الجمعة، 30 سبتمبر 2016

مشروع الشرق الأوسط الجديد ومستقبل المنطقة




عادل العمري
7 سبتمبر 2016
(ورقة للحوار على موقع الحوار المتمدن)

الهدف من طرح الموضوع تقديم تحليل معقول لما يحدث في الشرق الأوسط، في ضوء ما هو معلن من سياسات، وتطورات الأحداث في المنطقة.
1 - المشروع أعمق وأوسع أفقًا من مشروع شيمون بيريز، الذي كان يهدف إلى تحقيق اعتراف دول الشرق الأوسط بشرعية إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، واستيعاب اللاجئين الفلسطينيين في كيان أردني - فلسطيني، وإنهاء فكرة القومية العربية لصالح الشرق أوسطية.
2 - تغير الموقف الغربي من المنطقة بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، ثم اكتشاف البترول الصخري؛ فحتى قيمة إسرائيل قد قلت، خصوصًا بعد التدخل المباشر للغرب في حرب الخليج. فالمطلوب غربيًّا من بلدان الشرق الأوسط أصبح المساهمة في إنعاش الرأسمالية العالمية، وليس مجرد تقديم البترول، أو محاصرة السوفيت.
3 - تحتاج الرأسمالية العالمية لفتح أسواق جديدة للسلع ولرؤوس الأموال. ومنطقة الشرق الأوسط بها عدد ضخم من السكان، وثروات طبيعية كبيرة، وتراث حضاري عريق؛ ولذلك فإدماجها في النظام العالمي يفتح آفاقًا كبيرة أمام هذا النظام، الذي تحكمه الشركات الرأسمالية. وهي حتى الآن لم يتم تحديثها إلا بدرجة ما. ومازالت معظم الأنظمة تسيطر عليها إما عائلات أو مافياوات محدودة العدد.
4 - المنطقة مصدر للإرهاب والمهاجرين غير الشرعيين والنازحين، بسبب تخلفها الاجتماعي والاقتصادي، وانتشار الفقر، والجهل، والفساد.
5 - كما أنها مهددة بانفجارات اجتماعية عنيفة، قد تؤدي إلى وضع منفلت يهدد العالم المتقدم.
6 - شروط إدماج المنطقة في النظام العالمي: إحداث تغيرات عميقة في البنية الاجتماعية في اتجاه برجزة هذه المجتمعات، وتحقيق قدر من الديموقراطية، التي تتضمن ولاء السكان للأنظمة الحاكمة، بعد تغييرها لتصبح أكثر تمثيلًا لمصالح اجتماعية واسعة، لا لطبقة صغيرة، أو عائلات. فتحقيق الديموقراطية يشترط إحداث تنمية اقتصادية، وإعادة توزيع الناتج القومي لصالح الفقراء. هذه التغيرات ستخلق وضعًا مستقرًا سياسيًّا واجتماعيًّا. وهذا لا يتم إلا بإرضاء الطبقات والجماعات الإثنية والأقليات الدينية العديدة. هذا مع تغيير ثقافة الشعوب الشرق أوسطية في اتجاه قبول أفكار الحداثة، وتجاوز الإسلام المتشدد، والطائفية، وطبعًا قبول إسرائيل.
7 - الفوضى الخلاقة ليست هي الآلية الوحيدة لتنفيذ المشروع، بل هي خيار تتبناه قوى معينة في الغرب، وهناك آليات أخرى؛ منها حفز المجتمع المدني، بتدريب ناشطين، ورجال أعمال، وصحفيين، ودعم مشروعات محو الأمية والمشروعات الصغيرة، وحفز التوسع في استخدام الانترنت..إلخ.
8 - التقسيم والتفتيت ليس الهدف ولكن قد يكون وسيلة لتحقيق الاستقرار، وكل الخرائط التي تنشر عن تقسيم المنطقة لا تعبر عن خطة موضوعة، وأغلبها يوضع على سبيل التوقع.
9 - إسرائيل عقبة أمام تنفيذ المشروع، بسبب عنصريتها، واستمرار المشكلة الفلسطينية؛ ولذلك أتوقع أن يشملها المشروع، بحيث يتم تجاوز الصهيونية، وحل مشكلة الفلسطينية حلًا مرضيًا للطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي. هذا رغم عدم الإشارة إلى ذلك بصراحة في نص المشروع، بل حدث العكس. ربما يتم "إقناع" الفلسطينيين بالضغط والإغراءات بمشروع بيريز، وقد يكون هناك حل آخر. وسوف يكون لإسرائيل وضع خاص في الشرق الأوسط بحكم تقدمها وارتباطها الأعمق بالغرب.
10 - هذا لا يعني أن كل ما يحدث يتم من خلال عملاء للغرب أو جماعات متعاونة. لكن يتم حفز توجهات معينة، والضغط على الحكومات، وتقديم الدعم لبعض القوى، وحتى التدخل المباشر أحيانًا، كما حدث في ليبيا.
11 - أنا شخصيًّا مرحب بمشروع الشرق الأوسط الجديد؛ لسبب رئيسي: لا توجد قوة سياسية ولا اجتماعية في البلدان العربية قادرة، أو راغبة في برجزة ومقرطة المنطقة. فاليسار يعيش في الماضي، والمشاريع الدولتية انتهت إلى الفشل، وأصبح الطريق نحو التحديث مسدودًا. إن الشعوب تتعلم بالتجربة قبل أيِّ شيء، ولا تنجح الدعاية والتوعية، إلا في ظل ظروف مواتية للاقتناع بأفكار معينة. والشعوب العربية مازالت تتبنى ثقافة قبل حداثية، ولن تتقبل التحديث طواعية.
بالتأكيد المشروع يتم لصالح الرأسمالية العالمية، ولكن - في السياق – سيتم نقل الشرق الأوسط إلى عصر جديد، أكثر حيوية وتقدمًا.



الاثنين، 21 مارس 2016

السيسي ورجاله - نقد الثورة المصرية (3)




ولا يبدو أنَّ حكم السيسي سيحظى بالدعم الكامل، بل غالبا ستستمر الضغوط وفرض الشروط والمطالبات بتفكيك النظام الشمولي في مصر وحفز القطاع الخاص ومقاومة الفساد، وبقدر الاستجابة سيكون الدعم أو تشجيع المعارضة.
وطالما ظل شبح الثورة يحلق في مصر يظل احتمال انتفاضات أخرى واردا وسيظل نظام يوليو 1952 مذعورا.
(من مقالي: ثورة الدولة - نقد الثورة المصرية 2)


-            كل حاكم دولة يتمنى أنْ يستقر نظامه ويتحقق الأمن في ربوع دولته ويستقر الاقتصاد وأنْ تكون حكومته متماسكة. ولكن في سبيل استمرار حكمه يمكن للحاكم الديكتاتور أنْ يتحالف مع الأفاقين واللصوص والمرتزقة، وأنْ يستغل تناقضات أجهزته وحلفائه، وحتى قد يلجأ للقمع المطلق، أو للدمججة والكذب وخداع شعبه، حتى يستمر حكمه. ولا أظن أنَّ السيسي يتعمد إنشاء مشاريع فاشلة أو تخريب السياحة في بلاده أو تخفيض قيمة العملة لهذا الحد الذي يهدد بكارثة اقتصادية مؤكدة.
 وقبل أنْ تتضح معالم حكومة 30 يونيو كنت أتوقع أنْ يجري الجنرال بعض الإصلاحات في جهاز العدالة، وأن يقاوم بعض الفساد، وأن يطلق حرية السوق، في سبيل ترميم النظام المتهاوي، تفاديا لتفككه تماما؛ لكن العكس قد حدث.
-            فثورة 30 يونيو هي – كما حللنا في المقال السابق- من حيث المضمون هي ثورة الدولة؛ حلقة من حلقات الثورة المضادة؛ إذ نظمها وقادها ورتب لها الجيش، مستعينا بالأمن والقضاء والإعلام الموالي، وقد تم استخدام "حزب الكنبة"، كما لجأ الثوار من كل طيف إلى الانخراط في العملية بهدف الإطاحة بحكم الإخوان. بل كان ضمن المفارقات أنْ تستعين قوى "ديموقراطية" بالجيش للتخلص من الإسلاميين. وبهذه الثورة استعادت الطبقة المسيطرة السلطة الرسمية من الإخوان، وهي نفس الطبقة البيروقراطية الحاكمة منذ عقود والتي تتغير أوزان مجموعاتها من وقت لآخر..هي نفسها بكل انحطاطها القيمي والأخلاقي وبكل فسادها وضيق أفقها وشراهتها.
o     ولأنها ثورة الدولة فقد تم بسرعة التخلص ممن تم استخدامهم من معسكر ثورة 25 يناير، سواء بالاعتقال، أو تكبيل الحريات وإغلاق المجال السياسي. بل وأصبح الجيش –الذي رتب وقاد 30 يونيو- في الصدارة؛ فراح يشرف على النشاط الاقتصادي، ويقود المشروعات التي تنفذها الدولة، مُنحِّيا رجال الأعمال، أو جعلهم يعملون من خلاله، وغالبا من الباطن. وكان المايسترو للثورة المضادة هو وزير الدفاع شخصيا، والمسيطر على المخابرات الحربية والقوات المسلحة ككل. وهو ابن الدولة 100%، وممثل مثالي للبيروقراطية العسكرية كفئة اجتماعية؛ من حيث ارتباط مصالحه معها، وتكوينه الذهني المتسق مع عمله عدة عقود داخل ومع ولصالح هذه البيروقراطية. فلدى هذه المؤسسة مفهوم جاء على لسان المشير طنطاوي: عرق القوات المسلحة؛ أيْ ممتلكات الجيش، ولم يشعر الرئيس بأيِّ غضاضة وهو يقول إنَّ الجيش قد تبرع لصندوق "تحيا مصر" بمليار جنيه، وكأن الجيش هو شركة خاصة. ومن حين لآخر يرفع من عطايا العسكريين، ويمنح الجيش المزيد من المقاولات الضخمة، من مشروع قناة السويس، إلى إنشاء الكبارى، ومشروع تطوير طرق مصر، والعاصمة الجديدة، وتطوير المطارات والموانئ، وحتى في قطاع التجارة، وحق إنشاء شركات خاصة بمفرده أو بالمشاركة مع القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي.
-            والرئيس – حسب تصريحاته - لا يملك مشروعا إصلاحيا؛ بل كل ما يريده هو استمرار نظام 1952، مع زيادة دور البيروقراطية العسكرية، وانتهاج مكون واحد من الليبرالية الجديدة؛ هو إلغاء الدور الاجتماعي للدولة، دون المكون الآخر؛ إطلاق قوى السوق. والهدف هو تخليص الدولة من التزامها السابق تجاه الفقراء، للتخلص من الأزمة المالية. وهو بالفعل قد أعلن أنه لا يملك أيَّ برنامج (بعض المثقفين المؤمنين به وضعوا له برنامجا حسب ما ينتظرونه منه!). وبسبب طبيعة أنصار الحاكم أو الطبقة الحاكمة، لا تستطيع الدولة استرداد أموالها المهدرة في صورة ضرائب متأخرة ورسوم وأموال منهوبة تقدر بمئات المليارات، إلا فيما ندر، بل نسمع من حين لآخر عن شروط بعض اللصوص للتصالح، مثل دفع نسبة مما يملكون من أموال منهوبة (مثل رشيد أحمد رشيد وحسين سالم)، بينما تبالغ في مصادرة ما تعتبره أموال الإخوان المسلمين، متهمة بعضهم بالتورط في دعم الإرهاب (مثال أبو تريكة)، وهي على العموم ليست بالكم الذي يحل أزمة الدولة المالية. ويأتي الإفراج عن رجال حسني مبارك المتهمين بالفساد لنفس السبب. وهذا أيضا مما يعلل عدم اتخاذ السيسي لقرارات مهمة في مجال الإصلاح الاجتماعي، فيما يتعلق بإعادة توزيع الدخل القومي، أو محاربة الفساد، أو فتح المصانع المغلقة.
أما أبناء الطبقات الفقيرة والطبقة الوسطى فقدم لهم منظومة الخبز المدعم (بدقيق سيء ورخيص)، والتي وضعها الإخوان، ومنظومة التموين المدعوم بملاليم (حوالي 20 دولار للمواطن سنويا!!)، في الوقت الذي ازداد فيه فرض الإتاوات عليهم بمختلف الطرق؛ من زيادة في الجمارك على سلع يعتبرها وأنصاره ترفيهية (منها الأجهزة المنزلية)، أو لها بديل محلي؛ سيرتفع سعره بالطبع مع هذا الإجراء، وزيادة الرسوم على مختلف الخدمات، وتخفيض الدعم بدون رفع الأجور، ولا تخفيض تكلفة الإنتاج المرتفعة بسبب الفساد وسوء الإدارة والأجور المميزة لكبار الموظفين.
-            الواضح من تصريحات وخطابات الرئيس أنه شخص يطمح أنْ يكون زعيما أوحد مطلق اليد، بدون امتلاك المؤهلات اللازمة لذلك، وأن يحافظ على الطابع الشمولي للنظام كما يتصور. وهو يصور نفسه كما لو كان مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر، مقدما لخطاب عاطفي مفتعل. كما يعتقد أنَّ لديه قدرات فريدة؛ فهو طبيب ماهر ويعرف كل شيء، وهو المصدر الوحيد للمعلومات والأفكار الصحيحة. كما أنَّ طبيعته العسكرية تجعله يتصور أنه يستطيع تحقيق أيِّ شيء يريده بمجرد إصدار الأوامر؛ فالأمن سيتحقق بالقمع المطلق، وستعود عجلة الاقتصاد كما كانت في عهد مبارك بمجرد إعلان ذلك، وحين يأمر رجال الأعمال بالتبرع للدولة يعتقد أنهم سيخضعون فورا، وحين يطالب المستثمرين الأجانب بضخ أموالهم إلى مصر يتخيل أنهم سيهرعون إليه، وتخيل أنَّ الدول كلها ستخطب ود مصر لأنه يحارب "الإرهاب" ويتحالف مع إسرائيل. لا يتخيل هذا الجنرال أنه يعيش في عالم مفتوح، والمعلومات فيه متاحة، وأن بلده قد خرج من التاريخ بالفعل، ولم يعد جاذبا لا للأجانب ولا للمصريين أيضا، وأن رجال الأعمال والحكومات تتصرف وفقا لمصالحها، وأن عليه بالتالي أنْ يعطي كما يأخذ. أما استخدامه للخطاب العاطفي والمتناقض، وإنكار الوقائع وادعاء وجود إنجازات وهمية على شاكلة الزعم بأن مشروع قناة السويس قد نجح في تعويض ما أنفق عليه، دون أنْ يستمع لآراء الخبراء حول المشروع المكلف والخاسر، وكذلك الكلام المكرر عن "إنجازات" مثل ترميم 10% من الطرق، أو إنشاء مزلاقانات جديدة، أو استصلاح 10 آلاف فدان، أو زيادة إنتاج الكهرباء، هو حديث مضحك فعلا؛ لأن هذه "الإنجازات" هي جزء ضئيل مما يجب إنشاؤه في أيِّ بلد وهو لا شيء مما كان "ينجزه" سابقوه في نفس المدة، وهي مشروعات لا تدل على تحسن أداء الاقتصاد لأنها مولت كما قال الرئيس نفسه بأموال دول الخليج. ولأنه يعتقد في قدراته الخارقة، راح يقدم وعودا لا تتحقق؛ منها أنَّ مصر ستصبح شيئا آخر بعد سنتين، وأن الأسعار ستنخفض في ديسمبر 2015، وأنه سيبني شبكة طرق محترمة خلال عام واحد، ومؤخرا قال إنَّ أسعار المواد الغذائية لن ترتفع بسبب ارتفاع سعر الدولار بينما ارتفعت فعلا! وهذا الخطاب يعبر عن إفلاس حقيقي، وعجز عن تقديم أيِّ شيء ملموس، وحتى عجز عن الكلام باستقامة ووضوح.
-            ولأنه محدود الأفق، وفي نفس الوقت يؤمن بقدراته الخارقة، نراه يستخدم وسائل غير مناسبة لتنفيذ مشروعات كبرى؛ فيحقق الفشل، بالضبط كمن يريد أنْ يجر ناقلة ضخمة بأظافره. فهو يتصور أنَّ دولته قادرة على إحداث تنمية كبيرة رغم أزمتها المالية الشديدة، اعتمادا على منح قليلة من دول الخليج. فعلى سبيل المثال يريد استصلاح ملايين الأفدنة، وهو مشروع بالغ التكلفة، وقد أدرك أنَّ المستثمرين الأجانب لن يضخوا فيه أموالهم، لأنه مشروع غير مربح؛ فأعلن أنه لابد أنْ يتم بأموال المصريين؛ فلما تقاعس رجال الأعمال لجأ إلى البنك الدولي؛ فخذله الأخير، كما قرر تخصيص 200 مليار جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة بفائدة 5%، ولأنه لا يملك المال طالب البنوك بتمويل المشروع بالخسارة!! كما حاول الاعتماد على شركة عربية لبناء العاصمة الإدارية الجديدة؛ أيْ طالبها بالاستثمار بالخسارة فتراجعت بالطبع. ومن المتوقع أنَّ هناك من يستفيد ماليا من مشروعات السيسي الكبرى؛ من رجال الجيش وشركات البناء، كما أنَّ السلطة الحاكمة نفسها تستخدم هذه المشروعات في الدعاية لنفسها لاكتساب تأييد شعبي؛ قصير الأجل لأن المواطن المصري يشعر أنَّ الأمور لا تسير في اتجاه مستقبل أفضل للبلاد.
-            ومن الغريب أنه لم يستطع حتى الآن تكوين نخبة حاكمة تساعده وتفكر معه، ولا يعرف أحدٌ من الذي يسانده في الحكم. ومع ذلك فالرجل له من يؤيده ويدافع عن سياسته باستماتة؛ نراهم في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكن عددهم يتآكل الآن. أما المستفيدون من سياسته فهم كبار رجال الجيش ويحالفه رجال الأمن والقضاء. ولا شك أنَّ الرجل قد تمتع بشعبية طاغية في بداية حكمه بسبب تنحيته لحكم الإخوان، وهي شعبية تآكلت إلى حد كبير. وضمن من أيده كثيرٌ من "اليساريين" من ناصريين وماركسيين وقوميين؛ أملا في أنْ يحقق لهم حلما عزيزا على قلوبهم هو الحلم الناصري المزعوم؛ الاستقلال الوطني والتنمية الصناعية والدولة المتماسكة..إلا أنه لم يحقق لهم أيَّ حلم، ولذلك بدأوا يوجهون له سهام النقد؛ الحاد في أحيان كثيرة. ولأنه يشعر بقدراته الفريدة مع أنها محدودة، وجدناه لا يجد غضاضة في الاستعانة بعناصر منعدمة الكفاءة شديدة الفساد في مؤسسات الدولة؛ فلم يدرك أنَّ هذا يساهم في انهيار شعبيته وهو ما حدث بالفعل. فاختياره لوزراء العدل والتعليم هو نكتة حقيقية، أما اختياره لمحافظ البنك المركزي هشام رامز فلم يكن موفقا أبدا، والناس تعرف هذا وذاك، ناهيك عن اختيار محافظين طائفيين وجهلة ومستفزين. ثم سكوته على تصريحات رجاله وقراراتهم؛ فهو من علامات الرضا (مثل تحريض وزير الصحة ضد الأطباء ومحاولاته التنكيل بهم، وفرض رسوم على العلاج المجاني زعما - مخالفا للقانون بفجاجة). وإن الرغبة في الانفراد بالسلطة والتعامل مع المساعدين بطريقة الأوامر العسكرية تنفر العناصر الكفؤة من العمل مع السلطة الحالية؛ فتبقى العناصر الأشد فسادا والأقل قدرة. ومن التغيرات التي سببها حكم السيسي والعسكريين تغير مكانة الجيش لدى المصريين، من التقديس إلى درجة من الغضب، والعداء في بعض الأوساط.
-            والرجل محدود الأفق ومحافظ، رغم أنه يزعم فهمه لكل شيء. وعلى سبيل المثال تمكن شخص مريض نفسيا في الغالب في خداعه بجهاز الكفتة الشهير، ودفعه لطرد المستشار العلمي للرئيس - وهو عالم كبير- والسماح للإعلام بالتشهير به بشراسة، والترويج لخرافة الجهاز المذكور. ورغم أنه يطرح من حين لآخر شعارات حداثية رائعة، مثل: "تجديد الخطاب الديني"، و"إنشاء الدولة الديموقراطية الحديثة"، نجده يعمل العكس؛ فبدلا من الدولة الحديثة نرى تراجعا إلى ما قبل الحداثة؛ من استخدام الخطاب الديني، إلى حل المشاكل الطائفية بالجلسات العرفية، والموافقة الأمنية على طرد عائلات مسيحية من مناطقها، وعدم التزام مؤسسات الدولة بالقانون ولا الدستور بما في ذلك القضاء، ومزيدا من تفكك مؤسسات الدولة، أو تهميشها (مثل تهميش الجهاز المركزي للمحاسبات وجهاز المخابرات العامة). وقد طرح في بداية حكمه الرسمي أفكارا غريبة لحل مشاكل البلاد؛ مثل توزيع عربات الخضار على الشباب كحل لمشكلة البطالة (ألا يعلم أنَّ مصر بها 5-6 مليون بائع جائل؟) وإلى توزيع لمبات موفرة للطاقة كحل أو أحد حلول مشكلة الكهرباء التي لم تحل فعليا إلا بزيادة الإنتاج. كما طرح أفكارا تبدو في ظاهرها تقدمية، لكن مضمونها هو ضرورة إلغاء الدعم لتتخلص الدولة من أعبائها. ولتوضيح الأمر لم نسمع منه ما يفيد ضرورة القضاء على الفساد لحفز القطاع الخاص، ولا ضرورة إلغاء الإتاوات الحكومية (تنتمي لعصر ما قبل الحداثة) لخفض تكاليف الإنتاج وتحقيق منافسة المستوردات، ولا عن تصفية قطاع الدولة (والجيش)، لفتح السوق أمام رأس المال الخاص بالغاء دور الدولة كأكبر مقاول، ولا عن إعادة بناء جهاز العدالة، لتحقيق الأمان للناس ومنهم المستثمرين..إلخ. كما يتصرف كأنه مدير شركة أو مقاول وليس رئيسا لدولة اللهم إلا نادرا؛ فجل اهتمامه ينصب على المشاريع الاقتصادية دون أيِّ اعتبار لإصلاح سياسات الدولة. ورغم أنه قد اعترف أننا في أشلاء دولة، لم يقدم على إعادة بنائها، متصورا أنه بإنشاء بعض الطرق – التي ستتآكل سريعا- والكباري وتوسيع الموانئ سيعاد بناء الدولة. كما تحالف مع السلفيين والأزهر، مستخدما أيديولوجيتهم كبديل أيديولوجي للإخوان، وهو خيار ينم عن عقلية رجعية محافظة (وربما لإرضاء السعودية)؛ فكان من الممكن بدون تحقيق خسائر تذكر تشجيع بديل أيديولوجي علماني، خاصة أنَّ العنف الإسلامي على أشده في المنطقة كلها، وحين دعا لتغيير الخطاب الديني وجد ترحيبا حارا من العلمانيين، وهم قوى ليست ضعيفة في مجموعها. أما عن مكافحة العنف والإرهاب فلم يقدم تصورا بخلاف الحل الأمني، بالتصفيات والقصف وإرهاب الدولة. فالرجل لم يصل حتى إلى مستوى حسني مبارك، الذي استطاع التغلب على الجماعات المسلحة بالعنف، بالإضافة إلى إحداث بعض التنمية في الصعيد، وإجراء حوار فكري معهم، مستخدما مفكرين إسلاميين في ثوب تنويري، مثل محمد سليم العوا، مما دفع معظمهم في النهاية إلى الاستسلام، وإجراء مراجعة فكرية. أما استخدام السلفيين والأزهر في هذه الفترة بالذات كبديل أيديولوجي فلم يعد مناسبا. وقد فشل منطق الرئيس في محاربة الإرهاب والعنف المسلح والبلطجة؛ فالتحالف مع السلفيين والأزهر، زائد القمع الوحشي للسكان عموما (خاصة في سيناء) ، واستمرار تخلي الدولة عن دورها الحمائي للفقراء، وقمع المحتجين، دون فتح مجال الترقي والصعود الاجتماعي؛ وإطلاق يد الشرطة والقضاء للتنكيل بالناس ظلما وعدوانا، أو المبالغة في العقاب، واستخدام البلطجية في قمع الجماهير؛ فلا يأتي إلا بالمزيد من العنف، حيث صار ظهر الجماهير للحائط.

-            لجأ الجنرال ورجاله إلى الاقتباس من الفاشيةأ إليه الطبقات الأ إليه ؛ من رفع شعارات قومية شوفينية، إلى تعبئة الجماهير غير المسيسة بتخويفها من مؤامرة خطيرة مزعومة على الدولة. فتمت شيطنة الإخوان المسلمين – كما حدث مع اليهود في ألمانيا النازية- واتهامهم بالمسؤولية عن كل كارثة وكل فشل حتى انسداد البالوعات، واتهمت السلطة كل من يعارضها بالانتماء إليهم حتى منى مينا المسيحية! كما تم دفع الجماهير لتأييد القمع المطلق بحجة محاربة الإرهاب، بل استخدم السيسي شعارا يشبه شعار "المانيا فوق الجميع"، وهو: "تحيا مصر"، الذي يطلقه في كل مناسبة ولا مناسبة، وأطلقه على صندوق جمع التبرعات والإتاوات الذي أنشأه، وطبعا الدعاية للزعيم الأوحد؛ المفكر الوحيد، والعالم الأكبر، وكبير الأطباء..إلخ. وهذه النزعة الفاشية تعبر عن إفلاس وعجز الطبقة المسيطرة عن إرضاء الطبقات الأخرى.
-            تتلخص سياسة الرئيس ورجاله في عقد جديد مع الشعب، لا يمكن أنْ يلقى القبول الشعبي؛ يتلخص في: قبول القمع ومصادرة السياسة مقابل وعود لا تتحقق، وشعارات قومية، وتخويف من مصير سوريا والعراق، بدلا من العقد الناصري والذي امتد لعدة عقود: قبول القمع مقابل الخبز. بل أضاف الرئيس مكونا آخر فريدا من نوعه: إنَّ بناء البلد سيعتمد على تبرعات الشعب؛ فراحت الدولة تتسول من الناس بمختلف الأساليب، بل وتفرض عليهم الإتاوات، وأعلن في خطاباته أنه من الممكن أنْ نجوع (طبعا يقصد الفقراء) لنبني البلد، ومن المعقول أنْ يظلم جيل أو جيلان في سبيل الأجيال اللاحقة، وهو هنا قد تفوق على شعار ستاليني: التضحية بجيل في سبيل أجيال؛ فمصر فوق الجميع؛ أيْ الدولة فوق الفرد، وليذهب الأفراد إلى جهنم، حتى لا تواجه مصر مصير سوريا والعراق. ولكن ليس المقصود كل الأفراد في الجيلين المقصودين؛ بل يظل رجال الجيش والأمن والقضاء مستمتعين بالعلاوات المحترمة ويضمنون مستقبل أبنائهم، ومعهم بالطبع رجال الأعمال الموالين ومنهم جنرالات متقاعدين.
-            بدلا من إضعاف النظام الشمولي أو تخفيف تسلطه على المجتمع المدني والسوق، كما فعل السادات مثلا، وهو إجراء يمكن أنْ يطيل عمر النظام؛ راح يشدد قبضة الدولة على الاقتصاد والمجتمع المدني بدرجة أكثر بكثير مما كان في عصر مبارك. ومن أمثلة ذلك رفض الاعتراف بالنقابات المستقلة، وإلغاء انتخابات عمداء الكليات، وحل اتحاد الطلاب، كما لجأ إلى قمع شديد. ورغم حديثه المتكرر عن الدولة الديموقراطية التي يبنيها - زعما - لم نسمع أنَّ الرئيس قد أصدر أوامر بمصادرة أدوات التعذيب من الأقسام، أو أصدر أوامر بوقف التعذيب عموما، أو حاكم أحدا بتهمة التصفية خارج القانون..إلخ. بل أعلن أنَّ تحقيق الديموقراطية في مصر يحتاج إلى 20-25 عاما، مما يعني أنه لن يسعى لتحقيقها. ولأنه دولتي الفكر هو وأنصاره؛ فقد راح يزيد من دور الجيش في الاقتصاد، ويبتز رجال الأعمال، بل وحين عالج آثار ذلك؛ أخذ يشجع رجال الأعمال بخفض الضرائب عليهم، مما أدى خسران الدولة لمصدر للدخل. كما عمل رجاله على ضبط سعر العملة المحلية بإجراءات بيروقراطية (بدأوا في تعديلها مؤخرا)؛ وضع سقف لسحب وإيداع وتوريد وتصدير الدولار؛ فجاءت النتائج وخيمة دفعت المستثمرين للهروب من السوق المحلي، ودفعت المودعين إلى الاحتفاظ بعملاتهم الصعبة في منازلهم. وبالطبع هناك في الجيش وأجهزة الحكم من لهم مصالح في هذا كله.
-            إنَّ نظام يوليو 1952، الذي يمكن تلخيص جوهره في سيطرة بيروقراطية الدولة على المجتمع اقتصاديا وسياسيا، يحاول أنْ يستمر بعد أنْ تعفن بالكامل، بعقد جديد مع الشعب، وفي ظروف دولية لم تعد تقبل هذا النوع من النظم الشمولية أو الدولتية؛ فهو يحاول الاستمرار ضد توجه عالمي قوي نحو العولمة وتجاوز حدود الدولة القومية ولبرلة الاقتصاد والثقافة. وبالفعل يضغط صندوق النقد الدولي والدول والشركات الأجنبية على الدولة المصرية لحفز القطاع الخاص وفتح السوق وإصلاح المنظومة الحقوقية والأمنية، بخلاف الضغوط الشعبية المتزايدة. كل هذا سيؤدي إلى انهيار وتفكك دولة المماليك نهائيا. خاصة أنَّ ذلك النظام قد فقد كل شرعيته منذ أنْ نقضت بيروقراطية الدولة العقد الناصري مع الشعب، بل وفقد السيسي ورجاله شرعية حكمهم، بعد أنْ نقضوا كل التزاماتهم؛ إذ جاء السيسي بزعم إيمانه بمبادئ ثورة 25 يناير، لكنه فعل العكس، ومن فرط عدائه للثورة عيَّن في حكومته من يعاديها بشكل فج، وأفرج عن رجال مبارك، ووضع قادتها في السجون، وأهدر كل مبادئها، بل حقق عكسها.
ومن المؤكد أنَّ نظام يوليو 1952 قد شهد تغيرات عديدة على مدى تاريخه، من سيطرة البيروقراطية بالكامل تقريبا، بالتحالف مع كبار ملاك الأراضي في جزء من الفترة الناصرية، إلى انتصار الجناح الأكثر ارتباطا بالسوق والقطاع الخاص في فترة السادات، إلى انشقاق البيروقراطية إلى حرس قديم وحرس جديد هم مجموعة جمال مبارك الأكثر ليبرالية، إلى ردة شديدة الرجعية في فترة حكم طنطاوي، ثم الإخوان، ثم سلطة 30 يونيو 2013، بسيطرة المجموعة العسكرية التي تشبه طبقة المماليك. كما تغير مدى نفوذ الأجهزة من الدور الكبير للمخابرات العامة في الستينات، إلى الدور المميز لأمن الدولة في عهد مبارك المتأخر، إلى النفوذ الأهم للمخابرات الحربية بعد 30 يونيو 2013. كما شهد تغيرات قي طريقة الحكم، من نظام الحزب الواحد بعضويته الإجبارية، إلى نظام الحزب الواحد بعضوية اختيارية مع أحزاب كرتونية، إلى حكم حزب غير رسمي، عبارة عن جماعات مافيا حقيقية تتنافس وتتصارع مع بعضها..إلخ. والمؤكد أنَّ الوضع الحالي يشهد نظاما مفككا إلى حد كبير، لدرجة أنَّ الرئيس نفسه لا يحكم السيطرة على المجموعات المسيطرة داخل البيروقراطية حتى الآن، ولا يستطيع التحكم في سياسة الدولة بالكامل، رغم تطلعه إلى الحكم الفردي المطلق، ودعوته المتكررة للإيمان به شخصيا كمخلِّص لمصر. والواضح أنَّ هناك صراعات بين كتل النظام المتعددة، ويظهر هذا في التصفيات المتتالية لوكلاء المخابرات وتضارب المواقف (من حماس كمثال)، وانقسام الإعلام الخاضع للأجهزة الأمنية و"السيادية" المختلفة، وانقلاب عناصر كانت مؤيدة للرئيس إلى معارضة له، والتسريبات من مكتب الرئيس..إلخ.
-            وبسبب فقدان النظام وحكومة السيسي للشرعية والتخبط الواضح في سياسته والفشل المتوالي أصبحت ثقة الرأي العام في نجاحه مستقبلا متناقصة باستمرار مما يجعل العناصر الأكثر كفاءة تتفادى العمل معه مما يزيده تفككا وضعفا. كما أدى ذلك إلى تناقص ثقة البلدان الغربية وغيرها في حكومته، وتزايد الضغط عليها، وربما ينتهي الأمر بفرض عقوبات. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن سوء إدارة الدولة للملف الأمني والاقتصادي، أصبحت مصر رهينة لدول أخرى، تدفع للنظام حتى لا يتهاوى بالكامل، وتسعى لاستخدامه لصالح أجندتها الخاصة، تقف على رأسها السعودية.
-            ومثل أيِّ حكومة عاجزة تحاول السلطة الحالية افتعال انتصارات خارجية، ولو شكلية؛ مثل ضرب ليبيا بالطائرات انتقاما لذبح 21 مواطن مصري هناك. ولكن لأنها شديدة الضعف؛ فقد فشلت في إقناع الجماهير بتحقيق أيِّ انتصار؛ فإثيوبيا تبني سد النهضة، وهددت بضرب السد العالي أنْ أقدمت مصر على ضربه، ولم تنجح الجولات الأفريقية للرئيس في ممارسة أيِّ ضغط أفريقي عليها، أما الإعلانات المتكررة عن تحقيق انتصارات على حماس و"الإرهابيين" الذين تدعمهم في سيناء، فلا يصمد أمام العمليات العسكرية المتتالية في سيناء، واضطرار الجيش مؤخرا للاستعانة بحماس في مقاومة العنف هناك. بل وعلى الصعيد الأوربي وجدنا عدة دول توقف رحلاتها السياحية، وتسحب مواطنيها من مصر..إلخ. وكان التغني بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي ونجاحه المزعوم مسكنا قصير الأمد للجماهير المتعطشة لأيِّ نجاح أو تقدم.
-            ورغم كل القمع وسجن الثوار، والتعذيب، واتساع بلطجة الشرطة، وتحول القضاء إلى أحد أذرع الأمن؛ يظل شبح انتفاضة يناير 2011 حاضرا وبقوة، مهددا السلطة ودافعا لرجالها إلى التخبط، ومسببا لهم حالة مستمرة من الفزع، ومفجرا دائما لتناقضات عصابات الدولة. ولن يتمكن نظام المماليك من الاستمرار، وسوف ينتهي نهاية سوداء..هكذا تعلمنا من التاريخ. لا يمكن التنبؤ بالكيفية التي سينتهي بها نظام يوليو 1952، ولكن المؤكد أنه سيتحلل، لأنه أصبح عاجزا عن الاستمرار، لافتقاده ما يمكنه تقديمه للجماهير (بل أصبح يطالبها بالتبرع له!!). وإذا لم يتكون بديل منظم ويمثل قوى اجتماعية ذات شأن. فالمرجح أنْ ينتهي الأمر بحالة فوضى وصراعات عنيفة، وتفكك نهائي لبقايا جهاز الدولة، على الأقل في الأقاليم وأطراف العاصمة..أما المرحلة التالية فلا يمكن التنبؤ بها. هذا إلا إذا انتبه النظام إلى كل هذا وقرر بآلية أو أخرى تفكيك نفسه بطريقة يتفادى بها العواصف المتجمعة في الأفق.

-            للأسف تتكون المعارضة المنظمة الحالية أساسا من مجموعات دولتية من أصناف مختلفة: إسلامية وناصرية وماركسية وقومية (المعارضة الليبرالية ضعيفة للغاية)؛ كلها لا تملك بديلا عمليا للنظام، وكل ما تريده هو إعادة أمجاد الماضي المزعومة، ورجال أعمال أغلبهم مجرد لصوص أخذ منهم الجيش فرص النهب. وتتسم المعارضة المصرية ككل بعدم النضج؛ بدليل عجزها عن تشكيل قوة ضغط منظمة، وعجزها حتى عن الحوار البناء والمخلص، ونجد الفرق والمجموعات المتناثرة تتبادل القذف والاتهامات والكلام المتعالي والازدراء والتحقير المتبادل..إلخ. وإن غياب بديل تقدمي ناضج ومحدد وعملي ومتسق مع توجهات العالم المعاصر، هو أكبر عامل لاستمرار النظام المتهاوي حتى الآن، ولحالة الفوضى المتزايدة.