عادل العمرى
18 يناير 2012
اليوم هو 18 يناير؛ الذكرى الخالدة لانتفاضة يناير 1977 العظيمة فى مصر
حين خرج الملايين يسحقون أجهزة النظام ويجبرونه على تنفيذ مطالبهم دون قيد أو شرط
ودون مفاوضات بل وبطريقة غاية فى الإهانة والإذلال. كان الشعب شامخا
والنظام مذعورا، ومن يومها تكونت لدى النظام المصري عقدة "ثورة الجياع"
التي يرتجف منها ويخيف بها خصومه في الداخل والخارج (نشرت منذ عام دراسة تحليلية للانتفاضة من وجهة نظر تتبنى
الجماهير شبه البروليتارية[1]).
كانت الانتفاضة انتفاضة جياع حقيقية أثبتت فيها الجماهير شبه
البروليتارية قدرتها على النضال والانتصار. وقد قدمت عشرات الشهداء (بلغ مجمل عدد
القتلى 160 قد يكون منهم بعض رجال الأمن)، ومئات الجرحى والمعتقلين وتم حبس 114
شخصا جلهم من المهمشين والعمال.
وقد اعتاد المثقفون تذكر الانتفاضة التي ينسبونها لأنفسهم ويحتفون بما
أسموه "الحكم التاريخي" الذي أصدرته المحكمة بتبرئتهم من المسؤولية [2] بينما
يتناسون الشهداء والمحبوسين ومن تم التنكيل بهم باعتبارهم مخربين وخارجين على
القانون وبلطجية وعناصر مندسة. ومعتبرين دور الجماهير شبه البروليتارية طفيليا
مخربا بينما كانوا هم صناع الانتفاضة وصناع النصر وما كان دور المثقفين إلا دورا
ثانويا، وقد تم الحكم بالحبس على 114 شخصا بأحكام بلغ مجموعها 446 عاما؛ حكم
"غير تاريخي" بالتأكيد!! وقد كان السادات يصف الانتفاضة "بانتفاضة الحرامية" قاصدا بالطبع
الجماهير التي استخدمت العنف بينما اعتبر المثقفين مجرد محرضين.
ومثلما كان هناك حدثان: انتفاضة الجياع، ومظاهرات المثقفين وأنصارهم، كانت
هناك قضيتان منفصلتان: واحدة للمخربين والثانية للمثقفين. في الأولى عوقب الجياع
وفي الثانية برأت الدولة أولادها: المثقفين.
في ذكرى الانتفاضة أقدم التحية للشهداء وأهاليهم وأذكِّر المصريين
بأنَّ هؤلاء قد ضربوا المثل في الشجاعة وكسروا هيبة الدولة لأول مرة منذ الانقلاب
الناصري، بل وأثبتوا لأول مرة في تاريخ مصر الحديث أنَّ المهمشين وأشباههم قادرون
على تحدي الدولة وكسرها ورفع شعارات سياسية واقتصادية عامة، وهم يستحقون على الأقل
أنْ نتذكرهم باعتبارهم ثوارا وليسوا مجرمين، وأنَّ خروجهم على القانون والأعراف
والتقاليد "النضالية" للطبقة الوسطى كان "بروفة" ممتازة لثورة
الجياع القادمة والقادرة وحدها على التفكيك النهائي للنظام القائم.