السبت، 15 نوفمبر 2014

عن الإرهاب الإسلامي:


عادل العمري

ليس إرهاب الإسلام السياسي مجرد حمل السلاح وتهريبه وذبح الكفار ..إلخ. وليس هو مجرد رد فعل لاضطهاد السلطة أو ارتكابها مذابح ( مثل رابعة مثلا)، بل هو فكر منتشر في كل ركن في بلاد المسلمين في الشرق الأوسط ؛ في المدارس والجوامع والزوايا و داخل بيوتنا ،باختصار في كل مكان به مسلمين خصوصا العرب منهم.

هذا الفكر هو قنبلة تنتظر أي مفجر: إحباط – قمع حكومي – إفقار – تفاوت اجتماعي – هزيمة أمام بلدان الغرب المحترمة – فشل سياسات الدولة – انهيار مشاريع الحكومات القوموية – غياب دولة القانون وسيادة البلطجة..إلخ وكل هذا متوفر في عالمنا العربي الإسلامي.

وهذا الفكر ليس مجرد بضعة أفكار عن ضرورة تطبيق الشريعة بقوة السلاح أو إسقاط الأنظمة بالعنف أو قتل الحكام الكفار. بل إن الأيديولوجيا الإسلامية على مدي قرون تكونت اعتمادا على كتب أحاديث نبوية ابتكرتها مختلف الفرق الإسلامية المتصارعة، وفقه ومثل عليا ذكرت في التاريخ الإسلامي وتفاسير للقرآن..إلخ. كل هذا يمجد اغتيال الخصوم – معاقبة المرتد عن الإسلام – معاقبة تارك الصلاة – فرض الجزية على غير المسلمين – اعتبار الغزو هو أشرف طرق الحصول على المال في الإسلام، وهذه فكرة عميقة الجذور في كتب التراث – اعتبار الدولة مسؤولة عن فرض الشريعة بالقوة: معاقبة من يشرب الخمر ورجم الزناة وفرض نظام للتوريث والحكم بالشورى لا بالديموقراطية، وفرض قواعد معينة للزواج...إلخ، وباختصار اعتبار الأفراد رعايا للدولة وليسوا مواطنين أحرار على الأقل في شؤونهم الشخصية – ورغم اعتراف الفقه بحرية الأفراد في التجارة والاستثمار يصر على اعتبار الدولة هي صاحبة المال والمتصرف الأخير لصالح "الأمة" -  الفقه يضع الواجب فوق الحق، وبالتالي يجرد الفرد – عمليا – من كافة حقوقه – عقوبة القتل عقوبة عادية جدا في الفقه السائد: قتل المرتد، قتل تارك الصلاة، قتل من يسب (ينتقد) الدين والرسول، قتل "الزناة"، قتل "الزنادقة" ، قتل "المنافقين" إذا انكشف نفاقهم..إلخ. أما التعذيب فمقبول جدا: عند استتابة المرتد وهي محكمة تفتيش، وضد عملاء العدو (طبعا أي عدو).

أما عن التعامل مع أهل الكتاب فنجد الإسهاب في شرح ما يسمى "بالشروط العمرية" البشعة للغاية.

كما أن هذه الشريعة يجب أن تطبق بالقوة على العالم كله إذا أمكن (بالغزو طبعا) ليكون "الدين كله لله".

هذا الفكر يفتقد لأية قيم إنسانية عامة؛ فلا حقوق إنسان (بل حقوق الإنسان المسلم وحق الكافر في دخول الإسلام) ولا مساواة بين المرأة والرجل والهدف النهائي للدولة هو تطبيق "الشريعة" بكل هذه المكونات، وما الفرد إلا نفر أو نمرة مطلوب منها أن الالتزام بقواعد الشريعة المذكورة.

كل هذا يصنع وحشا داخل الفرد العادي الذي تربى في مدارس ومساجد وزوايا تدرس هذا الفكر وتابع القنوات التلفزيونية وقرأ الصحف والكتب المروجة لهذا الفكر، بمن فيهم رجال الدولة والشرطة (التي تتواطأ دائما تقريبا مع مهاجمي الكنائس والمسيحيين بدوافع طائفية). هذا الوحش يتربى داخل شخصية تتسم بالضعف والشعور بالدونية والقهر والعجز عن مواجهة قاهريه وهي شخصية سيكوباتية في الغالب كارهة للعالم وحاقدة على أي نجاح وتقدم: هذه هي شخصة الإنسان العربي عموما في الوقت الراهن.

لا شك أن هناك شروحات أخرى للإسلام أكثر إنسانية لكنها أولا ضعيفة للغاية خصوصا في العالم العربي وثانيا يتعرض أصحابها للقمع الحكومي والشعبي، منها أفكار القرآنيين وأنصار الأحمدية وغيرها.

لكل هذا لن يكفي الحل الأمني في مواجهة لا داعش ولا القاعدة ولا غيرها، فالوحش موجود في مئات الملايين من البشر ومن السهل للغاية أن ينطلق في ظروف معينة وإذا ما وجد تشجيعا من قوى متنفذة. ولن تكون مفاجأة لي إذا جاء صباح فوجدنا مئات الألوف من المصريين أصبحوا "دواعش" خصوصا مع الفشل المتوالي لحكومة السيسي الذي طالب بتغيير الخطاب الديني ( يبدو لي أنه سمع هذا التعبير من أحد المقربين إليه ولا يفهمه أصلا)، دون أن يتخذ أي إجراء يحفز هذه الفكرة.

الإصلاح الديني في الإسلام يجب أن يبدأ بفصل الدين عن الدولة قبل أي شيء آخر (أقصد أولا في الفكر)، باعتبار الإسلام رسالة للفرد لا للحكومة، وبالتالي يصبح الفرد حرا في فهم الرسالة والتعامل معها كيفما شاء وثانيا حل السلطات الدينية مثل الأزهر والمنظمات "الدعوية" وإلغاء كل القوانين والقيود على الحرية الدينية المطلقة أي أن تتوقف الدولة عن تبني ملة بعينها أو أن تطبق "الشريعة" بقوة القانون والشرطة كما تفعل الآن . فإذا كان السيسي جادا فعليه أن يبدأ بدولته ولا أظنه جادا ولا قادرا ولا متفهما أصلا لحجم الكارثة المحدقة.

أما التجاوز النهائي للفكر "الإرهابي" هذا فيشترط تحقيق درجة متقدمة من تحديث هذه البلاد وتحقيق مصالحة مجتمعية بين الطبقات والطوائف والجماعات الإثنية المتناحرة وهذا يحتاج إلى سلطة أكثر وعيا وأوسع أفقا وأكثر إدراكا للمأساة القائمة أكثر جرأة وأكثر "عدالة".

أما في ظل سلطة العسكر وزعيمهم فالأزمة مستمرة والكارثة قادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق