الخميس، 29 أبريل 2021

مقتطفات من كتاب: رسائل من مصر

 

هي رسائل لیدي دوف چوردون -

ترجمة: إبراھیم عبد المجید   https://bostan-ekotob.com/bostan/20/708.pdf?fbclid=IwAR0STlch7JVwhhHayh_u3VqLzRLXulfkkW3_KDf7joZ3MEyaBTiGR4QJCgc

 

المقتطفات عما يخص ثورة الفؤوس في مصر عام 1864:

 

- منذ أسبوع سمعنا بأنه تمت مھاجمة باخرة بروسیة وقتل كل من كانوا علیھا واحترقت الباخرة، وبأن عشر قُرى كانت في ثورة لا تنتھي وأن أفندينا "نائب السلطان العثماني" بنفسه أتى ومَحَا القرى كلھا وأباد سكانھا، الحقیقة ظھرت الآن وھي أن درويشًا مجنونًا أحدث فوضى وسأروي الحكاية كما سمعتُھا.. لقد فعل كما كان أبوه يحب أن يفعل منذ ثلاثین سنة.. جعل لنفسه اسمًا بترديدٍ واحدٍ من أسماء لله الحسنى، مثل "يا لطیف"، ثلاثة آلاف مرة كل لیلة لثلاث سنوات فجعله ذلك منیعًا محصنًا، ثم عقد صداقة مع الجن الذي علمه كثیرًا من الحیل مما يفعله السحرة في بلادنا حین يفكون كل القیود التي قیدوا بھا، ثم خدع أھل الصحراء بأن أعطى نفسه لقب "المھدي المنتظر" الذي سیأتي مع السید المسیح ويذبح عدو المسیح في نھاية العالم، واستھدف ثورة ضد الأتراك، ثلاث قرى شمال قنا ھي: جاو والريانیة والبیادية اشتركت في الفوضى وجاء فاضل باشا بالقوارب البخارية فأحرق القرى وأطلق النار على نحو مائة من الرجال ودمر الحقول، في البداية سمعنا أن ألفًا قُتلوا والآن مائة، النساء والأطفال توزعوا ھاربین على القرى الأخرى، قال البعض إن الدرويش قُتل والبعض قال إنه ذھب إلى الصحراء مع شخص بدوي وقلیل من الفلاحین من القرى الثلاث التي أبیدت.

قرية جاو كبیرة.. تقريبًا في حجم الأقصر، الدرويش من أبناء السالمیة.. قرية قريبة من ھنا، وأمس تم نقل أخیه الرجل المھذب وحَمِيْ أبیه الحاج سلطان العجوز مسجونَیْنِ إلى القاھرة أو قنا.. لا نعرف إلى أيھما. يبدو أن القارب المسلوب ملكٌ لتجار يونانیین، لكن لا أحد أصیب فیما أعتقد، ولا قاربَ أوروبی تم الاعتداء علیه.

 

- البارون كیفینبرينك كان ھنا أمس ومعه زوجته، رَأَيَا كل النھب الذي جرى للقرى وقالا إنه لم تكن ھناك أي مقاومة من الأھالي الذين أطلق علیھم الجنود الرصاص بینما يفرون، وكذلك شھد كیف يدفع الجنود الشیاه وغیرھا إلى المراكب. أريدكِ أن تكوني غیر قلقة عليَّ، الدرويش ومن معه من الرجال لا يستطیعون الھجوم علینا لأننا على بعد ثمانیة أمیال كبیرة من الصحراء، وھناك جبل بیننا وبینھم ومن ثم لدينا الوقت لرؤيتھم، ولقد نظمنا

أنه في حالة ظھورھم قريبًا منا فعلى النساء والأطفال في الأكواخ العارية أن يأتوا إلى منزلي المحصن كقلعة وكذلك أي مسافر على البواخر، وجمعنا نحو سبعمائة رجل قادرين على المعارك شاملة منطقة الكرنك، علاوة على أن فاضل باشا والجنود في قنا على بعد أربعین میلًا.

جاءت ثلاثة قوارب إنجلیزية الیوم من الجنوب

 

- خبرني بأن الدرويش أحمد الطیب لم يمت، وبأنه يعتقد أنه متعصب مجنون وشیوعي، إنه يريد أن يقسم كل الممتلكات بالتساوي ويقتل كل العلماء ويدمر كل التدريس الديني ويعظ بنوع من إعادة تفسیر القرآن من تفكیره ھو! "يريد أن يكسر ساعتك الجمیلة".. قال يوسف "ويعطي كل رجل قطعة مكسورة منھا، وھكذا في كل شيء".

 

- عرفنا أن الباشا بنفسه في جِرجَا ومعه قوارب بخارية وجنود وإذا زاد الخوف البسیط فالسفن البخارية ستُرسَل لالتقاط كل الأوروبیین. ما يحزنني ھم القرويون البؤساء الذين صودرت كل ممتلكاتھم، مذنبین كانوا أم أبرياء، وكثیر منھم قتل بالرصاص وھو يھرب.

- يخبرني الحاج علي بشكل خاص بأنه يؤمن بأن الغضب من الحكومة يزداد عمقًا وصار شاملًا وسوف يكون ھناك انفجار لكن لیس الآن. إن محاولة الباشا تنظیم أسعار الطعام باللوائح والمراسیم كارثیة جدا ، وبالطبع أسعار المجاعة الحالیة وُضِعت على مسؤولیته.. فإذا كان رجلًا قادرًا علیه تحمل التوابع حین يفشل. لا أُوْمِنُ بانفجار ما؛ أعتقد أن الناس اعتادت -مع الأسف  الشديد- المعاناة والطاعة إلى جانب أنه لیس لديھم أي وسائل اتصال والمراكب البخارية للحكومة يمكن أن تجري شمالًا وجنوبًا وتستھدفھم. إن الريف ممتد إلى ثمانمائة میل طولًا ومن واحد إلى ثمانیة أمیال عرضًا، والسكان قلیلون. فقط ھي القاھرة يمكن أن تفعل أي شيء، وكل شيء يسرّ القاھريین يتم عمله على نفقة الفلاحین.

 

- أتمنى ألَّا تتملككِ الخیالات بأني نُھبتُ أو ذُبحتُ عن طريق ذلك الدرويش المجنون الذي تسبب في خراب قرية جاو وثلاث قرى ھنا وأكثر من ذلك نظمنا الخطوات أخرى، أؤكد لك أننا بخیر جدا للدفاع عن أنفسنا إذا شرفنا أحمد الطیب بالزيارة! الحرارة تستقر عند 89 درجة الیوم.. بالطبع أنا أفضل، أزداد سِمنةً وأسعل أقل.

 

- تسلمتُ الآن خطابك المؤرخ في 3 مارس مع آخَرَ من جانیت التي تتساءل كیف كانت لحظات قلیلة التي شغلتھا إبادة أربع قرى في البلاد، لم يكن الأمر ذا بال عندھا وبدا أنھا لم تعرف عن الثورة ھنا ولم تسمع بھا.

 

- في خطابي الأخیر إلى أمي حدثتھا كیف أن درويشًا مجنونًا اسمه أحمد الطیب أثار القلاقل في "جاو" شمال قنا، وكیف سرق مركبًا وكیف نظرنا جمیعًا إلى "الرزية" وصممنا على قتال أحمد الطیب وأنصاره، ثم سمیناھم "حرامیة" ومتعطشین للدم فانتظمنا لمواجھتھم لنحمي أملاكنا، لكن نقول الآن "ناس مساكین".. ويھمس كل واحد إلى الآخر بأن لله لن ينسى ما فعله الباشا. بالطبع لن نعرف الحقیقة، لكني أعرف أن أحد الباشوات قال إنه شنق خمسمائة، وقال آخر إنه أرسل ثلاثمائة إلى فازوجلو (مكان في السودان -عادل) وكلھم بسبب سرقة قارب يوناني مات فیه فقط رجل واحد ھو قائد الدفة! لا أستطیع أن أقرر أن شیئًا حدث من المتمردين بعد خروجھم إلى الصحراء للاستماع إلى كلام الدرويش الذي بلا معنى، ورؤية العصي تھتز بالرياح. قیل لي إن الجماعة التي سرقت القارب كانوا قرابة أربعین رجلًا قويا. لكن القصص الأكثر رعبًا جرت بین الناس عن الأعمال الوحشیة التي اقترفھا الجنود في القرى البائسة، لیس من قُتلوا بالرصاص دون مقاومة فقط لكن قتل النساء والفتیات الغاضبات وشنق الرجال وشحن المراكب عنوة بالمسروقات، الأسوأ أن كل واحد يعتقد أن الأوروبیین ساعدوا وحرضوا والجمیع يعلن أن الأقباط تم تجنبھم لیشكروا الفرنجة، أنا لا أخبرك بالحقائق.. فقط ما يقوله الناس لأريك مشاعرھم. واحد من أكثر الشباب احترامًا جلس أمامي على الأرض وأخبرني بما سمع من ھؤلاء الذين جاؤوا عبر النھر..

 

- حكايات مرعبة عن تعفن الجثث التي تركت بلا دفن بأوامر الباشا.. عن جثث نساء مفتوحة حاملةً أطفالًا.. إلخ. "ھل عرفتِ ھذا يا سیدتنا؟ إننا شعب مسالم في ھذا المكان، ومنذ الآن إذا جاء مجنون وتبعه بعض الحمقى إلى الصحراء سیرسل أفندينا جنوده لھدم المكان ويأخذ فتیاتنا البائسات الصغیرات كغنیمة ويشنقنا.. ھل ھذا عدلٌ سیدتي؟"

 

- لقد رأى أحمد البربري الأوروبیین بقبعاتھم مع أفندينا على المركب البخاري ومعھم الجنود. "في الحقیقة لا يوجد أكثر بؤسًا منا نحن المصريین في كل العالم؛ الأتراك يضربوننا والأوروبیون يكرھوننا ويقولون إننا نستحق ما يحدث، باسم لله.. الأحسن لنا أن نضع رؤوسنا في التراب ونموت ونترك الأغراب يأخذون أرضنا ومحاصیل قطننا لھم، بالنسبة إليَّ فإني متعب من ھذه الحیاة البائسة وأخاف على بناتي البائسات الصغیرات".

 

- وأعلم أن أولئك الرجال في الذين كانوا متوحشین جدا ضد مثیري الشغب في البداية.. ھُم الآن في مزاج للثورة على الأتراك أنفسھم، تمامًا كما لو كانوا بريطانیین مولودين أحرارًا، حتى إنه صار ھناك رجال من الطبقة التي لديھا ما تخسره يُعبِّرون عن احتقارھم بحرية كبیرة.

 

- بشكل عام ھذه سنة بائسة في مصر؛ لم أسمع الزغاريد مرة، كل واحد قلق ومحبط ويخشى الجوع، فالأرض عطشانة من انخفاض النیل، والحرارة استقرت ستة أسابیع أقل من العادية، والحیوانات فزغة من الجوع، والآن ھذه الحكايات المرعبة عن إسالة الدم والعنف والسرقة.. "لأن الباشا أخذ الأرض في ھذه القرى لنفسه"، أرى الحزن في كل مكان أعتقد أن الحاجَّ علي كان محقا وسوف يكون ھناك مزيد من الاضطرابات، إذا حدثت فستكون جرَّاءَ العنف والاضطھاد في "جاو" والقُرى الثلاث المجاورة لھا. من السالمیة على بعد میلین جنوب الأقصر أُخِذ كل رجل وامرأة وطفل -على أي صلة قرابة لأحمد الطیب- مقیدًا في السلاسل إلى قنا، ولا أحد ھنا يتوقع أن يرى أحدًا منھم يعود حیا.. بعضھم رجالٌ خَیِّرُون معروفون كما عرفت، وسمعت الرجال يقولون "إذا قُتِلَ الحاجُّ سلطان وعائلته فلن نقوم بعمل جید مرة أخرى، لأننا نرى أنه لا فائدة منه".

 

- كان ھناك نِقَاش بین ثلاثة أو أربعة أوروبیین ھنا عند بداية الإشاعات عن الثورة عن تنظیم دفاع عن المسیحیین فقط، تصور أي إثارة سخیفة مجانیة للغضب! لم يكن ھناك علاقة بالدين في العمل (تقصد التمرد -عادل) بالمرة وبالطبع كان الرجل المناسب لتنظیم الدفاع ھو المعاون.. ھو ومصطفى وآخرون قاموا بالتخطیط واختاروا بیتي كقلعة للدفاع إذا جاء مُثیرو الشغب، لیس لديَّ شك في أن السبب الحقیقي للقلاقل كان الجوع وارتفاع سعر الطعام، كان مثل انتفاضنا أو شغبنا من أجل الخبز لا أكثر وشیئًا ضعیفًا جدا أيضًا، إنه لمثیر وغريب أن ترى الوجوه الجمیلة للمسافرين على الدھبیات كالعادة والأوروبیین بعیدًا عن أي اھتمام بمعرفة الخراب كما لو كانوا في بیوتھم! حین أذھب وأجلس مع الإنجلیز أشعر غالبًا كأنھم أجانب بالنسبة إليَّ أيضًا، ھل صرتُ الآن "بنت البلد" تمامًا ھنا؟

 

- انتھیت من كتابة خطاب إلى أَلِیك لأرسله بالمركب البخاري الیوم.. سوف ترينه، ومن ثم سأدخل في الحديث عن قصص الشغب. حدث شيء ھنا خلال عدة أسابیع وعبر ستین میلًا، والأحداث تلخص شخصیة أسطورية.. أحمد الطیب لم يمت، وفي موضع إصابته بالرصاص تظھر علامات صغیرة خفیفة مثل آثار حروق. القصة بدأت ھكذا: قبطي يمتلك جارية مسلمة تستطیع أن تقرأ القرآن وتخدمه، أراد أن يجعل منھا "حريمه" فرفضت وذھبت إلى أحمد الطیب الذي أعطاھا مالًا تشتري به نفسھا منه، لكنه رفض وأصرَّ على حقوقه المقررة وساندته الحكومة، وھكذا أعلن أحمد الثورة ومعه الناس المتعَبون من الضرائب والاضطھاد.. وقالوا "سنذھب معك"، ھذا ھو الملمح الوحید الديني المتصل بالعمل، أحمد الطیب ما يزال مقیمًا في الجزيرة غیرَ مرئيٍّ للجنود الأتراك الذين ما يزالون ھناك.

 

- والآن.. في الحقیقة.. الرجل الذي أخبرني بأن ألفًا وأربعمائةً تم اقتیادھم إلى السجن كان حسن شیخ العبابدة الذي ذھب إلى جاو لإحضار المساجین. توقف المركب على بُعد میل جنوب الأقصر، ومحمد الخاص بي -وھو الرجل الأكثر احترامًا وتھذيبًا ولیس مخترعًا للقصص- قد ذھب علیه إلى المطاعنة، ركبت معه فوق حماري إلى الجزيرة وحین اقتربنا من المركب أسرعت مبتعدة عن الجزيرة وعدت أنا بعد أن نظرتُ فقط إلیھا من الضفة وشممتُ رائحة سفینة عبید.. لم يحدث لي ذلك من قبل، وعرفت فیما بعد أن "البیك" على سطح المركب قد ھرب من أمام امرأة وحیدة فوق حمار. ھكذا حدث.. وكان قد أخبر شیخ العبابدة على ظھر السفینة بألَّا يتحدث معي أو يسمح لي بالصعود إلى سطح المركب، وأن يطلب إلى القبطان أن يبتعد میلًا أو میلین. كان محمد قد سمع كل ذلك، وجد على السطح مائة وثمانیة وتسعین سجینًا بینھم مدير سوھاج التركي مقیدًا بالسلاسل وأقفال خشبیة في يديه مثل الباقین. قدم محمد له بعض القھوة وكان متحضرًا معه، يقول إن المخلوقات المسكینة تعامَلُ بسوء مرعب من قبل العبابدة والنوبیین "البرابرة" الذين يحرسونھم.

 

- إنه مثیر أكثر مما تتصورين أن تسمعي حكايات الناس كلھا، إنه بالضبط مثل العودة أربعة أو خمسة قرون إلى الخلف على الأقل لولا وجود البواخر العصرية المختلفة والتلیجرافات الكھربائیة، وخوف ذلك البیك التركي من قلم السیدة الإنجلیزية.

 

- الذي ساعد على القبض على الفقراء وأيضًا التركي الشاب الذي وقف مستعدًا بینما فاضل باشا يجعل الرجال ينامون على الأرض بالعشرات ويُقطَّعون بالفؤوس. صديقي التركي -الشاب ذو الخلق الرائع - مندهش جدا من القضیة وعبَّر عن رغبته في أن يفعل شیئًا حسنًا لكل الفلاحین في مصر. لقد رأيت بأم عیني قاربًا ثانیًا للمساجین، تمنیت من لله أن يعرف الباشا السخط العمیق الذي سبَّبَهُ معاونوه. لا أحب قول كل ما أسمعه عن العلماء، والقضاة، والمُفتِین.. إلخ، أعرف الكثیرين من المدن والقرى وكلھم يقولون "نحن مسلمون لكن يجب أن نطلب إلى لله أن يرسل الأوروبیین لیحكمونا"، الشعور ضد الحكومة والأتراك يرتفع ھنا..لیس ضد المسیحیین. صديق قبطي لي فقد كل عائلة عمه في جاو..

 

- كلھم أطلقت علیھم النار مسلمین وأقباطًا. بالنسبة إلى الحاج سلطان المقبوض علیه مكبلًا بالأغلال في قنا وصعدت عائلته إلى إسنا.. فلم يكن ھناك أحسن منه ولا أكثر منه لیبرالیة مع المسیحیین، لقد قُبض علیه ھناك لأنه حمو والد أحمد الطیب لكن السبب الحقیقي أنه غنيّ وبعض الأعداء يشتاقون لثروته.

 

- اسألي مسیو مونییه عمَّا يعرف.. ربما أعرف أنا أكثر من الشعور بأنني دائمًا متبناة من قبل أتباع أبو الحجاج، وأجلس كل مساء مع بعض الجماعات أو غیرھا من الرجال المھذبین، أؤكد لكِ أنني في يأس بسبب كل ما أرى.. وما فعله الجنود أسوأ من وباء الحیوانات، ألیس القواسون قذرين بما يكفي؟ ألا يشترون السلع في الأسواق بأسعار يحددونھا ھم ويضربون السقَّا للدفع من أجل قِرَب الماء؟ من ينكر ھذا ھنا؟ القاھرة مثل باريس، كل شيء جمیل ھناك لكن ھنا...! بالطبع يسمع أفندينا "النبوءات الماكرة" للطغاة الذين أرسلھم أعلى النیل، حین كتبتُ من قبل لم أكن أعرف شیئًا مؤكدًا لكن الآن لدي شھادة شاھدي عیان، وأقول إن الباشا يقوم بالخداع أو تم خداعه.. أتمنى الأخیرة. إن أمرًا منه يوقف ذبح النساء والأطفال الذي على وشك أن يفعله فاضل باشا.

 

- ھل أخبرك بمصائر مئات المسجونین بعد اضطرابات قرية جاو؟ بینما كانوا يعبرون الصحراء كان المملوك الیوناني ينظر في قائمته كل صباح ويقول "حسني، أحمد، فلان.. أنتم أحرار، فكوا عنھم الأغلال"، ثم يأتي بعض الأرناؤوط ويخفون الثلاثة أو الأربعة الذين فكوا عنھم الأغلال عن الحیاة، ھذا ھو النفي إلى فازوجلو. ھل تذكر مذبحة سبتمبر في باريس والحديث عن حقوق المواطن أثناء الثورة الفرنسیة.. مصادفة مدھشة.. ألیس كذلك؟ الكل ساخط، ھذا كلام الحريم الخاص بالحكومة. السخط يملأ الھواء.

 

- لم أُمضِ أكثر من خمس دقائق في قِنا وعرفت كل ذلك وأكثر منه، عن نھاية الحاج سلطان لن أتحدث حتى أمتلك الحقیقة مؤكدة، لكن أعتقد أن ما مضى كان كما شرحتُه.. أُطلق سراحُهُ في الصحراء وقُتِلَ بالمصادفة! أريدك أن تنشر ھذه الحقائق؛ إنھا لیست غائبة عن أي شخص لكنھا غائبة عن أولئك الأوروبیین الذين تجعلھم الفوائد يغلقون أعینھم تمامًا عنھا، لكنھم قريبًا سیفتحونھا. إن الجشع الأعمى للحاكم الحالي سوف يجعله يندھش من الإفرنج يومًا ما.. أعتقد ھذا.

الاثنين، 19 أبريل 2021

دور السان كيلوت (=من غير لباس داخلي) في الثورة الفرنسية:


      فى مواجهة اليمين فى المؤتمر الوطني (البرلمان) حرض روبيسبير في نادي اليعاقبة في 26 مايو1793 المواطنين على الثورة: "عندما تظلم الجماهير، وعندما لا يكون لها ملجأ إلا إلى نفسها، فمن الجبن حقا ألا ندعوها إلى الثورة• فعندما تنتهك القوانين كلها وعندما يبلغ الاستبداد ذروته... فلا بد أن يقوم الشعب بحركة مقاومة شعبية• لقد آن الأوان لذلك". وفي 27 مايو طالب مارا (زعيم المعدمين والعمال) في البرلمان بقمع لجنة الجيرونديين (اليمين) فى المؤتمر لانها معادية للحرية ولأنها تميل إلى الحث على معارضة الشعب ومقاومته وسمحت بارتفاع فظيع للأسعار• وفي 30 مايو انضم دانتون إلى روبيسبير ومارا للدعوة إلى هبة ثورية


.

وفي 31 مايو قرعت الأحياء أجراس التنبيه للخطر ليهب المواطنون - عند سماعها، وتجمعت الجماهير عند دار البلدية وكونوا مجلس مقاومة، وضمنوا دعم حرس باريس الوطني بقيادة قائده الراديكالي هانريوت ، ودخل هذا المجلس الجديد - يحميه هانريوت بحرسه والجماهير المتزايدة العدد - إلى صالة المؤتمر الوطني وطالب بمثول الجيرونديين ليحاكموا أمام محكمة الثورة، وتحديد سعر الخبز عند ثلاثة جنيهات في أنحاء فرنسا كلها، وأي عجز ينتج عن ذلك يعالج بفرض ضريبة على الأثرياء، وأن يكون حق الانتخاب مقتصرا مؤقتا على السان كيلوت (الطبقة الدنيا)، وأقر المؤتمر الوطني الاعتراض الثاني فقط لهذه اللجنة البغيضة، وتراجعت الفصائل المسلحة لحلول الليل

وفي 2 يونيه احتشد ثمانون ألف رجل وامرأة - كان كثيرون منهم مسلحين - حول مقر المؤتمر الوطني، ووجه الحرس مدفعه للمبنى، وأخبر مجلس المقاومة الآنف ذكره نواب المؤتمر الوطني أن أحداً منهم لن يسمح له بالخروج حتى تتم الاستجابة لطلبات المجلس (مجلس المقاومة) كلها• وذكر مارا (زعيم العمال والمعدمين) بصوت عال أسماء الجيرونديين الذين يوصي بالقبض عليهم، وكان مارا قد سيطر على منصة المؤتمر وتمكن بعض النواب المطلوبين للمحاكمة من الهرب، وجرى القبض على اثنين وعشرين وفرضت عليهم الإقامة الجبرية في منازلهم بباريس• ومنذ هذا اليوم وحتى 26 يوليو أصبح المؤتمر الوطني خادماً مطيعا للجبليين (اليسار) ولجنة الأمن العام وجماهير باريس• لقد هزمت الثورة الثانية البورجوازية وأسست مؤقتا دكتاتورية البرولتياريا

(منقول بتصرف من كتاب قصة الحضارة)

 

السبت، 17 أبريل 2021

أحوال الفلاح في صعيد مصر تحت حكم العثمانيين

 

 


(استخلاصات من كتاب الباحث: جمال كمال محمود: الأرض والفلاح في الصعيد في العصر العثماني):

- العثمانيون ابتكروا نظام الأمانة (الأمين يجمع الضرائب ويسلمها للدولة ويأخذ مرتب)، ثم الالتزام.

- تقسم الأرض إلى:

* أرض الفلاحة، التي توزع على الفلاحين لزراعتها.

* الأوسية أرض تمنح للملتزم بدون ضرائب ويخصص عائدها لاستضافة موظفي الدولة الذين ينزلون ضيوفا عند الملتزم. العمل فيها إما بالسخرة أو بالإيجار للفلاحين أو بالمشاركة معهم في المحصول - نسبة الأوسية من الأرض متفاوتة. - فرض الفرنسيون ضريبة على أرض الأوسية وبالتالي حدوا من تحويل الملتزمين لأرض الفلاحة إلى أوسية بالتحايل.

* أرض تخصصها الدولة لخدمة المساجد وغيرها.

* الأوقاف: يقوم الملتزم بوقف أرض لأغراض مختلفة – بلغت وفقا لبعض المصادر 40% من أرض مصر الزراعية – معفاة من الضرائب.

 

- في نهاية القرن 17 صار الالتزام مدى الحياة وقابلا للتوريث، مما أدى إلى تفتته.

- لم يكن الملتزم يعيش في منطقة التزامه.

- كان يجوز للملتزم أن يؤجر حصة التزامه أو يرهنها أو يتنازل عنها لغيره (ويدفع للقاضي والموظفين الذين يوثقون هذه العلمليات رسوما مقررة).

- توريث الالتزام مقابل 3 أضعاف الضريبة تدفع للوالي كـ"حلوان".

 

- الملتزم كان يدير أعماله من خلال موظفين ولم يكن ير الفلاح: القائمقام (وكيل الملتزم) – المباشر (وكيل القائمقام) – شيخ القرية (حجر الزاوية في القرية): مسؤول عن توزيع الأراضي على الفلاحين – جمع الضرائب منهم – حفظ الأمن في القرية – حل المشاكل بين الفلاحين – كان يضرب ويحبس الفلاحين حتى يدفعون الضرائب (كانوا لصوصا ومستغلين وتجار ووسطاء ومستأجرين لأرض الالتزام، ومجرمين عموما) – الشاهد: ممثل الفلاحين في القرية وهم يختارونه ممن يعرفون القراءة والكتابة بعد موافقة الملتزم، وكان لديه سجل بالأرض والالتزامات المختلفة، وكان له أرض معفاة ومرتب (ممن؟) – الخولي: أهم أعماله الإشراف على أرض الأوسية، ويشارك في توزيع الأرض وصيانة شبكة الري والجسور، ومرتبه من ديوان الولاية ومن الملتزم نظير إشرافه على الأوسية- المساح: يمسح الأرض ويحدد مساحة أرض كل فلاح كل سنة – القصاب (مساعد المساح – المشد: يشبه شيخ الحارة ويساعد في جمع الفلاحين للسخرة ويحصل على أجره من الملتزم –الخفراءالكلاف: حراسة وتطبيب حيوانات الملتزم في الأوسية، وحيوانات الفلاحين لمن يرغب – السقا ويعمل عند الملتزم في ملء أزيار الأوسية للشرب.

- الوظائف المالية للعثمانيين: الدفتردار (يشبه وزير المالية)- الروزنامجي (وكيل الدفتردار وتحت يدع بعض الكتبة)- الصراف: يقوم بتحصيل الضرائب مباشرة وفقا لما هو مدون ويحضر عملية مسح الأراضي ويحصل على أجره من الفلاحين بالنسبة المئوية وطعامه من الفلاحين، وكانت له سلطة الضرب والحبس – الكاشف: حاكم المنطقة ومهمته رعاية الري والصرف وجمع الضرائب.

(ملاحظة: كل الوسطاء المذكورين كانوا لصوصا وغشاشين إلى آخر مدى).

-  الوظائف القانونية: القضاة.

- الوالي: الحاكم المباشر لمصر.. يتاجر في الالتزامات ويعيد توزيعها ليأخذ الحلوان. يشرف على صيانة شبكة الري ويعاقب الملتزم المقصر.

- شمل الملتزمون المشايخ والعربان والعسكر والمماليك والتجار (شاركوا في مرحلة متأخرة) ونقباء الأشراف والقضاة (وهم من المشايخ) وشمل حتى نساء أحرار وخادمات وجواري وعبيد رجال... العسكر والمماليك شكلوا غالبية عدد الملتزمين طول الفترة (تجاوزوا 90% في فترات معينة). نظرا لكثرة الصراعات لجأ ملتزمون بتسجيل الالتزام باسم جواريهم وعبيدهم وخدمهم.

- تبادل الملتزمون التنازل عن الالتزام، وتداولها وتأجيرها...

- كان هناك التزام من الباطن، والتزام بالمشاركة.

- تمتع المشايخ أحيانا بالاعفاء من الضريبة تحت مسمى مسموح المشايخ. كذلك أشرفوا على الأوقاف.

- أوضاع الفلاح في ظل نظام الالتزام:

* لا يجوز انتزاع أرضه طالما التزم بدفع التزماته.

* يحق له تأجير أرضه أو جزء منها.

* يحق له رهن أرضه أو جزء منها.

* له حق ترك أرضه (الالتزام اختياري) لكن حين زادت هذه الظاهرة كان يتم إعادة الفلاحين بالقوة إلى الأرض.

* حقه في توريث أرضه وإذا لم يكن له وريث تعود للملتزم.

* يزرع ما يشاء من محاصيل (لكن كان المعتاد إذا أخذت الضريبة عينا أن تؤخذ قمحا وشعيرا) - كان الملتزم يعطي قروضا للفلاح لشراء البذور وأدوات الزراعة وإصلاح قنوات الري، وبالتالي كان له نفوذ في تحديد نوع المحصول.

 

- واجبات الفلاح:

* دفع الضريبة للملتزم.

* السخرة في الأعمال العامة وأرض الوسية وغيرها.

* ضيافة الجند والموظفين والكشاف.

* ضرائب كثيرة غريبة جدا.

 

أنواع الضرائب:

مجموع الضرائب = المال الحر.

1- ما تحصل عليه خزانة الدولة: ضريبة الميري أو الخراج: يحصلها الملتزم وكانت تفرض على القرية ككل. تسلم للدولة - كان جزء منها يذهب للخزينة العامة وجزء آخر يذهب إلى السلطان شخصيا.

2- ما تحصل عليه الإدارة المحلية: مخرجات.

3- ما يحصل عليه الملتزم لنفسه: الفائض. كان أكثر من الميري بكثير في معظم الأحيان ومناطق الصعيد

4- المضاف: ضريبة إضافية تضاف للميري حين تحتاج الدولة للمال لشيء محدد.

5- البراني: "عادات" تدفعها القري عينا للملتزم وتضاف للفائض.

6- الكشوفية: ما يقدم للكشافين (شحص تكلفه الدولة للتفتيش الدوري على الفلاحين، وضمان تسديدهم للضرائب) وغيرهم حين ينزلون القرية، وهي أنواع عديدة جدا:

* أجر القواسين (المماليك الذين يرسلهم مسؤول ما للقرية لإعطاء الأوامر، ويحددها من أرسلهم) وتسمى بحق الطريق (بدل سفر بلغة عصرنا).

* الطُلب: يطلبها الجنود من كاشف الإقليم دون وجه حق.

* مال الجهات: مخصص لمحمل الكعبة كل سنة ويحصلها حكام الولايات

* فردة التحرير: خدمة العسكر الذين يمرون بالقرى متجهين لمكان ما، وقد فرضها مراد بك وإبراهيم بك.

* ضريبة رفع المظالم: مقابل التظلم من شخص ما. محمد بك أبو الذهب حين تولى ولاية مصر قرر "رفع المظالم بالبلاد" أي فرض ضريبة مقابل النظر في المظالم.

* تذاكر جاويشية: بدل سفر لكل من يشارك في جمع الضرائب.

* الكلف: تقدم للحكام وأفراد بيوتهم نقدا وعينا.

* ضريبة تقدم من أجل إقامة الجند الذين يقومون بجمع فردة التحرير.

* مطالب حاكم الولاية: عينية وتقدم له وللفرقة التي تصاحبه أثناء سفره.

* مصاريف الناية اللازمة: يدفعها شيخ البلد للكشاف والمماليك الذين يمرون بالقرية ويحصلها من الفلاحين.

 

ضرائب أخرى:

* عادة جاويش كاشف: وهو الذي يقود ويرشد الكاشف للأماكن التي يريد الذهاب إليها. ومعها عادة لمن يقومون بحماية عملية سداد الضرائب.

* معتاد الجسور وتوابعها: أجور الأنفار الذين يقومون بالترميم، وطبعا لرئيسهم. كانت الدولة تدفع باقي المصاريف إن لم تكف الرسوم على الفلاحين.

* عادة خدام الرملة: فرضت أحيانا، وهي تقدم للعمال الذين يحملون زكائب التراب اللازم لصيانة الجسور.

* الكورجيان: ضريبة لإزالة الأتربة من القاهرة وترميم الجسور، وكانت تفرض على القرى ابتداء من 1774.

ضريبة الكرا (كراء الأسنان): تدفع للعسكر الذين يمرون بقرية قبل دعوتهم للطعام. وهي تقدم كأجرة لقيام أسنانهم بمضغ هذا الطعام.

* ضريبة الفرط: وهي الفرق بين الغلال الداخلة إلى العنابر والخارجة منها.

 

كثيرا ما كان هناك تلاعب في تقدير قيمة كل الضرائب، كما كان الفلاح كثيرا ما لا يأخذ إيصالا بالسداد فيعيد دفع الضريبة، بخلاف مختلف أشكال الابتزاز والنصب من جانب الملتزمين ومعاونيهم وموظفيهم.

لم يكن الفلاح الأمي بقادر على إحصاء كل هذه الأنواع من الضرائب مما عرضه للغش والسرقة.

وكثيرا ما كان الفلاح يقترض لسداد الضرائب بضمان محصوله وبسعر أقل بالتأكيد أو يرهن مصاغ زوجته أو يبيع ماشيته.

بل كان الفلاح أحيانا يرهن ولده عند الملتزم حتى يدفع الضرائب. فإن لم يكن لديه ولد رهن أخاه أو أحد أقاربه أو يحبس ويضرب حتى يدفع. وكان الفلاح يفتخر بآثار الضرب وبعدد الأسواط التي نالها حتى يدفع الضرائب.

 يضاف للضرائب غارات البدو على القرى: وكانوا يحققون ما يريدون في كل الحالات: وكان يقوم بالسلب والنهب كل من البدو الرحل والعربان المستقرين في أرض زراعية. لعبت هذه الغزوات دورا كبيرا في تخريب البلاد وترك الأرض لتبور، وقتل الفلاحين. يضاف إلى ذلك الصراع بين شلل المماليك وتأثره المخرب على مناخ القرية المصرية والنشاط الإنتاجي.

هذا بخلاف العمل بالسخرة مجانا في غالبية الحالات، سواء في الخدمات العامة أو في أرض الملتزم (الأوسية) وغيرها.

الحملة الفرنسية أدارت البلاد بنفس الطريقة ولكن عن طريق موظفين فرنسيين لأغلب الأرض. كما فرضت مزيدا من الرسوم والضرائب الباهظة حتى على الأغنياء. قال كليبر إنه لكي يملأ خزائنه الخالية فإنه من الضروري أن يعصر مصر كما تعصر الليمونة في العصارة.

لكن في عهد الجنرال مينو صدر قرار بتمليك أرض الأوسية للملتزمين وتمليك أرض الفلاحة للفلاحين. توحيد الضرائب فيب ضريبة واحدة لا غير تدفع على أقساط (4-10). مع حق الفلاح في التصرف في أرضه كما يشاء وحقه في زراعة ما يرغب من محاصيل. بذلك تم إلغاء الالتزام والإتاوات. لم ينفذ القرار بسبب رحيل الحملة.

بعد رحيل الفرنسييين أعاد العثمانيون نظام الالتزام مع إجبار الفلاحين على دفع الضريبة خلال مدة الحملة (رغم أنها دفعت للفرنسيين!). وراح العسكر العثماني ينتزع التزامات زوجات المماليك القتلى أو يتزوجوهن قسرا. وتتابع فرض الرسوم والفرد على السكان بحجج مختلفة. وعاث العسكر والعربان فسادا ونهبا للفلاحين، ثم جاء محمد علي ليعاني الفلاحون استغلالا أبشع.

 

- محمد على فرض 500 ألف قالب طوب على كل قرية عام 1815. بخلاف الزبد وشاة من كل عشرة وخلاف ذلك من الإتاوات وأشكال الضرئب المختلفة.

- وفرض نظام الاحتكار: من ذلك التوريد الإجباري للمحاصيل بالسعر الذي يقرره بنفسه (نفس ما فعله الناصريون فيما بعد).

- ألغى محمد علي نظام الالتزام إلى حد كبير (بقي بنسب تصل إلى 30% في الصعيد حتى 1844). وقد استمر الالتزام جزئيا في الصعيد حتى 1854.