ردود أفعال المصريين تجاه وباء الإنفلونزا
عادل
العمري
11 مايو 2009
كل شعب يستحق حكومته
جان جاك روسو
|
بعد ظهور مرض إتش 1 إن
1 وبسرعة مدهشة لم نعتاد عليها أصدرت الدولة في شخص رئيسها قرارا بالتخلص من كل
الخنازير في مصر. ولكن اتضح بعد ذلك أو أعلنت السلطات الطبية المسئولة في العالم
أن الخنازير لا علاقة لها بهذا المرض وأنها غير مصابة به أصلا. ولكن القرار كان قد
صدر من الرئيس شخصيا، ولذلك كان على وسائل الإعلام والمتحدثين الرسميين باسم
النظام أن يصروا على صحة القرار. وللتبرير أعلن بعض ممثلي الدولة أن القرار لا
علاقة له بانفلونزا اتش 1 ان 1 وأن الهدف هو إعادة تربية الخنازير في مزارع مناسبة
وخارج الكتلة السكانية.. ومع ذلك مازال رجال الإعلام من الحكومة والمعارضة يسمونها
انفلونزا الخنازير ويحذرون الناس من الاختلاط بالحيوان المسكين ..
أما على المستوى الشعبي
فالناس مازالت تظن أن المرض يأتي من الخنازير وليس من البشر ويسود الرعب حتى من
جامعي القمامة لأنهم يحتكون بالخنازير.
إذن لم يستطع لا الرأي
العام ولا الدولة ولا الإعلام في مصر استيعاب أصل المرض المذكور بعد أسابيع من
ظهوره!!
والشيء الفريد أن
العداء للخنازير أخذ منحى دينيا لأن الإسلام حرم أكل لحومها، فصارت عدوا للبشرية
وبكل حماسة راح رجال الدين يحرضون الجماهير على تلك الحيوانات المسكينة، ويتضح من
كثير من تعليقات قراء الصحف مدى المشاعر العدائية تجاه هذا الحيوان. وبدأت مذابح
جماعية لها بل راح بعض العمال يلقون بجثثها في طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوي
لتدوسها السيارات، بل و بدأت محافظة الجيزة بدفنها حية (طبق القرار حسب صحيفة
المصري اليوم ب 2200 خنزير).
الواضح أن السلطة وجدت
موضوعا تشغل به الرأيَ العام على شاكلة كثير من أفلام هوليود التي تقدم وحشا كاسرا
يهدد الناس فتقوم الدولة بقتله..هكذا صور الخنزير على أنه وحش قاتل وبدأت ضده
الحرب المقدسة. في البداية ظنت الدولة أن الخنازير هي فعلا التي تسبب المرض
وانتهزت الفرصة لإعلان الحرب، وبعد افتضاح أمر جهلها راحت تبرر القرار تبريرات لا
تدخل عقل أيِّ طفل، فمن يستحق العقاب في الواقع هم مربو الخنازير، الذين يطعمونها
القمامة، وكان يمكن نقلها لأماكن مناسبة هي وبقية الحيوانات مثل الخراف والبقر
والطيور، كما أن الخنازير ليست مصابة
بالانفلونزا وليست مصدرا للمرض أصلا.
والملفت أن وزارة
الصحة والمؤسسات الطبية المصرية عموما قد فشلت بل لم تبذل حتى جهدا كافيا لتعريف
الناس بحقيقة المرض وبعدم مسئولية الخنازير عنه.
أما الرأي العام
المسلم فوجد شيئا ينفس فيه عن نفسه، فالخنازير حرام وأصبحت رسميا العدو الأول
للشعب وكانت فرصة لشن حرب جهادية ضدها.
وبالمرة استخدم
الموضوع في التشهير بالمسيحيين وكأن الخنزير هو حيوانهم المقدس، أما الكنيسة فسارت
على الدرب خوفا من الحكومة ومن غضب المسلمين، فأعلن رجالها موافقتهم على قتل
الخنازير، رغم أن الكنيسة لا تربيها ولا علاقة لها بالأمر أصلا، ولا يقتصر تناول
لحومها على المسيحيين بل هناك من يأكلها من المسلمين أيضا وكثير من المسيحيين لا
يأكلونها تأثرا بالثقافة الإسلامية السائدة. لقد تحرك المصريون مثل أيِّ قطيع من
الحيوانات خلف حكومتهم التي استغلت مشاعرهم المكبوتة وعقليتهم الهمجية، فخلقت لهم
عدوا وهميا، وابتلعوا هم الطعم اللذيذ.
لقد صارت مصر أضحوكة العالم كما حدث مرارا من قبل، ففي الماضي منع
أحد الحكام أكل الملوخية وآخر منع أكل وتجارة اللحوم لمدة شهر!!
وما حدث إنما يدل على
الحالة الثقافية المصرية: انحطاط حضاري عميق: فلم يستطع الرأي العام أن يفهم
معلومة واضحة ومعلنة في العالم كله: أنَّ المرض لا علاقة له بالخنازير، وأن
الخنازير ليست مريضة أصلا، كما أيد إبادة الخنازير المصرية بدلا من نقلها لأماكن
ملائمة وهو التصرف المتحضر والمعقول حتى من الناحية الاقتصادية، كما كانت طريقة
التخلص منها لا إنسانية على الإطلاق بل همجية تماما وتعامل الناس بسفالة مع جامعي
القمامة لاحتكاكهم بالخنازير وكأنهم ميكروبات معدية. لقد اجتمع الغباء والجهل
والقسوة والهمجية معا، مضاف إليهم الطائفية والتدين على الطريقة الوهابية: قتل
المخالفين، حتى لو كانوا حيوانات!!
فإذا كان هناك من
يستحق المحاسبة هم مربو الحيوانات عموما ومنها الخنازير والدولة التي سمحت
بتربيتها وسط السكان وعلى أكل القمامة ولم تمارس أيَّ إشراف صحي ولا بيئي عليها،
بل ولم تحمها من المربين المجرمين فعلا. ولكن من سيحاسب من؟؟ فالشعب المصري نفسه
غير مستعد أن يفهم حتى الحقائق الواضحة والمعلنة عالميا وتحركه أحقر المشاعر: التعصب
الأعمى، خصوصا إذا وجد من الدين ما يبرره له.