هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 أغسطس 2012

لماذا ينجح الإخوان ويفشل البرادعي والعلمانيون؟


 عادل العمري


الإخوان المسلمون هم الفصيل السياسي الوحيد المتماسك تنظيميًًًّا حتى الآن ولديه قدرة كبيرة على الحشد. بينما القوى الأخرى مهلهلة وعاجزة.
ذلك أن تنظيم الإخوان يتبع مبدأ السمع والطاعة ولا يسمح بوجود تكتلات داخله بينما تسمح القوى الأخرى بالمعارضة الداخلية وتكون شلل ليس بفضل ديموقراطيتها بل لأن أفكارها نفسها مفككة وغير متسقة وهي لا تحمل أيديولوجيا شاملة مثل الإخوان.
المشكلة أن المصريين غير ناضجين لا فكريًّا ولا سياسيًّا وبالتالي غير  قادرين على ممارسة الديموقراطية. لذلك نجد وسط العلمانيين انتشارالخلافات الشخصية والانشقاقات وكثرة الزعامات والشللية بينما الإخوان أكثر واقعية ويدركون بالغريزة أن الديموقراطية تؤدي إلى تفككهم  فلا يتبعونها كما أن فكرهم الديني الموحد تقريبا ينبذ الخلاف والفرقة. وقد اختارهم الشعب ليحكموه لأنهم يستخدمون خطابا يلائمه ويحملون ثقافته البدائية ويقدمون له الحسنات.
هذه الظاهرة تعني أن المواطن المصري لم يصبح بعد بورجوازيًّا – بروليتاريًّا ، بل مازالت العلاقات  الاجتماعية التى تحكمهم هي علاقة السيد – العبد، وهذا يترجم إلى ثقافة الإحسان – التسول وهي العلاقة التى فهمها الإخوان ودعموها،  فلعبوا لعبة الجمعيات الخيرية ببراعة. ولم يصبح المصري العادي وحتى النخبوي حتى الآن قادرًا على التفكير بنفسه ولنفسه بل يحتاج إلى دليل ومرشد وشخصية ملهمة سواء من السماء أو غيرها. ولم يفكر الناس أثناء هبة 25 يناير في انتزاع حقوقهم بالاستيلاء على المؤسسات والشركات والعقارات وتصفية رجالات النظام أبدا، بل كانوا دائما وطول الوقت يطالبون النظام بمعاقبة نفسه ورجاله وإعادة (حقوق الشعب).
أما البرادعي فلم يكن يريد أن يكون زعيمًا ملهمًا وقائدًا مغوارًا، بل أراد أن يدفع الشعب إلى انتزاع حقوقه وإدارة شؤونه بنفسه. ولهذا السبب لم يكن متواجدًا على الساحة كزعيم، بل كمحرض وداعية. وهذا بالذات الذى لم يعجب النخب العلمانية التي تطاول عليه كثير من أفرادها واتهموه بأنه يناضل في وقت الفراغ ويتهرب من مسؤولياته (التاريخية؟! فكل شيء في مصر يُعد تاريخيًّا!)، فكان المطلوب منه أن يقدم نفسه كزعيم أوحد مطلق القدرة. وقد فشل لأنه لم يكن يريد الزعامة والسلطة لنفسه؛ فكان يتخيل أن الشعب سيبادر ويحرر نفسه ويفرز قادته ويحاسبهم.
في الواقع الشعب يريد مستبدًّا عادلًا. فلا يوجد كثيرون في مصر يؤمنون بالديموقراطية بالفعل، ولا بحقوق الإنسان في الحرية التى تشمل حقه في الاعتقاد، أى في إعلان الكفر والزواج المدني والحرية الجنسية؛ ولكن الكل تقريبًا يؤمن بحق الإنسان في الحصول على عمل ومسكن وعلاج..إلخ، كمنحة من الدولة طبعًا، وحتى رجل الأعمال يريد حسنات ومقاولات من الدولة. والمواطن المصري ضد التعذيب والقمع الذي يمسه هو ولكنه يطالب بتعذيب (البلطجية) وقتل الكفار وقمع النساء المتبرجات وسحق الإعلاميين المعادين للطائفة السياسية التى يؤيدها وحبس كل من ينتقد الشيوخ أو العكس. ومن الملفت أن جل المصريين يؤمن أنه لا يناسبهم إلا حاكم قاسٍ وشرس، وأنهم (شعب لا يمشي إلا بالجذمة) (هذا تعبير واسع الانتشار في مصر). بل من الظواهر الفريدة أن أيَّ مسؤول أو مدير طيب ورقيق يتلقى السخرية ممن هم تحت يده ولا يحصل على الاحترام الملائم فيضطر إلى قمعهم.
كانت هناك قبل 1952 نخبة نصف علمانية أوسع أفقًا لسبب أساسي: وجود الاستعمار البريطاني، الذى كان الضامن للعبة ربع الديموقراطية التي كانت قائمة بقيادة نخبة متعلمة تعليما حديثا، ومع ذلك كانت العلاقة بين الشعب والزعيم هي أيضا علاقة العبد بالسيد: سعد زغلول والنحاس ومكرم عبيد كانوا زعماء ملهمين وليسوا مجرد قادة سياسيين يمكن محاسبتهم. أما بعد 1952 فقد انتهت حتى الأفكار ربع الديموقراطية بفضل زوال الاستعمار وعودة مصر إلى ذاتها الحقيقية: أرض الفرعون، وبالتالي سيطرة البيروقراطية من جديد.
إن مصر مازالت عاجزة عن تصور نفسها بدون نظام شمولي، والإخوان يقدمون أنفسهم كأكثر فصيل تماهيًا مع مثل هذا النظام؛ فتنظيمهم نفسه هو نظام شمولي.
وهذا التنظيم الشمولي قد منح قادتهم القدرة على العمل من وراء ظهر المجتمع وقواعد التنظيم نفسها؛ فاستطاعوا تسويق منظمتهم للأمريكان والإسرائيليين كعملاء ممتازين: قوة سياسية ذات شعبية ومتماهية مع المشروع الأمريكي للشرق الأوسط. أما جل العلمانيين فيعمدون إلى العكس: دغدغة العواطف الشوفينية لأتباعهم، والمزايدة على بعضهم وعلى الشعب نفسه في إعلان العداء للأمريكان وإسرائيل؛ القوة صانعة القرار في الشرق الأوسط حاليًّا. في النهاية من الممكن أن يحدث صدام بين الإخوان والأمريكان إذا لم ينجح قادتهم فى الاستمرار في السيطرة على قواعدهم المتعصبة، ولكنهم ناجحون حتى الآن، بل بدأوا حربًا مسلحة ضد أبنائهم الجهاديين في سيناء، جرهم إليها الأمريكيون وإسرائيل.
لمواجهة الإخوان الآن يجب أن يتكون تنظيم حديدي على غرار الأحزاب اللينينية إلا أن هذا أصبح مستحيلًا اليوم بعد فشل الحركات الشيوعية التاريخي وتفكك الأيديولوجيا الماركسية إلى طبعات متعددة؛ والليبرالية بطبيعتها لا تسمح بذلك. أو تنظيم سلطوي مثل (هيئة التحرير)، إذا جاء حاكم بونابرتي قوي. أو بظهور زعيم شعبوي. أما الحل الجذري فيتمثل في تغيير ثقافة الشعب وتفكيك الثقافة  الدينية: أيْ نقد الدين والأيديولوجيا عمومًا. وهذا حل طويل  المدي ويحتاج لتضحيات باهظة.
هذا الكلام لا يعجب لا عامة ولا خاصة المصريين ولكنه – فيما أظن - يمس الحقيقة المرة.