(حتى لا يساء الفهم أنا شخصيا مع سياسة الانفتاح إلى حد تحرير السوق بالكامل وفتحه أمام رأس المال والسلع والعمالة الأجنبية وبيع ممتلكات الدولة كلها)..والمقصود الانفتاح الداخلي والخارجي:
تسمع الأجيال "الشابة" (في الحقيقة نحن أكثر شبابا!) وبعض العواجيز الذين يكرهون الاطلاع ومتابعة العالم أن سياسة الانفتاح الاقتصادي، في مصر قد بدأت عام 1975 ويبنون أحكامهم على أساس هذه المعلومة الغريبة..الحقيقة أن تسمية الانفتاح هي التي بدأت رسميا عام 1974- 75. بغض النظر عن أن الانفتاح كان هو السياسة المصرية المعتمدة حتى 1958، فالحقيقة المعروفة والمنشورة لمن يطلع أن سياسة الانفتاح – بدون هذه التسمية - أعيد العمل بها اعتبارا في 1964-1965؛ فتحت ضغط الأزمة المالية ومع نمو القطاع الخاص وخسائر قطاع الدولة اضطرت الدولة إلى التخلي – إلى درجة كبيرة – عن سياستها الإصلاحية؛ فأوقفت عمليات التأميم وفرض الحراسات منذ 1964 (يستثنى قانون الإصلاح الزراعي عام 1969)، بل لم تتمكن من تنفيذ قرارات تأميم جديدة أصدرتها لتجارة الجملة والمقاولات، وبدأت في رفع الأسعار بحجة أنها ظاهرة عالمية (كان الدعم محدودا جدا؛ وصل 20 مليون جنيه حتى بداية حكم السادات ثم ارتفع بعد ذلك بشدة)، ثم أعلن رئيس الدولة ترحيبه برأس المال الأجنبي (وصدر القانون 66 في 1963 و القانون رقم 51 لسنة 1966 للمناطق الحرة، والذي تم توقيف تطبيقه بسبب ظروف حرب 1967) كما قرر إنشاء منطقة حرة في بورسعيد عام 1966 رغم معارضة الشباب الناصري بشدة تكون مفتوحة أمام رأس المال الأجنبي وبدون رسوم جمركية، وقد مُنِحت الأولوية لمشروعات الفرز والتنظيف والخلط، وتقرر توجيه اهتمام خاص لتجارة الترانزيت. كما أعلنت الدولة ترحيبها بالتعاون مع البنك الدولي من جديد، وقام جورج وودز مدير البنك بزيارة القاهرة في 1966، وأعلن أنَّ فترة الجفاف مع مصر قد ولَّت، وأنَّ البنك يمكنه المساهمة في تمويل المشروعات الجديدة، كما قال إنه "يتفق مع حكومة القاهرة على ضرورة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة لمستقبل الاقتصاد المصري". وفي المباحثات التي أجريت تم بحث المشروعات التي سيمولها البنك بفوائد تتراوح بين 3/4 % لمشاريع البنية الأساسية، و5.5% للمشاريع المنتجة. ولم يتم إنشاء المنطقة الحرة بسبب حرب 1967. بعد 1967 أعلن عديد من كبار رجال الدولة والاقتصاديون الرسميون شعار: تصحيح الأخطاء، قاصدين ضرورة تغيير السياسة الاشتراكية وإطلاق يد القطاع الخاص من أجل زيادة الدخل القومي. وفي نفس الوقت تعرض قطاع الدولة الاقتصادي للنقد الشديد على صفحات الجرائد، ورُفع شعار: ضرورة إخضاع كل شيء لنمو الإنتاج، بما يعني إنهاء السياسات الإصلاحية. وقد تم بالفعل إصدار قرارت انفتاحية، منها: تخفيف إجراءات الحراسة - وتم الإفراج عن بعض أفراد عائلة الفقي - – في 1969 تم تخصيص 80% من مقاعد الجمعيات التعاونية الزراعية لمن يملكون 10 أفدنه فأقل بدلًا من 5 أفدنه فأقل، بينما حظرت عضويتها على الأميين (80% من الفلاحين) - السماح للقطاع الخاص بتصدير كل السلع التقليدية منذ 1968 - السماح له بالقيام بعمليات استيراد مستقلة، ومنحت لـه تسهيلات أخرى كثيرة في هذا الشأن - السماح للبنوك بفتح حسابات بالنقد الأجنبي للعاملين بالخارج (8/5/1968) - السماح لجهات أخرى غير البنوك في التعامل في النقد الأجنبي والشيكات السياحية - التصريح للأفراد باستيراد سيارات الركوب - السماح لحائزي شهادات الاستثمار الصادرة مقابل أسهم بعض الشركات بالاقتراض من البنوك التجارية بضمان هذه الشهادات - التصريح للأفراد بالاستيراد بدون تحويل عملة في حدود 3000 جنيه - صدر قرار بتسهيل استيراد سيارات الركوب للاستعمال الشخصي أو الهدايا - خفضت التعريفات الجمركية على بعض السلع الاستهلاكية - السماح بدخول رأس المال الأمريكي والإيطالي للاستثمار في قطاع البترول بشروط أيسر مما في السابق. كذلك اشتركت مصر في البنك العربي الفرنسي عام 1970 وهو مخصص لتمويل التجارة بين فرنسا والدول العربية.
ثم صدر في سبتمبر 1971 قانون الاستثمارات العربية والأجنبية، وقد تضمن إنشاء الهيئة العامة للاستثمار و المناطق الحرة، وتم تعديله بقانون رقم 43 لسنة 1974 بشأن إصدار نظام إستثمار المال العربى والأجنبى والمناطق الحرة.. والذي عدل هو الآخر بالقانون رقم 32 لسنة 1977، وتوالت القوانين وإجراءات الانفتاح بعد ذلك، من رفع الدعم والخصخصة ومنح التسهيلات لرأس المال الأجنبي، والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية..إلخ..
ومع كل ذلك مازالت الدولة المصرية تتحكم في الاقتصاد وتلعب دور "الرجل الكبير" لعصابات رأس المال من مختلف التخصصات، فلا يوجد انفتاح بالفعل، بل امتيازات لقوى اقتصادية وعائلات وعصابات "رأسمالية" بعينها، ولا يمكن أن يتم تشغيل مشروع اقتصادي من أي نوع إلا من تحت إبط "الرجل الكبير" مع دفع "المعلوم" واللعب بثغرات القوانين المتعمدة في الغالب..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق