الأربعاء، 25 يناير 2023

دروس مستفادة من انتفاضة 25 يناير 2011 في مصر


عادل العمري

25 يناير 2023

 

نقد الثورة المصرية أفضل للثوار من مدحها بتكرار الكلام من نوع أنها من أجمل و أنقى وأعظم وأطهر الثورات التي عرفتها الإنسانية... (هل تقارن بالثورة الفرنسية والروسية مثلًا!). فقد انتهت الانتفاضة باستيلاء أحط فئة في المجتمع ليس على السلطة السياسية فقط بل على مصر كلها وإدخالها في نفق مظلم لن تخرج منه قبل كثير من الانتفاضات والصدامات السياسية والمجازر. إن العنجهية المصرية والنفخة الكدابة والغرور والشوفينية والتعصب واضحة هنا تمامًا.

 

فمن غرائب الانتفاضة المصرية:

1- القوى الفاشية كانت هي التي تنادي بديموقراطية صناديق الاقتراع، بينما أصر الليبراليون على تدخل الجيش، ابتداء من شعار "الجيش والشعب إيد واحدة" البغيض في 28 يناير، ثم تحبيذ استمرار المجلس العسكري في الحكم مدة أطول وتأجيل الانتخابات لمنح فرصة لتشكل أحزاب علمانية، ثم مطالبة الجيش بالتدخل ضد حكم الإخوان، وتوج الموقف بتأييد انقلاب السيسي من قبل الغالبية العظمى من الثوار، بل وتسميته ثورة 30 يونيو.

هذه الحقيقة تستحق الوقوف أمامها كثيرًا وتأمُّل إمكانيات الجماهير المصرية وآفاقها، بل وتأمُّل تلك النخبة المثقفة التي تعشق الجيش وجهاز الدولة عمومًا.

2- بعد أيام من اندلاع الانتفاضة انضمت غالبية الجماهير (المسماة حزب الكنبة وغيره أيضا) إلى الثورة المضادة، ابتداء من استفتاء 19 مارس، ثم التعاطف مع الإسلاميين وتأييدهم الذي توج بانتخاب محمد مرسي رئيسًا. ثم الدعوة إلى "الاستقرار" بأي ثمن وإبداء التعاطف مع إعلام السلطة المعادي للثورة. وتوج هذا بخروج الملايين في 30 يونيو ثم تأييد حكم العسكر حتى انهار مستوى المعيشة فانقلب الحال.

في الثورات الحقيقية كانت الكتلة الرئيسية من الجماهير تقف مع الثورة، بالتأييد نظريًا على الأقل. وهنا نتذكر الدور الكبير للمهمشين والعمال والفلاحين في الثورات الفرنسية والروسية والصينية... قارن مع هامشية مشاركة سكان الصعيد في الانتفاضة الثورية، الذين انتفض بعضهم بحق فقط حين تم تعيين محافظ مسيحي في محافظة قنا! وتراخي طبقة العمال (البروليتاريا) التي لم تخرج فعليًا إلا قبيل تنحية مبارك بيومين ثلاثة ثم راحت جمهرتها تنادي بالاستقرار (فلنقارن مع دور سوفيتات العمال والفلاحين في الثورة الروسية وقيام البروليتاريا والمهمشين بحصار الجمعية الوطنية البورجوازية في الثورة الفرنسية وقهرها.

إنه أمر يستحق الاعتبار لتحديد الخطوة القادمة. فأي جماهير هذه التي تعد القوة المادية لأي ثورة حقيقية!

3- بعد اندلاع الانتفاضة لم تلجأ الجماهير ولا الجماعات الثورية إلى تنظيم نفسها في جبهة ثورية أو أي تنظيم سياسي ذو شأن، بل تشكلت عشرات أو مئات الائتلافات والجماعات الصغيرة يزعم كل منها أنه يمثل الثورة، ولعبت النزعات الفردية والطموحات الشخصية للقادة والزعماء دورًا كبيرًا في إهدار الجهود وإضاعة دم الشهداء سدى. كما لم يتم طرح برنامج عمل يحظى بقبول ملموس في الشارع لتجاوز النظام السياسي القائم وتشكيل حكومة بديلة. فأي عظمة هذه في انتفاضة ظلت ترفع شعارًا سلبيًا طول الوقت: ارحل. طبعًا هناك قليل من الاستثناءات.

4- تصرف العلمانيون بسذاجة لا يحسدون عليها بتحالفهم مع الإخوان، رفاق الميدان زعمًا، وهم قوة فاشية مضادة لأي تحول ديموقراطي يتجاوز صناديق الاقتراع في فترات سيطرتهم على الرأي العام. لم ينتبه العلمانيون لتاريخهم الأسود ولا لمعتقداتهم النظرية الراسخة المعادية للديموقراطية ولا لطائفيتهم. هذا حسب تقديري يعبر عن ميول لاديموقراطية لدى العلمانيين والديموقراطيين المصريين. وقد توج هذا التحالف رغم الصدامات العديدة الصغيرة بانتخاب محمد مرسي مع عصر الليمون كما قالوا. بل نجد أن جل العلمانيين يخافون أو يخجلون من وصف أنفسهم بالعلمانيين، بل يستخدمون وصفًا مائعًا وغامضًا: القوى المدنية.

5- وسط الجمهرة العظمى من المصريين الدين يهزم الفلسفة دائمًا تقريبًا، ويحبذ الناس الخطاب الديني والتفسير الغيبي للتاريخ والواقع. وفي العقود الأخيرة حقق الفكر الديني انتصارًا ساحقًا على الفكر العلماني (لا توجد هنا فلسفة أصلًا). وإذا قارنا مع فرنسا وروسيا الثوريتين نجد أن هناك انتصرت الفلسفة على الدين نهائيًا عشية الثورتين، مما مهد للتحولات الكبرى. في إيران أيضًا انتصر الفكر الديني على الفكر العلماني فنجحت الثورة المضادة بقيادة الملالي وتم إهدار ثورة الإيرانيين وذهبت دماء الآلاف سدى وذبح الفاشست من الملالي وأنصارهم آلاف المناضلين من الحزب الشيوعي ومجاهدي خلق والليبراليين وغيرهم. وللأسف تم هذا بمباركة الكتلة الأكبر من الشعب.

 

الخلاصة أن تلك الانتفاضة تستحق النقد (بمعنى التقييم وليس النقض) وبدلًا من التباهي بالهزيمة والفشل وتقديم الشهداء لصالح حكم العسكر في النهاية من الأفيد التفكير في الإجابة على السؤال الدائم: ما العمل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق