السبت، 26 ديسمبر 2015

الاشتراكيون العظام واشتراكيو الدولة

عادل العمري
الاشتراكيون العظام واشتراكيو الدولة
تصور الاشتراكيون العظام في الماضي الدولة الاشتراكية كدولة "تتلاشى"، أي دولة غير حقيقية: دولة الشعب المسلح، حيث لا جيش نظامي ولا جهاز بيروقراطي مستقل بل يتم تشكيل جيش شعبي على أسس ديموقراطية ويتم انتخاب كبار الموظفين ويشرف العمال المنظمون على شؤون البلاد وتمارس الديموقراطية المباشرة لا ديموقراطية التمثيل. ولذلك بدأت الجمهورية السوفيتية هذه البداية فعلا. كما لم يتصور أي اشتراكي منهم أن تقام الاشتراكية إلا على الصعيد العالمي، ولذلك بدأت الجمهورية السوفيتية معتبرة كمجرد قاعدة للثورة العالمية، وقد اعتبر الاشتراكيون الروس مشروع ثورتهم في روسيا كلحظة انطلاق للثورة العالمية، ولهذا أنشا الشيوعيون العظام منظمة دولية شيوعية تحت مسمى "الأممية". صحيح أن هذا تصور رومانسي وحالم ولم ينجح (فشلت الثورة في أوربا بعد نجاح الثورة في روسيا وفشلت البروليتاريا الروسية في إدارة البلاد) إلا أنه التصور المتسق مع الفكرة الاشتراكية: فكرة حكم العمال (والفلاحين) وقاعدة من كل حسب طاقته إلى كل حسب عمله (ثم حسب حاجته في مرحلة لاحقة). وبعد فشل تحقيق ذلك الحلم نشأت الستالينية التي أسسها – للأسف - تروتسكي (كتاب الإرهاب والشيوعية مثلا) تحت ضغط الظروف وطورها ستالين ومدها على استقامتها، فصار من الممكن لدى الاشتراكيين إنشاء الاشتراكية على أساس قومي، وصارت الاشتراكية تعني ملكية الدولة للاقتصاد والتخطيط المركزي لا غير (إحقاقا لتروتسكي صار الرجل معارضا قويا للسلطة السوفيتية ومدافعا شرسا عن فكرة الثورة العالمية والثورة الدائمة وضرورة أن تكون روسيا مجرد قاعدة للثورة العالمية وبعض الأمور الخاصة بالديموقراطية).
أما اشتراكيو هذه الأيام فقد تناسوا الاشتراكية وصاروا – عمليا - من أنصار ستالين، أي أنصار للدولة الي لا "تتلاشى" أبدا بل قوة جبارة ومسلحة ومطلقة الجبروت.. لقد صارت الدولة في حد ذاتها لدى الاشتراكيين هي بديل البروليتاريا، وهي بمثابة "الجماعة المؤمنة" لدى الإسلام السياسي.
أما الديموقراطيون منهم فيضيفون حلية للزينة: الرقابة الشعبية، وهي فكرة إذا أمكن تطبيقها أصلا بفضل وعي الشعب (المسلح طبعا) نعود للفكرة الرومانسية الأصلية والتي لم يمكن تنفيذها على أرض الواقع. لذلك نرى الاشتراكيين عندنا يرتعشون غضبا حين يسمعون كلمة "خصخصة" ساعين إلى استمرار ملكية الدولة التي ليست أبدا دولة الشعب المسلح ولا دولة البروليتاريا، ويطالبون باستمرار دعم السلع والخدمات تطبيقا لفكرة التخطيط المركزي كنقيض لاقتصاد السوق، ويكرهون حتى النخاع فكرة جلب استثمارات أجنبية. في النهاية يدافع الاشتراكيون عن الزمرة البيروقراطية والتي هي دولة العصابة المسلحة لا دولة الشعب المسلح، وبالتالي يقفون في معسكر الرجعية؛ فالنظام الدولتي هو نظام قبل رأسمالي متخلف ورجعي، وحيث أن الثورة الاشتراكية العالمية غير ممكنة في الوقت الراهن يكون التحول للرأسمالية في بلد كمصر والبلدان العربية نقلة تاريخية محترمة. وهي عملية لن تتم أبدا إلا بنضال يهدف إلى تصفية الدولة كطبقة، بمعنى تصفية كافة ممتلكاتها وسلطاتها الاقتصادية كمستثمر وتاجر ومقاول وإلغاء التخطيط المركزي، ومعها أيضا تصفية عصابات "رجال الأعمال" المرتبطين بعنكبوت الدولة الاقتصادي، وتحويل هذه الممتلكات جميعا لصالح القطاع الخاص (شاملا الأجنبي) المستقل عن الدولة والمهمشين والأجراء في إطار اقتصاد سوق حر ومفتوح. وهذا لا علاقة له بدور الدولة البورجوازي القوي الضروري لأي مجتمع بورجوازي، مثل التعليم الأساسي.
يصيب الاشتراكيون لدينا أيضا الفزع من رأس المال الأجنبي، رغم أنه أرقى ألف مرة من رأس المال المصري الملوث بفساد الدولة وحقارتها، ويتناسون أن البلد يفتقر للموارد والثروات الطبيعية وحتى الكفاءات، فكيف يمكن إعادة بناء هذا الخراب دون فتح السوق للأجانب بدلا من اعتبارهم جواسيس يريدون تدمير البلد المدمر أصلا!! أما ما فعله قليل من المستثمرين الأجانب بما اشتروه من شركات فعلينا أن نسأل أنفسنا لماذا فعلوا ذلك أصلا؟ هل خرجوا على القانون الرسمي؟ أو على قوانين السوق؟؟ هل هم الذين خدعوا الدولة المنحطة حين اشتروا بعض الشركات بأسعار منخفضة؟ وهل ننتظر منهم أن يكونوا فرسان الطبقة العاملة أم يعملوا لمصالحهم الخاصة؟
أنا لا أدافع عن الرأسماليين بل عن مستقبل هذا المجتمع المدمر؛ فلا سبيل عملي لتطوره بل لإنقاذه من حالة الخراب الحالية إلا بكسر عنق الدولة – الطبقة، وإطلاق حرية السوق حتى يكون الاستثمار هادفا لتعظيم القيمة المضافة وبالتالي الربح الرأسمالي ، بدلا من استمرار النظام النهبوي والأجور بدلا من طلب الحسنات وعوائد التسول. كما يجب في هذا السياق أيضا كسر عنق الدولة باعتبارها أيضا "مجتمع مدني" حيث تملك مؤسسات إعلامية ضخمة ومؤسسات دينية والجامعات وحتى الملاعب الرياضية والجمعيات الأهلية والنقابات وقصور الثقافة..إلخ.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق