الأربعاء، 29 يناير 2014

تلخيص الوضع المصري




عادل العمري

هذا الكلام لن يعجب "الثوار" ولا الشعبويين ولا القومجية، وهو تصوري الخاص عما حدث منذ نهاية مبارك:

-       وصل نظام مبارك إلى الدرك السفل بعد أن دمر مقدرات البلد رغم أنه حقق معدلا مرتفعا للنمو الرديء حسب تسمية المنظمات الدولية لهذا النوع من النمو الاقتصادي. قابل هذا انحطاط شديد للتعليم ولمستوى قوة العمل وتدهور ثقافي شديد في إطار حظيرة فاروق حسني، ناهيك عن تدهور قيمي وتراجع واضح عن الدولة الحديثة لصالح دولة – عائلة وسلطة مشخصنة لا تعترف لا بالقانون ولا بالدستور وتتصرف وفقا لمصالحها الضيقة، وبالطبع صار مستوى معيشة الطبقات الدنيا شديد الانحطاط وصارت البطالة واسعة الانتشار وأصبح التسول من أهم مصادر الدخل للفقراء.  هذا الوضع هدد بانتفاضة شعبية على غرار 18 يناير 1977. ليس هذا فحسب بل تمادى مبارك  وقرر توريث الحكم لابنه مما يعني استمرار نفس النظام لعدة عقود أخرى وتوج هذا الطموح بالتزوير الفج لانتخابات البرلمان في 2010. هكذا صار ظهر الجمهرة العظمى من المصريين للحائط  وأصبح أمامهم طريق واحد: الانتفاض. أي فقد النظام جل شعبيته.
-       لم يكن الجيش راضيا لا عن مشروع التوريث ولا عن مافيا جمال مبارك المسماة بالحرس الجديد فقرر تشجيع الانتفاضة المرتقبة.
-       أما الأمريكان فاعتبروا النظام مكروها شعبيا مما يهدد بحدوث انتفاضات أو ثورة قد تشكل تهديدا لنفوذهم في الشرق الأوسط.
-       شجع الأمريكان والغرب عموما مشروع الثورة السلمية وهذه بالتأكيد لا تكون ثورة جذرية أبدا وهي عمل من شأنه قطع الطريق على الثورة التي كانت لتحدث إذا خرجت الجماهير الفقيرة بطريقتها المعهودة.وهذا من خلال التدريب والتمويل وتشجيع منظمات المجتمع المدني تحت مسمى تشجيع الديموقراطية...إلخ.
-        جاءت مظاهرات 25 يناير 2011 المنظمة عبر الانترنت ثم انضم الإخوان المسلمون في جمعة الغضب وخرجت جموع شعبية لكن ظلت السيطرة في أيدي أصحاب السلمية والتحالف مع الجيش( الجيش والشعب إيد واحدة). كما خرج الجيش رافعا شعار: "الجيش والشعب إيد واحدة" وسمح بكتابة شعارات الانتفاضة على الدبابات وراح يحمي منشآت الحكومة والمناطق الهامة وبذلك تم منع حدوث انتفاضات عنيفة أو تحجيم كمية العنف، واستمرت الانتفاضة في مجملها سلمية فيما عدا حالات مهاجمة أقسام الشرطة والسجون.
-       انتهت هذه المرحلة بالتخلص من "الحرس الجديد" ومعه جزء من"الحرس القديم" لصالح الجيش الذي قرر التحالف مع الإسلاميين لوقف أصحاب الثورة السلمية من أبناء الطبقة الوسطى، والذين انتهت مهمتهم.
-       بدأ الجيش تسليم السلطة للإخوان تحت ضغط عدة عوامل: للاستفادة من شعبيتهم الكبيرة – ضغوطهم الشديدة عليه وتهديدهم بإشعال ثورة جديدة ضده - ضغط الأمريكان الذين أرادوا استبدال نظام مبارك المهتريء بنظام يتمتع بشعبية كبيرة ويقدم لهم ما قدمه مبارك وأكثر ويستطيع كبح جماح تنظيم القاعدة وأمثاله وطبعا منظمة "حماس".
-       من المحتمل أن كل من الجيش والأمريكان قررا بالفعل أسر الإخوان في السلطة وفضح عجزهم للتخلص منهم فيما بعد ولكن هذه الخطة مستبعدة إلى حد ما لأن نتائجها لم تكن مضمونة.
-       كان الطابع الطائفي المغلق لجماعة الإخوان وما أدى إليه من غباء سياسي منقطع النظير العامل الأول وراء فشلهم، حين قرروا الاستحواذ على كامل السلطة وإقصاء القوى الأخرى والإصرار على إصدار دستور بدائي وقرارات محمد مرسي القمعية واستخدام ميليشياتهم الخاصة ومحاولات تفكيك الجيش والشرطة..إلخ، يليه مخططات رجال الأعمال "الفلول" والجيش والأمريكان لإفشالهم؛ من إشاعة عدم الاستقرار الأمني وبالتالي تطفيش الاستثمارت وإحجام أصدقاء الأمريكان الكبار في الخليج عن تقديم الدعم وافتعال أزمات الوقود والكهرباء. ثم كان دور الإعلام هاما للغاية في إثارة الرأي العام ضدهم بفضح ممارساتهم الغبية وتضخيم بعضها والتشكيك في كل مشاريعهم. هكذا أصبحت شعبيتهم في الحضيض.
-       هنا قرر الجيش ضرب ضربته: رفض بعض قرارات مرسي وتشجيع الناس على التمرد ضد الحكومة والتعهد المتكرر بحماية الشعب وعدم السماح بقيام حرب أهلية...ثم  إنشاء حركة "تمرد" ودعمها ثم إصدار الإنذار الشهير ومنح محمد مرسي أسبوعا ثم 28 ساعة..ثم جاء الانقلاب.
-       منذ 3 يوليه يحكم تحالف 30 يونيه: الجيش و"الثوار" والفلول و"حزب الكنبة.والآن ننتظر مرحلة انفرد كتلة الجيش صاحبة المصالح الاقتصادية الهائلة بالسلطة. وهي تتمتع بشعبية طاغية وفسادها غير واضح للعيان..
-       هكذا تمت تصفية الحرس الجديد والإخوان وسيصفي معظم الحرس القديم وكذلك قوى "الثورة" التى تتراجع ويتم قمعها بلا رحمة. وبذلك  سيكون النظام الجديد مكونا بشكل أساسي من الجيش متحالفا مع رجال أعمال أقل فسادا من رجال جمال مبارك وسيتم تحجيم البيروقراطية المدنية وتصفية جزء كبير من نفوذها الاقتصادي. وبقدر ما يقوم الجيش بتقديم بعض الفتات للطبقات الفقيرة وإصلاح البنية الأساسية وترميم المنظومة الحقوقية وإجراء إصلاحات اقتصادية وتعليمية..إلخ سيكون نظامه أكثر صلابة وأطول عمرا.