هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 نوفمبر 2015

نقد مقترحات حزب التحالف الشعبي لتحسين الاقتصاد


عادل العمري
نوفمبر 2015

قدم الحزب المقترحات الآتية لتحسن الاقتصاد([1]):

1 - ضم الصناديق الخاصة التي تُقدر بعشرات المليارات من الجنيهات إلي موازنة الدولة.

 2 - إعادة هيكلة دعم الطاقة من خلال احتسابه بشكل صحيح، ثم بإلغائه عن المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة والتي تبيع منتجاتها بالأسعار العالمية فتحقق هوامش ربحية تفوق مثيلاتها في أغني الدول، ثم استخدام الفوائض التي تنتج عن هذا الإلغاء في دعم المواطن الفقير الذي مازال يدفع وحده فاتورة فشل المسئولين عن إدارة السياسات المالية والنقدية في الآونة الأخيرة.

3 - الإسراع بفرض الضرائب التصاعدية، وتسوية فروق أسعار الأراضي التي تم بيعها بأبخس الأثمان في عهد مبارك راعي الفساد و المفسدين بالإضافة إلي تحصيل الأموال التي هُربت إلي الخارج و هيَ كلها أمورٌ تضيف عشرات المليارات إلي الخزانة العامة للدولة.

4 - مراجعة السياسة الاستيرادية التي تمثل كعب أخيل للاقتصاد المصري لوقف استيراد بعض السلع من الخارج و التي يمكن الاستغناء عنها لتوفير ما تبقي من عملة أجنبية.

5 - البدء الفوري بالتفاوض مع الدائنين الدوليين لإسقاط بعض الديون، وإعادة جدولة البعض الآخر لحين عودة الإستقرار بالمنطقة و تعافي الإقتصاد المصري.

6 - البدء الفوري في التخطيط لإنشاء منظومة تصنيعٍ ثقيل كبري من خلال ما يتوافر مما سبق الإشارة إليه من فوائض، واستغلال للطاقة غير الناضبة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) مع تطوير الزراعة وإلغاء ديون الفلاحين لتحقيق الإكتفاء الذاتي من الغذاء وبخاصة في مجالات الحبوب وتنمية الثروة الحيوانية والسمكية.

 7 - ضرورة الإسراع في وضع خطة ترويجية عاجلة لاستعادة حركة السياحة الأجنبية، وضمان استمرار تحويلات المصريين من الخارج من أجل الحفاظ على استمرار التدفقات المالية من النقد الأجنبي لخزينة الدولة المصرية.

 

**********************************

-        الواضح أن الحزب لا يملك أي تصور لإمكانية حل مشاكل الاقتصاد إلا عن طريق المزيد من سطوة الدولة وتوسيع سيطرتها على الاقتصاد، وهذا واضح تمامًا في البرنامج الرسمي للحزب([2]). فهيَ المنوط بها إنشاء الصناعات الثقيلة والترويج للسياحة والتحكم في الاستيراد. ولا ينتبه الحزب إلى أن الدولة بفسادها وتفكك أجهزتها وعدم التزامها بالدستور والقانون تمثل كعب أخيلس في النظام المصري ككل، بل ولا يرى كعب أخيلس إلا في (السياسة الاستيرادية) (نقطة 4) وكأن الاستيراد الترفي هو الذي يهدر الثروة القومية، وهذا غير صحيح على الإطلاق. فأين هذا من الاستثمارات الضخمة في القطاع العقاري شاملًا القرى السياحية والذي يعتبر أكبر وعاء استثماري للمصريين وهيَ أموال مجمدة حيث توجد ملايين الوحدات السكنية المغلقة، كما أنه لا يُدفع عنها أية ضرائب، والإسراف الشديد في النفقات الحكومية من أجور غير عادية لكبار رجال الدولة وميزانية جهاز الأمن الكبيرة..إلخ. ثم أين أموال الدولة المنهوبة من قبل موظفين ورجال أعمال لصوص ومنها ضرائب ورسوم لم تحصل تعد بعشرات المليارات.

-        أما الصناديق الخاصة فهيَ أحد أبواب الفساد لكن ليست كل مواردها من الضرائب المستحقة للدولة بل هناك رسوم محلية تستخدم لصالح الجهات التي تفرضها وبالتالي فهيَ ليست (حقًّا) للدولة، بل أغلبها مجرد إتاوات تفرضها مؤسسات محلية على المواطنين بدون سند من قانون. لذلك يجب إلغاء هذه الصناديق أصلًا والاكتفاء بفرض الرسوم التي يقرها القانون لصالح الدولة.

-        فيما يتعلق بإلغاء دعم الطاقة للمصانع وفرض ضرائب تصاعدية فهو فعلًا أحد الإجراءات التي تساعد في تقليل عجز الموازنة لكنه ليس إجراء كافيًا بل الأجدى اقتصاديًّا إلغاء الدعم بالكامل حيث إنه باب واسع للفساد والسوق السوداء والاستهلاك المبالغ فيه لسلع مثل الطاقة، كما أن معظمه يذهب إلى الأغنياء، مع رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات وتقديم معاشات معقولة للأسر المعدمة.

-        لم يعتبر الحزب أن أهم وأخطر نقطة ضعف للنظام ككل: الفساد. هذا الفساد يؤدي إلى إهدار أموال ضخمة للغاية تذهب في النهاية إلى سوق العقارات والاستهلاك الترفي واستيراد السلع التي يريد الحزب وقف استيرادها بقوة الدولة بدلًا آليات السوق. كما يؤدي إلى فرض أعباء على أي مستثمر كبير أو صغير، مما يرفع تكاليف إنتاج وتوزيع السلع والخدمات ويدفع المستثمرين إلى التوسع في الغش، وهذا يؤدي إلى ضعف المنافسة في السوق المحلي والعالمي أمام المنتجات الأجنبية. كما يدفع كثيرًا من أصحاب رؤوس الأموال إلى الإحجام عن الاستثمار في مصر أصلًا.

-        ومن المهم ملاحظة أن من أهم أسباب الفساد سيطرة الدولة على الاقتصاد وإجبارها للقطاع الخاص على العمل من خلالها (من خلال الجيش مثلًا)، مقابل دفع (المعلوم) والاستمرار في الدفع مقابل الاستمرار في العمل. ولا يمكن لأي رقابة شعبية (إلا إذا أقيمت دولة شعبية!) أن تسيطر على فساد الاقتصاد الحكومي إلا إذا تم تقليل حجمه إلى أقصى حد وخصوصًا في بلد متخلف. ولا ينبغي ضرب أمثلة مضادة لبلاد عريقة في الديموقراطية وبها مجتمع مدني ناضج وسلطة مركزية ضعيفة؛ فنحن نتكلم عن هذا البلد وفي الوقت الراهن.

-        من عوامل قتل الاستثمار اتباع الدولة لفرض الإتاوات على الشعب: منها مثلًا صندوق (تحيا مصر) المفروض على المستثمرين وغرامات السيارات التي تفرض مكتبيًّا، وفرض رسوم نظافة على فاتورة الكهرباء بدون خدمة مقابلة، وتحصيل رسوم مقابل خدمات وهمية على بعض الإجراءات في الخدمات المحلية وشيء مثل تصريح العمل (وهو إجراء قبل حداثي أصلًا: سابق على شعار: دعه يعمل دعه يمر). والمفروض أنه في أيِّ بلد يريد تشجيع الاستثمار والعمل أن تفرض الرسوم مقابل خدمات حقيقية والغرامات تكون مقابل أخطاء حقيقية..إلخ؛ أما فرض الإتاوات فهو عامل طرد ليس فقط لرأس المال بل وللبشر أيضًا، وهو يدفع كذلك للتهرب من دفع الضرائب والرسوم القانونية.

-        لا يمكن أن تنتعش الاستثمارات بدون نظام حقوقي شفاف بدرجة ما على الأقل: قضاء مهني ونزيه وجهاز أمني مهني يطبق القانون. وهذا أمر أغفله بيان الحزب. ولدينا مثال القبض على رجل أعمال منذ أيام بتهمة الفساد ثم تغيير التهمة والإفراج عنه بينما يتم القبض على أشخاص بدون تهم وترك آلاف اللصوص يرتعون.. فأين القانون؟ ومن يضمن للمستثمر كبيرًا كان أو صغيرًا ألا يتم امتهانه ومصادرة أمواله لسبب ما غير محدد؟ ومن يضمن لأي فرد استرداد حقه المغتصب إذا كانت أحكام القضاء لا ترتكز للقانون؟ ومن يضمن للفرد ألا يستغله ضابط أو أمين شرطة أو يضربه ويسرقه بدون عقاب كما يحدث كثيرًا؟ وكيف يشعر الفرد بوجود العدالة إذا كانت أحكام القضاء تصدر بعد سنوات (إلا إذا أرادت السلطة غير ذلك) ثم لا ينفذ إلا بعضها وبصعوبة؟

لماذا سيأتي مستثمرون من الخارج أو لا تهرب رؤوس أموال من الداخل في ظل هذه الأوضاع؟

-        أما عن الترويج السياحي الذي يطالب به بيان الحزب (نقطة 7) فهو مجرد لغو. فهل المطلوب هو استمرار خداع الناس بأن مصر هيَ بلد الأمن والأمان؟ وأن بها شمس دافئة وشعب عريق.. إلخ؟ ماذا عن تحقيق أمن المواطن؟ أليس هذا شرط لا غنى عنه لانتعاش السياحة؟ هذا الأمن يتمثل في القضاء على البلطجة والتحرش الجنسي وتطبيق قانون المرور وترميم الطرق المتهالكة وإلغاء المقطورات والسيطرة على السائقين متعاطي المخدرات ومحاسبة من يستغل السياح سواء المصريين أو الأجانب مثل سائقي التاكسي والبائعين ومقدمي الخدمات السياحية ومعاقبة الفنادق والمطاعم التي لا تلتزم بمواصفات الخدمات القياسية أو التي تقدم أطعمة غير صحية.. إلخ.

أليس من الضروري إلغاء التمييز في الأسعار بين الأجانب والمصريين وجعل العملة الوحيدة المستخدمة هيَ الجنيه المصري حتى لا يشعر السائح بأنه مجرد (نهيبة)؟ أليس من الضروري أن تتعامل الشرطة مع الناس بأدب واحترام وأن تطبق القانون دون إهانة وابتزاز وتحرش كما يحدث كثيرًا حتى في المطارات؟ هل يمكن الترويج للسياحة في بلد مليء بالقمامة وتكاد تخلو شوارعه من أماكن لوقوف السيارات ومن المراحيض العمومية إلا فيما ندر؟ وهل تنتعش السياحة في وجود بلطجية (كثير منهم رسميون) يحصلون الأموال من أصحاب السيارات لمجرد وقوفهم بجانب الرصيف؟! وهم يقتمسون الأموال مع الشرطة والمحليات. وهل تنتعش السياحة في بلد يتم فيه التهجير القسري للمسيحيين أحيانًا والقتل الخطأ من جانب رجال الأمن..إلخ؟

-        أما عن الصناعات الثقيلة فهيَ أحد مقدسات اليسار القديم؛ الناصري والدولتي عمومًا. فما هيَ الصناعات الثقيلة؟ غالبًا يقصد الحزب صناعة الآلات والمعدات الضخمة، وهيَ فكرة عفا عليها الزمن. فالآن صناعة المعلومات والبحث العلمي وإنتاج التكنولوجيا أكثر إنتاجًا للقيمة المضافة وأكثر محورية في صناعة الحضارة من صناعة الكراكات والأوناش والجرارت. وماذا يرى الحزب في صناعة الموبايلات وشاشات التلفزيون الحديثة وأشباه الموصلات وفلاشات الكمبيوتر..إلخ؟ هل هيَ صناعات ثقيلة أم خفيفية؟ الكلام الأحدث هو الاهتمام بصناعة السوفت وير وليس الماكينات لكن الحزب ما زال يفكر في انجلترا عام 1860.

وهنا تأتي نقط أخرى مهمة: المفهوم من النقطة 6 أن تتولي الدولة هذه المهمة، من الضرائب التصاعدية وترشيد الدعم والأموال المهربة للخارج. فهذه الفوائض لا تكفي حتى لسد عجز الموازنة الصغيرة أصلًا، لعام واحد. ومن مصادر الأموال المتاحة للدولة قطاعها الاقتصادي القابل للبيع شاملًا ممتلكات الجيش المدنية. ليس هناك أيُّ مبرر لكي تمتلك الدولة (والجيش في قلبها) مجمل الأراضي وتتاجر فيها، والنوادي ومؤسسات إعلامية وثقافية ضخمة وكثيرًا من المصانع والمؤسسات الخدمية؛ فهذه كلها مرتع للفساد والإدارة غير الاقتصادية.

عمليًّا لا تستطيع الدولة المصرية أبدًا القيام بعملية تنمية كبرى ولا مفر من فتح السوق للقطاع الخاص شرط أن يكون سوقًا حقيقيًّا يتسم بالشفافية والمنافسة وهذا مستحيل التحقق في ظل وضعية الدولة كأكبر تاجر وأكبر مستهلك وسيطرتها على معظم الاقتصاد. فمن الضروري لدفع الاستثمار الخاص فتح المجالات أمامه بآليات تتضمن تحرير الاقتصاد من سطوة البيروقراطية (بوضوح: الخصخصة). كما أن القضاء على الفساد في هذا البلد المتخلف لن يكون ممكنًا إلا بتحجيم الكعكة الحكومية إلى أقصى حد كما أشرنا.

وهناك نقطة أهم: إن إنشاء صناعات متطورة يحتاج إلى إعادة تأهيل العمالة وأهم خطوة في هذا الطريق هيَ تغيير نظام التعليم بالكامل من التعليم التلقيني والمغرق في الفقه والنظريات إلى تعليم حديث على النمط الغربي، وحفز البحث العلمي. وهذا موضوع طويل تصر الدولة على عدم التطرق إليه أصلًا.

-        من تقاليد اليسار الدولتي والقوميين المنادة المستمرة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والغذاء عمومًا حتى لا تتعرض البلد للضغوط الخارجية. وهذه الفكرة قديمة أيضًا وربما قبل حداثية. ففي هذا العصر لم تعد هناك أهمية لـ "الاستقلال الغذائي". فالمهم هو تحقيق أكبر قدر من القيمة المضافة بالإنتاج وهو ما تحققه أكثر من أي منتج آخر: السوفت وير. فحتى البلدان الغنية المتعيشة على أسعار البترول الاحتكارية لن تصمد طويلًا. وفي عصر العولمة يمكن لأيِّ بلد شراء ما يحتاج من الغذاء والكساء وحتى المياه إذا توفرت لديه الأموال اللازمة وكان بلدًا له ثقله في العالم من خلال مشاركته في صناعة العلم والحضارة. فالسوفت وير له أيضًا دور مهم في الزراعة الحديثة (الهندسة الوراثية مثلًا). فلتمتلك ما شئت من الأراضي الزراعية لكن لن تكون الإنتاجية قياسية ونوعية المنتج قياسية إلا باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وبهذه التكنولوجيا يمكنك أن تزرع حتى بدون تربة زراعية، كما يمكنك أن تنتج المواد المخلقة بديلًا لبعض المنتجات الزراعية (مثل الأخشاب والقطن والكتان والمطاط والصمغ مثلًا). فإذا كانت مصر بلدًا فقيرًا في الأراضي الخصبة والمياه فلماذا يتجه التفكير دائمًا إلى استصلاح أراض بتكاليف أسطورية يمكن استخدامها في التصنيع بقيمة مضافة أعلى؟

-        لم تشر مقترحات الحزب إلى مصدر كبير لدخل الدولة لا يتم اللجوء إليه، وهو القطاعات الاقتصادية التي لا تدفع ضرائب، مثل أرباح البورصة وتجارة العقارات الواسعة للغاية، وأنشطة تداولية أخرى..

-        هناك مشكلة لم تشر إليها مقترحات الحزب: الفقر المدقع، وهو ما يعني وجود أسر وأفراد بدون أي دخل أو ممتلكات، وهؤلاء يشكلون قنابل موقوتة أو متفجرة بالفعل في المجتمع، ولا يمكن تحقيق الأمن وبعض الاستقرار الاجتماعي المطلوب للتنمية إلا بمواجهة هذا الظاهرة. وهذا يتطلب أن تقدم الدولة معاشات معقولة للفئات المعدمة فورًا وتدبير أموال لهذا الغرض له أولوية كبيرة.

-        لم يشر الحزب إلى مسألة تجارة الدولة في الأراضي التي ليست إلا ملكًا للشعب. وإذا تم تقديمها مجانًا للمواطنين بنظام مناسب لأدى ذلك إلى المساهمة في خفض تكاليف المعيشة والإنتاج وحل مشكلة السكن للفقراء وهجر العشوائيات وضرب قطاع العقارات كوعاء ادخاري. وهذا في رأيي المتواضع من أكثر الإجراءات جذرية لحل مشاكل الاقتصاد المصري.

-        لم يتطرق الحزب إلى ظاهرة الانفجار السكاني المستمر منذ عقود. وهناك كلام (يساري) تقليدي يعتبر السكان قوة إنتاج يمكن استخدامها.. والحقيقة أن السكان هم أيضًا قوة استهلاك، وحين تكون نسبة الأطفال مرتفعة والفائض المتاح للاستثمار محدودًا لا يكون من الممكن استخدام كثير من السكان كقوة إنتاج، ولذلك لجأ بلد مثل الصين إلى تحديد النسل بقوة القانون. ويبدو أن هذا الحل هو المتاح في مصر الآن. فرغم الدعاية والدعوة لمدة تزيد عن 50 عامًا لتحديد النسل طوعيًّا استمر معدل المواليد شديد الارتفاع رغم استمرار الفقر.

-        التعاونيات بكل أنواعها: الإنتاجية والاستهلاكية والتداولية وسيلة فعالة لتخفيف مشكلة الفقر والبطالة، وهو ما أهملته مقترحات الحزب. وبالطبع ليس مطلوبًا من الدولة إنشاء تعاونيات بل فقط تعديل القوانين المعيقة لإنشائها وعملها، ولا بأس إن قدمت النصائح والإرشادات والتسهيلات لمن يريد إقامتها.

-        الشيء المهم الذي أغفله الحزب؛ لكونه حزبًا شرعيًّا، أن السلطة والطبقة الحاكمة المصرية ليست عاجزة فنيًّا عن تحقيق نمو اقتصادي، بل عاجزة سياسيًّا، بسبب تكوينها ومصالحها وانتماءاتها الاجتماعية. فليس من الصعب أن يقول كل ما سبق بعض الاقتصاديين والساسة المهنيين، لكن الصعب أن تكون هناك إرادة لدى الحكام لانفيذ أجندة تنمية.

والمعضلة الآن أنه لم يعد من الممكن للنظام القائم تحقيق عملية إنماء مؤثرة على الطريقة الناصرية لأسباب ليس هنا مجالها؛ فالطريق الوحيد الممكن للتنمية الاقتصادية هيَ التحديث الشامل واستبدال نظام حداثي تقدمي بنظام انتهى عمره الافتراضي هو نظام يوليو 1952، إلا إذا حدثت معجزة.

 

خلاصة:

لن تستطيع السلطة المصرية الحالية تحقيق إصلاح اقتصادي ولا حتى بمستوى عصر مبارك إلا بتحقيق عدة شروط:

1-    القضاء على العنف (أو الإرهاب) والحل الأمني وحده لم يعد كافيًا.

2-    تحقيق قدر واضح من أمن الشارع والمجتمع عمومًا.

3-    تطوير التعليم وإعادة تأهيل العمالة.

4-    إعادة بناء منظومة حقوقية مهنية وتطبيق القانون.

5-    إعادة بناء جهاز الأمن على أساس مهني.

6-    تقليل الفساد إلى حد ملموس.

7-    استعادة أموال الدولة المنهوبة واستحقاقاتها المؤجلة.

8-     تصفية القطاع العام.

9-    إلغاء الدعم بالكامل وتعويضه بالإجراءات سابقة الذكر.

10   - نظام ضرائبي عادل وفعال مع التخلي عن فكرة الجباية.

11-  القضاء على الفقر المدقع فورًا بدفع معاشات للمعدمين وإعاشة أطفال الشوارع والأسر المشردة.

 

 



 ([1]) خالد على، تحذير| التيار الشعبي: اقتصادنا في خطر.. الدين الداخلي 2 تريليون جنيه والخارجي 52 مليار دولار.. والاحتياطي تراجع لـ 16.3

http://albedaiah.com/news/2015/11/23/101038

الأحد، 15 نوفمبر 2015

عن السيسي في ذكرى وفاة هيجل

عادل العمري


تحل اليوم ذكرى وفاة فيلسوف ألمانيا العظيم. ولسبب ما أتذكره دائما.
اليوم تذكرت عبارته الشهيرة: "المعقول حقيقي والحقيقي معقول" What is rational is real
And what is real is rational
والتي ذكرها في تمهيده لكتاب: أصول فلسفة الحق:
والتي أساء فهمها كثير من اليساريين متهمين الرجل بتبرير الواقع وبالرجعية..إلخ.
المفهوم لمن يعرف هيجل أن وظيفة الفلسفة هي معرفة حقيقة أو علة الوجود وليس تحديد كيف يجب أن يكون. والمعقول هو الفكر المحض؛ المفاهيم التى لها مبرر عقلي وتكون بالتالي حقيقية لأن الفلسفة عند هيجل تبحث عن حقيقة العالم أو علته العقلية. فمقولات مثل الوجود والماهية والفكرة..هي مقولات عقلية يمكن استنباطها من بعضها البعض وهي مستقلة عن الأشياء الجزئية؛ العالم يمكن أن يوجد بدون الكرسي أو أسامة أو العمارة الفلانية لكن لا يمكن إلا أن توجد مقولات مثل الوجود والعدم والصيرورة. لذلك فالمقولات المجردة السابقة ضرورية عقليا، فهي إذن حقيقية أما الأشياء الجزئية فعارضة ووجودها غير ضروري للعالم عقليا (فكرة تشبه الجوهري والعرضي عند فلاسفة مسلمين).
أما عن السيسي فقد انتبهت وأنا أقرأ مقالات لبعض المطبلين أنهم يعتبرونه ضروريا بمعنى يقترب من المعنى الفلسفي لكلمة ضروري؛ فهو لديهم يكاد يكون مفهوما مجردا جاء من خارج الزمان والمكان لا يعتمد في وجوده على غيره مثل بقية البشر، بل هو الأصل وهو الحقيقي والمعقول. هذا عن الشخص أما عما ارتكبه من أعمال أضرت البلاد والعباد فهي تشبه الأشياء الجزئية عند هيجل؛ فهي عوراض لا قيمة لها في التحليل السياسي ووجودها غير حقيقي، بل قد تكون تمت بضغط النظام القديم أو الدولة العميقة أو أن الزعيم لديه حكمة ما لا نعرفها ستتضح فيما بعد. بل بلغ بأحد المطبلين (صديق سابق للأسف) أن اعتبره هو الذي منح الشرعية للدولة، أيْ أنه يمثل أصل الشرعية التي استمدها من التفويض رغم أن هذا الأخير كان لمحاربة الإرهاب لا للحكم، وهو وآخرون اعتبروه يمثل وحده النظام الجديد الذي يتشكل ضد النظام القديم الشرير الذي بالطبع يُعتبر وجوده عرضيا أيضا وسيزول حتما مقابل الوجود الحقيقي للسيسي، زعما.
إذن يكون السيسي هو المعقول والحقيقي وكل ما عداه عرضي وزائف وغير حقيقي.
هكذا تم تحويل شخص جزئي عارض بالطبيعة ومعبرا عن قوة اجتماعية هي الجيش إلى مفهوم مجرد وكلي مستقل عن الوقائع المحيطة ويتحرك بقوته الذاتية محققا غاية تحديث مصر كقدر مقرر سلفا كأنها حتمية.

أعلم أن ربط الموضوعين غريب لكنه طرأ على ذهني في هذا اليوم الذي توفى فيه واحد من أعظم الفلاسفة لا أعرف لماذا!!