الأزمة الحالية للاقتصاد المصري ليست جديدة. فقد ظل النظام الاقتصادي
المصري الحديث في حالة نمو لكن نموه كان دائما في أزمة. لم يعرف قط فترة انتعاش
وازدهار إلا بالترافق مع تفاقم الأزمة العميقة طول الوقت.. ظل اقتصادا غير متوازن
ولا يميل لتحقيق التوازن وعاجزا عن التغلب على تفككه وحالة الاحتضار المستمرة.
1- أزمة بنيوية: التي يمكن تلخيصها في نمو متفاوت ومركب بشكل مزمن لا يتم
تجاوزه قط يظهر في: تحقيق
قدر من التقدم التقني لكنه يظل غير متوازن ولا يميل إلى تحقيق التوازن بين مختلف
القطاعات. فتترافق - كمثال - التقنيات
الحديثة مع ثقافة قبل حداثية، والمعدات المتقدمة مع كفاءات عاجزة عن استخدامها
بالشكل الأمثل، وصناعة وزراعة حديثة مع صناعة وزراعة شديدة التأخر. ينتشر التعليم
ويزداد عدد الأميين باستمرار (لم ينخفض عدد الأميين إلا منذ سنوات قليلة!) – تزداد
الصادرات وتزداد الواردات بمعدل أكبر – تنمو الصناعة وتنمو مشاكل التسويق والتطوير
والطاقة العاطلة وفائض العمالة ونقص العمالة الماهرة – التعليم ينتج أعدادا هائلة
من الموظفين الجدد ويعجز عن إنتاج ما يكفي من تقنيين مهرة – حتى إنتاج التقنيين
يزداد لكن معدل هجرتهم إلى الخارج يزداد أيضا – يقل معدل وفيات الأطفال لكن يزداد
معدل المواليد مما أدى إلى الانفجار السكاني المستمر – تزداد الموارد ويرتفع معدل
تبديدها في أنشطة غير منتجة للقيمة المضافة (تجارة – مصارف – تسويق – إعلان –
وساطة من كل صنف) وعلى ترف الحكام – قطاع التدوال ينمو بأسرع من معدل نمو الاقتصاد
ككل. كما يوجد تناقض بين نمط الاستهلاك وبقية مكونات الثقافة المحلية قبل الحداثية
(مثل استخدام الكمبيوتر في نشر الخرافات!).
- الأزمة البنيوية ظلت تخلق أزمات عديدة:
أزمة تمويل
أزمة ديون
أزمة ميزان المدفوعات
نقص العملة الصعبة منذ فك
ارتباط الجنيه بالإسترليني
نقص العمالة المدربة
نقص الكهرباء في معظم الوقت
ضعف الصادرات
طاقة عاطلة في الصناعة بنسبة
ملموسة مثلما يحدث في فترات الأزمات الرأسمالية، لكن الأزمة هنا مستمرة طول الوقت.
2- اقتصاد تابع، بمعنى أنه لا يشارك في تطور العالم، ويتعامل مع السوق
الدولي من موقع ضعيف، متلق وغير مشارك في إنتاج الحضارة الحديثة.. عاجز عن الإبداع
وتحقيق السبق في أي مجال إيجابي. اقتصاد يعتمد على الخارج في التكنولوجيا والتمويل
والخبرة. لم يصبح هناك قطاع للبحث العلمي والابتكار. كما أهملت الصناعة هذا المجال
فظلت تلهث وراء استيراد التكنولوجيا، إلى أن تصبح صناعة قديمة لا توجد لها قطع
غيار فيتم إغلاقها فيبكي عليها "الوطنيون".
3- دور الدولة في التمويل والتسويق أعاق نمو القطاع الخاص والاستثمار
الأجنبي المباشر.
4- استمرار ضعف السوق المحلي يعيق نمو الصناعة. السبب الرئيسي هو
توزيع الناتج القومي لصالح قلة القلة التي تستهلك السلع المستوردة، مع فقر شديد
للغالبية الساحقة.
5- الاقتصاد عانى من الإفلاس مرات، أهمها في عهد الخديو إسماعيل، وفي
ستينات القرن الماضي ثم في السبعينات والتسعينات والآن. بمعنى العجز عن تسديد
الالتزامات الخارجية، والسعي بالتالي إلى عملية إنقاذ عاجلة من جانب الدول
الحليفة. في كل فترة إفلاس يتم تجاوة
الأزمة الملحة بدفع ثمن محترم، دون تجاوز الأزمة البنيوية العميقة.
6- الطبقة المسيطرة ظلت طول
الوقت تشمل كبار الملاك العقاريين وكبار التجار والكومبرادور والوسطاء من كل صنف،
بالإضافة إلى بيروقراطية الدولة تاج رأس الجميع. لم تصبح الرأسمالية الصناعية ذات
وزن كبير لا في الاقتصاد ولا في السياسة.
7- لا يمكن إعفاء الجمهور العام من المسؤولية: ثقافة بدائية وطموحات
محدودة وتافهة وجبن تاريخي وعجز وقلة حيلة وأنانية فردية مطلقة، وفوق كل هذا عشق –
مع كره في نفس الوقت - آلة الدولة والتوكل
عليها.