الأربعاء، 16 فبراير 2011

نحو الحلقة الثانية من الثورة المصرية

عادل العمرى
16 فبراير 2011


1- ذهب مبارك وتمت تصفية الجناح الأكثر فسادًا في النظام ودمر الحزب الذي حكم مصر منذ 1954  أخيرا، ولكن لم يذهب النظام الشمولي الفاسد بعد.  فعلى رأس المجلس العسكري مبارك آخر هو حسين طنطاوي التلميذ النجيب للرئيس المخلوع.  كما أن أعضاء المجلس العسكري منهم مستفيدون من النظام الشمولي. وحتى الآن لم يتخذ هذا المجلس أيَّ خطوة لتقنين الديموقراطية في مصر، بل احتفظ بالوزارة المسؤولة عن موقعة الجمل؛أحط هجوم شنه النظام المصري على الشعب ربما على مدى  التاريخ، ومازالت وجوه مكروهة شعبيَّا في موقع المسؤولية، كما يقبع في السجن مئات المعتقلين من صانعي الثورة في ظل سلطة تتدعي كذبًا أنها تنفذ أهداف الثورة.  بل لم يتم تقديم عائلة مبارك للمحاكمة بتهم منها الفساد وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وتم استثناؤه هو وعائلته من طلب الدول الغربية التحفظ على أموال كبار رجالات النظام.
لم يجرؤ المجلس العسكري حتى الآن على إلغاء الدستور ربما خوفًا من إثارة موضوع المادة الثانية منه، بل وكلف مفكرًا إسلاميَّا طائفي النزعة بالإشراف على تعديل بعض مواده وهو طارق البشري، اليساري التائب، ومعه الآن لجنة تتكون من ممثلين للنظام والإخوان المسلمين، فيما يبدو أنه قمع مبكر للمعارضة الليبرالية وإدماج الإخوان في بقايا النظام الشمولي.
الواضح أن المجلس العسكري يريد إنقاذ نفسه أولًا من تهمة الانتماء للنظام وثانيًا يريد تقليل مكاسب الثورة بقدر ما يستطيع حفاظًا على مكاسب رجالة الفاسدين، وهو بالطبع لا يملك أيَّ رؤية تحديثية أو تقدمية على الإطلاق، وينطبق الشيء نفسه على وزارة موقعة الجمل . ولا يمكن تصور أن يتطوع العسكر بتسليم مقاليد الأمور لمن يقدر على تحقيق ما أرادته قوى الثورة، ففاقد الشيء لا يعطيه والطيور على أشكالها تقع.

2- الخطوة المنطقية الآن بعد الانتصار الكبير بطرد مبارك هي أن تتمكن القوى الثورية (والتي لا يجوز أن تبقى في المعارضة إلى الأبد!) من السلطة. أما من غيروا مواقفهم من معسكر الثورة المضادة إلى المعسكر المنتصر فلا يستحقون التمتع بأيِّ ثقة؛ فالنائب العام مثلًا لم يتصرف لصالح الشعب في كثير من قضايا التعذيب والقتل، وكبير الأطباء الشرعيين زور تقارير قتل خالد سعيد وسيد بلال وغيرهما؛ وهؤلاء يستحقون المحاكمة بتهمة خيانة الشعب والتزوير والتواطؤ في قضايا تعذيب وقتل المعارضين. بل تواطأت قيادات الجيش مع رئيس الدولة المخلوع وبقية عصابته في معركة الأربعاء الدموية المسماة بموقعة الجمل([1]).

3- للأسف ليس للآن لمعسكر الثورة تنظيمًا محددًا، بل جماعات بلا قيادة، وكان هذا ميزة في الحلقة الأولى من الثورة وساهم في انتصارها بسهولة؛ أما الآن فالحلقة الثانية - وهي مرحلة استلام السلطة - فتحتاج إلى تنظيم ما، وهو يتشكل الآن ببطء. وليس من الضروري الآن أن يكون هناك مقرات وجهاز حزبي بل يكفي أن يكتب برنامج عمل وتحديد قيادات وتكليف شخص ما بالتحدث باسم جبهة الثورة. ومن المهم إطلاق قناة فضائية لمعسكر الثورة. ولتتشكل أحزاب الثورة على مهلها.

4- مشروع برنامج مقترح لتصفية النظام الشمولي والانتقال للديموقراطية الآن، يمكن تنفيذه بالضغط على المجلس العسكري سواء بالمظاهرات أو الإضرابات وغيرها من الوسائل:
- تسريح الوزارة الحالية وتكليف ممثل لقوى الثورة (ليكن البرادعي مثلًا) بتشكيل وزارة مؤقتة.
- الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين من أنصار الثورة وتعويضهم ماديًّا وتعويض أسر الشهداء فورًا.
- إلغاء قانون الطوارئ، وكافة القوانين المقيدة للحريات والرقابة على المطبوعات والأعمال الفنية ورفع حظر التجول.
- القبض على كافة عناصر النظام الشمولي المتهمين بالفساد وممارسة القمع ضد الشعب، وكل من ساهم أو تواطأ في قمع الثورة وتقديمهم إلى محاكمات فورية.
- فتح باب النقاش العام حول الدستور مع تكليف لجنة من كافة الجماعات والمنظمات الديموقراطية لوضع دستور جديد .
- تنفيذ أحكام القضاء مثل رفع الحد الأدنى للأجور.
- حل جهاز الأمن المركزي وأي تشكيلات عسكرية تابعة لوزارة الداخلية.
- حل جهاز مباحث أمن الدولة وإعادة بناء جهاز للأمن الداخلي مخصص لمكافحة الإرهاب.
- إلغاء الحرس الجامعي على أن تتولى إدارات الجامعات تعيين عناصر غير بوليسية لتأمين منشآتها وأفرادها.
- حل الحزب الوطني الديموقراطي ومصادرة مقاره وأمواله ووثائقه.
- إطلاق حرية تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار.
- تتولى الحكومة المؤقتة الإشراف على انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، على أن يكون الانتخاب بالرقم القومي وبمشاركة المصريين بالخارج.
- مصادرة أموال عناصر الفساد وتصفية الاحتكارات الكبرى بطرح أسهمها للبيع في البورصة.
- تقديم عائلة مبارك للمحاكمة الفورية ومصادرة كافة ممتلكاتها.
- تطهير أجهزة الإعلام الحكومي من أنصار النظام الشمولي وحل وزارتي الثقافة والإعلام، كخطوة مبدئية تسبق خصخصة الإعلام بالكامل فيما بعد.

5- سلطة الثورة ليست متعلقة بالسلطة السياسية فقط بل على قوى الثورة أن تهتم بتحقيق استقلال النقابات وتحرير الجمعيات الأهلية من سلطة الدولة وليتم تحقيق ذلك دون انتظار إصدار قوانين بل يجب انتزاع هذه الحقوق. من الضروري أيضًا أن يعلن عن تشكيل أحزاب جديدة مع تسجيلها في الشهر العقاري دون انتظار حل لجنة شئون الأحزاب سيئة السمعة. ويستطيع الطلاب والأساتذة طرد الحرس الجامعي وطرد المسؤولين الموالين للنظام الشمولي من مواقعهم بالقوة وتطوير نظام ومناهج التعليم بالجامعات دون انتظار قرارات من الدولة. كذلك الحال في كافة مؤسسات الدولة وهو ما يحدث بشكل جزئي الآن. يمكن أيضًا أصدار لستًا سوداء بأنصار النظام الشمولي وعناصر الفساد في كافة المواقع لتنبيه المواطنين. هذه الإجراءات مهمة للغاية أولًا لتثبيت أقدام الثورة وثانيًا لتدعيم المجتمع المدني وثالثًا للضغط على المجلس العسكري وتقليص سلطاته.

6- ليس من المتوقع أن يتم إدخال تعديلات دستورية جذرية إلا فيما يتعلق بانتخاب رئيس الدولة، فلن يتم الإعلان عن دولة علمانية ولا إطلاق حرية الاعتقاد بشكل مطلق ولا تحويل مصر إلى جمهورية برلمانية. وبالتالي فعلى قوى الثورة أن تعد مشروع دستور ديموقراطي حقيقي وتطرحه على الرأي العام للنقاش دون انتظار.

 بعد ذلك  تكون هناك حلقة ثالثة للثورة: الدستور الجديد والجمهورية البرلمانية   




([1]) في البدء أصدر الجيش بيانا يدعو المتظاهرين للعودة إلى بيوتهم،مدعيا أنه تمت الاستجابة لمطالبهم، ثم راحت الطائرات ترهب الثوار في ميدان التحرير، ثم تم فتح ثغرة لدخول الجمال والفرسان للميدان ثم سكت الجيش على المذبحة التى استمرت 16 ساعة وتم منع مذبحة أكثر دموية في نفس الليلية بفضل تهديد أحد الضباط الشرفاء بقتل نفسه بالرصاص إذا سمح بها الجيش. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق