الاثنين، 28 فبراير 2011

المجلس العسكرى هو العدو الرئيسى للثورة المصرية


عادل العمري

28 فبراير, 2011




مازال البعض يرى في العسكر ممثلين للثورة، رغم مرور أكثر من أسبوعين على استلامهم السلطة دون اتخاذ أيّ قرار فعال لترسيخ الديموقراطية حتى الآن. ولا أفهم سبب تقديس الجيش أبدًا وهو الجيش المهزوم في 1948 و1956 و1967، والذي لم يحقق نصرًا واضحا في 1973؛ الحرب التي توجت باتفاقية كامب ديفيد المهينة، والذي شارك في الحرب القذرة المسماة حرب تحرير الكويت مقابل إعفاء مصر من جزء من ديونها. وهذا الجيش سبق له قمع عمال كفر الدوار بالمدرعات وبالرصاص عام 1952 وقرر إعدام اثنين منهم (مصطفى خميس ومحمد البقري)، وهو الجيش الذي قام بانقلاب 1952، وأقام النظام الناصري العسكري الشمولي الذي قامت ضده ثورة 2011 الحالية، والذي تشكلت منه المحاكم العسكرية سيئة الصيت،  والذي يشكل حاليًّا مجرد فرقة في الجيش الأمريكي، والذي يرتع قادته في فساد شامل منذ تكوينه وحتى الآن ويشكلون جزءًا من عصابة مبارك مثلما كانوا جزءًا من عصابات عبد الحكيم عامر ثم السادات. هذا الجيش لديه السجن الحربي حيث مورست فيه ألوان التعذيب، والذي يتم فيه إذلال المجندين وتعليمهم دروسًا في كراهية الحياة العسكرية واحتقارها، والذي يخرج منه اللواءات على المعاش ابتداء من انقلاب 1952 ليتحكموا في مختلف المؤسسات الحكومية بعقلية بدائية.. فأيُّ شرف لدى هذا الجيش الذي خلق نظام الفساد منذ 1952؟
لاشك أنَّ قواعد الجيش تختلف عن قياداته؛ فأغلبهم متعاطفون بلا شك مع الثورة ولذلك سيكون من الصعب للغاية أنْ يصدر المجلس العسكري أوامر بقتل المتظاهرين بالجملة، رغم أنَّ هذا وارد من قبل فرق خاصة وعناصر شديدة الولاء للنظام موجودة بالفعل، ولكن هناك خطورة انقسام الجيش في هذه الحالة. وربما هذا هو ما سيدفع الجيش لتقديم مكاسب متكررة للثوار والتضحية بأكباش فداء متوالية.

والواقع أنَّ السلطة في يد المجلس العسكري والذي أقال مبارك وقدم هذا "التنحي" لتهدئة الجماهير بعد محاصرة القصور الرئاسية وبعد فشل وهزيمة النظام في موقعة الجمل القذرة؛ أما الوزارة فمثل كل الوزارات في النظام الناصري طوال تاريخه وحتى اليوم: مجرد خيال مآتة لا أكثر ولا أقل.. ولكن طبعًا اختيار العسكر لوزراء بأعينهم له مغزى ويعبر عن ميولهم المحافظة. والواضح أنَّ العسكر مصرون على تعيين وزراء على شاكلتهم من أنصار النظام الشمولي رغم أنه من السهل تعيين غيرهم من عناصر أفضل شكليًّا على الأقل، مما لايعكس فقط الإصرار على المحافظة على النظام بل يعبر أيضًا عن غباء بيولوجي لدى العسكر؛ فشخص مثل أبي الغيط لا يصلح حتى لتمثيل أسرة يحمل حقيبة الخارجية ويسيء حتى للنظام نفسه، ووزير الداخلية الإرهابي يكشف بوضوح عن سوء نية العسكر ويسيء لسمعتهم الملوثة أصلًا. ورئيس الوزراء التافه يخاطب الشعب على أنه أبله على شاكلته.

والأمر لا يقتصر على اختيار الوزراء، فهناك العديد من الملاحظات على سياسة العسكر حتى الآن:

1- الإصرار على اختيار وزارة موقعة الجمل. وهذا الأمر لا يجد أيَّ اعتبار من العسكر؛ ببساطة لأن قائدهم كان مشاركًا في هذه الموقعة بالتواطؤ وإرهاب المتظاهرين بالطائرات.. إلخ.
2- الإبقاء على رجال الحزب الوطني في كل المؤسسات مثل الإعلام.
3- الإبقاء على الدستور مع اختيار "مفكر" ضيق الأفق لوضع تعديلات محدودة.
4- عدم إطلاق سراح أسرى الثورة وهو ألف باء أيّ ثورة، فليس من المعقول أنْ تعتقل حكومة تزعم أنها تمثل مبادئ الثورة أبناءها. بل ويمارس الجيش بنفسه عمليات اعتقال وخطف وتعذيب إجرامية موثقة ومنشورة،  دون خجل.
5- استمرار حالة الطوارئ وحظر التجول وسجن البعض بتهمة خرق حظر التجول.. دون أيّ مبرر سوى رغبة العسكر في السيطرة وإرهاب السكان.
6- ترك عائلة مبارك والمقربين من أنصاره أحرارًا حتى الآن بل وحراستهم.
7- محاولة استمالة جماعة الإخوان المسلمين لامتصاص قطاع من الجماهير والالتفاف على مطالب الثورة، وهي جماعة لا تملك أيَّ فكر ديموقراطي ولا آفاق تقدمية من أيِّ صنف بل لا تملك أيّ مشروع سياسي محدد الملامح، وإنما تعتمد على طرح أوهام وأحلام لتبرر تسلطها على الناس باسم الدين.
8- عدم إطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية وعدم تحرير النقابات والجمعيات الأهلية من سيطرة الدولة وأجهزة الأمن وعدم حل المجالس المحلية خوفًا من سيطرة قوى الثورة من أسفل على السلطة.
9- استمرار جهاز الأمن كما هو؛ بل ومحاولة إعادة بناء ما هُدم منه على نفس الأسس؛ فوزير الداخلية ضابط إرهابي وجهاز أمن الدولة مازال موجودًا، ولم يتخذ قرارًا بمصادرة أجهزة التعذيب من مراكز الشرطة والسجون ولم يحاكم رجال الشرطة المجرمين، بل يدعو إعلام العسكر الجماهير إلى العفو عما سلف!!
10- مازال البلطجية موجودون بكثرة وهم معروفون جيدًا وبالاسم لدى أجهزة الأمن، وكان من الواجب على أيّ حكومة تزعم ثوريتها أنْ تعتقلهم فورًا؛ والتهم موجودة: حمل أسلحة غير مرخصة – إرهاب وقتل الثوار- ترويع المواطنين وقتل بعضهم واغتصاب البعض. . إلخ. والواقع أنَّ الجيش قبض على أعداد محدودة وكثير منهم تسلمهم من ثوار التحرير واللجان الشعبية. لم نسمع عن أحكام رادعة ضد القتلة والمجرمين من رجال الشرطة، بل صدرت أحكام تافهة على بعض أمناء الشرطة بالسجن مدد محدودة لا تتناسب مع استعمال الأسلحة النارية والقتل والشروع في القتل.. إلخ. والشيء المعقول في الثورات أنْ تتشكل محاكم فورية قاسية لتصفية أعداء الثورة لحماية السكان ومكتسباتهم.
11- تسلم قضايا الفساد النائب العام وهو نفسه يستحق المحاكمة لضلوعه في التواطؤ مع العصابة الحاكمة التي تورط بعض أفرادها في قضايا فساد عديدة وقضايا تعذيب وقتل؛ مثل قضية خالد سعيد وقضية سيد بلال. كما يستحق كبير الأطباء الشرعيين الشيء نفسه.
12- لم يتم تنفيذ حكم المحكمة برفع الحد الأدنى للأجور ولا طرد الحرس الجامعي (هناك فقط وعد بتنفيذ الحكم الأخير مثلما وعدت حكومة نظيف).
13- عدم محاكمة ضباط الجيش الذين قمعوا المتظاهرين المسالمين واكتفى العسكر بالاعتذار.  

لا بأس من رفع شعار إسقاط الوزارة واستمرار الضغط على العسكر بالمظاهرات المليونية، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أنَّ العدو هو المجلس العسكري وليس الوزراء الذين يعملون مجرد خدم لدى السلطة الحقيقية. فالعسكر يمارسون سياسة استيعاب الثورة، ولو كان لديهم المال اللازم لاشتروا قطاعات شعبية واسعة مثلما تفعل حكومات الخليج الآن ولكنهم يفتقدون إلى المال، خصوصا أنَّ مطالب الشعب ضخمة.
إن التطهير مطلوب في كل المؤسسات على مستوى المجتمع كله ولم يحدث حتى الآن تغير جذري رغم تنحية مبارك. لذلك لن أمل من دعوة الجماهير لتحرير المجتمع المدني؛  أي الثورة من أسفل، وتصعيد المطالب الفئوية والاقتصادية، وتشكيل مجالس محلية جديدة، وعدم التساهل مع تجاوزات الأمن ومع البلطجية في كل مكان.
إنَّ مليون مظاهرة سلمية لن تفعل الكثير، وإنما التغيير باليد؛ بانتزاع الحقوق المسلوبة؛ وليكن لنا أسوة تستحق الاتباع في نجاح موظفي البنك الأهلي حتى الآن، ونجاح بعض عمال الصناعة والنقابات المستقلة، ونجاح الصحفيين والأطباء في طرد النقيبين عميلي الحزب الوطني. وليتم الآن تشكيل حزب ديموقراطي بأسرع ما يمكن دون حكم محكمة بل في الواقع؛ وليسرع الجميع بتشكيل نقابات مستقلة.
على قوى الثورة أيضًا أنْ تضع في الاعتبار أنَّ تقديم المطالب للسلطة ليس هو الأسلوب الذي يضمن نجاح الثورة؛ فالسلطة هي العدو وهذا ُيواجه ولا يُطلب منه، يجبر ولا يُناشد. فلتكن انتفاضات من حين لآخر وثورات صغيرة في مؤسسات وأحياء مختلفة وليتم تنفيذ أهداف الثورة باليد بقدر الإمكان؛ وليكن العنف – دفاعًا عن النفس وعن الثورة - أمرًا واردًا أيضا؛ خاصة أنَّ النظام لن يتورع عن محاولة استخدامه.

إنَّ الثورة المضادة في السلطة فعلًا وهي تعمل على استيعاب هدر الثورة وتسكين الجماهير ولكن لا أظن أنها ستنجح.

من المحتمل طبعًا - بل من المؤكد - أنَّ العسكر سيضطرون إلى تقديم موجات من أكباش الفداء لتسكين الثورة المستمرة حتى الآن، بل ومن الممكن جدًّا أنْ يعتقلوا عائلة مبارك لإرضاء الناس؛ خصوصًا بعد سقوط القذافي وفشل العنف في قمع الثورة الليبية، ولكن كل هذا لا يعني تفكيك النظام الشمولي؛ فالعبرة بتغيير المؤسسات والسياسات لا بتغيير الأفراد أو الأسماء.

ولنتوقف عن تعاطي الخرافة المسماة بثورة الشباب (هذا مفهوم ترسخه السلطة الآن)؛ فهذه ثورة شعبية؛ ولنتوقف عن اعتبار ميدان التحرير هو محور الثورة (هذا أيضًا مفهوم ترسخه السلطة وإعلامها)؛ فقد انتهت فعلًا هذه المرحلة والآن يجب العمل على الاستيلاء على السلطة في كل البلاد، وهو ما يحدث فعلًا ولكن ببطء.

قد تتعطل المصالح وينهار الاقتصاد ويخسر الناس، ولكن علينا مخاطبة الجماهير بلغة الثورة؛ فهذه الأزمات متوقعة في كل ثورة ولابد من دفع ثمن التغيير.  وعمومًا يقول المثل المصري: وجع ساعة ولا كل ساعة.







 















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق