عادل العمري:
14-8-2010
تحركت النخب بشكل فعال فى موضوع خالد سعيد، ولكن لم تتكلم فى مأساة كاميليا ومن قبلها
وفاء قسطنتين (باستثناء الإسلاميين الذين تكلموا من منطلق دينى عنصري كالعادة) رغم
أن المأساة أشد عمقا، ففي حالة خالد سعيد قام اثنان من المخبرين غالبا بتحريض من
ضباط شرطة بقتل خالد وتورطت الداخلية بسبب غبائها المعهود في الدفاع عن المخبرين
وأصبحت غير قادرة على التضحية بهما بعد أن تورط كبير الأطباء الشرعيين ووكيل
النيابة وقيادات الداخلية ومع صمت رئيس الحكومة ورئيس الدولة نفسه.
ولكن في حالتي وفاء وكاميليا ارتكبت الدولة جريمتها مع
سبق الإصرار والترصد، ليس فقط كتعذيب منهجي قام به أفراد من الأمن أو جهاز فرعي بل
كخطة مبيتة وموضوعة من قبل أعلى سلطات الدولة للتنكيل بالسيدتين.
وأنا أتكلم كمجرد مواطن مصري علماني حتى النخاع. فوجود
اضطهاد للمسيحيين لا يعطي الحق للكنيسة في أن تصبح جهاز دولة، بل وجهاز دولة قمعي
وطائفي يمارس هو الآخر التعذيب المنهجي ضد المتمردين عليه. وكانت الجريمة فجة
للغاية في حالة كاميليا بالذات. فالواضح من سرد حدث غيابها أنها قررت الابتعاد عن
بيتها وحياتها العائلية بالكامل، إذ تركت لزوجها كل ما لديها من مال. وحين قبلت
مباحث أمن الدولة مبدأ البحث عنها (وهذه وظيفة الشرطة العادية) بدأت تتكشف أبعاد
الجريمة واتصلت حلقاتها بالقبض على السيدة بدون تهمة ثم تسليمها للكنيسة وليس حتى
لأسرتها، ثم أعلنت الكنيسة أن حالتها الصحية شبه ميئوس منها وهذا يعني أنها غالبا
تعرضت للتعذيب
الشديد (قال الأنبا أغابيوس إن كاميليا تخضع للتأهيل النفسي لـ«غسل مخها المغسول»)...
والتنكيل – ربما حتى الموت – يحدث في هذه الحالة لسبب
يبدو دينيا طائفيا فليس من المعقول أن تقوم الكنيسة بتسلم وتعذيب مواطنة لمجرد
أنها مسيحية تركت بيت الزوجية، فلابد أن هناك دافعا أقوى بكثير. والواضح أيضا أنه
يتم بقبول واضح من جهاز الدولة الرسمي بل ومن أعلى السلطات. وقد تحركت الكنيسة منذ
البداية بتشجيع ومباركة البابا شنودة شخصيا وإذا أنكر فقد علم تماما أن كاميليا
تحت يد الكنيسة منذ أيام وأن حالتها الصحية سيئة...إلخ، فماذا فعل؟؟. إن اضطهاد
المسيحيين في مصر ظاهرة واضحة لا لبس فيها، ولكن أن يصبح هذا مبررا لتحول الكنيسة
إلى حكومة وجهاز أمن لتوقيع مزيد من الاضطهاد على المسيحيين فهذ ما يستوجب هبة أشد
قوة من هبة المجتمع المدني في موضوع اغتيال خالد سعيد. والمتهم هنا هو جهاز الدولة
كله ومؤسسة الكنيسة بل وربما الرأي العام المسيحي أيضا الذي يبارك معظمه قمع
المخالفين وخصوصا المتحولين دينيا.
وليس من المتصور أن الكنيسة صارت أقوى من الدولة الرسمية،
بدليل أنها تتعرض للقمع من حين لآخر، وتفشل في الحصول على أبسط حقوق الأقباط، ولكن
يبدو أن الدولة تقدم لها بعض "المكاسب" الوهمية في سبيل ضمان استمرار
تأييدها لمشروع التوريث.
للأسف مجمل
المسيحيين المصريين مغيبين مثلهم مثل معظم المسلمين: فبدلا من القيام
بمناهضة الطائفية والنضال من أجل مجتمع علماني راحوا يسلمون مقاديرهم للكنيسة، وهي
سلطة- أبشع من سلطة أمن الدولة- لتستخدمهم كمجرد ورقة للضغط على الحكومة لانتزاع
بعض السلطات والمزايا.