هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 31 يوليو 2017

حول ظاهرة التبعية – التخلف


عادل العمري

كتب عام 1986، وقد جرت مياه كثيرة منذ ذلك الحين

" اليد المقطوعة ليست بيدٍ "
أرسطو




        لا يمكن إنكار وجود علاقة اعتماد متبادل بين البنى الاجتماعية – الاقتصادية المختلفة. وإذا كانت البلدان الرأسمالية تحتكر إنتاج التكنولوجيا فائقة التطور، فإنه لا يعد شيئًا ذا مغزى في حد ذاته بالنسبة للبلدان المتخلفة، ما لم تكن هذه الأخيرة مضطرة إلى استيراد تلك التكنولوجيا، ومضطرة أصلًا إلى استخدامها. وقد عاش العالم آلاف السنين بدون التكنولوجيا الحديثة، فلماذا لا يعيش العالم الثالث اليوم كما عاش العالم القديم، ولماذا يجد نفسه مضطرا للخضوع للسوق الدولي؟ كما أنه ليس من المستحيل على أيِّ شعب أمْ يبتكر وينتج ما يحتاجه على وجه العموم، فلماذا لا تقوم البلدان المتخلفة بكسر احتكار التكنولوجيا من جانب البلدان الرأسمالية؟ وإذا كانت الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسية تفرض أسعارًا احتكارية لمنتجاتها، فلماذا لا تفعل البلدان المتخلفة نفس الشيء بالنسبة لكل المواد الأولية التي تحتكر إنتاجها؟ بل ولماذا تكون مضطرة أصلًا إلى إنتاج وتصدير هذه المواد بالذات، بالرغم من أنها في معظم الحالات لا تستخدمها بنفسها، الهم إلا في أضيق الحدود. إننا هنا نكرر تساؤل أرجيري عمانويل: لماذا لايمكن لبلد بتخصص في زراعة الورد أمْ يحقق نفس مستوى التقدم ومستوى المعيشة الذي يتمتع به بلد صناعي، ولكننا نكرر هذا التساؤل من منطلق وبأفق مختلف، كما أننا نعتقد أنَّ أيَّ شكل من أشكال تقسيم العمل يمكن – نظريًّا – أمْ يتم على الصعيد العالمي بدون انبثاق ظاهرة التبعية – التخلف، وأن يتخصص بلد (أو بالأحرى في هذه الحالة: منطقة ما في العالم) في زراعة الورد بينما تتخصص منطقة أخرى في صناعة الأقمار الصناعية، بدون أنْ نجد مظاهر التبعية ومضاعفاتها. ولو نظرنا داخل أيِّ بلد رأسمالي لوجدنا أنَّ هناك قطاعات تنتج أنواعًا مختلفة من السلع بدون مضاعفات التخلف داخل أيٍّ من هذه القطاعات، وتكون المصلحة في جانب الفروع ذات التركيب العضوي المرتفع لكل من العمل ورأس المال، مهما كانت نوعية السلع التي تنتجها.
        إنَّ مفهوم التخصص غير المتكافئ لا يظهر لمجرد تقسيم العمل على الصعيد العالمي، وفي الواقع لم يبرز هذا المفهوم إلا في العصر الرأسمالي، ولم يكن ليبرز قط إلا لأنَّ الرأسمالية كطبقة لم تتجاوز قط – موضوعيًّا – النزعة القومية. وبذلك أنشئ السوق القومي انطلاقًا نحو التبادل الدولي وإنشاء سوق "عالمية". ولو افترضنا أنَّ الرأسمالية قد أصبحت طبقة عالمية واحدة وسادت في كل البلدان، بما في ذلك البلدان المتخلفة، فلن يكون من اللائق في هذه الحالة أمْ نطرح قضية الإمبريالية – التبعية (أيْ النمو المركب على الصعيد المحلي)، لأننا حينئذ سنكون أمام بنية اقتصادية عالمية واحدة، حيث لايكون بالإمكان تخصيص قطاع من الرأسمالية "العالمية" لخدمة قطاعات أخرى، لسبب بسيط، هو أنه لن تكون هناك قطاعات محلية أو قومية، بل قطاعات بالمعنى الاقتصادي البحث. فبلد يتخصص في زراعة الورد في عالمنا الحالي يختلف وضعه عن بلد يزرع الورد في الحالة التي افترضناها أعلاه. والقضية لا تكمن في وجود الدولة القومية أو الحواجز القومية، بل تكمن أساسا في التكوين ذي الطابع القومي للطبقة الرأسمالية، والذي جعل النظام الرأسمالي ينبثق في أوروبا واليابان ثم في استراليا وأمريكا الشمالية دون بقية العالم، الذي أدمج بطريقة قسرية في السوق الدولي.
        وقد برزت ظاهرة التبعية التخلف – كما يبدو لنا – نتيجة لقيام الرأسمالية الأوروبية بإدماج شعوب بدائية وبلدان قبل رأسمالية في السوق الدولي بطريقة قسرية (عسكرية واقتصادية كذلك..)، بحيث لم تطورها إلى الرأسمالية لأسباب تتعلق بمصالح الرأسمالية نفسها، وكذلك بواقع تلك الشعوب والبلدان قبل إدماجها في السوق المذكور فالظاهرة معقدة ولا تقتصر على تخلف التقنية أو التخصص اللامتكافئ المزعوم([1])، فالتخصص هو أحد تجليات التخلف وليس سببا له أو شكلاً لوجوده. وسوف نستعرض بسرعة تصورنا للظاهرة فيما يلي:
        أدى تطور القوى المنتجة في أوروبا في أواخر العصور الوسطى إلى تفكك الإقطاع إبتداء من القرن الرابع عشر، وصاحب ذلك ازدياد أهمية المدن وسكانها وسرعان ما تمت إعادة بناء السياسة الداخلية والخارجية لصالح تشجيع التجارة، كما تحولت الحروب الإقطاعية القديمة إلى حروب قومية للسيطرة على التجارة الدولية. وفي هذا السياق قامت إمبراطوريات ضخمة. بيد أنَّ السيطرة على تلك التجارة المجزية قد حسم في النهاية على مستوى قوى الإنتاج، فقد آلت السيطرة من أسبانيا والبرتغال إلى هولندا، فإنجلترا، لأسباب اجتماعية – اقتصادية، خاصة بالتحولات التي جرت في تلك المجتمعات في بنية الإنتاج نتيجة التراكم البدائي لرأس المال ونمو المانيفاكتورات؛ أول أشكال الإنتاج الرأسمالي.
        لقد عجل نمو التجارة الخارجية من نمو التجارة الداخلية، وأسهم في تفكيك الإقطاع، دون أمْ يعني ذلك نشوء الرأسمالية كعلاقات إنتاج. فليس نمو التجارة بحد ذاته هو الذي أقام نمط الإنتاج الرأسمالي، بل التراكم البدائي لرأس المال، الذي خلق الشروط الأولية للإنتاج الرأسمالي: قوة العمل الحر ورأس المال، والذي يمر بفعل تطور القوى المنتجة في الزراعة والصناعة. وقد استفادت عملية التراكم البدائي من سيطرة الأساطيل القومية على التجارة الدولية بدون شك، ولكن لا يمكن اعتبار هذه الاستفادة حاسمة على الإطلاق، فنمو الإنتاج السلعي والتجارة لا يعنيان بحد ذاتهما رسملة الإنتاج (بل أدى ذلك –على العكس – في شرق أوروبا في القرن الـ 15 إلى ما أسماه إنجلز بـ "القنانة الثانية"([2]). ولا نعتقد أنَّ النهب الخارجي كان له ذلك الدور الحاسم – كما تصور معظم اقتصاديي التخلف – في إقامة نمط الإنتاج الرأسمالي، فهذه الفكرة تخلط بين النقود ورأس المال، فتنظر للأخير على أنه مجرد ثروة، لا علاقة اجتماعية من نمط خاص.
        وجاءت الثورة الصناعية لتخلق السوق الدولي خلقًا جديدًا، فأنهت مرحلة الاستعمار التجاري، بعد أمْ نجحت في الداخل في القضاء على سيطرة رأس المال التجاري على رأس المال الصناعي. وانتهى الأمر بتصفية الاحتكارات التجارية الدولية الكبرى، بما يملكه بعضها من مصانع ضخمة. كما تراجع المقياس التجاري للنمو القومي وحل محله الاقتصاد السياسي، الذي يقيس النمو بالإنتاج وليس بكمية الذهب الصافية التي تدخل البلاد. كما صار هدف التجارة الخارجية خدمة عملية النمو في الداخل، وباتت مجرد امتداد للتجارة الداخلية للبلد الرأسمالي. وكان لابد أمْ يصاحب ذلك اضمحلال سياسية النهب المباشر. وقد أصبح الحصول على فائض القيمة هو هدف المستثمرين؛ ذلك الذي ينبثق في الإنتاج ويتحقق في التبادل. وتدور معركة التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية في السوق الدولي حول توفير أفضل الشروط لإنتاج فائض القيمة وتحقيقه. وفي هذا الإطار نشأت بنى التخلف، ولم يتم هذا بالطبع وفقًا لخطة موضوعة أو نتيجة للنوايا "الشريرة" للرأسمالية، بل كانت بنية التخلف نتاجًا لاصطدام التشكيلة الرأسمالية مع تشكيلات اجتماعية أخرى قبل رأسمالية ذات سمات مختلفة. أما اصطدم التشكيلة الرأسمالية بمناطق مثل استراليا وأمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا فقد أدى إلى إدخال الرأسمالية إليها، إذ تمت في هذه المناطق تنحية – أو إبادة – السكان الأصليين لحساب هجرة عناصر النمط الرأسمالي مباشرة: رأس المال والعمل الحر.
        إنَّ الرأسمالية هي الفاعل الأصلي – إنْ صح التعبير– في موضوعة التخلف، ولكن البلدان التي صارت متخلفة لم تكن مفعولًا به مجردا، بل مفعولًا به متعينًا، أيْ بنية اجتماعية ذات ملامح محددة.
        وكون الرأسمالية هي الفاعل الأصلي يتضح من تكون بنية التخلف في كيانات اجتماعية ذات أصول متباينة، ولكن ذات بنية متخلفة معاصرة لها خصائص جوهرية واحدة.
        مع الثورة الصناعية ثم إغراق الأسواق بالسلع رخيصة الثمن، وقد أدى ذلك إلى تحطيم الصناعات الحرفية في البلدان التي لم تنشأ فيها الرأسمالية. وكان ضمن أهم النتائج أيضًا إدخال نمط جديد للاستهلاك إلى البلدان التي صارت متخلفة (بجانب النمط الموروث)، ليس له أساس في البنية المحلية للإنتاج أو الثقافة، ولم يقتصر ذلك على الاستهلاك الفردي، بل و العام أيضًا؛ قطاع الأمن، أدوات القمع... إلخ، وعلى أساس ذلك اتسعت التجارة الخارجية بسرعة كارثية، وصار توفير صادرات للأسواق الأوروبية مسألة جد حيوية بالنسبة للمستعمرات وأشباه المستعمرات، ولم تعد أوروبا بحاجة إلى الدفع نقداً، بل أصبحت – مع الثورة الصناعية- بحاجة إلى المواد الخام الرخيصة، خاصة بعد تطور قطاع النقل.
        لقد جعلت الثورة الصناعية من الصناعة الحديثة قطاعًا قائدًا للاقتصاد، لا بالنسبة لأوروبا فحسب، بل كذلك بالنسبة للعالم كله؛ فالصناعة الأوروبية أصبحت قادرة على تشكيل وإعادة تشكل اقتصاد العالم بأسره. ومنذ إنشاء القطاعات التصديرية في المستعمرات، جرى تغير كبير في اتجاه تكون التخلف. ولم يكن النهب والسلب وتحطيم الحرف سوى مجرد مقدمات لهذه العملية. كذلك كان من الضروري أمْ تنشأ بنية أساسية جيدة لخدمة القطاعات التصديرية المقامة، من وسائل اتصال ونقل وموانئ وصناعات متخصصة لخدمة الخامات المصدرة وجهاز مصرفي قادر على تمويل التجارة الخارجية والإشراف على عمليات المقاصة التي أخذت في الانتشار. ومنذ ذلك الوقت أصبح النمو الاقتصادي يدور حول قطاع التصدير، وفي نفس الوقت أخذ القطاع الموجه للداخل في الاضمحلال.
        وتكمن البداية المنطقية للتخلف في تبعية نمط الاستهلاك، أما في بلدان مثل الولايات المتحدة وروسيا واستراليا؛ أكبر بلدان مستوردة لرأس المال في القرن التاسع عشر، فكان الطلب الفعال موجها لسلع منتجة محليًّا، ظل القطاع القائد في الداخل، وبذلك تحقق منذ البداية شرط أولي لاندماج رأس المال الأجنبي بالاقتصاد المحلي، ولاكتمال وسيلة البنية ككل. أما في البلدان التي صارت متخلفة فقد استمر ركود أنماط الإنتاج قبل الرأسمالية، وحين اصطدمت بها الرأسمالية من الخارج لم يندمج رأس المال الأجنبي بالسوق المحلي، لأنه قد سبق دخوله علاقات تبادل بطريقة أدت إلى تبعية نمط الاستهلاك، فتم إلحاق الاقتصاد بالسوق الدولي. ومهما قيل عن تطور الحرف المصرية والهندية فإن الإنتاج السلعي كان هامشيًّا في البنية وكان السوق المحلي محدودًا للغاية، بل وكان الإنتاج السلعي موجها – جزئيًّا – نحو الخارج، وقد اتجهت هذه العملية الأخيرة للنمو مع بداية الغزو الاستعماري. وباختصار لم يكن هناك طلب فعال على المصنوعات المحلية. وقد رأينا أنَّ الغزو العسكري وكافة أشكال النهب والتخريب لم يستطيعا تحطيم الحرف الهندية، بل استطاعت ذلك الآلة البخارية([3]). ولم تكن الهند بقادرة وقتئذ أمْ تنتج (ولا كانت آليات المجتمع تتضمن هذا) الآلة البخارية والآلات المناسبة لاستخدامها، وقد ظلت أنماط الإنتاج قبل الرأسمالية في هذه البلدان بركودها المعهود تعرقل عملية توسيع السوق ولا تشكل آلية ذاتية لعملية التوسيع هذه. وكان الأمر المناسب للرأسمالية الأوروبية الناشئة في ظل هذا الركود هو إدخال سلعها الجديدة من الخارج إلى الداخل بدون إنتاجها داخل هذه البلدان، عكسما حدث في أمريكا، حيث كانت عمليتي توسيع السوق الداخلي والنمو الرأسمالي الذاتيين تجبران رأس المال الأجنبي على الورود بسلعه المنتجة أساسا، لا بسلعة الاستهلاكية، حيث كان الطلب فعالًا على الآلات والتجهيزات والبحث العملي، وبمواصفات أمريكية خاصة، وكان نمط الاستهلاك خاص بسكان هذا البلد يتكون. وقد صار إدخال المصنوعات الأوروبية إلى العالم المتخلف يؤدي في أوروبا إلى نمو الطلب على المواد الخام، لا على الذهب والفضة. ولذلك بدأت الرأسمالية تنشئ القطاع التصديري في البلدان التي صارت متخلفة بعد تطوير وسائل النقل، حيث لم تكن أوروبا قادرة وقتها على سد حاجة صناعاتها من المواد الخام. فالتصدير مقابل الذهب والفضة يساوي في النهاية خسارة لأوروبا، إلا إذا كان بمقدورها أمْ تشتري من جديد بهذا الذهب وتلك الفضة من الخارج.
        ويؤدي ضيق السوق بالبلدان المتخلفة (والذي أعيق نموه مع الانتقال من المرحلة قبل الرأسمالية إلى التخلف، بسبب النمو المركب – التابع) إلى لجم عملية رسملة البنية ككل، وهذا العامل الأخير نفسه يلجم من جديد عملية توسيع السوق، وتتدعم هذه الدائرة المفرغة ببقاء أنماط الإنتاج قبل الرأسمالية وعجزها الذاتي عن التحول إلى الرأسمالية. ويمثل ازدواج نمط الاستهلاك في بنية التخلف أمرا جوهريًّا، وهو يستند إلى الازدواج بين التراث المحلي والتبعية للخارج، وفي كثير من تلك البلدان يستند إلى ازدواج أنماط الإنتاج؛ المستورد: الرأسمالي، والمحلي: قبل الرأسمالي.
        ويعود نشوء بنية التخلف – في الحقيقة – إلى أنَّ تنقيد الاقتصاد المحلي – لدرجة أو أخرى – لم يؤد ولم يأت في سياق تراكم بدائي، كما لم يكن نشوء التخلف انتقالًا تاريخيًّا، بل انقطاعًا في الصيرورة التاريخية لتلك البلدان.
        وقد ترافق مع نشوء التخلف كذلك توسع السوق الداخلي، فلم يقتصر الأمر على التصدير والاستيراد، بل برزت حول نمط الاستهلاك الجديد إمكانية نشوء قطاعات إنتاجية خاصة موجهة لسد حاجات الطلب المحلي على السلع المستوردة. فإذا كان ضيق السوق قد وقف حجر عثرة أمام رسملة البنية منذ البداية، فإن نمو طلب داخلي على السلع المستوردة كان يعزز من ضيق السوق بالنسبة للتنقيد الواسع، كما حفز نشوء إنتاج حال محل الواردات، وكان من الطبيعي ألا يؤدي إلى استكمال الرسملة لأنه نشأ في حدود الطلب على المستوردات. وقد أدى اتساع السوق المحلي – نسبيًّا – إلى إنشاء نظام نقدي، ولم يكن هذا يعني تكوين السوق القومي، فالسوق القومي هو السوق الرأسمالي، وليس من المتصور أمْ نتحدث عن وجود سوق قومي بدون الرأسمالية القومية و"قوانين" السوق الرأسمالي. ولذلك نكتفي بوصف ذلك السوق (في البلد المتخلف) بالسوق المحلي. وحيث أنَّ هذا السوق تابع لتوسع التبادل الخارجي ويعتمد إلى حد كبير على نمط الاستهلاك المستورد، نصفه بأنه سوق خارجي أيضًا، خارجي بالنسبة لبقايا ما قبل التخلف، أو بمعنى أدق للعنصر المتبقي منه؛ آثار الذات القديمة وكما قال بول باران، يعد هذا السوق ملحقًا بالسوق الداخلي للبلدان الرأسمالية([4]).
        كذلك أدى نشوء التخلف إلى نمو سكان المدن على حساب سكان الريف والصحراء، ولكن لا يمكننا أمْ نعد كل نمو للمدن بمثابة دليل على نمو الرأسمالية. وقد حدثت تلك النهضة للمدن حتى قبل نشوء الصناعة الحالة محل الواردات، وكنتيجة لنمو النشاط المالي وعمليات تجميع وتخزين المنتجات المعدة للتصدير. واتساقًا مع ذلك وجدنا أنَّ أكثر المدن تطوراً وأكبرها بصفة عامة هي الموانئ، بينما أدى – فيما بعد – نمو الصناعة إلى نمو مراكز صناعية. وقد ظل نمو سكان المدن يعبر أساسا وفي أغلب الحالات عن نمو القطاع  الثالثي  الذي  يخدم الإنتاج التصديري وإحلال الواردات.
التبعية الاقتصادية:
الاتجاه التاريخي لتطور مجتمع معين هو الاتجاه الذي يتطور عضويًّا عن التركيب الداخلي للمجتمع بحيث يكون وجود المجتمع المعني بالفعل يعني في جوهره – وجود مجتمع آخر بالقوة.
والمجتمع القديم في البلدان المتخلفة لم يكن مجتمع التخلف بالقوة؛ فحيث انتقلت إلى التخلف مجتمعات مشاعية ورعوية وإقطاعية من طرز متباينة، فإن هذه الأصول المتباينة تتضمن بالضرورة آفاقًا متباينة، ولكنها جميعًا إزاء القوة الطاغية للرأسمالية قد أدمجت في السوق العالمي وبشروط الأخير. لهذا لا يعد التخلف ظاهرة تاريخية – بالمعنى الماركسي للكلمة- بل كان انقطاعًا  في تاريخ هذه البلدان، حيث تم إلحاقها بشكل متعسف بالآخر. ومن هنا نعتبر التبعية هي جوهر التخلف. وتعود الفروق بين البلدان المتخلفة إلى عاملين: طابع التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية القائمة في هذه البلدان قبل انقطاع صيرورتها التاريخية، وآليات ومنحى عمل البلدان الرأسمالية. وليس من المستطاع دراسة التخلف إلا كلحظةMoment  في صيرورة الرأسمالية في الغرب. ولذلك تكون المحاولات التي تجري لدراسة الصيرورة المزعومة للبلدان التي صارت متخلفة مضطرة إلى التنويه مئات المرات بالتبعية وبتأثير البلدان الرأسمالية المتواصل والفعال عليها. ويرى كثير من المفكرين الماركسيين أنَّ البلدان المتخلفة هي – بمعانٍ متباينة – بلدان رأسمالية متخلفة، وطالما أنها رأسمالية تماما، مثل أوروبا، أيْ رأسمالية من حيث الجوهر، يصير التخلف لدى هؤلاء المفكرين مجرد إضافة إلى الشيء الجوهري، وتصبح الفروق حتى الكيفية منها، مع أوروبا هي فروق كمية في الحقيقة، فيصبح غياب أو ضعف الصناعة التجهيزية مجرد وجه للنقص (الكمي طبعًا)، ويصبح وجود قطاع أو عنصر قبل رأسمالي في الاقتصاد مجرد بقايا قبل رأسمالية، وإذا ما كانت هذه "البقايا" بارزة جداً يصبح المجتمع في طور انتقالي بين الإقطاع والرأسمالية، أما إذا لم يكن هذا الانتقال ممكنا فيسمى بالانتقال المحتجز (سمير أمين مثلًا)، دون أمْ يترتب على هذه النتائج إعادة نظر في البنية ككل. وإذا ما ظهر أنَّ الأمور معقدة للغاية يجري النظر إلى البنية المتخلفة كمجرد جزء من "الرأسمالية العالمية"، وتفقد كل تميزها الخاص، وذلك الذي نتناوله هنا باعتباره ظاهرة في التاريخ.
*****************
        تشكل الأطر القومية الأطر الحقيقية للرأسمالية، فلا طبقة رأسمالية بلا وطن (رغم أنَّ رأس المال – بما هو كذلك – لا وطن له). ورغم أنَّ تطور قوى الإنتاج في ظل الرأسمالية ينزع إلى تحطيم الأطر القومية، إلا أنه لا يتعدى النـزوع في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي. فالرأسمالي ينـزع إلى السيادة على السوق المحلي، عبر وسائل اقتصادية مختلفة، ينظمها قانون يعبر عن مصالح البورجوازية القومية ككل، أما في الخارج، فهو يحطم منافسيه، استنادا – بجانب قوته الاقتصادية – لجهاز دولته، وبقدر قوة اقتصاده القومي والقوة العسكرية للدولة بقدر ما يستطيع فرض مزاحمته على زملائه في السوق الخارجي. الرأسمالية إذن قومية وليست عالمية، من حيث النزعة والأفق، ويتمثل أساس هذه الحقيقة في أنها نشأت وحققت سيادتها على أنماط الإنتاج الأخرى في عدة بؤر في العالم، وهذه البؤر كانت القوميات المختلفة، وكان النشوء القومي للرأسمالية يحمل معه مصالحها القومية، التي صيغت في أشكال أيديولوجية وسياسية خاصة. أما التحول إلى ما فوق الإمبريالية، تلك النبوءة الكاوتسكية، فلم تتحقق حتى الآن، ولم تبرز أيُّ أمارات على إمكانية تحققها، على الأقل في المدى المنظور، باستثناء الوحدة الأوروبية المنتظرة([5]) والمشكوك في إمكانياتها.
        في السوق الرأسمالي يجري تحقيق فائض القيمة بفضل توفر حرية كل من رأس المال والعمل الحر، فتسري في هذا السوق "قوانين" الرأسمالية، وأهمها الميل لتساوي معدل الربح (حتى الربح الاحتكاري)، وتكوين سعر الإنتاج. ومثل هذه "القوانين" لا تتحقق خارج السوق القومي إلا على نحو عارض([6]). وإن سوق العالم – في الحقيقة – ليس إلا سوقًا عالميًّا بالمعنى الجغرافي للكلمة، ولكن ليس سوقًا رأسماليًّا عالميًّا، فهو يتكون من علاقات ثنائية ذات مستويات متعددة للغاية بين مختلف البلدان، طبقًا للاتفاقيات والحواجز الجمركية والتعهدات وموازين القوى العسكرية..إلخ. وينطبق الأمر نفسه على المنظمات الرأسمالية كالسوق الأوروبية المشتركة التي لا تزيد عن بضع اتفاقيات متبادلة لا تتطابق أبداً مع أسعار إنتاج عالمية مزعومة([7]). وفي الواقع تتحدد أسعار البضائع التي يجري تبادلها على نطاق واسع، كالقمح والبترول من خلال المنافسة الاحتكارية بين الشركات الكبرى في الغرب، فلا توجد علاقة مباشرة بين السعر العالمي لمعظم هذه المنتجات وأسعار البيع للمستهلك داخل البلد نفسه. ويمكن أمْ نعتبر هذا السوق رأسمالياً من حيث طبيعة القوى المسيطرة عليه. ولهذا كله تؤدي رؤية التخلف كواقع رأسمالي من حيث هو فاضح لسوق رأسمالي عالمي مزعوم، إلى إخفاء الحقيقة الداخلية لظاهرة التخلف ذاتها، والتعامل معها من خارجها. ويصل الأمر إلى مداه حين تفهم ظاهرة التبعية هي الأخرى كمجرد علاقة مباشرة (خارجية) بين البلد المتخلف والبلد الرأسمالي. والعودة إلى مرحلة نشوء التخلف تظهر لنا أنَّ الرأسمالية لم تكتف بجر هذه البلدان إلى السوق العالمي من أذنيها، بل لقد دخلت أحشاءها، بإقامة قطاعات التصدير، وإدخال نمط استهلاك غريب عليها، وإعادة صياغة البنية الاجتماعية- الاقتصادية ككل. ولذلك تكون التبعية أمرا خاصاً بالبنية نفسها، التي تتكيف مع السوق العالمي، بمعنى أنها تكون كلها تابعة للرأسمالية. ويعاد إنتاج نفس البنية باستمرار، بالشكل وفي الاتجاه الذي يلائم التطور العضوي للرأسمالية في الغرب.
        والتبعية بهذا المعنى ليست إلا جوهر التخلف نفسه، الذي يعاد إنتاجه من الخارج أساساً، من خلال التجارة الخارجية. فبواسطة الطلب الفعال في البلدان الرأسمالية، يتم إنشاء وإعادة إنشاء القطاعات التصديرية في البلدان المتخلفة. ويدخل تصدير رأس المال إلى هذه البلدان لحفز تلك العملية بالذات، فهو يأتي في سياق تدعيم وتطوير التبادل الدولي، فيعظم من عملية التبادل دون أمْ يحل محلها. ولذلك ليس من الصحيح أنَّ تصدير رأس المال كان مرحلة تالية لمرحلة أخرى لتطور السوق العالمي، هي تصدير السلع، بل كان التبادل وظل هو الآلية الأساسية والمباشرة لإعادة إنشاء التخلف، بينما جاء تصدير رأس المال في مرحلة تالية كمعزز لهذه العملية، من خلال رسم التقسيم الدولي للعمل. ويمكن تلخيص العملية كالتالي: تأتي واردات أجنبية إلى البلد المتخلف لسد حاجات الاستهلاك المحلي، بتعديل نمط الاستهلاك المحلي بواسطة بضائع أكثر تطوراً وجاذبية، وبعد ذلك تضاف عملية أخرى، هي سد حاجات قطاع التصدير والإحلال محل الواردات، من تجهيزات وآلات... إلخ؛ وكما أشرنا من قبل، تمتد التجارة الخارجية للبلد المتخلف إلى الداخل، فينمو السوق المحلي، وتقوم التجارة الداخلية بنفس دور التجارة الخارجية، فهي امتداد لها في الداخل، وبواسطة التجارة تتم إعادة إنشاء التخلف باستمرار، وبذلك تقود التجارة البنية، بمعنى أنَّ التبادل لا يكون – كما في الرأسمالية – تابعًا للإنتاج، بل بالعكس، يتم بتوسط كل من الإنتاج وإعادة الإنتاج، متوافقًا مع حاجات السوق العالمي. وإذا أضفنا ما أشرنا أليه سابقًا من أنَّ نمط الاستهلاك التابع يحفز نمو قطاع التصدير فإن السلسلة تكتمل، فبدلًا من الصيرورة التي تجري في التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية: الإنتاج – التبادل – التوزيع – الاستهلاك، نجد هنا العكس، فالاستهلاك؛ المتغير المستقل، يخلق التبادل، فبدلًا من دفع الذهب والفضة يتم إنشاء قطاع التصدير، وبذلك يتم الإنتاج، أما التوزيع فيتم أثناء هذه العمليات الثلاثة. وعن طريق التبادل يعاد إنتاج نمط الاستهلاك. أما إحلال الواردات فيتضمن استيراد صناعات معينة من الخارج تطرد – في الغالب من المتروبولات، بالإضافة إلى وجود دافع للتغلب على قصور القطاع التصديري عن تغطية المستوردات التامة الصنع. وهكذا، يكون التبادل (الخارجي والداخلي كامتداد له) هو الذي يعيد إنتاج البنية كلها. ولدى إنشاء وإعادة إنشاء التخلف من الخارج لا تتراجع مصادر الفائض قبل الرأسمالية، بل تقوم بدور هام في البنية، ولا تمثل مجرد بقايا، وهي تعزز بشدة من هيمنة التجارة على الاقتصاد كله. فوجود مصادر للفائض من خارج الإنتاج الرأسمالي (إنتاج فائض القيمة) يمنح أصحاب رأس المال سواء من التجار أو أصحاب المشاريع المنتجة إمكانية تحقيق أرباح من خلال التبادل الصرف، بالإضافة إلى الأرباح المنتزعة من عمالهم. وهذا – في حد ذاته – يعزز من سطوة رأس المال التجاري ويمنحه درجة من الاستقلالية عن رأس المال الصناعي، الذي يصبح هو الآخر، وبنفس الآلية، جزئيًّا على الأقل رأسمالًا صناعيًّا تجاريًّا، ويكون الرأسمالي الصناعي في الحقيقة تاجرًا صناعيًّا بقدر عظم الفائض الذي يحققه في التبادل. من هنا يهيمن رأس المال التجاري على البنية ككل، ويعيد إنتاجها، ويفرض عليها الطريقة التي تناسبه في العمل([8]). ومغزى هذا أنَّ السوق المحلي للبلد المتخلف لا يخضع لرأس المال الصناعي المحلي ولا لقوانين السوق الرأسمالية. إنَّ الرأسمالية تسود في هذه المجتمعات من الخارج، عن طريق رأس المال التجاري، ويكون رأس المال الصناعي مجرد نقطة مرور لعمليات التبادل([9])، والسند المحلي لهذه الواقعة هو أنماط الإنتاج قبل الرأسمالية أو مصادر الفائض الخارجية. ولذلك لا يمكننا أمْ نتكلم – بخصوص هذه البلدان عن سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي أو غيره، فالتبادل يخضع الإنتاج، والإنتاج ذو طابع مركب ولا يعيد القطاع المنتج إنتاج نفسه بنفسه، وإنما يعاد إنتاج البنية ككل من الخارج، باستثناء القطاعات المعزولة عن السوق العالمي. أما سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي فتساوي هيمنة رأس المال الصناعي، ليس على قطاعات الإنتاج الأساسية فحسب، بل وأيضًا على رأس المال التجاري، فيحدد معدل الربح الوسطي وسعر الإنتاج، وهذا الوضع غير متحقق في البلدان المتخلفة.
        وكذلك يتم انتقال بنية الأسعار من الخارج إلى الداخل، فلا تتحدد أسعار السلع بأسعار إنتاج محلية، ولكن بالأسعار الاحتكارية للشركات الرأسمالية الغربية، ويتحدد على أساس ذلك معدلات الأرباح المتعددة داخل البلد الواحد، وكذلك الأجور المتفاوتة للغاية داخل نفس البلد([10]). وبتبلور مغزى التبعية في كون القطاع القائد للاقتصاد المتخلف؛ الطلب الفعال على إنتاجه، يوجد في البلدان الرأسمالية، أما في الداخل فلا يوجد قطاع قائد يستطيع أمْ يوجه مجمل عملية الإنتاج وإعادة الإنتاج. وهذه هي القضية الجوهرية في ظاهرة التبعية، والتي تتعدد أشكالها ودرجاتها ومظاهرها وتجلياتها. ويكمن مفتاح التبعية – التخلف كله في موقع القطاع القائد، وتكمن أهمية الأخير في أنه يشكل طلبًا هائلًا بالنسبة للحجم الكلي للاقتصاد، للدرجة التي يدفع بها مختلف قطاعات الإنتاج إلى التكون والنمو المتمحور حوله، ويكون هو نفسه قادرا على النمو الذاتي لأسباب تكمن داخل المجتمع نفسه. وتحتل صناعة المعلومات الآن موقع القطاع القائد في الاقتصاديات الرأسمالية المتطورة، وهي تشكل الطلب الأكثر تأثيرًا في السوق كما تشبع طلبًا فعالًا لكافة الأنشطة الاقتصادية، أما في البلدان المتخلفة فالأهمية البارزة والمطلقة للتصدير توضح لنا أين يوجد القطاع القائد؛ في الخارج.
        وتختلف مقولة بنية التخلف عن مقولة التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية؛ فالتخلف بنية مفككة لا يسودها نمط إنتاج، وبالتالي لا يوجد "مفهومه" داخله، بل خارجه، فهو – من حيث الجوهر- بتمثل في التبعية للبلدان الرأسمالية وكان من الطبيعي أمْ يتلازم مع نشوء التخلف تكوُّن جماعات مصالح من التجار والسماسرة ورجال المال وملاك الأراضي... إلخ. داخل البلدان المتخلفة، ثم تبع هؤلاء رجال الصناعة أيضًا (صناعة حالة محل الواردات ثم صناعة تصديرية). وهذه الجماعات تنمو باضطراد مع نمو التخلف، وهي تستفيد من هذه العملية، حيث أنَّ مصالحها مرتبطة بتلك البنية، فهي فئات تحصل على الفائض الاقتصادي بأساليب تتلاءم مع وضع بنية التخلف، بل وتحقق أرباحًا محترمة على حساب الشغيلة، والتبعية شرط ضروري لدخلها الضخم، وذلك أنها تتعيش على عملية إعادة إنتاج التبعية – التخلف. وان كانت تتطلع من حيث لآخر إلى تحقيق مزيد من الأرباح على حساب هذه الرأسمالية أو تلك، فإنها لا تجرؤ أبدا على فك روابط تبعيتها للسوق العالمي([11])، وهي في أفضل الأحوال "تناضل" من أجل زيادة معدل نمو التخلف؛ الإسراع في إعادة تكييف اقتصادها مع حاجات السوق العالمي، وهي إنْ كانت تسعى للاستفادة من التناقضات الدولية فإنها لا تنسى أنها تعيش بقدر محافظتها على التخلف.
******************




([1]) تبنى أرجيري عمانويل هذه النظرية، في كتابه: التبادل غير المتكافئ، وكذلك سمير أمين (التبادل غير المتكافئ).
([2]) تناول هذه الظاهرة بالتحليل موريس دوب، دراسات في تطور الراسمالية، ترجمة: رؤوف عباس حامد، دار الكتاب الجامعي، القاهرة، ص ص 55 – 59.
([3]) ماركس، الحكم البريطاني في الهند. نشرت ضمن كتاب ماركس – إنجلز : في الاستعمار، دار التقدم، موسكو، 1971، ص ص 22 – 31.
([4]) الاقتصاد السياسي للتنمية، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، دار القلم، 1967، ص 279.
([5]) حتى الشركات متعددة الجنسية والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية، التي تبدو فوق قومية، تظل خاضعة لسيطرة رأسمالية بلد معين أو أكثر وفي الحقيقة يعتبر استمرار وجود الدول القومية دليلًا على استمرار الطابع القومي للرأسمالية.
([6]) تختلف الأجور ومعدلات الربح، حتى بين البلدان الرأسمالية الكبيرة والمتجاورة جغرافيًّا. ويقيد الاحتكار من حرية حركة رأس المال بين هذه البلدان، ومن الواضح أنه حتى في حالة وجود حرية حركة كاملة لرءوس الأموال على الصعيد العالمي، فإنه لابد أنْ يتبع بميل لتسوية معدل الربح، وبالتالي تكوُّن سعر إنتاج عالمي.
([7]) سوف يتغير الوضع في أوروبا بالطبع مع تحقيق الوحدة الأوروبية المرتقبة.
([8]) يقوم رأس المال في هذه الحالة بنوعين من النشاط؛ فباعتباره ممثلًا لرأس المال الصناعي في البلدان الرأسمالية ينتمي للنظام الرأسمالي، وباعتباره مهيمنًا على الإنتاج في البلد المتخلف يقوم بدور قبل رأسمالي. أي أنه رأسمال تجاري ذو طابع مزدوج: رأسمالي – قبل رأسمالي. ويعبر هذا التركب عن الطابع المركب للتخلف نفسه.
([9]) يشمل النشاط التجاري تجارة السلع والخدمات والأنشطة المالية، تأجير العقارات. كما نضع ضمنه أيضًا النشاط المصرفي على أساس أنَّ البنوك في البلدان المتخلفة تمول أساساً الأنشطة التجارية.
([10])  سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي، ترجمة: حسن قبيسي، دار ابن خلدون، بيروت، ط2، 1978، ص 364.
([11]) كتب المقال عام 1986، قبل دعوة العولمة وقبل تحول عدد من البلدان المتخلفة التابعة إلى بلدان رأسمالية.

ليست هناك تعليقات: