24 سبتمبر 2009
عادل العمري- شريف يونس
24 سبتمبر 2009
فشل فاروق حسني في التربع على عرش اليونسكو. ومن الملفت أن جمهرة مثقفي وصحافيي وإعلاميي
مصر قد انطلقت حناجرهم تدين الغرب وتتهمه بالنفاق والتآمر على المسلمين وتعد
أوباما رجلا مخادعا لم ينفذ وعوده للمسلمين. ونحب أن نقدم الملاحظات التالية على الموضوع:
1-
من حق كل دولة أن تختار أو تنتخب من تريد من المرشحين
وليس واجبا على العالم أن يختار المرشح المصري.. وأي اختيار لا يعيب أو يدين أحدا، ومراعاة الدول
لمصالحها لا يدينها، كما أن حشد الدول بوعدها بمساعدات لا يدينها، خصوصا أن الدولة
المصرية مارسته إزاء البلدان الأفريقية الفقيرة بالفعل.
2-
لا يمكن تفسير انتخاب مرشحة أوربية بتآمر أوربي، إلا إذا كان اختيار العرب لمرشح عربي مؤامرة عربية.
3-
إلى جانب هذه المبادئ العامة، فاروق حسني يعيبه أشياء ذات بال كمرشح لرئاسة
منظمة ثقافية دولية المفروض أنها تدعو لحرية الفكر والثقافة والتعاون بين الثقافات..
فهو وزير في حكومة استبدادية بوليسية شبه طائفية وهو لم يسجل أي اعتراض على سياسة
حكومته ولم يفكر حتى في الاستقالة من منصبه قبل الترشيح، بل رشح نفسه بأمر من رئيس
الدولة ودعمته البيروقراطية المصرية في الانتخابات، كما أن تهديده من قبل بحرق
الكتب الإسرائيلية لا يليق بمثقف من أي نوع، فالمثقف لا يحرق الكتب حتى لو كانت
مخالفة لأفكاره بل يقرأها، فهو بالتأكيد تصريح يدينه تماما ولا يشفع له أي اعتذار.
هذا برغم عنصرية إسرائيل وجرائمها وعدوانها على الشعب الفلسطيني. أما وصف البعض له
بأنه "أحد أبرز دعاة الليبرالية والحوار مع الآخر في المنطقة العربية"
فهو ادعاء كاذب بالمرة لأنه، بحكم موقعه الرسمي كوزير ليس إلا أداة لتجميل نظام بوليسي، وهو لنفس السبب إما
متواطئ أو مضطر إلى السكوت
على الانحطاط المستمر للثقافة المصرية في عهده الممتد كوزير.
4-
وهو ينتمي لنظام حكم قام بجهود
معروفة دوليا لإثارة الاحتقانات الدولية على أساس الدين، بتشجيع وإثارة قضية
"الرسوم الدانمركية" وإحيائها بعد شهور من نشرها، وخاض حملات دولية للحد
من التعبير بدعوى حماية المقدسات، بما يتنافى مع فكرة الثقافة الحرة أصلا. والمرشح
لا يستطيع أن يصور نفسه بعيدا عن هذه الحملات، وهو وزير متضامن في وزارة، لم يستقل
منها ولم يحتج على سياستها.
5-
أما اتهام الغرب بتسييس منظمة اليونسكو لإسقاط المرشح
المصري فيشمل الدول كافة فكل المنظمات الدولية مسيسة وكل الدول تتصرف وفقا
لمصالحها السياسية في النهاية، وما كان ترشيح فاروق حسني بأمر من الرئيس المصري من
أجل عيون الثقافة أو التعاون بين الحضارات والارتقاء بها، فالنظام المصري يدوس
الفكر المستنير بالأحذية ويسحق أصحابه ويتركهم عرضة لقمع رجال الأمن ورجال الأزهر
ومحاكم التفتيش التي تعقد من وقت لآخر. وليسأل النظام المصري الذي يريد أن يحكم
اليونسكو نفسه: أين نصر حامد أبو زيد الآن ولماذا هو هناك؟؟ وليسأل وزير الثقافة
نفسه عن حوار الثقافات الذي يتم في بلده بقتل وحرق بيوت وأماكن عبادة ونهب ممتلكات
تتم على الهوية الدينية واعتقال المفطرين في رمضان وماذا فعل لمواجهة هذا النوع من
الحوار. هل هناك بلد له ثقافة محترمة يثار فيها جدل بشأن حقوق المواطنين في مجرد
استخراج أوراق رسمية، تعد من صميم حقوق المواطنة، بل حقوق "الرعية"، حسب
أديانهم ومعتقداتهم؟ وتمتنع مؤسسات "الحرية" مثل نقابة الصحفيين عن
استضافة مؤتمر لمناقشة قضايا التمييز الديني؟
6-
إن ردود الأفعال من قبل معظم مثقفي مصر والعرب كانت
عنصرية كالعادة وتمثلت نظرية المؤامرة (برغم أن مواقف الدول من انتخابات اليونسكو
كانت معلنة)، وهذا يؤكد أن عدم اختيار العالم لمرشحهم كان
قرارا حكيما، فلا يجب أن يتربع على عرش اليونسكو شخص ينتمي إلى مثل هذه الثقافة، خصوصا أن فاروق حسني نفسه قد علق على
النتيجة بنفس المنطق: المؤامرة
- الخيانة - تخلي الغرب عن شعاراته..الخ. بل كانت حملة جانب معتبر من
المثقفين ضد فاروق حسني لفترة طويلة تقوم على اتهامه بأنه سيقدم تنازلات عن ما
يُعرف بـ"الثوابت" الوطنية والدينية، بما يجعلهم مسئولين مشاركين في
تصريحه الخاص بحرق الكتب وغيره من التصريحات النارية التي كانت تهدف إلى إرضائهم. والغريب
أن بعضهم يكتب الآن منددا بعدم انتخابه، بما يدل على حالة شيزوفرينيا متدهورة.
الخلاصة أنه آن
الأوان لمواجهة الفجوة الهائلة بين "ثقافة الواجهة" التي تقدمها الدولة
من خلال عدد من رجالها شبه "المتنورين"، من أمثال مساعدي فاروق حسني في
حملته، والمخصصين للتصدير أساسا، والثقافة المحلية التي تزداد تعصبا وضيق أفق
والممتدة إلى أقسام واسعة من النخبة "العلمانية" نفسها من كُتَّاب
وصحفيين وغيرهم. ففي النهاية كل إناء بما فيه ينضح، وقد نضح على العالم بما يكفي
لكي ينجو بنفسه من الواجهات اللامعة لهذه الثقافة المتدهورة. أموال البترول التي سُميت
"الدعم العربي" للمرشح المصري لم تعد تكفي لتغطية الجروح المتقيحة لهذه
الثقافة.