الكرمي: "وأما العقل الدال على فضل العرب: فقد ثبت بالتواتر المحسوس المشاهد أنَّ العرب أكثر الناس لسخاء، وكرمًا، وشجاعة، ومروءة، وشهامة، وبلاغة، وفصاحة. ولسانهم أتم الألسنة بيانا، وتمييزًا للمعاني جمعًا وفرقًا بجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل، إذا شاء المتكلم الجمع. ويميز بين كلّ لفظين مشتبهين بلفظ آخر مختصر، إلى غير ذلك من خصائص اللسان العربي.. ولهم مكارم أخلاق محمودة لا تنحصر، غريزة في أنفسهم، وسجية لهم جبلوا عليها، لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا هم أيضًا مشتغلون ببعض العلوم العقلية المحضة كالطب أو الحساب أو المنطق ونحوه. إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب أو ما حفظوه من أنسابهم.. بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر، أو سبب للكفر، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم، وأن محبتهم سبب قوة الإيمان... وشرف العلم أفضل من حيث التقدم في الصلاة ومنصب الإفتاء والقضاء وغير ذلك. وينظر في منصب الخلافة، والإمامة العظمى فهل يستحقها قرشي جاهل، أو عجمي فاضل؟ وهذا كله مع الاتّصاف بتقوى الله - تعإلى - وإلا فالعالم الفاسق كإبليس، والعربي الجاهل كفرعون وكلاهما مذموم... فمن الغرور الواضح، والحمق الفاضح أنْ يفتخر أحد من العرب على أحد من العجم بمجرد نسبه، أو حسبه، ومن فعل ذلك فإنه مخطئ جاهل مغرور.. ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم.. ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم.. قد روى الحافظ السلفي بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - قال: من تكلم بالعربية فهو عربي، ومن أدرك له أبوان في الإسلام فهو عربي"، نفسه المرجع.
([87]) قال أرسطو: لكن بين البرابرة لم يحدث تمايز بين الإناث والعبيد لأن القانون الطبيعي لم يميزهم، ومن ثم فهم شعوب من العبيد ككل رجالًا ونساءً ولذا قال الشاعر: بما أنهم كذلك..عبيد برجالهم ونسائهم يكون من الطبيعي أنْ يحكم الإغريق البرابرة". كتاب السياسة، ترجمه إلى الإنجليزية بنيامين جويت، الكتاب الأول، 2P. w      ،   
([88]) تاريخ آداب العرب، الجزء الأول، ص 32، سبق ذكره.
([89]) تأليف أبي الفضل السيد أبو المعاطي النوري: عن أبي نضرة حدثني من سمع خطبة رسول اللـه صلعم في وسط أيام التشريق فقال:
 "يا أيها الناس ألا إنَّ ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمىي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت. قالوا بلغ رسول اللـه صلعم ثم قال أيُّ يومٍ هذا. قالوا يوم حرام. ثم قال أيُّ شهرٍ هذا. قالوا شهر حرام. قال ثم قال أيُّ بلدٍ هذا. قالوا بلد حرام. قال فإن اللـه قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم. قال ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت. قالوا بلغ رسول اللـه صلعم. قال ليبلغ الشاهد الغائب".
أخرجه أحمد 5/411 قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، فذكره،
([90]) أشار مرعي الكرمي مستندًا إلى سعيد بن المسيب إلى أنَّ هناك من العجم من يعادل قريش بالنسبة للعرب، هم أهل أصبهان، الذين تسميهم قريش العجم، نفسه.
([91]) نقلًا عن جواد علي، نفس الموضع.
([92]) رسائل الجاحظ،  الرسالة الرابعة، كتاب فخر السودان علي البيضان، سبق ذكره.
والأدلم من الرجال هو: الطويل الأسود؛ وكذلك هو من الجمال والجبال. وزعم ناس أنَّ الديلم: سواد الليل، معجم مقاييس اللغة، باب الدال واللام وما يثلثهما،
([93]) مروج الذهب للمسعودي،
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=6&book=1547
([94]) قال ألفريد ليلنتال: "وقد كان انتصار بن جوريون في الدعاية أكثر بكثير من أيِّ انتصار عسكري قام به في سهول سيناء، عندما صفيت الجالية اليهودية في مصر غداة الغزو الإسرائيلي". وهكذا ضاع الشرق الأوسط، دار القاهرة للطباعة، سلسلة )اخترنا لك)، عدد 38، ص7.
،   باين فيها أجناس البشر َخلقا ([95]) جامع البيان عن تفسير آي القرآن- تفسير سورة النور. وذكر القرطبي: {ليستخلفنهم في الأرض} فيه قولان: أحدهما: يعني أرض مكة؛ لأن المهاجرين سألوا اللـه تعالى ذلك فوعدوا كما وعدت بنو إسرائيل؛ قال معناه النقاش. الثاني: بلاد العرب والعجم. وابن كثير: هذا وعد من اللـه تعالى لرسوله صلوات اللـه وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أيْ أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. ورأى سيد قطب (في ظلال القرآن- سبق ذكره): فما حقيقة الاستخلاف في الأرض ? إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم.. إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء؛ وتحقيق المنهج الذي رسمه اللـه للبشرية كى تسير عليه؛ وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض، اللائق بخليقة أكرمها اللـه. إنَّ الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد. وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر. وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان! وهذا الاستخلاف هو الذي وعده اللـه الذين آمنوا وعملوا الصالحات.. وعدهم اللـه أنْ يستخلفهم في الأرض - كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم - ليحققوا النهج الذي أراده الله؛ ويقرروا العدل الذي أراده الله؛ ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها اللـه.. فأما الذين يملكون فيفسدون في الأرض، وينشرون فيها البغي والجور، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان.. فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض. إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها اللـه.
 ([96]) موقعة حربية جرت عام 609 م بين قبائل عرب الشمال، خاصة بني شيبان والفرس انتصر فيها العرب انتصارًا كبيرًا. ذكرت في مراجع عديدة بحيث لا يمكننا التشكيك في حدوثها.