هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 نوفمبر 2014

لماذا نكره الإسلام السياسي



عادل العمري
28 نوفمبر 2014


-      لا يفهم - وغالبًا لن يفهم الإسلاميون- سواء المسلحون أو غير المسلحين سبب عداء التيارات التقدمية لهم ولمشروعهم. فهم يعتقدون أن الصراع السياسي والاجتماعي يدور بين الخطأ والصواب؛ الشر والخير، الباطل والحق، وأن الطرف الثاني يعمل في سبيل الله ولذلك فهو مدعوم من السماء، حتى لو ُمنيَ بالهزائم تلو الهزائم؛ فهو يعتقد أنه الرابح في النهاية؛ أما الطرف الآخر فهو حزب الشيطان. ولذلك ينظرون إلى هذا الصراع على أنه ذو محتوى ديني عقيدي وأنه صراع أيديولوجي قبل أيّ شيء آخر، وتتفق كل مللهم وأحزابهم سواء المعتدلة أو المتشددة على هذه المرجعية. وأكثرهم اعتدالًا يسلك بمرونة على سبيل التكتيك واعتبارًا لفترة "الاستضعاف". وكلهم يعتبرون أنفسهم ممثلي الله على الأرض وإن زعموا بعكس ذلك، وهذا ما يبدو واضحًا في خطابهم؛ فالعداء لهم هو عداء للإسلام ومعارضوهم كارهون لدين الله. ويعتقدون جميعًا أن القيم الإنسانية تستمد من الدين لا انفصال بينهما وأيُّ قيم أخرى هيَ قيم الكفر وإن بدت عكس ذلك. فـ "الكفار" وفقًا لغالبية الملل الإسلامية (يُستثنى المعتزلة والكرامية الخوارج والبراهمة) لا حسنات لهم وإن بدت كذلك، لأنها تأتي في سياق لا ديني بل معادٍ للدين، ولذلك يعتبرون "الكفار" مجردين من "القيم" و"الأخلاق" بألف لام التعريف. وطبعًا هؤلاء يعتبرون ما يسمونه بالشريعة صالحة لكل زمان ومكان وقادرة على تحقيق الخير والعدل والرخاء..إلخ. أما غالبية أنصار"حزب الشيطان" في مجمله فيفكرون بشكل آخر؛ فالصراع الاجتماعي والعالمي يدور بين قوى اجتماعية وسياسية وجماعات عرقية وإثنية لها مصالح ورؤى تعبر بدرجة أو بأخرى عن هذه المصالح، سواء اقتصادية أو سياسية؛ ليس هذا الصراع بين أديان أو من أجل أهداف غيبية، بل هو صراع من أجل أهداف عملية أرضية لا علاقة لها بالسماء. بل ويُعتبر الإسلام السياسي نفسه ظاهرة نابعة من مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية؛ أيْ ناتجا عن أزمات المجتمع المعاصر، وليست ظاهرة دينية أو نتيجة مجرد "صحوة" أو رغبة في العودة إلى الدين.

-      ولأن الإسلام السياسي يعتبر نفسه هو الحق يكون "حزب الشيطان" دائمًا هو الطرف المعتدي والظالم، أما الإسلاميون فهم دائمًا المظلومون والمعتدى عليهم، فالكفر في حد ذاته كما هو راسخ في التراث الإسلامي هو عدوان على الحق. وحتى الغزوات والفتوحات الإسلامية بكل ما ارتبط بها من قهر ونهب وسبي..إلخ هي عمل في سبيل الله وليس عدوانًا بل نشر للعقيدة الصحيحة وإعلاء لدين الله. وما يرتكبه أنصار المنظمات الإسلامية من أعمال وحشية ليست إلا محاربة للطاغوت وأعداء الله. وحتى من يرفض مثل هذه الأعمال من "المعتدلين" لا يجد غضاضة في التأييد الضمني وأحيانًا التحالف مع أو تقديم المبررات لمرتكبي تلك الأفعال.

-      كل تيارات الإسلام السياسي تعتمد الفقه القديم التقليدي سواء السني أو الشيعي)(؛ أما الإصلاحيون الراديكاليون من الإسلاميين فليسوا من جبهة الإسلام السياسي أصلًا؛ فمجرد نبذ فكرة الحاكمية ينحِّي فكرة السلطة باسم الدين وبالتالي لا يكون هناك مشروع سياسي - ديني.

ويمكن تلخيص المرجعية الفكرية للإسلام السياسي بوجه عام في:

1- ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية: ويعتقد جمهورهم العريض أن هذه العبارة السحرية واضحة بما فيه الكفاية ولا ينالها الباطل أبدًا. ولا ينتبه هذا الجمهور إلى أن ما يسمى بالشريعة الإسلامية، أو بالأدق الفقه الإسلامي، ليست شيئًا واضحًا بحد ذاته، بل هناك ملل ونحل متعددة ومتباينة ومختلفة حول كل نقطة في هذا الفقه تقريبًا. ولعل هذا ما دفع قادة الإسلاميين في مصر مثلًا للتحديد في دستورهم عام 2012 بالنص على أن مرجعية الشريعة هيَ مذاهب أهل السنة والجماعة "مادة 222)، دون حل المشكلة؛ فحتى أهل السنة والجماعة ليسوا معرفين بوضوح وجميعهم مختلفون في كل كبيرة وصغيرة في الفقه، وفتاويهم متناقضة ومتضاربة أحيانا. وفي الفقه توجد قواعد منها "الضرورات تبيح المحظورات" ومن الأحاديث: "لا ضرر ولا ضرار"، مما يبرر أيَّ قرار قد تتخذه السلطة وربما الأفراد أيضًا. وهناك من يعتبر أن مصادر التشريع هيَ القرآن ثم السنة ثم الإجماع الذي رفضه من الأئمة السنة الأربعة أحمد ابن حنبل، ثم - لدى السنة - يأتي القياس ويضاف: المصالح المرسلة وقول الصحابي والاستحسان والعرف والاستقراء وسدّ الذرائع، وأضاف مالك ابن أنس عمل أهل المدينة، وغيره أضاف عمل أهل الكوفة، والأخذ بالأخص وإجماع الخلفاء الأربعة وغيرها وهناك من يرفض هذا أو ذاك من مصادر التشريع ومن جعل المصلحة هيَ الأوْلى من جميع المصادر مالم يكن هناك نص صريح لا تأويل له (وهذا يرفضه أغلب الفقهاء)...

ولأن الفقه يحتوي على كل المتناقضات يكون تطبيق الشريعة مفهومًا فضفاضًا يمنح من يطبقها حرية واسعة لاختيار ماذا يطبق وكيف ومتى. الأدهى أن الفقه بكل متناقضاته يعامل على أنه نص مقدس، رغم أنه اجتهاد بشري صريح، ولكنه قد تحول مع الوقت إلى جزء من الدين نفسه ويتساوى تقريبًا مع النصوص المقدسة.

2-  ورغم هذا الغموض يوجد ما يتفق عليه جل أعضاء المنظمات الإسلامية مثل ضرورة ضبط العلاقات الجنسية ومنع اختلاط الجنسين وحرمان النساء من المساواة مع الرجال وكذلك غير المسلمين وفرض قواعد صارمة للزواج، وفرض الزكاة، وربما فرض الجزية على أهل الكتاب، ومعاقبة المرتد عن الإسلام وشارب الخمر ومن يفطر علنًا في رمضان ووضع حدود للفن ومراقبة الإنتاج الأدبي وإنتاج الفكر عمومًا، ومنع غير المسلمين وحتى المسلمين أصحاب التوجهات العلمانية من نشر عقائدهم، وفرض حدود معينة للملابس، ومعاقبة المثليين..إلخ. ورغم هذه التحديدات تتباين مواقف المنظمات الإسلامية حولها جميعًا، فتختلف جماعة طالبان مثلًا عن جماعة الإخوان المسلمين عن داعش..إلخ.. وأكثرهم اعتدالًا يستخدم ما يسمونه "فقه الأولويات" بمعنى التدرج في فرض مبادئهم وتأخير بعضها للملائمة مع موازين القوى الاجتماعية والدولية. وكل هذه يعتبرها الحداثيون أدوات للقمع وتدخل غير مقبول في الحريات الشخصية.

3- يعتقد أنصار الإسلام السياسي أن العقل البشري قاصر ولا يستطيع أن ينتج القيم الفاضلة ولا النظام الاجتماعي والسياسي الأنسب؛ بل يحتاج إلى تشريع إلهي لكل شيء حتى يتشكل نظام حياة مثالي. ولهذا يهتمون برد كل تفاصيل الحياة إلى فتاوى مشايخهم المستمدة من الفقه، والذي يزعم أصحابه أنه يستخرج أحكامه من النص الإلهيّ المقدس. ويقصرون حق المرء في التفكير والإبداع في حدود هذا الفقه أو الشريعة التي تحدد حتى قواعد اللبس والأكل والحب وغيرها الكثير. من هنا لا يكون للمرء حق جعل كل شيء قابلًا للتفكير والنقاش؛ فالمسلم لديهم لا حق له في إنكار ما يسمونه "المعلوم من الدين بالضرورة"، ولا يجوز له أن يترك الإسلام أو إذا تركه فليس من حقه إعلان ذلك ومناقشة أحد في أفكاره. أما أهل الحداثة فلديهم ومنذ - ديكارت - كل شيء قابل للشك والتحليل والقبول أو الرفض دون التعرض لمحاكم التفتيش أو القتل. ولا شك أن بعض الدول الغربية تفرض قيودًا محدودة في هذا المجال، مثل ما يتعلق بالهولوكوست، وهو أمر يقاومه العديد من العناصر الديموقراطية.

4-  الدولة مسؤولة عن تطبيق الشريعة: من الممكن فهم نصوص الإسلام المقدسة بطرق عديدة سواء القرآن أو الأحاديث ولذلك تعددت مدارس الفقه والفتاوى على مر العصور. فإذا تُرك الناس أحرارًا سيكون لكل فرد حرية الالتزام بالشريعة كما يفهمها. لكن الإسلام السياسي يريد إقامة دولة إسلامية، بل إن هذا هو مشروعه الاستراتيجي، سواء بالطريق الانقلابي – الثوري أم بالطريق الإصلاحي أو الانتخابي. وحين تمسك الدولة بسلاح الشريعة الفضفاض تكون قادرة على فرض ما تريد لأن الفقه يحتوي على كل المتناقضات ويمكن لفقهاء الدولة تسويغ أيَّ قرار باسم الشريعة، مما يعني أن الدولة الإسلامية لابد أن تكون كلية الجبروت ومتسيدة على المجتمع المدني والأسرة والأفراد، وقد تقر بعض الحريات أو تصادرها بالكامل وتستطيع اتخاذ أيِّ قرار وأيِّ إجراء، حسب مصالح النخبة المسيطرة؛ فالنصوص الفضفاضة والفتاوى اللامتناهية من كل صنف موجودة وجاهزة للاستدعاء.

لا توجد أيُّ غضاضة في أن يدعو أيُّ شخص الناس إلى أفكاره بما في ذلك الفتاوى وأحكام الفقه أو الشريعة لكن أن يجعل هذه الأفكار مرجعية مقدسة للمجتمع تفرضه الدولة بالقوة وتبرره باسم الدين فهو ما يريده دعاة الإسلام السياسي وهو ما يكرس لبناء نظام قمعي مقدس.

5- الخلافة: يؤمن الإسلام السياسي بكل مدارسه بهذا الهدف الذي يعني ببساطة أن قائد المسلمين في العالم كله يجب أن يكون واحدًا وهو خليفة الرسول وهو حامي حمى الإسلام، ولدى الشيعة يكون الإمام معصومًا من الخطأ أيضًا. ومد هذا الكلام على استقامته يعني نبذ فكرة المواطنة الحديثة، فتصبح المواطنة إسلامية أو الجنسية الإسلامية؛ أما غير المسلمين في المجتمع الإسلامي فيكونون "أهل ذمة" يعيشون "في كنف" المسلمين لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما تحدده الشريعة الفضفاضة، ويصبح المسلمون في المجتمعات الأخرى طابورًا خامسا للخليفة. وعلى أساس ذلك ينتمي أنصار هذه الجماعات إلى منظماتهم قبل انتمائهم إلى بلدانهم، فالتنظيم هو ممثل الإسلام ولذلك يعلو على المجتمع المحيط به. وهذا ما يفسر لماذا يعتبر الإسلام السياسي عمومًا الصراع بين البشر على أنه صراع بين أصحاب أديان وأن هناك مؤامرة عالمية وتاريخية ضد المسلمين بصفتهم الدينية ويعتقدون أن هناك حلفًا تاريخيًّا بين الأنظمة العلمانية في بلدان المسلمين وبين اليهود والنصارى كما يسمونهم، وأن حكام هذه البلدان مجرد عملاء للقوى "الصليبية" والصهيونية (والماسونية أحيانًا!)، ذلك أن العالم منقسم على أساس ديني والكل معاد للإسلام، أيْ – عمليًّا – للمسلمين، وبالأخص أعضاء التنظيم، ولذلك يجب أن تقوم حكومة عالمية للمسلمين. والبعض من جماعات الإسلام السياسي يخفف اللهجة في هذا المجال درءًا للمخاطر، لكن الأيديولوجيا المقدمة من قبل مفكريهم متبنية لهذه الفكرة تمامًا.

ويصر الإسلاميون على مشروع الخلافة في عصر الدول القومية والذي قد يتم تجاوزه بمشروع العولمة الرأسمالية لتصبح الشركات متعددة الجنسية أقوى من الدول، وبالفعل توجد من هذه الشركات ما هي أقوى من عدة دول مجتمعة. وقد تجاوز العالم بفضل سيادة الرأسمالية الدول التي كانت تديرها قبائل وعائلات أو مؤسسة الكنيسة في الغرب، إلى غير رجعة. ولذلك فمشروع الخلافة هو هدف مستحيل التحقيق في هذا العصر بسبب طبيعة التكوين الاجتماعي للمجتمعات المعاصرة، بالإضافة إلى كونه يمثل عودة تاريخية لعصر ما قبل الحداثة؛ متضمنًا التمييز بين الناس على أساس ديني.

6- الحكم بالشريعة يجب أن يسود العالم كله: هذه الفكرة مستمدة من الاعتقاد الدفين بأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، بمعنى يفسره الإسلام السياسي بأن فرض تطبيق الشريعة في العالم هو هدف واجب على المسلمين، عن طريق الجهاد. وهذا مثلًا نعته حسن البنا بـ "أستاذية العالم" التي تعني باختصار نشر الإسلام في العالم وهيمنته. والبلد الذي ُيضيِّق على دعاة الإسلام يستحق الغزو، ليكون هناك اختيار بين الإسلام أو الجزية أو القتال. إذن غزو العالم لفرض سلطة الخليفة أو حكم الشريعة هو هدف مقدس للإسلام السياسي، طبعًا في مرحلة التمكن والحصول على القوة. وينتهي الغزو حسب تصور الفقه السني بالذات في حكم المسلمين للبلد الآخر وتطبيق الشريعة على أهله. وقد اعتبر جل التراث، عدا أفراد قلائل وجماعات محدودة للغاية، أن الجهاد في الإسلام هو الغزو والقتال بالسيف، وهو أشرف الأعمال، وهذا هو أيضًا رأيْ حسن البنا، وطبعًا كل الإسلاميين الأكثر "ثورية".

7-  الآخر في الإسلام السياسي، أيْ غير المسلم في الدولة الإسلامية، هو من موالي المسلمين: وهو صاحب حق في أمور الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وتوزيع الميراث.. إلا أنه مجرد ذميّ؛ أيْ معاهد للمسلمين، شخص غريب عن الدولة الإسلامية؛ صاحب عهد؛ ليس له حق الولاية والحكم، ولو بالانتخابات. وهنا قد يقدم بعض من دعاة الإسلام السياسي أفكارًا أكثر مرونة لغويًّا، وقد يقدمون بعض التنازلات السياسية باعتبارها تكتيكات فقط لا غير.

وفي موضوع السلطة تتم مساواة المرأة بأهل الذمة.

8-  فكرة العودة إلى صحيح الدين وإلى العصر الذهبي للإسلام: وهو النموذج المقدم لمشروع المستقبل. ويتلخص ذلك العصر الذهبي في دولة كبرى يحكمها خليفة ويهابها العالم وتقهر الدول المجاورة لها وتقبل بغير المسلمين كأهل ذمة وهيَ دولة غنية تكتظ خزائنها بأموال الخراج والجزية والغنائم ومختلف الضرائب والمكوس. ويقدمها الإسلام السياسي على أنها دولة الرفاهية والرخاء والعدل..

وبغض النظر عن كون هذا النموذج يمت إلى عصر ما قبل الحداثة؛ عصر القبائل والعشائر وحكم الأسر والبطون وسيادة الأعراف وقوة روابط الدم والنسب..إلخ.. تلك الدولة المثالية زعمًا لم تكن كما يصورها أنصارها ويكفي لأيِّ فرد أن يقرأ قليلًا من التاريخ ليقف على بشاعة أنظمة الحكم وأوضاع الطبقات الأدنى والشعوب المحكومة معظم فترات التاريخ الإسلامي، وآخرها الدولة العثمانية بنظام حكمها التسلطيّ البشع.

وفي سبيل تجميل تاريخ الدول الإسلامية والمشروع المرتقب للإسلام السياسي يتم اللجوء للمغالطات وحتى الكذب الصريح؛ بادعاءات مثل أن الغزوات و"الفتوحات" الإسلامية كانت إنسانية للغاية وحققت الرخاء والعدل داخل البلدان المفتوحة، وأن أهل الذمة كانوا سعداء بحكم الغزاة وأن حرية الاعتقاد كانت وستكون مصانة تمامًا وأن حقوق الإنسان قد أقرت منذ 14 قرنًا في العالم الإسلامي..إلخ، وهيَ ادعاءات لا يقبلها أيُّ عاقل ناهيك عن أبناء العالم المتحضر الأكثر إدراكًا أكثر مما يظن الإسلاميون.

يستغل قادة الإسلام السياسي جهل العامة وجهل حتى قواعهم لتقديم صورة وردية لدولة الشريعة؛ في صورة تنافي الواقع الأليم الذي عانى منه عامة الناس طوال تاريخ هذه الدولة سواء تحت حكم قريش أو العثمانيين والمماليك أم المغول المسلمين. وهم دائمًا يلجأون إلى ضرب أمثلة فردية لنفيْ نصوص الفقه البشعة وإلى تقديم نصوص جميلة لنفيْ الوقائع الأكثر بشاعة. وتندفع الجماهير بتأثير تدينها وبسحر شعاريِّ تطبيق الشريعة والحاكمية لله إلى التحمس للإسلام السياسي حين تشتد معاناتها من الأنظمة القائمة ومن فشلها في تحديث البلاد.

 

**********************************

-               لا يقدم الإسلام السياسي مشروعًا محدد الملامح أو حتى مفهومًا، حتى من أنصاره الكثيرين. فلا الشريعة مفهومًا واضحًا، ولا حدودًا لسلطة الدولة على الأفراد، ولا نظامًا اقتصاديًّا واضحًا، بل تركيز على فرض الزكاة وإلغاء فوائد البنوك وأمور أخرى أخلاقية، ولا آليات وتصورات لتحقيق الخلافة...

-                 المشروع الإسلامي الهلامي قبل حداثي: فالحكم استنادًا للنص المقدس هو عمليًّا حكم ديني، يحتل فيه رجال الدين الرسميين مكانة خاصة وسلطة معنوية كبيرة، فهم المفسرون للشريعة وأصحاب الفتاوى ومبررو أحكام الدولة على أساس ديني. وتحت عنوان الحاكمية لله يكون التشريع وممارسة السلطة مستمدة من إرادة السلطة باسم الدين وليست مستمدة من حكم الشعب ومستمدة من مصالحه. كما لا يعترف هذا المشروع بفكرة المواطنة، بل يعتبر غير الأقليات الدينية مجرد موالٍ، ويجعل ضمن سلطات الدولة التحكم في سلوكيات الفرد وحتى طقوس العبادة. أما النظام المصرفي القائم على فكرة المرابحة فيلائم مجتمعًا بسيطًا، لا المجتمع الحديث المتشابك والاقتصاديات الضخمة القائمة على المؤسسات لا الأشخاص.

وبينما يقر إسلاميو الشيعة، خصوصًا الإمامية بحكم رجال الدين مباشرة يتلاعب إسلاميو السنة مدعين أن نظامهم المرتقب ليس دينيًّا لأنه لا يضع رجال الدين في السلطة بينما يتعامل قادتهم أنفسهم كرجال دين وحتى يمنح بعضهم نفسه لقب "شيخ". وحتى إذا نصب نظامهم المرتقب حكومة من غير المتخصصين في الدين فالأهم هو المرجعية ومفسريها، ويسمون هذه الدولة "دولة مدنية" وهو تعبير لا يعني سوى أنها دولة يحكمها مدنيون وليس عسكريون، قاصدين في الواقع أنه دولة لا يحكمها رجال الدين ولكن تطبق فيها الشريعة على أيدي حكومة غير دينية. وهو كلام يذكرنا بالمثل القائل: "ما يضير الشاه سلخها بعد ذبحها"، فدولة ذات مرجعية دينية تكون مقدسة، سواء حكمها رجال الدين أو حتى "كفار".

-                 لا يقدم الإسلام السياسي مشروعًا ديموقراطيًّا، بل مشروع نظام شمولي يُسحق فيه الفرد لصالح الدولة: فالديموقراطية محرمة بالكامل لدى التيارات المتشددة والصريحة، أما لدى تياراته المعتدلة فهيَ فقط ديموقراطية الصناديق، لكن حين يأتي الكلام عن حقوق الأفراد في أجسادهم وأفكارهم تتغير اللهجة وُيستل سلاح الشريعة؛ فلا يمكن لأيٍّ من جماعات الإسلام السياسي أن تقر بالزواج المدني ولا بحرية الاعتقاد، بمعنى حق الفرد في تغيير دينه كما يشاء، ولا بحق الفرد في التعبير عن رأيه إلا في إطار "الشريعة"؛ ومن ذلك حقه في الدعوة لأفكاره أو عقيدته، ولا بالحرية الجنسية ولا حتى بحقه في التصرف في أمواله؛ فمصلحة الدولة فوق كل اعتبار، وأيضًا هناك قوانين الميراث الإسلامي التي تفرضها الدولة، ولا بحرية الإبداع الفني.. إنه مشروع نظام شمولي بامتياز. وما هو مفهوم من مشروع الإسلام السياسي من قمع لحرية الاعتقاد والحريات الشخصية والسيطرة المطلقة للدولة والسعيْ وراء هدف مستحيل في هذا العصر هو الخلافة.. إلخ لهو شيء منفر لأيِّ شخص حداثي ولا يمكن قبوله أبدًا.

-      لعبت منظات الإسلام السياسي على مدى تاريخها دورًا مهمًّا في محاربة اليسار والقوى الديموقراطية، سواء على المستوى المحلي أو العالمي؛ فلطالما استخدمها الاستعمار القديم والجديد في محاربة الشيوعية، وأفغانستان مثال فاضح. وفعلت الحكومات الرجعية نفس الشيء، مثل باكستان أثناء الحرب الباردة، ولعبت منظمات إسلامية دورًا في مساندة حكومات رجعية وفاسدة ضد اليسار والحركات العمالية؛ مثلما حدث مع السادات ومن قبله الملك فاروق، كما لعب حزب الله اللبناني دورًا كبيرًا في تصفية اليسار هناك. وفي هذا يتشابه الإسلام السياسي مع النازية والفاشية؛ مقاومة اليسار لصالح الطبقات الرجعية، وبالعنف في أغلب الأحيان. وهو يُترك لينمو ويحارب اليسار ولكن حين يتجاوز هذه الحدود تبدأ الحرب ضده لتحجيمه.

-      المشروع غير المحدد والمستند للدين والنزعة الفاشية والميل للعنف، كل هذا جعل من الإسلام السياسي أحد مشاكل المجتمع دون أن يقدم حلًا ما يفهمه الناس. إنه نتاج لأزمة المجتمع بلا شك لكنه أضاف لها ولم يقدم لها حلًا. وهذا كان دائمًا في صالح الحكام والطبقة المسيطرة. ولذلك لم تتوان تلك الطبقات والقوى الاستعمارية عن استخدام هذا التيار لصالحها ثم تلفظه وترتكب ضده المذابح حين يتجاوز الحدود المسموح له بها.

-      هذا التيار يمارس الدمججة بشكل فج، من ادعاء اقتناعه بالحريات العامة والديموقراطية وبحقوق الإنسان..إلخ.. لكن في التفاصيل يكون الكلام مختلفًا: في حدود الشريعة والقيم والأخلاق الإسلامية وعدم السماح بـ "الفتنة"..إلخ. ولا يُخفي معظم الإسلاميين الرغبة في قتل أو استتابة المرتد ومعاقبة شارب الخمر ..إلخ؛ وكأن الدولة هيَ حامي حمى القيم والأخلاق والفضائل. وتكمن المشكلة لا في مجرد الدعوة لسلوكيات معينة، بل في جعل ضبط سلوك الأفراد ضمن سلطات الدولة أو جماعات "الأمر بالمعروف" وفرض عقوبات عليهم ووضع قواعد معيارية للقيم والأخلاق "الفاضلة"؛ أيْ باختصار مصادرة الفرد لصالح مشروع الدولة المقدسة باعتبارها دولة الشريعة..

-      يزعم الإسلاميون أنهم الأكثر رقيًّا وأخلاقية وأنهم يحملون القيم الفاضلة والأخلاق المثالية. لكن في الممارسة العملية يطبقون ما جاء لدى الفقهاء القدامى، مما تسمى بعقيدة "الولاء والبراء"؛ من كراهية الآخر واستخدام التقية واللجوء للكذب والخداع وكافة السلوكيات التي يزعمون كذبًا أنهم ضدها. فهم لا ينسون أن الآخر هو عدوهم إلى يوم القيامة وهو مجرم شرير بطبعه. وهم لا يفتقدون الأحاديث وفتاوى الفقهاء الكبار التي تحض على كراهية الآخر وإيذائه بكل السبل بما في ذلك من قتل الأطفال وقتل الجنود المغلوبين على أمرهم وحتى غير المقاتلين واغتصاب نساء العدو وحتى التضييق على اليهود والنصارى في الطريق..إلخ. فـ "صحيح" البخاري و"صحيح" مسلم غنيان بكل هذا وأكثر. كل هذا يسوغ لهم ارتكاب أيِّ جرائم وخيانة حلفائهم بسهولة. فهم يعتبرون أنفسهم في حالة حرب ضد "الكفار" ولديهم "الحرب خدعة"؛ فكل شيء مباح. ويلجأ بعضهم أحيانًا إلى ادعاء الأخلاقية والإنسانية بسوق بعض النصوص المقدسة التي تقدم هذا المعنى، لكنهم يغفلون النصوص الأخرى المضادة والتي تكتظ بها كتب الأحاديث وتعتمدها فتاوى كبار الفقهاء ويستخدمونها هم أنفسهم لتبرير جرائم اتباعهم.

-      تميل هذه المنظمات إلى أن تشكل طوائف مغلقة وذات طابع سري أو شبه سري على الأقل، يعلو انتماء الأعضاء لها على أيِّ انتماء آخر، ولذلك تكون علاقتها بالمجتمع علاقة استخدام؛ فإمكانيات المجتمع ومؤسساته تكون مستباحة لصالح المنظمة الإسلامية، ولا يجد هؤلاء أيَّ حرج في اختراق منظمات المجتمع المدني لتوظيفها لصالح منظماتهم، فتلك المنظمات لا تتبنى مصالح الجماهير بل مصلحة التنظيم أولًا، وتهتم بتقديم الحسنات والخدمات للفقراء لضمان استخدامهم في ديموقراطية الصناديق وتوسيع نطاق نفوذها لكن لم نرَ أعضاءها يقودون الحركات العمالية والفلاحية مثلًا في مواجهة الطبقات المستغلة، ولم نراهم ينادون بحقوق الأقليات الدينية ولا النساء. على العكس كثيرًا ما وجدناهم يقفون ضد حركات تحرر المرأة وضد الإبداع الأدبي والفني ويؤيدون ختان الإناث، وأحيانًا وقفوا حتى ضد زراعة الأعضاء، وحتى في مجال الإغاثة الإنسانية وجدناهم فقط يساعدون المسلمين وليس المنكوبين عمومًا.

 

******************************

لكل ما سبق نعتبر مشروع الإسلام السياسي بكل مدارسه مشروعًا معاديًا للحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان، وإن كان الإسلام السياسي نفسه نتاجًا لأزمة عملية التحديث التي لم ُتنجز بعد في معظم العالم الإسلامي. بل إن منظمات هذا المشروع هيَ منظمات فاشية الطابع تسعى لإقامة أنظمة حكم شمولية ورجعية.

 

السبت، 15 نوفمبر 2014

عن الإرهاب الإسلامي:


عادل العمري

ليس إرهاب الإسلام السياسي مجرد حمل السلاح وتهريبه وذبح الكفار ..إلخ. وليس هو مجرد رد فعل لاضطهاد السلطة أو ارتكابها مذابح ( مثل رابعة مثلا)، بل هو فكر منتشر في كل ركن في بلاد المسلمين في الشرق الأوسط ؛ في المدارس والجوامع والزوايا و داخل بيوتنا ،باختصار في كل مكان به مسلمين خصوصا العرب منهم.

هذا الفكر هو قنبلة تنتظر أي مفجر: إحباط – قمع حكومي – إفقار – تفاوت اجتماعي – هزيمة أمام بلدان الغرب المحترمة – فشل سياسات الدولة – انهيار مشاريع الحكومات القوموية – غياب دولة القانون وسيادة البلطجة..إلخ وكل هذا متوفر في عالمنا العربي الإسلامي.

وهذا الفكر ليس مجرد بضعة أفكار عن ضرورة تطبيق الشريعة بقوة السلاح أو إسقاط الأنظمة بالعنف أو قتل الحكام الكفار. بل إن الأيديولوجيا الإسلامية على مدي قرون تكونت اعتمادا على كتب أحاديث نبوية ابتكرتها مختلف الفرق الإسلامية المتصارعة، وفقه ومثل عليا ذكرت في التاريخ الإسلامي وتفاسير للقرآن..إلخ. كل هذا يمجد اغتيال الخصوم – معاقبة المرتد عن الإسلام – معاقبة تارك الصلاة – فرض الجزية على غير المسلمين – اعتبار الغزو هو أشرف طرق الحصول على المال في الإسلام، وهذه فكرة عميقة الجذور في كتب التراث – اعتبار الدولة مسؤولة عن فرض الشريعة بالقوة: معاقبة من يشرب الخمر ورجم الزناة وفرض نظام للتوريث والحكم بالشورى لا بالديموقراطية، وفرض قواعد معينة للزواج...إلخ، وباختصار اعتبار الأفراد رعايا للدولة وليسوا مواطنين أحرار على الأقل في شؤونهم الشخصية – ورغم اعتراف الفقه بحرية الأفراد في التجارة والاستثمار يصر على اعتبار الدولة هي صاحبة المال والمتصرف الأخير لصالح "الأمة" -  الفقه يضع الواجب فوق الحق، وبالتالي يجرد الفرد – عمليا – من كافة حقوقه – عقوبة القتل عقوبة عادية جدا في الفقه السائد: قتل المرتد، قتل تارك الصلاة، قتل من يسب (ينتقد) الدين والرسول، قتل "الزناة"، قتل "الزنادقة" ، قتل "المنافقين" إذا انكشف نفاقهم..إلخ. أما التعذيب فمقبول جدا: عند استتابة المرتد وهي محكمة تفتيش، وضد عملاء العدو (طبعا أي عدو).

أما عن التعامل مع أهل الكتاب فنجد الإسهاب في شرح ما يسمى "بالشروط العمرية" البشعة للغاية.

كما أن هذه الشريعة يجب أن تطبق بالقوة على العالم كله إذا أمكن (بالغزو طبعا) ليكون "الدين كله لله".

هذا الفكر يفتقد لأية قيم إنسانية عامة؛ فلا حقوق إنسان (بل حقوق الإنسان المسلم وحق الكافر في دخول الإسلام) ولا مساواة بين المرأة والرجل والهدف النهائي للدولة هو تطبيق "الشريعة" بكل هذه المكونات، وما الفرد إلا نفر أو نمرة مطلوب منها أن الالتزام بقواعد الشريعة المذكورة.

كل هذا يصنع وحشا داخل الفرد العادي الذي تربى في مدارس ومساجد وزوايا تدرس هذا الفكر وتابع القنوات التلفزيونية وقرأ الصحف والكتب المروجة لهذا الفكر، بمن فيهم رجال الدولة والشرطة (التي تتواطأ دائما تقريبا مع مهاجمي الكنائس والمسيحيين بدوافع طائفية). هذا الوحش يتربى داخل شخصية تتسم بالضعف والشعور بالدونية والقهر والعجز عن مواجهة قاهريه وهي شخصية سيكوباتية في الغالب كارهة للعالم وحاقدة على أي نجاح وتقدم: هذه هي شخصة الإنسان العربي عموما في الوقت الراهن.

لا شك أن هناك شروحات أخرى للإسلام أكثر إنسانية لكنها أولا ضعيفة للغاية خصوصا في العالم العربي وثانيا يتعرض أصحابها للقمع الحكومي والشعبي، منها أفكار القرآنيين وأنصار الأحمدية وغيرها.

لكل هذا لن يكفي الحل الأمني في مواجهة لا داعش ولا القاعدة ولا غيرها، فالوحش موجود في مئات الملايين من البشر ومن السهل للغاية أن ينطلق في ظروف معينة وإذا ما وجد تشجيعا من قوى متنفذة. ولن تكون مفاجأة لي إذا جاء صباح فوجدنا مئات الألوف من المصريين أصبحوا "دواعش" خصوصا مع الفشل المتوالي لحكومة السيسي الذي طالب بتغيير الخطاب الديني ( يبدو لي أنه سمع هذا التعبير من أحد المقربين إليه ولا يفهمه أصلا)، دون أن يتخذ أي إجراء يحفز هذه الفكرة.

الإصلاح الديني في الإسلام يجب أن يبدأ بفصل الدين عن الدولة قبل أي شيء آخر (أقصد أولا في الفكر)، باعتبار الإسلام رسالة للفرد لا للحكومة، وبالتالي يصبح الفرد حرا في فهم الرسالة والتعامل معها كيفما شاء وثانيا حل السلطات الدينية مثل الأزهر والمنظمات "الدعوية" وإلغاء كل القوانين والقيود على الحرية الدينية المطلقة أي أن تتوقف الدولة عن تبني ملة بعينها أو أن تطبق "الشريعة" بقوة القانون والشرطة كما تفعل الآن . فإذا كان السيسي جادا فعليه أن يبدأ بدولته ولا أظنه جادا ولا قادرا ولا متفهما أصلا لحجم الكارثة المحدقة.

أما التجاوز النهائي للفكر "الإرهابي" هذا فيشترط تحقيق درجة متقدمة من تحديث هذه البلاد وتحقيق مصالحة مجتمعية بين الطبقات والطوائف والجماعات الإثنية المتناحرة وهذا يحتاج إلى سلطة أكثر وعيا وأوسع أفقا وأكثر إدراكا للمأساة القائمة أكثر جرأة وأكثر "عدالة".

أما في ظل سلطة العسكر وزعيمهم فالأزمة مستمرة والكارثة قادمة.

الجمعة، 10 أكتوبر 2014

ثورة الدولة - نقد الثورة المصرية (2)

 



ثورة الدولة([1])
نقد الثورة المصرية (2)

عادل العمري
7 أكتوبر 2014
"لا يمكن أن تنجح ثورة إلا إذا استولت قواها على السلطة السياسية. وتبدو الآن فكرة استيلاء قوى الثورة على السلطة السياسية بعيدة  للغاية بعد أن فقدت تأييد كثير من الجماهير وأظهرت حتى عزوفًا عن هذا الهدف. وتدور الآن المعارك بين النظام (العسكر والدولة العميقة) والإسلام السياسي بينما تنخرط قوى الثورة في معارك تصب كلها لصالح المعسكر الثاني، والواضح أن المعركة ستنتهي بانتصار المعسكر الأول. لم يعد أمام الثورة إلا التركيز على بناء كتلة معارضة ثورية والنضال طويل الأمد".
                                 من المقال السابق

    نشرت في ديسمبر 2011 مقالًا بعنون: "نقد الثورة المصرية" ثم نشرته معدلًا في مايو 2012([2]). وهذا المقال هو استئناف لنفس العمل: نقد الثورة المصرية.

مقدمة:
شهدت البلاد أحداثًا هامة منذ مايو 2012؛ إذ نجح مرشح جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة بدعم قوى الثورة ضد مرشح الدولة آنذاك؛ أحمد شفيق. تبع ذلك قيام محمد مرسي بانقلاب سياسي في 22 نوفمبر 2012، مما دفع قوى سياسية عديدة لإعلان التمرد ضده ومنذئذ تصاعد الحشد السياسي من جهات متعددة ضد الإخوان المسلمين، واشتد بعد أحداث قصر الاتحادية ثم إصدار دستورهم، وبدأ الشارع المصري يشهد أحداث عنف كبيرة منها إحراق مقر حزب الوفد ومحاصرة المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي وإحراق مقرات الإخوان في عدة مناطق واشتباكات متعددة بينهم وبين الثوار ..إلخ. وفي يوليو 2013 استولى الجيش على الحكم واعتقل محمد مرسي وأعوانه. تشكلت حينئذ ما سميت حكومة 30 يونيو من عناصر من جبهة الإنقاذ وعناصر مرضي عنها من قبل الجيش. كما شهدت الفترة التالية صدامات عنيفة بين السلطات وعناصر الإخوان والجهاديين كانت قمتها الفض العنيف لاعتصامي رابعة والنهضة اللذين قتل فيهما أكثر من 1000 شخص. وكانت المحطة التالية هيَ تفكك تحالف 30 يونيو ثم إعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية واضطهاد أعضائها على نطاق واسع، وتوجت عملية 30 يونيو بانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للبلاد.
بذلك وصلت الثورة المصرية إلى حكم رجل عسكري مدعوم من الجيش بشكل صريح. ومازال الصراع قائمًا بين الثورة والثورة المضادة، وهيَ في سدة الحكم منذ تنحية مبارك.

1-  الثورة السلمية:
أصرت الطبقة الوسطى؛ قائدة ثورة 25 يناير، على سلمية ثورتها أو رفع هذا الشعار وعدم تشجيعها لأيّ قدر من العنف. رغم ذلك تمكن أشباه البروليتاريين من تدمير كثير من مراكز الأمن وإتلاف سيارات الشرطة ..إلخ؛ فلم يتم تدمير قوى الأمن بمجرد الاعتصام في الميادين، بل بالعنف. ولاحقًا سقط الإخوان ليس بالتظاهر والعصيان المدني الذي فشل تنفيذه، بل بإحراق كثير من مقراتهم وضرب أعضائهم مرارًا وقتل البعض والاعتداء بالمولوتوف على قصر الرئاسة وعلى مواكب رئيسهم بل وعليه شخصيًّا، وفي النهاية يمكن القول ببساطة أن حسني مبارك قد رحل بضغط الجيش المسلح وتم خلع واعتقال محمد مرسي بواسطة الجيش أيضًا. فحتى التغيرات المحدودة في النظام الحاكم تمت أساسًا بالقوة المسلحة، مع الأخذ في الاعتبار أن الجيش كان أهم مكونات ثورة 30 يونيو وليس مواليًا للسلطة الإسلامية، كما سنرى.
الحقيقة أن مفهوم العنف نفسه مطاط تمامًا وليس مفهومًا بالضبط معنى النضال باللاعنف أو الثورة السلمية. فمجرد اقتحام الجماهير لمراكز الحكومة بدون أسلحة وطرد الموظفين منها وإدارتها لا يتم بالحوار بل بالقوة. فليست كل قوة هيَ استخدام للسلاح بل يكفي أحيانًا امتلاك السلاح أو التهديد بالعنف أو إرهاب العدو. وإذا عدنا حتى لثورة تحرير الهند سنجد أن غاندي لم يستطع منع الشعب من استخدام القوة ضد الانجليز أحيانًا، مع الأخذ في الاعتبار أنها كانت حركة تحرر وطني.
وبالثورة السلمية توصف ثورات مثل الثورة الروسية. وهذا محض هراء، إلا إذا اختزلنا مفهوم الثورة نفسه في لحظة ما مثل لحظة الاستيلاء على السلطة بدون دماء أو لحظة انتفاضة الجماهير أو لحظة العصيان المدني. إلا أن الثورة سلسلة من العمليات يتم فيها تغيير النظام لصالح نظام جديد. وإذا عدنا لمثال الثورة الروسية سنجد أن هذا لم يتم بالحوار أو العصيان أو إلقاء الورد على الجنود فقط، بل أيضًا محت السلطة الثورية أعداءها بالعنف المسلح وأحكام الإعدام (تم إعدام عائلة القيصر بمن فيهم الأطفال)، ومن خلال الحرب الأهلية تحقق النصر النهائي للبلاشفة. وحتى ثورة الخميني التي كانت سلمية طول الوقت قبل استلام الحكم تحولت إلى استخدام عنف دموي لتصفية نظام الشاه، وهيَ من الثورات الموصوفة بالسلمية.
في الواقع ارتبط شعار الثورة السلمية بأفق ثوار الطبقة الوسطى المصرية: فهؤلاء لم يتخيلوا إطلاقًا أن يستولوا على سلطة الدولة، متصورين أن النظام سيستجيب لمطالبهم ويغير سياساته وتكوينه ويتنازل عن مصالحه وهو مالم يحدث بالطبع. وكل ما حدث أن الجيش قد تولى مهمة إرضاء الثوار ببضعة إجراءات شكلية في معظمها دون المساس بلحم وعظم نظام يوليو 1952. كما أن هذا تم لا تحت تأثير الاعتصام فقط بل كان تدمير جهاز الشرطة وهزيمة النظام يوم موقعة الجمل عسكريًّا  من اللحظات الحاسمة، ويضاف خوف النظام من انشقاق الجيش واندلاع حرب دموية، كما كانت محاصرة المتظاهرين للقصر الرئاسي مع التهديد باقتحامه هيَ اللحظة التي أجبر فيها الجيش مبارك على الرحيل.
ليس من الضروري أن تكون الثورة مسلحة ولا أن تتم بالحرب الأهلية، بل تثبت وقائع التاريخ أن مختلف الوسائل يمكن أن تستخدم معًا أو في أوقات مختلفة وبدرجات متباينة. فلا يوجد أي مبرر للتمسك بالثورة السلمية حتى النهاية كنهج مقدس إلا إذا كان الهدف محدودًا، وهو ما انطبق على ثورة 25 يناير (التي أيضًا لم تكن سلمية 100% أبدًا).
كانت إذن فكرة الثورة السلمية أولًا غير متحققة بالكامل، وثانيًا معيقة للتفكير في الاستيلاء على السلطة. وهيَ في الواقع لم تكن محض اختيار نظري أو أخلاقي، بل كانت فكرة مرتبطة بالقوى التي قادت الثورة؛ الطبقة الوسطى الضعيفة سياسيًّا وعضويًّا والعاجزة عن مجرد التفكير في قيادة البلاد. وقد شجع هذا النهج المدَرَّبون على حرب اللاعنف([3]). ومن الغريب أن يساريين كانوا متشددين يومًا ما لم يطرحوا أبدًا أفكار ماركس ولينين عن العنف الثوري والعنف الجماهيري.
وكان ضمن أهم نتائج شعار السلمية أن محور الصراع السياسي في مصر قد صار حقوقيًّا؛ قانونيًّا إلى حد كبير؛ فتم على سبيل المثال حل البرلمان والحزب الوطني ثم برلمان الإسلاميين بأحكام قضائية، وحوكمت نخبة مبارك محاكمات عادية وفقًا للقوانين التي وضعوها بأنفسهم، بل تم فيما بعد وضع آلاف الثوار في السجون وتعذيبهم لأنهم خالفوا القانون! كما تتم المحاكمات الآن عن تهم مثل الهروب من السجن أو التخابر مع ما تُعتبر رسميًّا حركة مقاومة مثل "حماس"، فهل يجب على المعتقلين السياسيين ألا يغادروا المعتقلات حين تشتعل الثورة؟ وهل من المحرمات أن تنسق قوى الثورة مع أنصار من بلدان أخرى (كان الإخوان المسلمون جزءا بلا شك من ثورة 25 يناير). ومن الأمور الفريدة أن الثورة تُهاجم علنًا حتى الآن وتُتهم بأنها مؤامرة دون تصفية من يقول ذلك (هل كان أحد يجرؤ على مهاجمة الثورة الفرنسية أو الروسية أو الصينية أثناء عنفوانها؟!). ومن الأحداث المثيرة اختيار مرشح الفاشية كرئيس حتى لا ينجح مرشح النظام، فهل يجوز بعد انطلاق الثورة أن يترشح أصلًا ممثل للنظام؟! ثم صار الليبراليون ومجمل الشعب يطالب الجيش بإنقاذ البلاد من حكم الإخوان.. فأين الثورة الديموقراطية؟
ليس من الضروري أن تسير الثورات وفقًا لنموذج معين وهذا لم يحدث في التاريخ، وكل ما أريد قوله هنا أن ثورة 25 يناير كانت ثورة سياسية محدودة الأفق تفتقد مكوناتها الشعبية للطموح والخبرة السياسية والنضج.
2-  عدم الاستيلاء على السلطة:

تظل عبارة لينين: "القضية المركزية في أيّ ثورة هيَ قضية السلطة"، بالغة الدلالة؛ فالثورة عملية تغيير حادة، وبدون الاستيلاء على السلطة كيف يمكن أن يتم تغيير النظام؟ من الممكن ألا تستولي قوى الثورة على سلطة الدولة في البداية؛ فارضة على أحد أو بعض أجنحة النظام بعض الإجراءات، لكن الجسد الرئيسي للنظام سيظل قائمًا حتى تزيله سلطة الثورة. في التاريخ وجدت حالات قليلة جدًّا قام فيها النظام بتغيير نفسه مثل ما فعلته أسرة الميجي في اليابان وطبقة النبلاء في ألمانيا التي لم تخل أيضًا من تمردات عنيفة. في مصر الحالية لا يمكن تغيير النظام السياسي إلا مع تغيير النظام الاجتماعي، حيث إن الدولة نفسها هيَ الطبقة المسيطرة اقتصاديًّا وسياسيًّا وليس من المنطقي أن تطلق الحريات وتقيم نظامًا سياسيًّا حديثًا مؤسساتيًّا وشفافًا في ظل سيطرتها شبه الإقطاعية على الاقتصاد، وأيّ تصور عن إمكانية تحقيق الديموقراطية "البورجوازية" في ظل سيطرة الدولة اقتصاديًّا هو بحث عن سراب لأن البيروقراطية الحاكمة تتحصل على مكاسبها الهائلة بآليات دولتية غير اقتصادية، بالنهب والسلب المباشر وفرض الإتاوات وليس من خلال آلية السوق ولا بقوانين شفافة وبالتالي لن تسمح بالديموقراطية إلا على جثتها.
لهذا أرى أن تحقيق الديموقراطية السياسية هيَ هدف مستحيل بدون الدعوة للبرلة الاقتصاد بالكامل؛ أي بوضوح: تصفية ملكية الدولة للاقتصاد وتصفية العمالة الزائدة في جسد الدولة سواء من كبار أو صغار الموظفين.

أما الكلام "اليساري" الذي نسمعه كثيرًا عن الخصخصة التي تمت وأن القطاع الخاص أصبح يسيطر على الاقتصاد فهو مجرد دعاية ديماجوجية ضد وهم اسمه الرأسمالية المصرية. فالدولة تملك: أكبر شركة طيران، وأكبر شركات النقل البحري (شاملة قناة السويس) والنهري، والسكك الحديدية، وشركات الكهرباء والمياه، والسد العالي، وشركة تأمين كبرى، وأكبر بنوك مصر؛ فتتحكم في السيولة، وأكبر شركات للبناء، ومصانع عديدة كبرى؛ مثل مجمع الألمونيوم ومصانع السكر وشركات غزل ونسيج، والجزء الأكبر من الصحف، ومعظم جهاز الإعلام، وحتى مدينة الإنتاج الإعلامي، ودور نشر كبرى، ومطابع ضخمة، ودور توزيع ومتاجر كبيرة، وشركة اتصالات عملاقة، والبرق والبريد والمطارات والمونئ، بخلاف ما يمتلكه الجيش من مصانع، وشركات إنشاءات، ومزارع، ومتاجر، ومحلات خدمية. بخلاف ذلك لديها ترسانة من اللوائح والقوانين التي تجعلها متحكمة بالكامل في نشاط القطاع الخاص وتستطيع تكبيله بمختلف السبل، ويكفي تحكمها في منح الأراضي للمستثمرين أحيانًا بأسعار باهظة وأحيانًا شبه مجانًا. أما الأرقام التي تتكلم عن نصيب القطاع الخاص في  القيمة المضافة أو في الناتج القومي فلا تأخذ في الاعتبار أن القطاع الخاص الصغير والصغير جدًّا يساهم في النسبة الأكبر من هذه الأرقام. فتبقى أهم وأكبر  المؤسسات الاقتصادية الكبرى المتحكمة في السوق  في يد الدولة، بينما يعمل القطاع الخاص من خلالها و(من تحت باطها) وكما تحدد له. الخلاصة أن تحويل مصر إلى دولة ديموقراطية حديثة يتطلب تغيير السلطة وإزاحة الطبقة البيروقراطية المسيطرة وليس مجرد الضغط عليها.

في مصر 2011 لم يفكر الثوار في الاستيلاء على السلطة أبدًا، بل ولم يتصوروا النظام الذي يريدونه: ما هو وكيف يتكون. بل نادوا الجيش منذ البداية (في 28 يناير 2011) بالتدخل وفرحوا بانقلاب المجلس العسكري متصورين أن الثورة قد انتصرت.
لم يكن هذا التصور مجرد اختيار، بل لم يكن للثوار القدرة على مجرد طرح مشروع السلطة على بساط البحث؛ فلا الخبرة ولا القدرة على الحشد كانتا تكفيان لطرح القضية. ولذلك ظلوا طوال السنوات الماضية يطالبون النظام بتطهير نفسه وتعديل سياسته وتنفيذ شعارات الثورة، دون جدوى.
كانت النتيجة بالتأكيد هيَ استمرار زمرة يوليو 1952؛ البيروقراطية، في سدة الحكم والسيطرة الاقتصادية، ومعها خدامها ممن يسمون بـ "الدولة العميقة"، كما استمرت المنظومة الحقوقية المهترئة، بل تمت محاكمة رموز نخبة مبارك في محاكم عادية وبقوانين النظام نفسه، التي مكنت الحكومة العسكرية من إرسال كثير من الثوار إلى السجون، بتهم مثل التظاهر والاعتداء على منشئات الدولة وقوات الأمن..إلخ: أي الاعتداء على قوى النظام!
ومما ترتب أيضًا أن حصدت مصر مضاعفات الثورة كما يحدث في كل مكان (اضطراب الوضع الأمني – نقص الوقود – أعمال الفوضى – أزمة اقتصادية طاحنة..إلخ)، دون أن تجني ثمار الثورات؛ مما دفع قطاعات متزايدة من الجماهير إلى البحث عن الاستقرار بأيّ ثمن، بل وربما يتمنى الكثيرون عودة الزمن إلى ما قبل 25 يناير 2011 والتخلص من هذه الثورة وآثارها.

3-  وقفة أمام استفتاء 19 مارس 2011:
 تم هذا الاستفتاء بعد تنحية مبارك بأسابيع قليلة، وكان الشارع السياسي مايزال ساخنًا والآمال العريضة تملأ صدور القادة والجماهير على السواء. تم الاستفتاء على تعديلات لدستور 1971، وموجزها: شروط عنصرية للمرشح لانتخابات الرئاسة لا توجد في دستور أيّ دولة متحضرة مع تخفيض شروط أخرى للترشح – تحصين لجنة انتخابات الرئاسة ضد أيّ طعن على قراراتها – تُجرى انتخابات الرئاسة تليها انتخابات البرلمان قبل وضع الدستور. وقد وافق77.2%  من المشاركين في الاستفتاء على التعديلات، وقد فاقت نسبة المشاركين 41% من المسجلين في جداول الانتخابات.
روجت آلة الدعاية الإسلامية مع صمت متواطئ من حكومة العسكر أن التصويت بـ (لا) يعني إلغاء المادة الثانية التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هيَ مصدر التشريع، وبالتالي فرفض التعديلات هو الطريق إلى جهنم. وقد صوتت الجماهير بدون رشوة وبدون ضغوط مادية.. فقط كانت الرغبة في الاستقرار والخوف من سيطرة العلمانيين دافعًا التصويت بـ "نعم".
هذه النتيجة بعد انتفاضة هائلة ومقتل المئات وتنحية رأس النظام ليست بلا مغزى؛ فالشعب في معظمه ظل أسيرًا للهوس الديني أولًا، وثانيًا أسيرًا للجهل (إذ لم يقرأ النصوص التي سيصوت عليها!)، وثالثًا أسيرًا لثقته العمياء في رجال الدين والإسلاميين كمنظمات وأشخاص، ورابعًا خائفًا من الاضطرابات ومذعورًا من ثورته نفسها. باختصار عبرت نتيجة الاستفتاء عن حالة من التأخر السياسي العميق  وشعور الجمهرة العريضة بالعجز. وقد شجع الإسلاميون الموافقة على التعديلات رغبة منهم في الاستيلاء على الحكم بأسرع ما يمكن وقبل أن يتمكن العلمانيون من لم صفوفهم والتأثير في الشارع في ظل حالة السيولة السياسية التالية لتنحية مبارك. أما العسكر فكان كل ما يعنيهم هو خارطة الطريق: الانتخابات قبل الدستور، لضمان سيطرة الفاشية على الحكم قبل أن يتمكن الثوار غير المنظمين من تنظيم أنفسهم. وقد تلا هذا الاستفتاء  قمع بشع  للثوار: قتل واعتقالات وتعذيب بواسطة الجيش مع أحكام عسكرية ضد الآلاف. فالإسلاميون؛ خاصة السلفيين (وبالطبع الإخوان المسلمين) أقرب للنظام من الثوار أصحاب الشعارات الاجتماعية والديموقراطية.
4-  الإخوان والعسكر : بين التحالف والصراع
علاقة الإخوان والعسكر هيَ تكرار ممل لعلاقة الإخوان والنظام منذ 1928: التحالف مع أيّ قوة تتيح للجماعة النمو والتمدد. ومن يتيح لها ذلك تكون في العادة الدولة أو الطبقة الحاكمة لأنها الأقوى. لذلك وجدنا الإخوان يضعون أنفسهم في خدمة الملك: "نحن جنود الملك" ثم في خدمة الناصريين ثم السادات وحتى مبارك([4]). وفي كل مرة يمارسون الضغوط على من يخدمونه لانتزاع أكبر كم ممكن من المكاسب، ويتعرضون لبعض القمع لتحجيمهم في حدود يراها النظام كافية. وفي لحظة ما؛ حين ينمون  أكبر من اللازم بالنسبة للنظام تبدأ عمليات التحجيم أو التصفية. حدث هذا مع الجميع.
ولم يتعلم الإخوان الدرس أبدًا ولم يفهموا لماذا يحدث لهم هذا في كل مرة. وفي الغالب لن يفهموه، بحكم أيديولوجيتهم المغلقة على تصورات وهمية عن طبيعة حركة التاريخ والمجتمع.
ليس من الضروري هنا استعراض  ما يعتبره البعض "خيانة" الإخوان للثورة ومفاوضاتهم السرية المزعومة مع عمر سليمان (إذ تفاوض معه الجميع أيضًا في 10 فبراير 2011). ففي الصراع السياسي والاجتماعي وخصوصًا في فترات الثورات تكون كل الأسلحة مشروعة ومن الطبيعي أن يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه. فالإدانة الأخلاقية تخدم فقط على التشهير السياسي ولا علاقة لها بالتحليل السياسي([5]).
عمل طنطاوي ورجاله على استرضاء جماعة الإخوان المسلمين، والسلفيين كقوة توازنهم وقت اللزوم. وقد تمثل ذلك في إجراءات منها تشكيل لجنة تعديل الدستور لصالحهم، متضمنة خارطة الطريق التي تمهد لاكتساحهم البرلمان، والإفراج عن معتقليهم وعن عدد كبير من معتقلي المنظمات الإسلامية الأخرى الموالية لهم، والتغاضي عن اعتقال الهاربين منهم من السجون والسماح بتكوين أحزاب ذات مرجعية دينية والسماح بالنشاط العلني للجماعة وحزبها معًا. كما تم قتل واعتقال وتعذيب وسجن آلاف الثوار والنشطاء وحتى الألتراس لم ينجُ من مذبحة كبرى في بورسعيد. وقد أيد الإسلاميون ككل جرائم العسكر ضد الثوار على طول الخط وبفجاجة وسذاجة غريبة وكأنهم قد سيطروا إلى الأبد على الحكم. وتم الاتفاق على الخروج الآمن([6]) – إعلان أن شرعية الميدان قد انتهت وبدأت شرعية البرلمان – قبول وزارة الجنزوري – تأييد قمع وقتل الثوار المتهمين بالبلطجة والانحراف الجنسي وتعاطي المخدرات وبأنهم مأجورون...إلخ.
وفي نفس الوقت تم فتح المجال للأحزاب السلفية ورفض العسكر تشكيل وزارة إسلامية حتى بعد اكتساح الإسلاميين للبرلمان بمجلسيه. وتم إعداد قرار بحل البرلمان كما صدر إعلان دستوري يكبل الرئيس القادم.
وطوال فترة حكم طنطاوي تكررت المعارك الطائفية؛ فارتكبت مذابح ضد المسيحيين ومنها مذبحة ماسبيرو البشعة التي قام بها الجيش نفسه، كما تم استهلاك معظم الاحتياطي النقدي (هبط من 36 إلى نحو 15 مليار دولار فقط) وتدهور القطاع السياحي بشدة بسبب  الانهيار الأمني وتراخي الدولة في السيطرة على البلطجية الذين يعملون لدى أجهزتها. كل هذا أدى إلى إضعاف الرئيس القادم ودفع معظم الجماهير نحو الانصراف عن قوى الثورة.
لم يحاول طنطاوي قط ترميم النظام المتهاوي أو تقديم أيِّ مكاسب حقيقية للشعب، ويبدو أن المجلس العسكري أراد حرمان الجماهير من أيِّ مكاسب للثورة لدفعها إلى الانفضاض من حولها.
وحين طالت فترة حكم العسكر وبات من الواضح أنهم ينوون حل البرلمان وأنهم لم يفتحوا باب الحكم للإسلاميين إلا لإضعاف الثوار فقط وهو ما حدث فعلًا، بدأت جولة من الصراع بين الطرفين وأطلقت التهديدات بالخروج إلى الشارع والاستيلاء على السلطة بالقوة.. هنا اضطر العسكر إلى إجراء انتخابات الرئاسة داعمين مرشحهم أحمد شفيق على استحياء خوفًا أيضًا من ردود الأفعال. وأصدروا إعلانًا دستوريًّا يكبل الرئيس القادم لصالحهم([7]).
نجح محمد مرسي بدعم القوى الثورية، فتم إعلان النتيجة بنجاحه ولم تعر لجنة الانتخابات اهتمامًا يذكر بالانتهاكات الجسيمة من منع بعض القرى المسيحية من التصويت إلى تزوير بطاقات الانتخابات في المطابع الأميرية..إلخ، ورفضت المحكمة بعد ذلك البحث في قضية ما إذا كانت تلك الانتخابات قد شابها القصور أم لا، بفضل الإعلان الدستوري الذي تمت في ظله والذي يحصن قرارات لجنة الانتخابات من الطعن عليها؛ نفس المادة التي مكنت اللجنة من رفض ترشح عمر سليمان للرئاسة بدون مبرر([8])، إرضاء للمجلس العسكري.
نجح مرسي مكبلًا بالإعلان الدستوري وبأزمات الدولة المعقدة ونقص السيولة وعجز الموازنة الرهيب ورفض دول الخليج لحكم الإخوان.
ورغم كل ما قيل عن دعم الأمريكان للإخوان ورغبتهم في السيطرة على المنطقة من خلالهم..إلخ لم يقدموا لحكومة مرسي دعمًا ذا أهمية ولم يضغطوا على السعودية والخليج لدعمهم، واكتفت قطر بتقديم قروض بفوائد مرتفعة وقدمت تركيا بعض الفتات بينما أخذ صندوق النقد يراوغ ويضغط على الحكومة لإتخاذ إجراءات اقتصادية إصلاحية مكلفة سياسيًّا. في واقع الأمر ترك الأمريكان حكومة مرسي تخرج إمكانياتها وتحاول أن تكسب الرأي العام والدول المحيطة بكفاءتها الخاصة؛ فلم يحاربوها ولم يساعدوها وكأنما أرادوا وضعها أمام اختبار حقيقي. ويبدو ليَ أن هذه السياسة هيَ المتبعة منذ الإعلان عن مشروع الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط ككل: الاختبار ثم الحساب.
5- مأزق حكم الإخوان
أو مأزق الإخوان في الحكم.
في الفكر الإسلامي بوجه عام لا يقيم المسلمون تحالفات دائمة مع غيرهم بل تحالفات مؤقتة فقط. ذلك أن الحرب هيَ الحالة الطبيعية لعلاقتهم بالآخر. وقد خرج على هذه القاعدة أفراد قلائل وجماعات محدودة من الإسلاميين على مدى التاريخ.
الأصل لهذه الفكرة عميق الجذور في الفقه والتراث الإسلامي وفي فكر جماعة الإخوان المسلمين ولدى الإسلام السياسي ككل. فالإخوان هم طائفة دينية شبه مغلقة، تشكل مجتمعًا موازيًا، وبالتالي لا تقبل الآخر إلا إذا انضم للجماعة، ولا تثق في أيِّ من خارجها، ولا تنوي أبدًا التعايش مع الآخر والارتباط بالمجتمع الأم، بل هضمه أو قهره لصالحها.
والنتيجة أن هؤلاء لا يمكن أن يقبلوا بالتعددية والديموقراطية والتعايش السلمي أبدًا إلا إذا ظلوا طول الوقت مقهورين وضعفاء، وهم يستخدمون هذه الشعارات للاستقواء فقط ثم الانقضاض من جديد..
لعب الإخوان مع العسكر هذه اللعبة؛ فتحالفوا ووعدوا بالخروج الآمن ثم حاولوا في عهد مرسي التنصل من الوعد، فتمت إقالة قادة المجلس العسكري وفي الغالب تم تدبير حادث مقتل 16 جنديًّا على الحدود لتبرير العملية وتم إلغاء الإعلان الدستوري الذي أقسم محمد مرسي على احترامه ضمن الدستور والقانون.
تتلخص أزمة الإخوان في الحكم في عهد محمد مرسي بالآتي:
-       غياب مشروع سياسي واقعي: فليس لديهم تصور واضح عن النظام الإسلامي الذي يريدونه. ولديهم فكرة عميقة الجذور عن ضرورة إعادة الخلافة الإسلامية، عبر عنها المرشد السابق محمد مهدي عاكف بعبارته الشهيرة: "طظ في مصر"، وهيَ فكرة تتجاوز الدولة القومية وتتضمن إقامة دولة كبيرة تضم مسلمي العالم مثلما كان الحال في عصر الأمويين والعباسيين. وهيَ فكرة تعبر عن حلم خيالي وتصطدم بمجمل الحداثة التي تجاوزت تقسيم البشر حسب الديانة وكرست الدول القومية، أما تجاوز الدولة القومية فقد يسير في اتجاه سيطرة الشركات متعددة الجنسية على العالم وتحويل العالم بأسره إلى قرية واحدة. ولا يملك الإسلاميون في مجملهم تصورًا واقعيًّا عن النظام الاقتصادي والسياسي المطلوب، ولكن مراجعهم تتضمن أفكارًا راسخة قبل حداثية منها حرمان المرأة وغير المسلمين من الولاية، وهو أمر لا يمكن للبشر قبوله في هذا العصر. ولديهم رغبة في تغيير النظام المصرفي لإلغاء الفائدة البنكية، واستبدالها بنظام المرابحة الإسلامي، وهيَ أيضًا فكرة يستحيل تطبيقها على الإطلاق في عصر المؤسسات العملاقة ونظام السوق الحرة وغياب الشخصنة إلى حد كبير في السوق الرأسمالي. أما مسألة أستاذية العالم بسيطرة المسلمين أو قيادتهم للبشرية فمشروع يفتقد لأيِّ أسس فكرية أو واقعية؛ فالإسلاميون يرفضون أصلًا القيم الإنسانية التي ارتقى إليها الجنس البشري، مثل المساواة بين الرجل والمرأة وحرية الاعتقاد الكاملة (أيْ حق المرء في اختيار وتغيير وإعلان عقائده) والعلمانية، ولا يقدمون قيمًا أكثر إنسانية يمكن أن يقبلها البشر. فمازالوا يدعون إلى معاقبة المرتدين وفصل النساء عن الرجال وتطبيق الحدود المرفوضة إنسانيًّا في هذا العصر، وتطبيق نظام المواريث المعقد وغير الملائم لثقافة الحداثة، وتعدد الزوجات، كما يريدون وضع الفن تحت سيطرة الدولة لضمان المحافظة على القيم الإسلامية. وبشكل عام يريدون الاستمرار في استمداد القيم والقوانين والنظم من نصوص مقدسة بتفسيرهم الخاص.
وحتى المشروع العملي الذي قدمه الإخوان هو ما أسموه "مشروع النهضة" كأساس في الدعاية لانتخاب رئيسهم ووعدوا بتدفق 200 مليار دولار بعد انتخابه([9]) قُدم دون أيّ خطوط واضحة، بل مجرد كأهداف جميلة من قبيل الدعاية الديماجوجية([10]) ثم اعترفوا بعد ذلك بغياب هذا المشروع([11]).
-       للسبب السابق أقام الإخوان تحالفات مع قوى تؤيد مشروعهم في مجمله، مثل السلفيين، وهم توجه أكثر رجعية وأبعد منهم عن الواقعية وأكثر أدلجة، والجماعات الإرهابية أو التي كانت كذلك على الأقل. وهذه التحالفات أبعدتهم أكثر عن قوى الحداثة وعن الدول الغربية، وجعلتهم مضغة في الأفواه، وأكسبتهم كراهية شديدة من جانب الطبقة الوسطى المدينية التي ترعروا في وسطها أصلًا.
-       لأن الإخوان هم جماعة طائفية؛ مجتمع موازٍ للمجتمع الذي يعيشون فيه؛ فقد وجدوا مشكلة بلا حل في شرعنة حكمهم. فجماعة غير محددة الهدف والهوية ولا تخضع للقانون أرادت أن تحكم دولة بالقانون، مما وضعها في أزمة مع الشرعية، بل اضطرت إلى استخدام ميليشيات خاصة من أعضائها وحلفائها ضد المعارضة؛ مثلما حدث أمام مجلس الشعب وأمام القصر الرئاسي وأمام مقرها في القاهرة، وفي حادث محاصرة المحكمة الدستورية العليا، وإرهاب مدينة الإنتاج الإعلامي. ولأن الوضع كذلك كانت الجماعة طوال تاريخها تسعى لتنمية نفسها بكل السبل وبلا أي عائق قيمي أو أخلاقي. وفي فترة الثورة وجدناها تضع أيديها في أيدي العسكر الملوثة بدماء الثوار وترقص على الدم المسال وسط القاهرة وتعلن نبذ شرعية الميدان فتفك تحالفها المؤقت مع العلمانيين بسهولة غريبة. لقد تحالفت مع الشيطان وبصقت في البئر، وبذلك فقدت خط الرجعة ووضعت نفسها في حضن النظام الذي تريد – نظريًّا – تغييره. ولهذا السبب وجدناها تحاول مصالحة الدولة العميقة واستخدام رجال النظام لصالحها دون جدوى. من أمثلة ذلك: امتداح رجال العسكر الملوثين ومنحهم النياشين – امتداح الشرطة وشكرها عما أسماه محمد مرسي بدورها في ثورة 25 يناير([12])- التغاضي عن قضية موقعة الجمل، غالبًا لإرضاء الدولة العميقة، مما أثار الشبهات حول دور الإخوان في هذا اليوم واستخدمه "الفلول" ضدها بعد ذلك([13]).
لقد لعب الإخوان وحلفاؤهم دورًا كبيرًا في خلق وتعميق الانقسام المجتمعي إلى علمانيين وإسلاميين على أساس الموقف من مسألة الشريعة، وليس على الأساس المعتاد في المجتمعات الحديثة: المصالح الاجتماعية، وبذلك تحول الصراع الطبقي إلى صراع هوية، مما طمس مصالح الطبقات الفقيرة، ودفع الجماهير إلى الاهتمام بقضايا لا تمس مصالحها، ونحى جانبًا إلى حد كبير القضايا الاجتماعية لصالح مسائل الهوية والعقيدة. ونضرب مثالًا على ذلك بالتفاف المسيحيين عمومًا حول الكنيسة المحافظة للغاية (بل الرجعية) بدلًا من الانخراط في مشروع سياسي تقدمي، مثلما سار فقراء عديدون خلف شيوخهم من أجل قضايا لا تمسهم فعليًّا مثل قضية حقوق المسيحيين والشيعة والملحدين... لقد تم طمس الصراع الطبقي لصالح الصراع الهوياتي الذي يصب في المحصلة في صالح الطبقة المسيطرة. وهذا يتسق مع رؤية الإسلاميين للصراع الاجتماعي والعالمي ولحركة التاريخ على أنها علاقة بين دين الحق ودين الباطل وليست علاقة بين قوى اجتماعية ذات مصالح. وامتدادًا لهذا التصور رفعوا دائمًا شعارًا مثل: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.. معنا إلى الجنة.. نعم للجنة ولا للنار. فهذه الشعارات لم تكن فقط للخداع بل أيضًا نابعة من قناعة عميقة.
-       الخطة الأصلية لجماعة الإخوان لاستلام الحكم لا تتضمن الأسلوب الانقلابي أو الثوري، بل الاستيلاء على المجتمع والسلطة من أسفل. ولكن بعد ثورة يناير وجدت أن أمامها فرصة قد لا تعوض لاستلام الحكم، خصوصًا أن العسكر قد فتحوا لها الطريق، كما لم يعلن الأمريكان اعتراضًا([14]). وترتب على ذلك أن استلم الإخوان الحكم في إطار الإعلان الدستوري ومع وجود الدولة العميقة والبيروقراطية ذات المصالح الضخمة، وبطريقة "شرعية"؛ فكان المنتظر منهم من قبل أجهزة الدولة أن يحافظوا على نفس الشرعية. ورغم محاولاتهم إرضاء الدولة ورجالها وجدوا أنفسهم – من أجل تنفيذ أهدافهم - مدفوعين  لمخالفة الدستور الذي أقسم محمد مرسي  على احترامه، مما فجر موجات احتجاج واسعة النطاق دفعت الجماعة إلى تجاوز الشرعية الممنوحة لها؛ فاستخدمت العنف ثم حاولت السيطرة على قوى الأمن والجيش غير التابعين لها.. كان المأزق أن الجماعة لم تكن تملك القوة العسكرية اللازمة لفرض حكمها، ولم تستول على السلطة بالقوة بل بالشرعية التي اضطرت لمخالفتها بدون قوة عسكرية تحميها. ويبدو أن الإخوان كان لديهم وهم أن أجهزة الدولة ستنفذ أوامر وسياسة الرئيس بشكل تلقائي. وقد وجد محمد مرسي ورجاله أنفسهم على رأس دولة ليست دولتهم، ولا يملكون القوة اللازمة للسيطرة عليها، فأملوا أن يؤيدهم الجيش والأمن دون جدوى، لأنهم في نفس الوقت كانوا عاجزين عن احترام الشرعية التي انتخبوا في ظلها، بفضل أيديولوجيتهم وأهدافهم ومصالحهم وضغوط قواعدهم وضغوط قوى الثورة التي لا تعرف إلا شرعية الميدان ولم تعترف بالنظام المتهاوي. لقد اعترف الإخوان بالنظام المفكك ودخلوا لعبة السياسة الشرعية نابذين شرعية الميدان مبكرًا للغاية، فكان أمامهم إما الانخراط مع النظام الذي طالما عارضوه، وإما الاصطدام به وبشرعيته التي وصلوا الحكم من خلالها، ولما فشلوا في تحقيق الخيار الأول اختاروا الحل الثاني، فكانت الطامة الكبرى. لقد دفعوا ثمنًا باهظًا لتسرعهم وترحيبهم بخارطة الطريق: الانتخابات أولًا، بدلًا من الاستماع لرأي القوى العلمانية: الدستور أولًا، وهو ما كان كفيلًا بتأسيس شرعية جديدة ونظام جديد.
ومع تصاعد الصراع مع المعارضة وتخلي الدولة عنها فكرت الجماعة في تسليح أعضائها، مما أفقدها الكثير من التعاطف وأخاف قطاعات شعبية واسعة؛ إذ صرح عصام العريان القيادي بالجماعة ونائب حزب الحرية والعدالة: في ظل القصور الأمني الحالي من حقنا ترخيص سلاح بطريقة قانونية لحراسة مقراتنا، تعرض 28 مقر لنا للاعتداء والحرق، ومن حقنا حماية مقراتنا"([15]).
-       بفضل مأزق شرعية حكم الإخوان كما أوضحنا اضطرت الجماعة إلى استخدام كل الأساليب غير الأخلاقية في صراعها مع خصومها: الكذب المستمر وإخلاف الوعود والتشهير الشخصي الرخيص للغاية (كما حدث مع محمد البرادعي كمثال)، وهذا أمر يلجأ إليه الساسة في العادة، إلا أن الإخوان قد بالغوا بشكل لم يسبق له مثيل، وساعدهم في ذلك حلفاؤهم السلفيون وقادة حزب الوسط. وكانت قمة جرائم الإخوان مهاجمة المعتصمين السلميين عند القصر الجمهوري في ديسمبر 2012، في صورة ميليشيات وحرق خيامهم وتعذيب البعض وقتل آخرين والاستيلاء على متعلقاتهم الشخصية، واتهامهم بالبلطجة والعربدة والعمالة للفلول والكنيسة..إلخ.
وبسبب الطابع الطائفي لجماعة الإخوان صار رئيس الدولة مجرد رئيس لشعبتهم في قصر الرئاسة؛ فالأولوية للجماعة لا للدولة ولا للمجتمع. فمرسي والإخوان أصحاب مشروع يتجاوز الدولة القومية، بل ويهضمها لصالح مشروع أممي. لذلك كان مرسي رئيسًا للإخوان فقط وحلفائهم وليس رئيسًا لشعب يقدس دولته تقديسًا؛ بينما الجيش هو صاحب هذه الدولة، لذلك كان الصدام بينهما محتمًا.
هكذا حكم مرسي دولة لا يستطيع أن ينتمي إليها ولم تر فيه هيَ إلا جسمًا غريبًا عليها. وطول الوقت كان الرجل يخاطب جماعته أو ما اعتبرته المعارضة "الأهل والعشيرة"([16])، ولم يستطع أبدًا أن يتقمص دور رئيس شعب مصر كما فعل كل سابقيه.
-       مشروع الإخوان غير الواقعي يتضمن إقامة نظام شمولي وليس ديموقراطي. وقد أعلنوا اقتناعهم بديموقراطية صندوق الاقتراع وبتداول السلطة فقط لأن الغلبة في الشارع كانت لهم. لكن أدبياتهم الكثيرة تنبذ بوضوح فكرة الديموقراطية تمامًا؛ فلا تؤمن الجماعة بحريات مثل الاعتقاد (إلا في إطار الشريعة الإسلامية الناصة على قتل المرتد أو استتابته ووضع قيود لأصحاب الأديان الأخرى)، وترفض الزواج المدني والحرية الجنسية..إلخ. هكذا دخل الإخوان اللعبة الديموقراطية بغرض إقامة نظام شمولي، بالضبط على منوال الأحزاب الفاشية في أوربا من قبل، وهو ما جعلهم دائمًا موضع شك من قبل العلمانيين والغرب، وحين أصبحت ديموقراطية صندوق الاقتراع تسير ضدهم منذ تورطهم في قرارات غير شرعية أصبح التهديد بالعنف واستخدامه أحيانًا هو نهجهم، مما أفقدهم المزيد من الأنصار وحتى البعض من داخل جماعتهم.

6-  مرسي يفقد شرعيته
وجد محمد مرسي نفسه في الحكم أسيرًا لأكثر من قوة: جماعته وحلفائه الإسلاميين المطالبين بتنفيذ أجندة الإسلام السياسي (لعب السلفيون دورًا غير صغير في الضغط من أجل تطبيق الشريعة وجاءت نتيجة هذا الضغط في الدستور) – الدولة العميقة و(الفلول) المسيطرين عليها وأجهزة الأمن والجيش -  الثوار المطالبين بتحقيق أهداف الثورة المتجاوزة للدستور القائم ومصالح النظام المتهاوي وبإعادة محاكمة قتلة الثوار... وقد جاء رئيسًا في ظل إعلان دستوري أقسم على احترامه تضمن نصوصًا منها: المجلس الأعلى للقوات المسلحة يختص بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة، وتعيين قادتها ومد خدمتهم ويكون لرئيسه حتى إقرار الدستور الجديد جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع - المجلس الأعلى للقوات المسلحة يباشر الاختصاصات المنصوص عليها في البند 1 من المادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 (أيْ حق التشريع) لحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرته لاختصاصاته - إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها شكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه في شأنه خلال 15 يومًا من تاريخ الانتهاء من إعداده وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستورالجديد.
هكذا جاء مرسي للحكم مكبلًا بسلطة العسكر وبوعوده للثوار وضغوط أنصاره...
ولم يجد سوى أحد طريقين: إما الاستسلام للدولة وأجهزتها والرضا والقبول بنفس سياسات المجلس العسكري السابق، وإما القيام بانقلاب سياسي يتخلص به من الالتزام بأيّ قسم أو وعد. وقد اختار الطريق الأخير بعد فترة مهادنة وموادعة للدولة العميقة.
قبل أن يتسلم الحكم أعلن مرسي وجماعته فوزه بالرئاسة في ميدان التحرير([17])، وهو تصرف مخالف للقانون ارتكبه  مبكرًا جدًّا.
تم انقلاب مرسي على حلقات:
1-     في 8 يوليو 2012 : إلغاء حكم المحكمة الدستورية بحل البرلمان و إعادته للعمل، ولكن في ثاني يوم قامت المحكمة بحله مرة أخرى و تراجع مرسي عن إعادته.
2-    في 12   أغسطس 2012 : إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي ينتقص كثيرًا من صلاحيات الرئيس وإقالة أعضاء المجلس العسكري وتعيين عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع. وبذلك أصبح للرئيس حق التشريع.
3-    في 22 نوفمبر 2012: إصدار إعلان دستوري يتضمن: إعادة التحقيقات والمحاكمات للمتهمين في القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء الثورة - جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أيّ جهة أخرى (مثلًا المحكمة الدستورية) منذ توليه الرئاسة حتى إقرار دستور جديد وانتخاب مجلس شعب جديد - يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، مما ترتب عليه إقالة النائب العام المستشار/ عبد المجيد محمود واستبدال المستشار/ طلعت إبراهيم به - تمديد فترة اللجنة التأسيسية بفترة سماح شهرين لإنهاء كتابة دستور جديد للبلاد - تحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يحل أيًّا منهما (كما حدث لمجلس الشعب).
4-  وقد فقد مصداقيته مرة أخرى حين طبق فقرة من دستور العسكر ليلة الاستفتاء على دستور الإسلاميين، تتضمن حق الرئيس في تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى بينما نص مشروع دستوره على حقه في تعيين 10% فقط. هكذا خالف دستوره قبل أن يوافق عليه الشعب، وهيَ لعبة صغيرة لا تدل على وجود أيّ مصداقية.
5-  وقد ظهر مرسي كمجرد خصم للمعارضة وليس كرئيس لدولة في معركة قصر الاتحادية، حين غض الطرف عن تعذيب المعتصمين وحرق خيامهم وضربهم من قبل أنصاره دون أن يحاول محاسبة المعتدين، بل أخذ يهاجم المعتصمين ويتهمهم بتلقي أموال، ويكذب فيقول إن بعضهم اعترف أمام النيابة..إلخ، وتوعدهم بالعقاب.
هكذا قام مرسي بانقلاب سياسي بدون قوة تدعمه؛ فكانت بداية نهايته؛ ومع ذلك لم يكن انقلابه كاملًا؛ فلم يشكل مثلًا محاكم ثورية لتصفية أركان النظام، ولم يحاول إجراء تغيرات جذرية في أجهزة الدولة. ومن الواضح أن جماعة الإخوان تفتقد للكادرات السياسية والثقافية، وحتى قاعدتها الشعبية لم تكن من القوة التي تمكنها من استكمال انقلابها السياسي. وهذا الانقلاب الجزئي كان أشد خطرًا على الجماعة حتى من محاولة انقلاب كامل؛ إذ نخس الخصوم وزادهم عددًا وقوة دون أن يقتلهم.
كان إصدار الإعلان الدستوري إيزانًا بتمرد واسع لكل معارضي الإسلاميين، كما شكلت معركة الاتحادية البالغة العنف لحظة القطيعة النهائية بين الإخوان ومعارضيهم.
 وبدأ العد التنازلي لسقوط حكم الإخوان.

7-    فشل الإخوان
-       لم يكن مرسي واقعيًّا أبدًا حين وعد بحل 5 مشاكل كبرى خلال 100 يوم فقط، وبالطبع لم يستطع لأنها مشاكل ضخمة تحتاج لمدة أطول بكثير ولتعاون أجهزة الدولة والشعب. أصبح بعد مائة يوم من انتخابه موضوعًا للتندر في كافة أوساط الشعب (اضطر عصام العريان للتصريح بأن المائة يوم لا تبدأ من انتخاب الرئيس، بل إن تاريخ خطاب التكليف لرئاسة الوزراء باﻷمور الملحة في اﻷمن والمرور والنظافة والوقود ورغيف الخبز دليل أن المائة يوم بدأت الجمعة 3/8([18]))، مما أثار المزيد من السخرية في الشارع. ولم يتمكن مرسي من تنفيذ وعده بالقصاص لشهداء الثورة بعد أن أعلن أن  دماءهم "في رقبتي" على حد تعبيره، كما لم يلتزم بوعده بتعيين امرأة وشخص مسيحي نائبين له حال انتخابه([19])، كما لم ينفذ وعودًا أخرى كثيرة.
-       استخدم الإخوان أسلوب الحزب الوطني الخاص باستخدام إمكانيات الدولة لصالحه؛ مثل توزيع أعضاء حزبهم لأنابيب البوتاجاز بسعر معتدل وكذلك الخبز المدعم في بعض المناطق، مرتدين ملابس تحمل اسم وشعار الحزب، مما ذكر الناس بممارسات النظام الذي ثاروا ضده([20]). كما أثيرت أقاويل عن استمرار امتيازات أعضاء البرلمان الإسلامي المنحل بعد حله واستخدام رئيس مجلسه لسيارة حكومية وهو مالم ينفه أحد..إلخ. واقترفت عائلة محمد مرسي مخالفات صغيرة من حيث المستوى الأخلاقي؛ مثل تعيين أحد الأبناء في وظيفة حكومية لا يستحقها، ورحلة الزوجة إلى طابا بطائرة خاصة نظمتها جماعة الإخوان المسلمين والإقامة على نفقة الدولة([21])، كما احتفظ ولداه بالجنسية الأمريكية وهو موقف لا مسؤول أبدًا خصوصًا في بلد يقدسه أهله. وفي الاستفتاءات والانتخابات لجأت للرشوة الانتخابية وتوجيه الناخبين الأميين عمدًا ومخالفة القانون في استخدام المساجد والدعاية الدينية، وفي الاستفتاء على دستورها لجأت لتصرفات مثل قطع الكهرباء عن مناطق مشهورة بمعارضة الجماعة وفي انتخابات الرئاسة تم بعض التزوير كما منعت قرى مسيحية من الذهاب إلى صندوق الاقتراع، وبدأ بعض القضاة فرز الأصوات قبل موعد إغلاق مراكز الانتخاب، ووعد يوسف القرضاوي المصريين باستثمار 20 مليار دولار من جانب قطر إذا تمت الموافقة على الدستور([22]).
-       بدلًا من العمل على تصفية الفساد ومصادرة أملاك لصوص النظام المتهاوي راحت حكومة مرسي تعقد المصالحات مع رجال أعمال فلول وقد اعترف بذلك  متحدث رسمي باسم الرئاسة([23])، بينما دعا مرسي في 3 نوفمبر 2012 الشعب لثورة جديدة ضد الفساد!!
-       في ظل محمد مرسي تم رفض متكرر لتطهير وزارة الداخلية وكان رده هو: "توجهنا العام أن تطهر هذه المؤسسة نفسها"([24])، وقد استمر الأمن في استخدام البلطجية كما كان يفعل دائمًا طوال عمر نظام يوليو  1952 دون أيّ محاولة من الرئيس لإنهاء هذا، بل راح يمتدح وزارة الداخلية بشدة وبعاطفة فياضة؛ فوصفها بأنها في القلب من  العبور الثاني لمصر؛ ثورة 25 يناير([25]). وفي مرة أخرى شكر الشرطة على دورها في ثورة 25 يناير دون تحديد أيِّ دور يقصد، وهيَ فيما يبدو محاولةٌ لاستمالة قوى الأمن في مواجهة المعارضة.
-       تميز حكم الإخوان بسوء الإدارة والتصرف من قبل الرئيس وأعوانه. ومن الأمثلة الفاضحة إطلاق أحد المحافظين للكلاب على الصيادين، ونفي مؤسسة الرئاسة إرسال رسالة حميمة إلى حكومة إسرائيل ثم الاعتراف بها. وكانت قمة المأساة ما جرى في اجتماع الحوار الوطني حول مواجهة سد النهضة الإثيوبي في يونيو 2013؛ فقد أذيع الحوار على الهواء على سبيل الخطأ ناهيك عن مستوى الحوار المتردي بشكل مثير للخجل، مما دفع محمد البرادعي للاعتذار للحكومة والشعب الإثيوبي. وكان خطاب مرسي نفسه أقل وقارًا مما ينتظر من رئيس دولة؛ من تشهير عدائي بالمعارضة وحتى بأشخاص بالاسم وتهديد مبطن بالعنف، وقد تشابهت خطاباته الأخيرة مع الخطابات الأخيرة للرئيس السادات من حيث شخصنة القضايا وحكايات المصاطب وتهديد المعارضة. يضاف لهذا التصريحات غير المحسوبة لعصام العريان وتحرش وزير الإعلام جنسيًّا (شفويًّا) على الملأ بالصحفيات دون أيّ محاسبة..إلخ. 
-       كان من الواضح أن الحكم في يد مكتب إرشاد جماعة الإخوان وليس في يد الشخص الذي انتخبه المصريون. فالرئيس كان يؤجل قراراته ومواقفه انتظارًا لرأي المكتب. كما اعتاد قادة الإخوان إطلاق التصريحات كما لو كانوا كلهم حكامًا لمصر (مثل تصريحات لمحمد بديع ضد الجيش وتصريحات عصام العريان التي سببت حرجًا شديدًا للحكم، واضطر في النهاية إلى ترك منصبه الرسمي كمستشار للرئيس..)، وقام مكتب الإرشاد بالتجسس على المعارضة، باعترافات قادة الإخوان([26]).
-       استخدم الإخوان الدين أكثر مما تحتمله الطبقة الوسطى في المدن الكبرى؛ من صلاة أسبوعية للرئيس انتهت عدة مرات بمحاولة اعتداء المصلين عليه وفراره من المسجد، بينما لم يزر الكنيسة للتهنئة بالعيد أبدًا، وتلميحه بكفر المعارضة في خطابه الشهير في احتفالات حرب أكتوبر، وسكوته على مهاجمة بعض أنصاره للشيعة والتحريض عليهم قبيل مذبحة قرية أبو النمرس في 24 يونية 2013، وهو الذي وعد بـ "إلغاء كل أنواع التمييز في الدين أو العرق والجنس"([27])، وكان خطاب مرسي نفسه مليء بالعبارات الدينية وكأنه جاء لتحقيق إرادة الله. وقد تميز الخطاب الإخواني بنزعة طائفية؛ فعلى سبيل المثال زعم البلتاجي أن 60% المعتصمين أمام قصر الاتحادية في ديسمبر 2012 من أتباع الكنيسة([28]) بينما رفع النسبة خيرت الشاطر إلى 80%([29])، وهيَ مزاعم لا يمكن إثباتها أصلًا ومعناها استخدام الدين في التحريض ضد المعارضة، بخلاف مهاجمة الشيعة وحتى السلفيين أحيانًا، ثم اتهام الكنيسة أنها وراء جماعة "بلاك بلوك"، بل ووراء 30 يونيو، مما أدى لقيام أنصار الإخوان بحرق كثير من الكنائس فيما بعد، بخلاف التحريض ضد الشيعة بشكل هستيري.
-       عجزت جماعة الإخوان المسلمين عن تقنين وضعها كجماعة، وحين اضطرت لفعل ذلك فعلته بطريقة غير قانونية؛ ففي 20 مارس 2013 تم الإعلان عن ترخيص الجماعة تحت اسم جمعية الإخوان المسلمين، دون أن يتم فعليًّا إخضاعها لوزارة الشؤون الاجتماعية حسب القانون، وهو تحايل واضح؛ إذ ظلت جماعة غير مقننة ونصف سرية تحكم دولة المفروض أن لها قانون ودستور. وقد مارست جماعة الإخوان طول فترة حكمها أشكالًا من الخروج على القانون، منها استخدام ميليشيات تابعة لها العنف ضد الثوار في مارس 2012 بحجة حماية مجلس الشعب، كما فعلت نفس الشيْء ضد المعارضة أمام القصر الجمهوري بعد الإعلان الدستوري لمرسي، وفي 13 يناير2013 منحت النيابة المواطنين حق القبض على المجرمين والمخربين؛ والمقصود بالطبع أن يقوم الإسلاميون بالقبض على المعارضين المتهمين بالتخريب والعمالة..إلخ.
-       في السياسة كل شيْء مباح. لكن السياسي الذكي يعمل على توسيع جبهة حلفائه وإضعاف جبهة خصومه. وهذا يتطلب منه تحقيق قدر ملموس من المصداقية وكسب ثقة حلفائه وعدم دفع خصمه لارتكاب حماقة قد تؤذي الجميع. ولكن  جماعة الإخوان توقن بأن الحق معها، ولذلك فالنصر مضمون من الله نفسه؛ وقد تصرفت على أنها قوة لا تقهر لدرجة أن قادتها وأعضاءها لم يتصوروا أبدًا أن تكون نهاية حكمهم قريبة وسهلة كما جرى، بل مازالوا يتخيلون أنهم سيعودون للحكم مرة أخرى. وقد  فعلت الجماعة كل ما من شأنه أن يوسع جبهة أعدائها معظم الوقت ويثير كراهيتهم ورغبتهم حتى في التشفي؛ فلجأت إلى الكذب مرارًا ونقضت وعودها، وكان ومازال خطابها عدائيًّا ضد من يخالفها وتتنكر لمن وقفوا معها، وتمارس الكذب بشكل فج ومستفز حتى لأصدقائها. وكأمثلة زعمت أنها لن تحاول السيطرة على مجلس الشعب ثم فعلت العكس، وادعت أنها لن ترشح رئيسًا ثم رشحت، ورفعت شعار مشاركة لا مغالبة ولكنها فعلت العكس، خصوصًا لدى اختيار لجنة الدستور، وتنكرهم للبرادعي والتشهير به بكل الوسائل حتى بلغ الأمر التشهير بابنته، وشاركهم السلفيون في ذلك، وادعاء صفوت حجازي على الثوار وتهديدهم بكشف ما أسماه "شقة العجوزة" ملمحًا للكشف عن ممارسات جنسية يوم موقعة الجمل([30])، واتهام الثوار بالبلطجة والعمالة وتعاطي المخدرات وممارسة الجنس في اعتصامات التحرير وشراء البلطجية([31]) (تم اتهام رجل شريف للغاية وكبير السن هو أبو العز الحريري بتمويل البلطجية([32]) وتم ضربه([33]))، وإدانة الثوار في مذابح وسط القاهرة التي ارتكبتها الشرطة والجيش، بل وادعاء حق الشرطة في قتل كل من يقترب من وزارة الداخلية، واتهام أحد مسؤولي جماعة الإخوان لقادة جبهة الإنقاذ بالتخطيط لخطف الرئيس محمد مرسي، وهو كلام غير معقول ([34])...إلخ.
-       .لحكمأن دلقيام أنصار الإخوان بحرق كثير من الكنائسبأن مصر وروسيا تتفقان حول مسألة سوريا!! كل هذا أدى لانفضاض حلفائها واحدًا وراء الآخر. بل دفع عدم مصداقيتها البعض لرفض المشاركة في حكومتهم أصلًا (مثل جودة عبد الخالق ومنير فخري عبد النور وحمدين صباحي). وقد عجز الإخوان عن قراءة حجم المعارضة المتزايدة لحكمهم في الشارع بفضل الغرور والارتكاز إلى الغيبيات.
-       انسحاب حزب النور السلفي القوى من التحالف معهم، بل وإعلانه العداء السافر ثم تأييده لانقلاب السيسي في 2 يوليو2013. إذ بدأ الحزب بالتعاون مع الإخوان مع المنافسة لحصد أكبر عدد ممكن من كراسي البرلمان، ثم قرر تأييد خيرت الشاطر رئيسًا ولكنه رأى بعد ذلك أن يؤيد مرشحًا إسلاميًّا استطاع أن يعده بتطبيق الشريعة (عبد المنعم أبو الفتوح)، ثم أيد محمد مرسي وشارك في وضع الدستور الإسلامي. إلا أن الإخوان لم يدفعوا للسلفيين الفاتورة؛ فلم يستشيروهم في أيِّ شيْء آخر، ومنحوهم مناصب تافهة مثل مستشار الرئيس لشؤون البيئة (تم طرده بعد ذلك بتهمة الفساد دون تقديم أدلة)، ومستشار محافظة كفر الشيخ. في الواقع تميز السلفيون بالتشدد الديني وتغليب الأيديولوجيا على السياسة بخلاف الإخوان، ولذلك طالما اختلفوا حول مدى ربط الدين بالسياسة، كما سعوا إلى اقتسام السلطة مع الإخوان لتطبيق الشريعة. وربما تخيلوا بعد 30 يونيو أنهم سيحلون محل الإخوان. وبإيجاز نقول إن تحالف الإخوان مع السلفيين كان غير محسوب جيدًا؛ إذ لابد من دفع فاتورة هذا التحالف وهو ما يتجاوز سقف الإخوان فيما يتعلق بتطبيق الشريعة، والذي يمكن أن يفقدهم التعاطف الدولي وأن يثير الطبقة الوسطى المدينية في الداخل بشدة. وهو ما حدث جزئيًّا لمجرد تصريحات السلفيين المتشددة وأدائهم في البرلمان. كما خسر الإخوان نتيجة تحريض السلفيين ضد الشيعة والعلمانيين وتعالي أفراد منهم على الجماهير في الشوارع والأحياء الشعبية وتهديدهم بصلف وغرور. وفي النهاية خسر الإخوان من تحالفهم أكثر بكثير مما ربحوا وانتهى الأمر بإعلان عداء صريح من جانب حزب النور، فاتسعت جبهة العدو كثيرًا.
-       تم وضع دستور إسلامي طائفي (يضمن سيطرة أهل السنة والجماعة) لا يقبله العلمانيون ولا يكرس لدولة حديثة؛ مما دفع تقريبًا كل العلمانيين أعضاء لجنة الدستور للانسحاب. كما منح الجيش وضعًا مميزًا؛ فقد أضيفت إليه مادة جديدة تنص صراحة على أن يعين وزير الدفاع من بين ضباط القوات المسلحة - تخضع ميزانية الجيش لرقابة  مجلس الدفاع الوطني التى تتشكل أغلبية أعضائه من ضباط الجيش – إمكانية محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية (حصل الجيش على ما هو أكثر في دستور  2014).


8-  مأزق العلمانيين
العلمانيون في مصر فصائل شتى من اليسار إلى اليمين. منها منظمات فاشية الطابع ومنها الاشتركية والليبرالية (يمين أويسار) وجماعات صغيرة عديدة غير محددة الهوية. هذا التشتت يضعف الجميع أمام التيارات الدينية الضخمة والقوية. والأهم أن الشارع المصري حتى مرحلة نجاح مرسي كان إسلامي الهوى؛ يتعاطف مع المنظمات الدينية، ولذلك كانت ومازالت الشعارات الديموقراطية تصب في صالح الإسلاميين الفاشست. لذلك وجدنا قوى ديموقراطية ضمن العلمانيين راحت تنادي الجيش بإنقاذ البلاد من الإسلاميين بدلًا من أن تتوجه إلى الشعب؛ مناقضة لمبادئها الديموقراطية، وحتى البرادعي أراد أن يضع مبدأً ثابتًا في الدستور يكلف الجيش بحماية "مدنية" الدولة([35]). ولنفس السبب لم يستطع العلمانيون أبدًا المناداة بإلغاء المادة الثانية الشهيرة من الدستور القائلة بأن مصدر التشريع الرئيسي هو مبادئ الشريعة الإسلامية، كما لم تعلن بعد أنها علمانية أصلًا، بل تستخدم مصطلحًا فريدًا من نوعه في عالم السياسة: "مدنية"، فكل السياسة مدنية! وقد وجدنا جبهة الإنقاذ على سبيل المثال، وهيَ الكتلة الأكبر من العلمانيين في فترة حكم الإخوان، عاجزة عن مقاطعة الحكومة التي فقدت شرعيتها بإصدارها إعلان دستوري ديكتاتوري، وشاركت في التصويت في الاستفتاء على دستور الإخوان الذي حُرمت من المشاركة الحقيقية في وضعه، كما أعلنت أنها ستشارك في البرلمان القادم (الذي لم يتم انتخابه بسبب 30 يونيو).
إن قوى لا تستطيع حتى أن تسمي نفسها ولا أن تعلن مبادئها الحقيقية تجد نفسها في مأزق؛ فلا هيَ تملك القوة المسلحة لكيْ تفرض سلطتها (كما فعل البلاشفة في الثورة الروسية([36])) ولا تملك النفوذ الكافي في الشارع  لكيْ تفرض  رؤيتها على السلطة القائمة. وهذا مهد لمشاركة العلمانيين الفعالة في ثورة 30 يونيو 2013 بقيادة العسكر.
وعلى نقيض الليبراليين الذين نادوا بتدخل الجيش وجدنا الفاشست الإسلاميين ينادون باحترام صناديق الاقتراع..إنها لمفارقة غريبة.
9-  الاحتشاد من أجل ثورة 30 يونيو
بدأت بعض قوى المعارضة في التربص بحكم محمد مرسي منذ ما قبل انتخابات الرئاسة. منهم الذين انتخبوا المرشح الآخر؛ أحمد شفيق، والمقاطعون؛ كما راح "عاصرو الليمون" يعدون عليه أنفاسه انتظارًا لما سيفعله وكلهم تحفز لاصطياده.
وبالطبع كانت قوى النظام متمثلة في الجيش والشرطة ومعهم رجال الأعمال "الفلول" أشد الجميع تحفزا والأكثر تنظيمًا والأقدر على الحشد والأكثر تصميمًا على استعادة سدة الحكم.
وقد منح مرسي الجميع فرصًا متوالية لاصطياده كما أسهبنا من قبل، ولم تتجاوز إنجازاته الإفراج عن الثوار، وزيادة معاش الضمان الاجتماعي إلى 300 جنيها، وإعفاء فقراء الفلاحين من ديونهم، وإلغاء الحبس الاحتياطي في جرائم النشر.
 بينما كانت إخفاقاته عديدة ومتوالية بل ومتصاعدة، ولم يستطع تنفيذ معظم قرارت حكومته (منها إخلاء الشوارع من الباعة الجائلين، وإغلاق المحال في العاشرة مساء...). كما تصاعدت باستمرار الأزمة الاقتصادية وتدهورت الخدمات وراح ارتفاع الأسعار يتوالى طول فترة رئاسته. وفي الآونة الأخيرة من حكمه جاء ارتفاع سعر أسطوانة الغاز إلى 800 بدلاً من 260 قرش، والتشكيل الوزاري الجديد، بالإضافة إلى حركة المحافظين، وتسمم 479 طالبًا بالأزهر، وأزمة سد النهضة الإثيوبي، لتشعل الموقف إلى أقصى حد.. وتوالت الصدامات بين حلف الإخوان ومختلف القوى المعارضة.
شهدت فترة حكم مرسي محاولات مستميتة من الإخوان للتمكين، سواء بتنصيب أعضاء منهم أو ممن يتعاطفون معهم في مختلف أجهزة الدولة، وهو أمر طبيعي لأيّ حزب حاكم، لكن الإخوان حاولوا أيضًا التمكن من أجهزة لا حزبية بطبيعتها مثل أجهزة الأمن والقضاء، وهو أمر ينذر بتدمير أسس دولة المؤسسات المرغوبة من جانب معظم القوى السياسية على الساحة المصرية. وكان هذا أحد أهم أسباب تصاعد المعارضة المدينية.
الثوار:
أيد معظم الثوار مرسي ضد شفيق ليس إلا لمنع أحد ممثلي النظام المتهاوي من استلام الحكم، ومع توجس عميق وعدم ثقة في الإخوان والإسلاميين ككل. فكان انتخاب مرسي بدافع استخدامه لتصفية النظام وتحقيق خطوة لتنفيذ بعض أهداف الثورة دون السماح بتمكين الإسلاميين. وقد وقفوا له بالمرصاد؛ منتظرين تنفيذ وعوده دون جدوى، وما أن أصدر إعلانه الدستوري الذي مهد لتمكين الإخوان وإعادة الديكتاتورية حتى انتفضوا من جديد بشكل متكرر، خصوصًا بعد معركة الاتحادية، وبدأ بعضهم حتى يستخدم العنف ويحاصر القصر الرئاسي ويضربه بالمولوتوف، وحتى مقرات جماعة الإخوان لم تسلم من الإحراق والاقتحام؛ ومع تكرار الصدامات العنيفة أصبح شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام" وشعار "الشعب يريد إسقاط الإخوان" مرفوعان في الميادين. ظهرت جماعة "بلاك بلوك" وعادت 6 أبريل تعلن عداءها للسلطة الجديدة، وتم رفع شعار "العودة للميدان" وفي النهاية ظهرت حركة "تمرد" (المدعومة في الغالب من الجيش([37])). لتجمع ملايين التوقيعات لعمل انتخابات رئاسية مبكرة، مستخدمة مقرات الأحزاب العلمانية.
جبهة الإنقاذ الوطني:
تشكلت الجبهة فور إصدار مرسي إعلانه الدستوري من العلمانيين عمومًا من اليسار واليمين، بهدف كان في البدء إلغاء الإعلان الدستوري وعمل دستور توافقي، ولاحقًا قررت الجبهة إسقاط حكم الإخوان ووقف أيّ حوار مع محمد مرسي. قادت الجبهة حركة المعارضة وكان لها تأثير كبير في الرأيْ العام المديني بالذات، خصوصًا أنها ضمت تيارات تمثل مختلف القوى الاجتماعية المدينية. وقد أثبتت الجبهة قدرتها على الحشد ونجحت في فضح جماعة الإخوان والتشهير بها دوليًّا بفضل العلاقات الدولية القوية لمحمد البرادعي خصوصًا وآخرين من قادة الجبهة.
السلفيون:
بعد تحالف واتفاقات واشتراك في وضع دستور إسلامي فشل الإخوان في الاحتفاظ بتحالفهم مع حزب النور السلفي، وفي يناير 2012  بدأ زعماؤه في الاتصال بجبهة الإنقاذ الوطني وانتقاد الإخوان بشدة متزايدة؛ وفي النهاية وقف على الحياد في 30 يونيو 2013 ولكنه في 2 يوليو وجه دعوة لمرسي  لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ثم أيد انقلاب السيسي.
القضاء:
لعب الإخوان دورًا مهمًّا في زيادة تسييس القضاء المصري؛ ابتداء من حركة استقلال القضاء، ثم تعيين مرسي لنائب عام متحيز سياسيًّا بشكل فج لجماعة الإخوان، ومحاولاتهم طرد عدد كبير من القضاة بحجة بلوغهم سن التقاعد، وتحاملهم الشديد على المحكمة الدستورية العليا، بل ومحاصرة مقرها لمنعها من حل مجلس الشورى، والتخلص من عدد من أعضاءها بموجب نص دستوري وضع خصيصًا لهذا الغرض([38]). كما شكلوا بعد ذلك ما يسمى بـ "حركة قُضاة من أجل مصر". وكان الإعلان الدستوري لمرسي بمثابة اعتداء على السلطة القضائية أثار غضبًا شديدًا وسط مؤسسة العدالة وبلغ الأمر حد رفض معظم القضاة الإشراف على استفتاء الدستور. وتوج الصراع بتشهير رئيس الجمهورية في خطاب له ببعض القضاة بالاسم. كل هذا دفع القضاء إلى الدخول في معترك الصراع السياسي وأصبح -عمليًّا - جزءًا من جبهة المعارضة، وقرر في الأشهر الأخيرة من حكم مرسي إزاحة حكم الإخوان. والآن نرى العديد من الأحكام القضائية الانتقامية ضد أعضاء الجماعة والثوار مع تواطؤ النيابة أحيانًا.
إعلام المعارضة:
لا يتسم الإعلام المصري ككل بالمهنية، ولكن في عهد مرسي صار الإعلام العلماني جزءا أساسيًّا من المعارضة؛ إذ لعب دورًا ضخمًا للغاية في التشهير بنظام الحكم وجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها. وقد أسهب في كشف فضائح الإسلاميين حتى الشخصية وسلط الأضواء وضخّم من علامات سوء الإدارة ونقص الخبرة لقادة الإسلاميين. وتفنن الإعلاميون في اختلاق الأخبار وتسليط الضوء عليها وتشويه كل قرارات محمد مرسي. من أمثلة ذلك إشاعة اعتزام الإخوان بيع منطقة القناة لدولة قطر وإشاعة منح حماس قطعة أرض في سيناء، وهيَ إشاعات لم يثبت عليها أيُّ دليل أبدًا. وقد ساهم قادة الإخوان بتصريحاتهم المتهورة وغير المحسوبة في تأجيج الرأيْ العام ودفعه لتصديق الإشاعات (مثل تصريح لمحمد بديع رحب فيه بلجوء بعض الفلسطينيين إلى مصر، وهو أمر لا يمثل فعلًا أيّ خطورة إلا أنه جاء في توقيت غير مناسب على الإطلاق)، وتم النفخ في مغزى رسالة مرسي لحكومة إسرائيل وهيَ رسالة بروتوكولية لا مغزى خاص لها، أو على الأكثر خطأ غير متعمد([39])، وتم تحميله مسؤولية حادث قتل فيه عشرات التلاميذ بينما هيَ مسؤولية مجتمع مخرب بالكامل منذ عقود كثيرة. كما تم التشهير بمنظمة حماس واتهامها بسرقة السيارات من مصر واقتحام السجون وقتل ضباط مصريين وخطف آخرين، وهيَ تهم بلا دليل حتى الآن. واتهم الإعلام الإخوان وحماس بالمسؤولية عن مذبحة الـ 16 جندي مصري في رفح، بينما لم يُتهم أبدًا المسؤول المباشر: المخابرات الحربية والعامة ووزير الدفاع. وحتى الآن لم نعرف من خطط لقتل الجنود رغم إعلان الجيش وقتها أنه سيعلن مفاجأة عن حقيقة المسؤولين، مما أوحى وقتها بدور خاص لرجال الإخوان أو حماس([40]).
وفي مسألة الإفراج عن عناصر إرهابية من السجون تم تضخيم مسؤولية محمد مرسي الذي أفرج عن 27 فقط من الإسلاميين منهم 12 جهاديًّا سابقًا  فقط([41])، بعد موافقة أمن الدولة، على سبيل إرضاء حلفائه، بينما أفرج طنطاوي عن 800، منهم محمد الظواهري الإرهابي العتيد، وعبود وطارق الزمر. كما أفرج مرسي عن 1135 من شباب الثورة الذين اعتقلهم وعذبهم المجلس العسكري. ولم يثبت أبدًا مشاركة أحد ممن أفرج عنهم مرسي في أعمال إرهابية، بل أغلبهم مقعدون ومرضى وكبار سن([42])؛ كما أن جهاز الأمن لم يعتقل أحدًا منهم أبدًا بتهمة الإرهاب، ولم يثبت أن أحدهم قد ذهب إلى سيناء؛ وليس من بين المفرج عنهم أخو زوجته كما أشاعت المعارضة كذبًا، كما كان بعضهم قد قضى فترة عقوبته. ولتصوير مرسي كشيطان رجيم نجد صحيفة كبرى تكتب في عنوانها الرئيسي بعد سقوطه: "13 ألف إرهابي ومسجل تنتظرهم السجون بعد إلغاء الإفراج عنهم.. مرسي أفرج عن تكفيريين بالمخالفة للقانون لمواجهة المظاهرات المناهضة له.. والمتهمون ارتكبوا أعمالًا تخريبية بعد عزله لرد الجميل له"([43]). والحقيقة أن الرئيس عدلي منصور قد ألغى قرار العفو عن 52 شخصًا فقط أغلبهم جنائيين([44])، بينما نشرت نفس الصحيفة خبرًا مثيرًا :"الداخلية تجهز خطة القبض على 52 إرهابيًّا"([45]). ونشر الإعلاميون تسجيلًا مفبركا بوضوح تام لمحادثة مزعومة بين محمد مرسي وأيمن الظواهري يتلقى فيها مرسي أوامر من الظواهري([46]). وضمن الإشاعات المثيرة ادعاء وعد محمد مرسي للسودان بالتنازل عن حلايب وشلاتين وهو ما نفته الحكومتان([47]). كما زعموا أن الإخوان تقدموا بطلب للداخلية بترخيص السلاح لـ 470 شخصًا، منهم عناصر متهمة بالإرهاب، وهو زعم غير صحيح (وإن كان عصام العريان قد اقترح تسليح حراس من الإخوان لحماية مقراتهم)، وأن خيرت الشاطر يدخل مبنى المخابرات وبعض قادة الجماعة يسعون لقيادة أجهزة الأمن، والمبالغة في عدد الطلاب الإخوان في كلية الشرطة..إلخ. وهذه الإشاعات كانت مخيفة لملايين المصريين الذين يميلون إلى تصديق الإشاعات، خصوصًا حول الإخوان الذين صاروا في أعين أغلب السكان مجرد مصدر للشر.
إن هذه المبالغات الشديدة لتدل على النية المبيتة لدى قوى النظام للإطاحة بالإخوان وتصفيتهم بأيّ ثمن.
وكان للإعلام العلماني دور كبير في حشد الجماهير ضد الإخوان بما في ذلك نشر المواعيد وتحديد الأماكن، بالتعاون مع المعارضة السياسية بالطبع. كما اعتاد استضافة من يسمون أنفسهم بالخبراء أو المحللين الاستراتيجيين والخبراء الأمنيين والمفكرين وبعض العسكريين المتقاعدين والموجهين غالبًا من قبل أجهزة الأمن، لاستخدامهم في تسخين الشارع ضد الحكومة. وبالغ الإعلاميون في مسألة "أخونة الدولة"، والتي كانت تتم ببطء شديد للغاية، بل واختلق إشاعات مثل اعتزام الإخوان بيع الوثائق القومية وأخونة وزارة الثقافة وتم عمل دعاية ضخمة لعناصر فاسدة في تلك الوزارة حاول الوزير الإخواني - بدون مهارة تذكر- التخلص منها. وسلط الإعلام أضواء كثيفة على عنف الإسلاميين ضد الثوار بينما أهمل عنف الثوار ضد الإسلاميين الذي كان قويًّا أحيانًا بلغ حد إحراق مقار وأشخاص. ولم يتم بالطبع إلقاء ضوء يُذكر على إنجازات مرسي القليلة على العموم لصالح الثورة، مثل الإفراج عن المعتقلين، والمحكوم عليهم عسكريًّا، وإعفاء فقراء الفلاحين من ديونهم ورفع أجور فئات عديدة، وقراره بسحب جميع القضايا التي رفعها ضد الصحفيين..إلخ.
كما استخدم الإعلام العلماني ضيوفًا من قادة الإسلاميين لفضح طريقة تفكيرهم السطحية وتهورهم وتصريحاتهم المستفزة، ومن كبار الإسلاميين الذين تم استخدامهم حازم صلاح أبو اسماعيل، الذي صار نجم فضائيات يتسم بالجهل ويقدم أفكارًا بدائية وغريبة؛ مثل ضرورة تحديد زيِّ خاص للمواطنين وتغطية التماثيل بالشمع وإنشاء حمامات عمومية في العشوائيات([48])..إلخ.
ومن جهة أخرى أثبت إعلام الإسلاميين عجزه وفشله التام؛ إذ استخدم لغة التحريض الطائفي وتهديد المعارضين والكذب وإطلاق الإشاعات الساذجة وتشويه العلمانيين واتهامهم بالعمالة والكفر والخيانة والانحراف الجنسي...إلخ، مما أجج مشاعر هؤلاء ضدهم وساهم في حشد غير المسلمين وحتى الشيعة ضد السلطة وتخويف المواطنين العاديين (المسمين بحزب الكنبة) من المستقبل مع الإسلاميين.
استطاع الإسلاميون رصد أكاذيب ومبالغات إعلاميِّ المعارضة وأطلقوا عليهم لقب "سحرة فرعون" دون أن يستطيعوا كشف المبالغات والألاعيب أمام الجماهير، بسبب ضيق أفقهم وطائفيتهم وشراستهم ومستوى أدائهم المتدني للغاية؛ والأهم: سذاجة رئيسهم وقادتهم عمومًا، وبدائية أفكارهم، وتعصب قواعدهم، واندفاعهم وولعهم الشديد بالتسلط على الناس، فدخان الإعلام لم يكن بدون نار.
دور جهاز الأمن:
لم تخضع وزارة الداخلية لحكومة الإخوان ولم تبدِ تعاونًا مع الجماعة إلا في مواقف قليلة، منها مهاجمة الثوار معًا عند مقر الجماعة([49])، كما لم تتدخل قوات الأمن لفض اعتصامي الإسلاميين عند مدينة الإنتاج الإعلامي وأمام المحكمة الدستورية، ولم تتمكن من القبض على من أحرقوا مقر حزب الوفد.. بالمقابل تركت مقرات الإخوان تتعرض للإحراق، ورفضت فض معظم اعتصامات الثوار وتركت مسجد القائد ابراهيم بالإسكندرية محاصرًا لساعات طويلة، ولم تقم بحماية القصر الجمهوري. وقد ردد ضباط من الداخلية تصريحات مثل أن الأمن لن يحمي النظام مرة أخرى بل سيحمي الشعب([50]). وأصر وزير الداخلية على وقف الضباط الملتحين عن العمل رغم حكم المحكمة بحقهم في إطلاق لحاهم. الخلاصة أن الداخلية كانت جاهزة دائمًا للانقضاض على الإخوان؛ فليس لها أيُّ مصلحة في تمكنهم من الحكم، لأنهم حتمًا كانوا سيعيدون بناء الدولة لمصلحتهم، ولأنهم طائفة مغلقة فلن يسمحوا باستقلال أيِّ قطاع في المجتمع عنهم.
ولاشك أن الأمن يتصل جيدًا بالإعلام ويستطيع تزويد الإعلاميين بالمعلومات أو بما يمكن استخدامه لإثارة الشارع، وقيل الكثير عن دور أجهزة الأمن والجيش في دعم حركة "تمرد".
مع ذلك تواطأت الداخلية مع الإسلاميين لدى قيامهم باعتداءات طائفية ضد الكنائس والمسيحيين، لأسباب دينية – طائفية في الغالب، وكان هذا هو نهج الداخلية على مدى عقود سابقة.
وقد ارتكب الإخوان خطأ قاتلًا برفضهم إعادة بناء وزارة الداخلية أو تطهيرها، مكتفين بزرع بعض رجالهم (مثل نائب رئيس مباحث أمن الدولة السابق). كما لم يحاولوا منعها من الاستمرار في استخدام البلطجية، متصورين في الغالب أنهم سينجحون في استخدامها ضد المعارضة قبل أن يبدأوا في إعادة بنائها.
الأزهر:
يشكل الأزهر قطبًا إسلاميًّا قويًّا وغنيًّا. وهو المؤسسة الدينية الرسمية للنظام وعمل جهده للمحافظة على استقرار الدولة والنظام، من تهدئة الصراعات الطائفية وإصدار الفتاوى المعتدلة فيما يتعلق بالمرأة، وهو في هذا يخالف السلفيين، بينما نظر إليه الإخوان كقطب منافس، ولذلك كانت السيطرة عليه هدفًا مهمًّا لهم بعد نجاح محمد مرسي رئيسًا. وقد طرحوا فكرة جعل شيخ الأزهر بالانتخاب، وهو ما يمنحهم الفرصة للسيطرة، فكان هذا سببًا لصراع قاس بينه وبينهم.
 تبدى الصراع في موقف الأزهر من مشروع الصكوك الإسلامية التي قررت حكومة مرسي إصدارها. كما نجح الأزهر في حث دولة الإمارات على الإفراج عن 103 من السجناء المصريين كتكريم لشيخ الأزهر (بينما حاول الإخوان الإفراج عن معتقليهم وحدهم هناك). ثم نشبت معركة كبرى بسبب تعرض عدد كبير من طلاب المدينة الجامعية بالأزهر لتسمم غذائي، فاتهم الإخوان مسؤولي الجامعة بالمسؤولية واتهم بعض مسؤولي الأزهر الإخوان بتدبير الحادث([51]). في النهاية وجد الأزهر نفسه يقف مع المعارضة ضد حكم الإخوان حفاظًا على مكانته ونفوذه وسيطرة نخبته على هذه المؤسسة الضخمة.
الكنيسة:
حاول الإخوان كسب ود الكنيسة القبطية مرارًا قبل انتخابات الرئاسة؛ فقام المرشد محمد بديع بزيارة البابا شنودة، وقام سعد الكتاتني ومحمد مرسي  بتهنئة المسيحيين بعيد الميلاد في يناير 2012. ومع ذلك لم تشعر الكنيسة بالاطمئنان للإخوان، خصوصًا أنها تعرف أيديولوجيتهم وموقفهم من المرأة والمسيحيين على مدى عقود. فهم يعتبرون غير المسلمين أهل ذمة يعيشون في كنف المسلمين..إلخ، وهذا الكلام كتب وقيل علنًا مئات المرات. لقد صرح بعض قادتهم وأنصارهم بضرورة فرض الجزية على غير المسلمين (اعتبرها حازم صلاح أبو اسماعيل أمرًا اختياريًّا([52]))، وحرمانهم من المناصب الكبرى([53]).  لهذا لم تطمئن الكنيسة والمسيحيين أبدًا للدعاية الانتخابية للإخوان التي نفوا فيها نية فرض الجزية وتحقيق المساواة بين المواطنين.. فاتجوا للتصويت لأحمد شفيق؛ المرشح المنافس لمرشحهم، مما أثار ثائرة الإسلاميين وراحوا بعد انتخاب مرسي يتهمون الكنيسة ورجل الأعمال المسيحي الكبير ساويرس بالاسم من حين لآخر بالوقوف وراء المعارضة المتصاعدة بما فيها جماعة بلاك بلوك دون أدلة حقيقية([54])، بالإضافة إلى أن مشاركة المسيحيين أو آباء من الكنيسة في حركة المعارضة ومقاومة النظام ليست جريمة ولا عيبًا، فلماذا يجب أن يقف المسيحيون خارج الصراع؟! أما حلفاء الإخوان من السلفيين والجهاديين فكانوا أكثر شراسة في إعلان عدائهم للكنيسة، خصوصًا في الصعيد حيث الاستقطاب الطائفي أكثر وضوحًا([55]).
المهم أن الاتهامات الموجهة للكنيسة كانت مصحوبة باتهامها بالتآمر على البلد والتخريب والرغبة في إعادة النظام المتهاوي، والأهم أن هذا الكلام يصور المسيحيين والكنيسة كقوة تخريب. هذه الدعاية والتحريض ضد الكنيسة أججت مشاعر العداء المتبادل بين عناصر الإسلاميين عمومًا والمسيحيين وكنيستهم، وربما دفع هذا إلى الاعتداء على المسيحيين أثناء وبعد مرسي.
 كما أدت اعتداءات المتطرفين الإسلاميين في سبتمبر 2012 إلى قيام محافظ شمال سيناء بتهجير 9 أسر مسيحية من رفح([56]). وتمت جريمة في منطقة "الخصوص" قرب القاهرة قتل فيها عدد من المسيحيين في 5 أبريل 2013، وبعد يومين حدث اعتداء كبير على الكاتدرائية من قبل الشرطة ومواطنين مسلمين مجهولين، وأعلن محمد مرسي أن الاعتداء على الكاتدرائية هو اعتداء عليه شخصيًّا، دون محاسبة أحد.
من المؤكد أن مؤسسة الكنيسة القبطية كانت وستظل من أعداء الإخوان، فليس من المتوقع أن ترحب بنظام ينوي  - حسب كافة نشراته على مدى عقود – قهرها وقهر أتباعها. وقد شارك المسيحيون عمومًا والكنيسة خصوصًا في حركة المعارضة أثناء حكم محمد مرسي كأحد الفصائل المتضررة. ومع شراسة هجوم الإسلاميين على الكنيسة وتصاعد اتهاماتهم لها، وبالتالي التهديدات المبطنة والمعلنة أصبحت  ومعها أقباط المهجر ومجمل المسيحيين في الداخل مصممين على إزاحة الإخوان من الحكم والمشاركة في العصيان المتصاعد خلال عهد مرسي حتى ثورة 30 يونيو.
ونحن نعتبر أن الإخوان قد وقعوا في خطأ قاتل باستخدام التحريض ضد الكنيسة في صراعهم مع المعارضة، فقد أجج هذا مشاعر العداء ضدهم ودفع أعضاءهم لارتكاب حماقات ضد الكنائس وجعلهم يخسرون إلى الأبد في الغالب كل القوى الديموقراطية في مصر.
 الفقراء وتمرد "حزب الكنبة":
طوال فترة حكم الإخوان تفاقمت الأزمة الاقتصادية بسبب هروب رؤوس الأموال وضعف قطاع السياحة وإغلاق آلاف المصانع أبوابها (2500 في عام مرسي وحده([57])). وكان موقف الحكومة من العمال عدائيًّا بشكل واضح؛ فقد رصد تقرير «أحوال العمال بعد سنة من حكم الإخوان» لدار الخدمات النقابية والعمالية 151 حالة فصل لعمال من القطاع العام و152 حالة تحقيق لعمال أمام النيابة العامة، بتهم الدعوة لإضرابات أو اعتصامات، فضلاً عن 33 حالة نقل تعسفي أخرى. وفي نوفمبر 2012  ووفقًا للإعلان الدستوري أصدر الرئيس قانونًا يحظر الإضرابات عمليًّا. كما قام في أكتوبر 2012، بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية بشكل يمنح الحكومة تدخلات واسعة في اختيار أعضاء مجالس إدارات النقابات العمالية، ما يعتبر محاولة لهيمنة جماعة الإخوان على الحركة العمالية. أما الباعة الجائلون فأخذوا أيضًا نصيبهم من الكعكة؛ ففي ديسمبر 2012 تمت زيادة الغرامات عليهم إلى ألف حتى خمسة آلاف جنيه، بعد أن كانت 5 جنيهات فحسب. ولكل هذا تم إدراج مصر على القائمة السوداء لمنظمة العمل الدولية في يونيو 2013  بسبب إجراءات القمع المتزايدة ضد العمال واستمرار تقييد حرية العمل النقابي([58]).
ولذلك استمرت وتصاعدت الإضرابات العمالية، وقد بلغت حسب إعلان المجلس القومي لحقوق الإنسان 4609 إضرابًا، وبلغت في شهر أبريل 2013 فقط 1354  ([59]) كان بعضها عنيفًا. كذلك شارك الموظفون بالهيئات والمصالح الحكومية في الاحتجاجات، منهم العاملون بقطاع التعليم والصحة والأمن وحتى بعض أصحاب الأعمال الخاصة، مثل العاملين في مجال السياحة والتجار والسائقين والمقاولين والحرفيين والصيادين والبحارة والباعة، وعشرات الفئات في القطاع غير المنتظم، وحتى القضاة والطيارين([60]). وقد أشار تقرير (أحوال العمال بعد سنة من حكم الإخوان) لدار الخدمات النقابية والعمالية، إلى أن (مصر أصبحت تحتل المركز الأول عالميًّا في عدد الاحتجاجات في العالم عام 2013)([61]). ومما فاقم الموقف أزمات الوقود والكهرباء التي بلغت ذروتها قبيل تنحية محمد مرسي بأيام.
أصبح الراغبون في الاستقرار وناخبو أحمد شفيق؛ الخصم اللدود لمحمد مرسي في حالة تململ، بل غضب متزايد الحدة. في مدن القناة حدث تمرد واسع النطاق لم يفلح الإخوان في معالجته قط، وفي المحلة تم إعلان الاستقلال في ديسمبر 2012([62])، تلاه إعلان استقلال بورسعيد في يناير ثم في مارس([63])، واستقلال طنطا.. وكل هذا لم ينفذ عمليًّا إلا أنه يحمل دلالة واحدة: إن قوى شعبية أصبحت لا تطيق حكم الإخوان بأيِّ حال.
وقد راحت الجماهير تقتحم مقرات الإخوان من حين لآخر وتحرقها في شتى المناطق ورفعت شعارات حادة مثل: "الشعب يريد إعدام الإخوان"، وراح المتظاهرون يسخرون بشكل فج من الرئيس وقادة الإخوان بشكل متزايد ابتداء من ترشحه رئيسًا حتى سقوطه([64]).
رجال الأعمال والبيروقراطيون وغيرهم:
رجال الأعمال في مصر يعملون أساسًا من خلال الدولة. فالدولة هيَ أكبر مقاول في البلد، ولذلك تتحكم في السوق، ولا يستطيع صاحب رأسمال أن يتربح إلا إذا كان على علاقة جيدة ببيروقرطية الدولة، وهذا مرتبط أشد الارتباط بالفساد المعمم في سوق الأعمال وجهاز الدولة معًا.
لهذا السبب بالذات ليس من مصلحة كبار رجال الأعمال أن تتغير هذه البيروقراطية. وبعد حكم الإخوان أصبحت أخونة الدولة مشروعًا إخوانيًّا أساسيًّا، فصار من المؤكد أن العمل في السوق سيصبح مشروطًا برضا جماعة المرشد. لذلك كان أمام رجال الأعمال والبيروقرطية معًا، أو الدولة العميقة أن يعلنا الحرب ضد محمد مرسي وجماعته حتى النهاية.
هناك كثير مما قيل عن ضغوط الإخوان على رجال أعمال وابتزازهم مثل هشام طلعت ومحمد أبو العينين، وطبعًا ساويرس الذي استسلم بسرعة. كما أصبح رجال أعمال الجماعة على الرأس بعد نجاح مرسي، فكانوا على رأس المرافقين له في رحلته للصين ومعهم بعض الموالين. كما تم استبعاد اتحاد الصناعات من مناقشة مشروع الدستور. وكبديل لمنظمات رجال الأعمال شكل حسن مالك جمعية "ابدأ" التي ضمت رجال أعمال الإخوان وغيرهم ممن أراد الانضمام تحت سيطرة الإخوان بالطبع([65]). أما البيروقراطيون المتنفذون في الدولة فكانوا بالطبع يتحسسون رقابهم باعتبارهم أحد أهداف حكم الإخوان؛ فهناك عشرات الألوف من أفراد الجماعة يمكنهم الحلول محلهم، وهو الأمر المتوقع تمامًا حتى تستطيع الجماعة أن تمتلك رقبة الدولة.
وقد لعب رجال الأعمال مع الدولة العميقة دورًا كبيرًا في إسقاط الإخوان. فالإعلام الخاص تحت سيطرتهم وهو متصل أيضًا بأجهزة الأمن ومختلف مؤسسات البيروقراطية المصرية العتيقة، وقد لعب دورًا فعالًا – كما أسلفنا – في تعبئة الجماهير وحشدها ضد الإخوان. وليس من المستبعد أن أزمات الوقود والكهرباء كانت مفتعلة جزئيًّا على الأقل، خصوصًا قبيل سقوط مرسي ومما يدعم ذلك أن الأزمة انتهت فور إزاحته.
وكان تخوف المثقفين من أسلمة الفن والإبداع عمومًا شديدًا مما دفعهم إلى الاستماتة في التشهير بالإسلاميين وتحريض الجماهير ضدهم والمشاركة في المظاهرات والاعتصامات.
الجيش: قائد الثورة:
-       بغض النظر عن التفاصيل كان الصدام بين الجيش والإخوان حتميًّا كما توقع هنري كيسنجر([66]). فهناك تناقضات جوهرية بين مصالح الطرفين لا يمكن التوفيق بينها. فالإخوان جماعة لها طموحات أممية ذات محتوى ديني، ومن ثم لا تعنيهم كثيرًا القضايا المصرية الخالصة إلا من حيث دورها في المشروع الأممي العام. وفي يوم ما أعلن مرشدهم مهدي عاكف عبارته الشهيرة "طظ في مصر"([67])، ليس بمعنى تحقير أو كره مصر، بل بمعنى أنها مجرد محطة في سياق أوسع. وعلى العكس يتصرف الجيش على أنه مالك مصر وحاميها ولا يعنيه سوى المحافظة بقدر الإمكان على استقلاله بها بل وعلى مد نفوذ الدولة المصرية إلى الخارج؛ فالجيش المصري هو – على مدى التاريخ- العمود الفقري لجهاز الدولة، والأخيرة هيَ أساس ومحور مصر كبلد وهيَ فوق المجتمع المدني والأفراد والطبقات التقليدية، بل هيَ الطبقة المسيطرة نفسها. يضاف إلى ذلك أن للجيش مصالح اقتصادية واسعة وسلطة ضخمة على مجمل أراضي البلد وحق فيتو داخل النظام المصري منذ 1952 لا يقبل تهميش دوره إلا بالقوة.
-       وفور تنحية مبارك استلم الجيش السلطة السياسية مباشرة ولم يقبل تسليمها لرئيس المحكمة الدستورية. وراح فورًا يقرب الإخوان المسلمين والسلفيين ليوسع دائرة أنصاره وراح يضرب الثوار بعنف بتأييد صريح من الإسلاميين.
-       وبعد إضعاف معسكر الثورة وتفتيته بدأ الصراع بين العسكر والإخوان واضطر الجيش لتسليم الحكم إلى مرشح الإخوان محمد مرسي العياط بعد تكبيله بإعلان دستوري ينزع عنه بعض سلطاته.
-       تسلسل أحداث الصرع بين الجيش والإخوان بعد انتخاب مرسي:
1-  حادثة مقتل 16 جندي على الحدود، اتخذها مرسي ذريعة لخلع طنطاوي وسامي عنان وإلغاء الإعلان الدستوري المكبل لسلطاته وتغيير قادة الجيش.
2-  بدأ الجيش بعدها بأيام في هدم الأنفاق بدون استشارة الرئيس([68])، نظرًا لغضب الجيش من حماس بسبب تدخلها أثناء انتفاضة يناير2011([69]) واحتمال مساهمتها في دعم الجهاديين في سيناء.
3-  أصدر مرسي إعلانه الدستوري في 22 نوفمبر2012، الذي أثار العلمانيين والجيش.
4-  دعا الرئيس إلى حوار حول الإعلان المذكور في 6 ديسمبر 2012 رفضت حضوره هيئة الإنقاذ و6 أبريل.
5-  دعا السيسي  لاستضافة حوار وطني في ديسمبر تحت رعايته يحضره مرسي نفسه..وهو دور سياسي غير مشروع لوزير الدفاع أشعر الإخوان بخطر هذه الدعوة واكتساب الجيش لشعبية في حالة نجاح هذا الحوار.. فطلب  مرسي من السيسي عدم عقد اللقاء، واستجاب السيسي ولكنه لم يصمت، حيث عاد بعدها بعدة أسابيع ليحذر علانية من أن استمرار الاضطرابات قد يؤدي إلى انهيار مصر.
6-  مشروع القناة كان يحول جزءًا من مصر لمقاطعة شبه مستقلة عن الدولة؛ أيْ – عمليًّا - عن الجيش، مما أثار الغضب لدى الأخير، رغم أنه وضع شروطا قبلها مرسي (أعلن السيسي: حين عرضنا رؤيتنا بخصوص الأمن القومي المصري في مشروع تطوير قناة السويس تم التجاوب معه بدون ضغوط لدرجة أن المسؤولين عن المشروع بمجرد أن سمعوا تحفظاتنا قالوا لنا: حاضر هننفذ. وأضاف : قال ليَ السيد الرئيس "كل الخطوات هيتم العمل بيها في المشروع وفقاً لرؤية وزارة الدفاع" .. وعلق قائلاً: "الموضوع ده خلص واحنا المفروض ندور على حاجة تانية"([70]))، ولكن يبدو أنه كان يريد الإشراف الكامل على المشروع كما تقرر بعد 30 يونيو .
7-  خرج المرشد العام للجماعة في إحدى رسائله الأسبوعية يتهم القيادات السابقة للجيش بالفساد: “إن جنود مصر طيعون لكنهم يحتاجون إلى قيادة رشيدة توعِّيهم، بعد أن تولى أمرهم قيادات فاسدة”([71]). رد السيسي أنه وقيادات وأفراد المؤسسة العسكرية يحترمون القادة القدامي.. وأكد رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي في مناسبة أخرى أن المشير طنطاوي تحمل ما لا تتحمله الجبال أثناء إدارته للفترة الانتقالية.
8-  رفض أوامر مرسي بفرض حظر التجول في القناة بل راح الجنود يلعبون الكرة مع الأهالي وقت حظر التجول.
9-  ارتفعت نبرة الخلاف والتراشق وبدأ الجيش يحذر من اللعب به أو معه ويعلن أن ولاءه للشعب وحده وأنه لن يسمح باقتتال داخلي.
10- عندما حاول مرسي خلال خطابه الشهير  باستاد القاهرة  توريط الجيش المصري في خوض حرب ضد سوريا([72])، صدر تصريح من الجيش بأنه لن يخوض أيِّ حرب خارج الأراضي المصرية([73]). وكانت قطر قد اقترحت في سبتمبر 2012 تشكيل قوة عسكرية عربية لإسقاط نظام الأسد، عارضة دفع 12 مليار دولار لمصر، وأعلن سيف عبد الفتاح أن الاقتراح قيد الدراسة وأن مصر موافقة مبدئيًّا([74]).
وارتفعت شعبية القوات المسلحة وارتفاع النبرات التي تطالب بعودة الجيش للشارع، بل الحكم مرة أخرى في ظل قرارات مرسي التي زادت الأوضاع اشتعالًا في الشارع.
أصبح التحدي واضحًا بين الطرفين وبدأ الجيش يتبنى بشكل شبه معلن مطلب المعارضة في انتخابات رئاسية مبكرة وقد اعترف السيسي بذلك فيما بعد؛ فقال في كلمته في حفل تخريج الكلية البحرية: "قدمنا للرئيس السابق مبادرات كثيرة، وتم الجلوس مع الكثير من القوى السياسية، وكنا نقول للتيار الديني عليك الانتباه لفكرة الدولة والوطن، وأن ينتبه أن قيادة الدولة أمر في منتهى الحساسية، ومن يتولى هذا المنصب لابد أن يكون رئيسًا لكل المصريين"([75])، "إننا عرضنا على الرئيس السابق الدعوة للاستفتاء على بقائه في الحكم، حيث أرسلت مع كل من رئيس الوزراء، رئيس مجلس الشورى السابق ومحمد سليم العوا هذا العرض على الرئيس للخروج من المشهد الحالي، ولكن كانت الإجابة لا"([76]).
وقد سرت تسريبات تفيد بأن الرئيس يحاول استمالة بعض الضباط للإطاحة بالسيسي وزير الدفاع وأنه قد اتصل بقائد الجيش الثاني اللواء أحمد وصفي عارضا عليه منصب الوزير([77])، كما هدد حمدي حسن؛ القائد الإخواني قادة الجيش بالسجن مثل حسني مبارك([78]).
ثم راح الجيش يحرض الجماهير ويستعد للحظة الحاسمة. وقد بدأت أصوات ترتفع مطالبة الجيش بالانقلاب، حتى جبهة الإنقاذ، إلا أن السيسي كان أكثر ذكاء؛ إذ رفض الفكرة وراح يحرِّض الشعب على الاحتشاد: "إذا نزل الجيش لن تتقدم مصر للأمام لمدة 40 سنة.." و "علشان خاطري بلاش تستعجلوا".. و"لو علمنا من قتل جنودنا برفح لن نتركه لمدة ثانية.. سنؤمن الانتخابات المقبلة ولن نتراجع عن هدم أنفاق التهريب". وأضاف: "مفيش حد هيشيل حد، ولا يجب أن يفكر أحد أن الحل بالجيش، وعليكم ألا تغضبوا"، مشيرًا إلى أن الوقوف 10 أو 15 ساعة أمام صناديق الانتخابات أفضل من تدمير البلد، مؤكدًا ضرورة الحديث عن ضمانات الانتخاب([79]). وبدأ يدعم حركة  "تمرد" ويزود الإعلام بالمادة اللازمة للشحن عن طريق العسكريين السابقين و"الخبراء الاستراتيجيين" المزعومين..إلخ.
الواضح أن الجيش كان يعمل على دفع الجماهير للخروج وفي نفس الوقت يخدع الإخوان، وحين اكتمل الشحن واقتربت ساعة الحسم أُعلن عن مؤتمر صحفي للواء حسين كمال مدير مكتب عمر سليمان قيل إنه سيعلن عددًا من الأسرار. وفي الواقع لم يعلن الرجل أيَّ أسرار بل أبلغ رسالة للشعب مفادها: اخرجوا بأعداد كبيرة ولا تخشوا شيئا حتى لا يبدو الأمر أمام العالم انقلابًا عسكريًّا..نريد ثورة وليس انقلابًا([80]). وراح العسكر ورجال الأمن يعلنون أنهم سيحمون الجماهير يوم 30 يونيو ولن يسمحوا بالعنف، وعلى المتظاهرين ألا يخشوا الإخوان، وأن الجيش والشرطة مع الشعب. وبفضل هذه التطمينات نزل الملايين من "حزب الكنبة" و"الفلول" وأغنياء الطبقة الوسطى إلى الشارع، بجانب فئات أخرى عديدة. وفي آخر أيام محمد مرسي اختفى البنزين وانقطعت الكهرباء لفترات طويلة يوميًّا في عموم البلاد وتوقفت الأنفاس انتظارًا للحظة الخلاص المرتقبة.
******************************
أصبحت قطاعات شعبية واسعة ضد مجرد وجود الإخوان، منها "حزب الكنبة"و"الفلول" والثوار والشرطة والجيش وحتى السلفيين والأزهر والكنيسة والعمال والمهمشين في المدن. لم يعد لهم جمهور إلا أعضاء الجماعة وقواعدهم في الأرياف والصعيد وبعض العشوائيات.
هكذا نجحت آلة الإعلام الضخمة مع مواقف الجيش والشرطة وتمرد بيروقراطية الدولة ونشاط حركة "تمرد" وصلابة جبهة الإنقاذ الوطنى في شحن الجماهير ودفعها للخروج في حماية آلة الدولة المسلحة.

10-                 30 يونيو: ثورة الدولة
الثورات في مصر ذات طابع فريد وغريب بحكم الخصوصية الشديدة للتكوين الاجتماعي المصري. فالطبقة الحاكمة هيَ الدولة وليس البورجوازية، وأهم قطاعات البروليتاريا الصناعية لا تشكل قوة معارضة فعلية..
في عهد مرسي صارت الدولة – الطبقة مهددة، خصوصًا الجيش والشرطة أصحاب المصالح الهائلة، وبالطبع شعر رجال الأعمال التابعين للدولة عمليًّا بالخوف من المنافسين الجدد؛ رجال أعمال الإخوان المرتبطين بالجماعة النهمة للسلطة والمتطلعة لمصادرة آلة الدولة لحسابها. وقد شارك هؤلاء قطاعات من المثقفين وشرائح من الطبقة الوسطى المدينية الواسعة.
في 30 يونيو 2013 خرج إلى الشواع ملايين البشر وقد امتلأت الميادين وشارك الجيش بالطائرات الهليكوبتر التي حلقت فوق وسط القاهرة وراحت تلقي بأعلام مصر للمتظاهرين، وشوهد ضباط الشرطة محمولين على الأعناق في الشوارع والجماهير تهتف لهم ووقف عشرات الألوف من رجال الجيش والأمن والشرطة السرية المدججين بالسلاح يحمون المتظاهرين. كان المايسترو هو الجيش، بل عبد الفتاح السيسي شخصيًّا. وقد أصدر الجيش الساعة 1600 في 1 يوليو إنذارًا لمحمد مرسي "لتلبية مطالب الشعب" قبل 48 ساعة، تلاه بيان للداخلية يؤمِّن على بيان الجيش، وبعدهما صدر بيان لنادي ضباط الشرطة يبارك ويؤيد تدخل الجيش([81])، تلاه بيان مماثل لنادي القضاة أُعلن في مؤتمر صحفي([82]).
المؤكد أن جماهير غفيرة للغاية قد خرجت وراح رجال الشرطة والجيش يحمون الجمع الغفير بالسلاح. كانت القيادة وقوة الشحن والحفز والتوجيه كلها في يد أجهزة الدولة بما في ذلك البيان الذي نادى الجيش بالتدخل كما ذكرت منى مكرم عبيد([83]).
كانت الكتلة الرئيسية للمتظاهرين من الجمهور المحايد دائمًا؛ الذي لم يكن  ليخرج إلى الشوارع دون تطمينات قوية من جانب الجيش والشرطة. وقد كان.
استطاعت الدولة (البيروقراطية والجيش والأمن) متحالفة مع ربائبها من رجال الأعمال والإعلام والقضاء أن تحشد الملايين في الميادين وتصدر باسمهم بيانًا يدعو الجيش للتدخل. لم يكن دور القوى السياسية إلا دورًا مساندًا وتابعًا ومؤيدًا لتدخل الجيش والأمن. أما التوقيع على وثيقة "تمرد" فشيٌء والنزول للشارع فمسألة أخرى.
11-                  3    يوليو 2013
رفض محمد مرسي الاستجابة لمطالب المتظاهرين ولإنذار الجيش ووجه كلمة يوم 2 يوليو تضمنت :".. أني متمسك بهذه الشرعية وأني أقف راعيًا وحاميًا لهذه الشرعية"، "ثورة 25 يناير وتحقيق أهدافها كاملة والحفاظ على الشرعية، ثمن الحفاظ عليها حياتي أنا"، وقد كرر لفظ الشرعية 41 مرة، كما حظر أنصاره من الانزلاق إلى العنف أو مواجهة الجيش. أما عن حل الأزمة فقد أشار إلى خطة طرحها قبل الانتفاضة بأيام: "الأمر منذ أيام أيضًا، تبلور في شكل مبادرة نقلتها إلي بعض الأحزاب وبمعرفة رئيس الحكومة وأيضًا مؤسسة القوات المسلحة وقياداتها، وهذه المبادرة فيها تغيير الحكومة وتشكيل حكومة ائتلافية من الطيف الوطني، فيها تشكيل لجنة قانونية مستقلة متوازنة لإعداد المواد الدستورية وفيها ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات القادمة، واحنا بناشد المحكمة الدستورية أن تنتهي وبسرعة من قانون الانتخابات عشان مجلس الشورى يقره ورئيس الجمهورية يصدره مباشرة، في المبادرة أيضًا موضوع النائب العام، والمحكمة أصدرت حكم النهاردة ويجري دراسة تنفيذه من الجهة القانونية، وفي المبادرة أن نتفق جميعًا لإجراء الانتخابات، لإحداث نوع من التهدئة وإعطاء الفرصة حتى تتم هذه الانتخابات". وتضمن الخطاب تهديدًا غير محدد: ".. لما الأمر يبقى فيه هذه الحدة وهذا الاحتدام والقتل والعنف والبلطجة وتزوير الواقع والحقائق بهذا الشكل لازم يبقى فيه حركة مني كمسؤول كرئيس للدولة تجاه هذه الحركة"، "الشرعية هيَ الضمان الحقيقي بل الوحيد لكيْ نضمن عدم ارتكاب عنف.."، ".. لا بديل عن الشرعية، وأنا أقول للجميع من يبغي غير ذلك سيرتد عليه بغيه لأنه سيسلك مسلك إذا سلك غير الشرعية وبالتالي يخطئ وربما يجر الوطن في اتجاه خاطئ جدًّا سيِّء جدًّا فخ يحدث فيه أشياء سيئة لا نحبها لمصر.."، ".. وأن التمسك بالشرعية هو الذي سيقينا من أيِّ فخ ومنحدر ومن أيِّ بداية لطريق في اتجاه غامض لا نعرف آخره، مستحيل، التمن يبقى كتير..".
كان الخطاب أقل ذكاء بكثير من خطاب مبارك أثناء انتفاضة يناير 2011.
انتهت المظاهرات باعتقال قوات الجيش للرئيس ومساعديه والتحفظ عليه "في مكان آمن" حسب التعبير الذي استخدم، وهو تعبير لا تستخدمه دولة حديثة، وهو يدلنا على المستوى المنحدر الذي بلغته دولة نظام يوليو 1952. كما ألقى السيسي بيانًا في الثامنة من مساء 2 يوليو يحدد فيه خارطة الطريق ويعين رئيسًا مؤقتا للجمهورية بعد التشاور – كما قال -  مع عدد من الرموز الدينية والوطنية والشباب([84]).
جاء الرئيس المعين من جهاز الدولة من القضاء، ورئيس الوزارة وبعض المسئولين جاءوا من جبهة الإنقاذ، أما الوزارات السيادية فتقلدها رجال ينتمون للنظام، خصوصًا وزارتي الدفاع والداخلية، وحصل الثوار على منصب بلا أهمية؛ نائب وزير الشباب.
من المؤكد أن الجيش قد استعان ببعض السياسيين والمثقفين في وضع خارطة الطريق وفي كافة الخطوات التي اتخذها، ومن المؤكد أنه كون جبهة من الشركاء في ثورة يونيو: جبهة الإنقاذ، جماعة "تمرد"، القضاء، الشرطة، رجال الأعمال، البيروقراطيين، عناصر "الفلول" صاحبة النفوذ في الأحياء والقرى. كما تم استخدام الجماهير في الحشد كما يحدث في كل ثورة. لكن كما في كل ثورة أيضًا تكون هناك قوة تسير الأمور لصالحها؛ وفي 30 يونيو كانت هذه القوة هيَ الطبقة المسيطرة؛ البيروقراطية وعلى رأسها جناحها العسكري، من هنا نسميها بثورة الدولة.
لا شك أن عجز وفشل الإخوان في إدارة الدولة وتطويرها كان واضحًا للعيان، كما كانت الجماهير تعاني من فشلهم. إلا أن التعبئة والحشد وشيطنة الإخوان والتجهيز النهائي للثورة كان من تخطيط وتدبير مؤسسات الدولة وأتباعها من "الفلول"، كما أن عملية الانقلاب نفسها في 3 يوليو قام بها الجيش بنفسه؛ من اعتقال أعضاء هيئة الرئاسة وتعيين رئيس مؤقت ووضع خارطة الطريق وحتى اختيار بعض الوزراء وعلى رأسهم وزير الداخلية.
وبذلك استعادت الدولة المصرية هيمنتها.
لقد تصارع قطبًا الثورة المضادة طوال سنوات: العسكر والإخوان وللأسف وقف الثوار دائمًا مع أحدهما ضد الآخر..فكانت 30 يونيو هيَ ثورة مضادة داخل الثورة المضادة نفسها، أو – إن صح التعبير – حلقة من حلقات الثورة المضادة، بينما ومازالت قوى الثورة نفسها خارج الحكم وعاجزة عن بلورة مشروع خاص، بل أصبح كثير من عناصرها رهن السجن بأوامر العسكر وتواطؤ جهاز "العدالة" كما تم تشويه كثير من قادتها وتصويرهم كمرتزقة وخونة.
لم يكن الأمر "عودة" لنظام مبارك كما يقول البعض، بل استعادة الدولة لسلطتها على نفسها وعلى المجتمع كله..دولة يوليو  1952.. فالنظام المتصدع لم يسقط أصلًا وكل ما حدث له هو قدر كبير من التفكك على أيدي نخبة مبارك من حرس قديم وحرس جديد وتغيير النخبة السياسية بعد تنحية حسني مبارك..وتعرض لخطر التفكيك النهائي على أيدي جماعة الإخوان المسلمين، فأزال هذا الخطر وراح يحاول ترميم نفسه على أيدي نخبة جديدة: السيسي ورجاله.
منذ 3 يوليو (الحقيقة منذ 28 يونيو، وقد أخطأت في هذه النقطة وقت كتابة المقال) اتجه الإخوان إلى منطقتي النهضة ورابعة للاعتصام وانتشرت جماعات منهم في أنحاء أخري تحتج وتمارس بعض أشكال العنف.. بينما راح السيسي ورجاله يفككون تحالف 30 يونيو، متخلصين من الثوار أولًا؛ الشبح المخيف لنظام يوليو 1952، ثم من العناصر التقدمية من جبهة الإنقاذ، ثم تم فض اعتصامي الإخوان بعنف شديد وعلى أثره انسحب  البرادعي أخيرًا وتم تشويهه. كما تم استيعاب السلفيين لعزل الإخوان تمامًا ولمنع تصوير المعركة مع هؤلاء على أنها بين علمانيين وإسلاميين، والآن يتم تحجيم دورهم لصالح الأزهر. وبدأ السيسي يعمل على معالجة النظام المريض، ولكن إلى أيّ حد يطمح وإلى أيِّ حد سينجح؟

12-                 حكم 30 يونيو:

-       تمت مذبحة رابعة (قتل فيها نحو ألف شخص) عمدًا مع سبق الإصرار والترصد (ولكن نفت الداخلية والجيش استخدام الرصاص في البداية!!). فكل شيْء يدل على أن الشرطة كانت قادرة على محاصرة المنطقة ومنع دخول أحد ومنع الأطعمة والرمال والأسمنت من الدخول حتى لا يستفحل الأمر، لكنها سمحت بنمو عدد المعتصمين وإنشاء بعض التحصينات ثم انقضت عليهم بقسوة لم يتصورها شخص مثل محمد البرادعي رغم موافقته على الفض([85]). والواضح أن هذه العملية كانت متعمدة كرسالة للإخوان ولغيرهم بهدف إرهاب كل المعارضة تمهيدًا لإقامة نظام سياسي حديدي.
-       تمت إعادة تدشين نظام يوليو 1952 بوضع دستور جديد، ضخم الحجم ويتسم بمنح المواطنين حقوقًا عديدة للغاية لدى الدولة لا يمكن لأيِّ دولة تحقيقها أبدًا، كما مُنح الجيش مزايا أكثر مما جاء في دستور الإخوان. كما حرم ملايين المصريين مزدوجي الجنسية أو المتزوجين من غير مصريين من حق الترشح لرئاسة الجمهورية، وحرم من لم يكمل تعليمه الأساسي حتى نهاية المرحلة الثانوية من الترشح لعضوية البرلمان، أيْ نسبة عالية للغاية من السكان، وأبقيَ على المادة الثانية الشهيرة لكن بدون المواد الطائفية في دستور الإخوان، وعلى عمل الأطفال بشروط، وأحال للقانون عددًا كبيرًا من المواد الهامة مثل حق التظاهر وغيرها، مما يفتح الباب واسعًا لإهدار حقوق المواطنين التي نص عليها الدستور نفسه. وإن روح هذا الدستور كما نرى هيَ أن الدولة صارت مسؤولة تمامًا تقريبًا عن الأفراد بما في ذلك توفير العمل والسكن وحتى ضمان ممارستهم للرياضة وضمان تمثيل مناسب للمرأة في البرلمان، أما الجيش فأصبح دولة داخل الدولة. وهذا الدستور المستحيل التطبيق على الإطلاق يضع النظام في مأزق دائم.
-       أصبح الجيش هو "الرجل الكبير" في مصر بدلًا من البيروقراطية ككل، فهو الآن المشرف عن إنشاء عدد كبير من الطرق والمساكن بما فيها مشروع المليون وحدة سكنية عن طريق شركة «أرابتك- مصر»، ومشروع قناة السويس، والسيسي شخصيًّا هو المشرف على صندوق "تحيا مصر" الذي لا يُنشر شيْء عنه. والجيش يتوسع في بيع السلع الرخيصة كما كان يفعل الحزب الوطني وحزب الإخوان، وأصبحت الدولة تتعاقد مع الشركات بالأمر المباشر لا بالمناقصات وإذا تذكرنا أوامر السيسي لرجال الأعمال بالتبرع لـ "تحيا مصر" لفهمنا كيف سيتم توزيع المقاولات. وقد هدد السيسي القطاع الخاص بتدخل الدولة كمنافس إذا لم يقم بخفض معدل الربح، مؤكدًا أن لا طرق آخر أمامه في المرحلة القادمة سوى مزيد من تدخل الدولة في الاقتصاد([86]).
-       النظام يستعيد روح الناصرية في أوجها؛ فيسعى إلى تحويل مصر إلى رجل واحد ومشروع واحد وهدف واحد؛ فتم التعامل مع مشروع قناة السويس مثلما تعامل الناصريون الأوائل مع مشروع السد العالي([87])، وتعد السلطة الشعب بإقامة مشاريع عملاقة للغاية مثل استصلاح 4 مليون فدان بتكلفة غير اقتصادية([88])، بهدف "قومي": تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية. ومشروعات هائلة في الساحل الشمالي وتوشكي وسيناء ..إلخ، بينما هيَ تقترض كل عدة أيام لدفع التزاماتها الداخلية، وهذا تكرار لنفس نهج الناصريين الأوائل: مشروع الوادي الجديد، صناعة الطائرات والسيارات والصواريخ..إلخ وكلها فشلت. وتم تجنيد الإعلام بالكامل وأغلقت القنوات الفضائية المعارضة والبرامج المنتقدة للسلطة، ويتم تطبيق قانون الطوارئ بدون إعلان رسمي لحالة الطوارئ؛ فيمارس الاعتقال بدون تهمة والتعذيب (حتى الموت أحيانًا)، ويستمر استخدام البلطجية ضد المعارضين، وتم إلغاء انتخابات عمداء الكليات ثم منحوا صلاحيات فصل أعضاء هيئات التدريس، وعاد التعيين في الجامعات يخضع لجهاز الأمن. والنظام لا يطبق لا الدستور ولا القانون ولا حتى خارطة الطريق التي فرضها، ومازالت السلطة تصر على عدم إصدار قانون الحريات النقابية، بل تم استدعاء اتحاد العمال الحكومي ممثلًا وحيدًا للعمال. وتُفرض الإتاوات على الناس سواء رجال أعمال أو غيرهم؛ بالضغط عليهم لتقديم التبرعات أو بفرض ضرائب مثل الضريبة العقارية المعيبة للغاية. ويصور رجال السيسي نظامهم على أنه نظام معادٍ للهيمنة الأجنبية وأنه في حرب مع قوى عميلة للخارج، فيبالغ في موضوع التخابر المزعوم لقادة الإخوان مع قطر وتمويلهم من جانب تركيا وقطر، ويوهم الإعلام الناس بأن هناك مؤامرة أمريكية خطيرة وأن النظام يواجهها. ويقوم النظام الآن بشحن وحشد المتظاهرين لتأييده ويشارك الإعلام والأمن في ذلك بينما كان يتم انتقاد حكومة الإخوان لاتباعها نفس الأسلوب([89]). أما عن التغني بالإنجازات العظيمة المزعومة فحدث ولا حرج: جهاز معالجة الأيدز وفيروس الكبد (معروف إعلاميًّا بجهاز الكفتة)، الانتصارات على الإرهابيين في سيناء بينما لا يتوقف تساقط الجنود، وجمع 61 مليار جنيه لمشروع قناة السويس في أسبوع واحد، والانتصار العسكري الكبير  - زعمًا - على الأسطول الأمريكي السادس وأسر قائده([90]).
إلا أن استدعاء روح الناصرية يذكرنا بالعبارة الشهيرة لهيجل وماركس عن المأساة والمسخرة؛ فحكم 30 يونيو يقدم نفسه معاديًا للهيمنة الأجنبية ممثلة في إمارة قطر أساسًا ومعها تركيا، ويتهم محمد مرسي بالتخابر لصالح هذه الإمارة ومنظمة حماس مقابل اتهام الناصريين لخصومهم بالعمالة للاتحاد السوفيتي  وأمريكا، ويحارب بشراسة ضد مراسلي قناة فضائية "الجزيرة" مقابل الإذاعات الغربية، ويتباهى بإصلاح منظومة الخبز مقابل الإصلاح الزراعي وقرارات التأميم الناصرية.
-       السيسي يقدم خطابًا تعبويًّا ديماجوجيًّا وينافق الشعب باستخدام نبرات حنونة ودافئة مصطنعة، مظهرًا في نفس الوقت ثقة كبيرة في النفس وقدرة على الغضب واتخاذ قرارات جريئة. وفي سبيل كسب التعاطف يستخدم الخطاب الديني معتبرًا أن نظامه يسعى إلى تطبيق صحيح الدين وإلى إرضاء الله وكسب عطفه، ويقدم نفسه كرجل متدين غير طائفي؛ تربى على أيدي المشايخ واعتاد سماع أجراس الكنائس وزار المعابد اليهودية. كما يوجه الكلمات العاطفية للشعب ويطالبه بالعمل الشاق (كأن الوظائف متوفرة تمامًا والسوق مفتوح على مصراعيه)، ويطرح حلولًا شعبوية ساذجة لمشاكل البلاد؛ مثل ركوب الدراجات لحل مشكلة المواصلات والقيام في الصباح الباكر واستخدام اللمبات الموفرة لحل مشكلة الكهرباء واستخدام عربات الخضار وجرها يدويًّا كأحد حلول لمشكلة البطالة، ويعلن التبرع بنصف ثروته مقدمًا نفسه كقدوة للأغنياء، ووجدناه يحتفل بالسيدة التي تبرعت بقرطها الذهبي لصندوق "تحيا مصر"، الذي أصبح يعادل الصليب المعقوف في نظام هتلر.  
-       يتصرف السيسي حتى الآن كأنه رئيس شركة وليس دولة؛ فمجمل مشروعاته اقتصادية دون إجراءات جادة لتصفية الفساد أو تطهير جهاز الأمن وهيئة القضاء([91])، ولا حتى سمعنا عن إعلان حرب ضد تجارة المخدرات الواسعة الانتشار في طول وعرض البلاد..إلخ، ولم يتم حتى الآن سوى اتخاذ إجراءت محدودة لإصلاح النظام الاجتماعي مثل تخفيض الدعم وإصدار قانون الحد الأقصى للأجور وهو لم يطبق على فئات معينة حتى الآن، وإصدار قانون ضريبة عقارية غير فعال وتم إدخال تغيرات على مناهج التعليم غير جذرية على الإطلاق وبعضها دعاية للنظام على الطريقة الناصرية، وهناك أيضًا تحسن في منظومة توزيع الخبز المدعم والمواد التموينية المدعمة.
-       لكن النظام في مأزق كبير لأنه غير قادر حتى الآن على تقديم تضحيات مهمة على شاكلة الناصريين الأوائل؛ فلم تعد السياسة الاشتراكية على المدى الطويل ممكنة بسبب العجز المالي الكبير وكم المشاكل الضخم، فلم يعد من الممكن اليوم تصفية كبار رجال الأعمال بدون انهيار شديد للنظام ولا تملك الدولة أموالًا تكفي لإقامة مشروعات كبيرة، ولا تستطيع تسكين العاطلين في  وظائف وهمية بسبب عجز الموازنة. لم يعد هناك كجال للصفقة الناصرية مع الشعب: نحن نحكم وأنتم تطلبون. أما سياسة الليبرالية الجديدة فتشكل خطرًا على النظام بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتفاوتات الاجتماعية الأسطورية.
-       ظل شبح انتفاضة يناير 1977 يؤرق النظام لمدة عقود وجعله يفكر جيدًا قبل اتخاذ أيّ قرارات غير شعبية. فما بالنا بشبح انتفاضة يناير 2011؟ سوف يسبب هذا الشبح حالة هلع دائم للطبقة المسيطرة ولرجلها الكبير؛ الجيش، مما سيفرض عليها التصرف بالحذر اللازم لتفادي انتفاضة جديدة.
ولسنا في موقف الناصح للنظام لاتخاذ ما يلزم لإنقاذ نفسه أو لضمان استقراره لفترة طويلة، ولكن ما نتوقعه أن يحاول إجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية وإلا سيواجه انفجارات لا يستطيع استيعابها.


13-                 مشروع الشرق الأوسط والفوضى الخلاقة
 حسب تصوري ترى المؤسسات الغربية أن منطقة الشرق الأوسط والشعوب الإسلامية تحديدًا هيَ مصدر للاضطرابات في العالم: عنف باسم الدين، صراعات طائفية وعرقية لا تنتهي، أنظمة قمعية شديدة الفساد وجودها يهدد باشتعال انتفاضات شعبية عنيفة وتفكك المجتمع مثلما حدث في الصومال، وهجرات غير شرعية، وتأثير على مسلمي الغرب وتحويل بعضهم إلى متشددين وإرهابيين، ومناخ لا يصلح للاستثمار والتجارة العالمية، شعوب غير مندمجة في النظام العالمي الجديد، فقر شديد رغم وجود ثروات تؤهل المنطقة لتصبح ذات قوة شرائية كبيرة، تهديد مستمر لدولة إسرائيل التى تعد جزءًا من الغرب المتقدم.
لهذا كله ظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. في البداية كان مشروع شيمون بيريز لأهداف إسرائيلية، ثم تم تطويره على أيدي مؤسسات غربية([92]). ويبدأ المشروع بديباجة تنص على: "يمثل (الشرق الأوسط الكبير) تحديًا وفرصة فريدة للمجتمع الدولي. وساهمت (النواقص) الثلاثة التي حددها الكُتاب العرب لتقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002 و2003 - الحرية، المعرفة، وتمكين النساء- في خلق الظروف التي تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الـ8. وطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة".
من هنا راحت البلدان الغربية الكبرى تشجع إعادة ترتيب هذه المنطقة، وقد تبنى اليمين الأمريكي مشروع "الفوضى الخلاقة" لوصف الآلية التي سيتم من خلالها تغيير المنطقة، بينما تسعى توجهات أخرى لآليات أقل حدة وعنفًا. إلا أن الواضح أن الفوضى الخلاقة هيَ التي تجري في الواقع.
وحسب ما أتصور أن المقصود من الفوضى الخلاقة تكسير الأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط لخلق حالة سيولة سياسية بإطلاق طاقات وحفز الصراعات والتوافقات بين مختلف القوى المحلية للوصول في النهاية إلى حالة اتزان أو استقرار يقبله عموم السكان يكون متوافقًا مع مصالح الغرب وينتهي الأمر باندماج الشرق الأوسط في عالم الحداثة. وهذا ما يفسر لنا ما حدث في العراق كمثال؛ إسقاط نظام البعث بالقوة وإطلاق الصراع الداخلي مع تشجيع الوصول إلى وضع مستقر لم يتم بعد، وقد يكون تقسيم العراق حلًا معقولًا إذا كان مُرضيًا للسكان. وفي سوريا يؤيد الغرب قوى معارضة يعتبرها معتدلة ويضرب الآن "داعش" بعد أن لعبت دورًا في تفكيك الحكم العراقي الطائفي ونظام الأسد في سوريا، ويتحفظ على إسقاط نظام البعث فورًا، غالبًا انتظارًا لنضج فصيل يصلح لاستلام الحكم. وفي حالة مصر أيد الأمريكيون بقوة إعلان نجاح مرشح الإخوان المسلمين في مصر؛ فقد طالبوا العسكر بصراحة بإعلان نجاح المرشح الفائز وأبدوا عدم انزعاجهم من حكم الإخوان، ليس حبًّا فيهم وليس لوجود اتفاق مزعوم بينهما، بل لأنهم القوة التي كانت أكثر شعبية وتنظيمًا، بعد أن فشل "الشباب" في البرهنة على قدرتهم على تشكيل اتحاد أو وضع مشروع واضح، بل رفض بعضهم لقاء هيلاري كلينتون بالقاهرة. وفي النهاية يدرك الأمريكيون والغرب ككل أن مصر تحت السيطرة سواء حكمها الإخوان أو الجيش أو حتى الناصريون، وقد فشل الإخوان وتم طردهم من الحكم، والآن يُترك السيسي تحت الاختبار ومن الممكن أن يأتي للسلطة فصيل آخر غير الجيش.
هذا الكلام لا علاقة له بنظرية مؤامرة إطلاقًا. ففي الشرق الأوسط توجد عوامل انفجار ومن الممكن أن تنفجر ثورات دموية، وكان "الربيع العربي" نتاجا للقمع والفقر والفساد. إلا أننا لا يمكن أن نغفل مشاريع الغرب في المنطقة ودور أجهزته. فهناك تمويل لعشرات المنظمات الحقوقية، وبرامج تدريب على الديموقراطية وبرامج تدريب على حرب أو ثورة اللاعنف، وهناك ضغوط بالمعونة على الجيش المصري مثلًا، وضغوط بالقصف الجوي (سوريا)، وحدث تدخل عسكري لتدمير نظام القذافي، وهناك ضغوط المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي ودور الإعلام الغربي والمحلي الممول أو التابع لرجال الأعمال المتعاونين مع الغرب، ولنتذكر موقفًا مثل مطالبة أوباما لحسني مبارك بالرحيل "الآن يعني أمس"،  وما لمثل هذا التصريح من تأثير على معنويات نخبته وعلى الثوار في الميادين وقتها وعلى الجيش المصري. باختصار يلعب الغرب دورًا لا يستهان به في حفز وتقييف وإعادة تقييف القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، ولا نستطيع تصور أن إمارة قطر أصبحت مناضلًا من أجل الديموقراطية أو أنها أصبحت نظامًا إسلاميًّا؛ فهيَ مجرد مخلب قط للأمريكيين وتلعب دورًا في عملية الفوضى الخلاقة الأكبر منها بكثير. وقد قدم حزب أردوغان في تركيا نموذجًا كان يأمل الأمريكان أن يقلده حزب محمد مرسي في مصر ولكنه باء بالفشل.
هناك أيضًا على البساط احتمال أن يتم تفتيت الشرق الأوسط، وهو في رأيي ليس لمجرد السيطرة المباشرة على المنطقة أو تدميرها إلى آخر هذه الادعاءات، بل بهدف تحقيق حالة استقرار مقبول من جانب جل شعوب الشرق؛ فحل القضية الكردية قد يتطلب إقامة دولة كردية موحدة في العراق وسوريا وإيران وتركيا، أو في قسم من هذه الأقسام أو أكثر، وحل المشكلة التاريخية بين السنة والشيعة في العراق قد يكون بتقسيمه، وكذلك في السعودية، وقد يُستخدم التهديد بتدعيم إقامة دولة مسيحية في جزء من مصر سلاحًا في لحظة ما. وربما تنتج شعوب المنطقة حلولًا أخرى فريدة، وهذه هيَ وظيفة الفوضى الخلاقة: إطلاق طاقات هذه الشعوب تمهيدًا للوصل لنقطة توازن مستقرة. لكن من المؤكد أن إطلاق هذه الطاقات والوصول إلى حالة اتزان اجتماعي وسياسي يتطلب تفكيك النظام السعودي وبعض أنظمة الخليج والنظام الشمولي في إيران ومصر. فلابد من هز المنطقة بأسرها لإظهار القوى الكامنة فيها وتصفية أكثرها عداء للحداثة وإدماجها في العالم هيكليًّا وثقافيًّا بحيث تصبح تحت السيطرة المستقرة والنهائية للشركات متعددة الجنسيات؛ القوى المسيطرة في النظام العالمي الجديد، وإزالة التهديدات الكامنة لهذه السيطرة. هذه التصفية قد تأخذ شكل ضربات عسكرية مباشرة أو فضح العجز  والفشل أمام الشعوب (مثال الإخوان في مصر واضح).
ولابد أن يتضمن المشروع حل المشاكل الحدودية بين دول المنطقة: مصر والسودان، السعودية واليمن سواء بالتراضي أو بإعادة تقسيم المنطقة.
أما موقع إسرائيل فهيَ جزء مهم من العملية؛ فالشرق الأوسط الجديد يتضمن أيضًا إيجاد حل مرض لأطراف القضية الفسلطينية؛ حل الدولتين وحل مشكلة اللاجئين كلاجئين في إطار إعادة تركيب المنطقة؛ دولة فلسطينية أردنية - مثلاـ أو توطين وتجنيس بعضهم في دول أخرى مثل مصر ولبنان والخليج...وربما حلول أخرى قد تأتي بها الفوضى الخلاقة. أما موضوع العروبة والوحدة العربية فستصبح أحلامًا ضائعة وستحل محلها مفاهيم الشرق الأوسط والحداثة والتعاون المشترك واندماج الشركات. سيتغير هدف الإنسان الشرق أوسطي من التفاخر بأنسابه وغزو العالم كما فعل أسلافه وفرض الشريعة ومراقبة سلوك الآخرين وقهرهم إلى التعلم ورفع مستوى معيشته والاستمتاع بالحياة. باختصار الهدف هو: تحويل الشرق الأوسط إلى قطعة من الغرب من حيث هو عملي؛ براجماتي، وإنهاء ظاهرة الفقر المدقع والشديد والفساد لتخفيض حدة الصراعات الاجتماعية.
وفي النهاية يأمل الغرب أن يختفي الإسلام السياسي أو يتم تدجينه، ويتلاشى التعصب الديني، وتسود العلمانية وتتحرر النساء وتتحقق الحريات الشخصية كما هو الحال في الغرب، وينتهي الغزو الإسلامي الثقافي لأوربا، وتصبح المنطقة مجالًا جيدًا للشركات متعددة الجنسية.
ولنعد إلى الثورة المصرية: وقف الأمريكان والغرب إلى جانب الثوار في ضرورة إزاحة مبارك، ثم في ضرورة استلام المدنيين للحكم، ثم أيدوا حكم الإخوان على أساس أنهم تعهدوا باحترام الديموقراطية وتداول السلطة وحقوق المسيحيين، فلما فشلوا لم يتدخلوا ضد 30 يونيو وتركوا السيسي يطرد محمد مرسي ويتحمل المسؤولية، وبعد أن نجح وسيطر على السلطة واكتسب شعبية واسعة قرروا على الأقل عدم مواجهته ووضعوه تحت المنظار.  
إن الكلام عن تحالف أمريكي مع الإخوان وصفقات سرية ..إلخ لا يستند لأيِّ أدلة ولا يتفق مع فكرة الفوضى الخلاقة وسياسة الأمريكيين في المنطقة. كل ما في الأمر هو ترحيب مشروط - أساء فهمه الإخوان - ثم تخلّى بعد الفشل الذريع، والآن هناك تعامل بحذر مع الحكم الجديد. ولأن الإخوان هم التنظيم الأقوى في عموم المنطقة كان من الطبيعي استخدامهم لإحداث الفوضى الخلاقة بتحطيم الأنظمة الشمولية. فالأمر لا يتعلق بتحالف بل باستخدام مؤقت، ويجوز أن يستخدم الأمريكيون منظمات أخرى أيضًا بما فيها القاعدة. ويلفت النظر مثلًا أن مؤسسة مثل "أكاديمية التغيير"([93]) تقول إنها تركز على قضية بناء المجتمعات القوية، وأن أولى الخطوات العملية هيَ تحرير كل المجتمعات من قوى الاستبداد والظلم والدكتاتورية، عبر نضال اللاعنف، هيَ مؤسسة تقودها عناصر إخوانية أو لصيقة الصلة بهم وقد لعبت دورًا مهمًّا في حفز ثورات الربيع العربي.
ولا يبدو أن حكم السيسي سيحظى بالدعم الكامل، بل غالبًا ستستمر الضغوط وفرض الشروط والمطالبات بتفكيك النظام الشمولي في مصر وحفز القطاع الخاص ومقاومة الفساد، وبقدر الاستجابة سيكون الدعم أو تشجيع المعارضة.
وطالما ظل شبح الثورة يحلق في مصر يظل احتمال انتفاضات أخرى واردًا وسيظل نظام يوليو 1952 مذعورًا.






([1])  استعرت التعبير من أحد الصحفيين (الفلول)؛ عبد الله كمال، الذي وصف به ثورة 30 يونيو، http://elgornal.net/news/news.aspx?id=2798389
([3])  ليس المقصود هنا التشكيك في (وطنية) أحد، بل لا يوجد لديّ أيُّ تحفظ على تعاون القوى الثورية مع قوى خارجية من أجل الثورة ( لينين شخصيًّا عاد إلى روسيا بمساعدة السلطات الألمانية قبل ثورة البلاشفة بعدة أشهر).
([4]) عقدت صفقة مع حكومة مبارك في 2005 حول منح الإخوان عددًا من مقاعد البرلمان،
 كما ترك لهم مبارك النقابات المهنية لفترة طويلة ومنها نقابة الأطباء التي لم تجر بها انتخابات من 1986 حتى 2011.
([5]) لم يوثق أحد أيَّ اتفاق بين حكومة مبارك وجماعة الإخوان وقت الثورة، وكل الكلام عن صفقة بينهما هو كلام مرسل. أشار عبد المنعم أبو الفتوح إلى لقاء منفرد بين قادة من الإخوان وعمر سليمان لم يسفر عن اتفاق، http://new.elfagr.org/default.aspx، كما ذكر الإعلامي عبد الرحيم علي – محاولًا تشويه الإخوان -  إلى أن عمر سليمان طلب منهم عقد اجتماع معهم لبحث طلباتهم بعد ثورة 25 يناير وذلك بالتنسيق مع قيادات المخابرات العامة. وأنه اجتمع مع كل من محمد مرسي وسعد الكتاتني يوم 1 فبراير 2011 في أحد الغرف المغلقة عارضا عليهم إعطاءهم الشرعية السياسية بتأسيس حزب سياسي لهم وجمعية والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك مقابل تهدئة الأمور في ميدان التحرير وسحب شباب الإخوان من الميدان، إلا أن الإخوان لم يوافقوا على هذا الاتفاق وصعدوا الأمور ودبروا موقعة الجمل للإطاحة الكاملة بنظام مبارك يوم 2 فبراير 2011، http://www.albawabhnews.com/697988. وبغض النظر عن دورهم المزعوم في موقعة الجمل لم يستطع هذا الإعلامي الموالي للدولة أن يزعم بحدوث اتفاق ما مع النظام.
([6])  فيديو لصفوت حجازي يصر فيه على منح الخروج الآمن للعسكر:
([7])  احتوى الإعلان على ثلاث مواد:
المادة الأولى:
يضاف إلى الإعلان الدستوري 7مواد وهيَ كما يلي:
المادة 30 الفقرة الثالثة:
إذا كان مجلس الشعب منحلًّا أدى الرئيس اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا.
المادة 53 مكرر:
يختص المجلس العسكري بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة ويكون لرئيسه، لحين إقرار الدستور الجديد، جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع.
مادة 53 مكرر 1:
في الإعلان الدستوري المكمل يعلن رئيس الجمهورية الحرب بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
المادة 53 مكرر 2:
يجوز لرئيس الجمهورية في حالة حدوث اضطرابات داخل البلاد إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويبين القانون سلطات القوات ومهامها وحالات استخدام القوة والقبض والاختصاص القضائي.
المادة 56 مكرر:
يباشر المجلس العسكري الاختصاصات المنصوص عليها في البند 1 من المادة 56 من الإعلان الدستوري (المتعلقة بالتشريع وإقرار الموازنة) لحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرته اختصاصاته.
المادة 60 مكرر:
إذا تم مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها يشكل المجلس العسكرى خلال أسبوع جمعية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد دستور خلال 3 أشهر، ويعرض على الشعب لاستفتائه في شأنه خلال 15 يومًا من تاريخ انتهاء إعداده، وتبدأ الاجراءات التشريعية خلال شهر من إعلان موافقة الشعب.
المادة 60 مكرر 1:
إذا رأى رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو رئيس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، أن مشروع الدستور يتضمن نصًّا أو أكثر يتعارض مع مبادئ الثورة وأهدافها، أو تعارض مع مبادئ الدساتير المصرية السابقة، فلأي منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر في هذه النصوص خلال 15 يومًا، وفي حالة إصرار الجمعية على رأيها تبت المحكمة الدستورية العليا، وتصدر قرارًا ملزمًا للكافة خلال 7 أيام من تاريخ القرار.
المادة الثانية:
يستبدل بنص المادة 38 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 بالنص الآتي:
ينظم القانون حق الترشيح لمجلسي الشعب والشورى وفقًا لأيِّ نظام انتخابي يحدده.
وكانت المادة 38 تنص على أن تكون الانتخابات بثلثي المقاعد للقوائم الحزبية المغلقة وثلث للفردي.
المادة الثالثة:
ينشر هذا الإعلان الدستوري في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي من تاريخ نشره.
وقد تم نشر الإعلان الدستوري بالجريدة الرسمية في العدد رقم 24 مكرر بتاريخ 17 يونيو 2012.
وبالتالي يكون اليوم الاثنين 18 ـ 6 ـ 2012، أول أيام للعمل بالإعلان الدستوري المكمل.
([8])  كانت الحجة أن عدد توكيلاته أقل بـ 31 من المطلوب، ولكن في الحقيقة أنه قدم عددًا آخر من التوكيلات يفوق المطلوب بكثير، وفي الغالب الرجل لم يكن جادًّا تمامًا في ترشحه، فقد تأخر كثيرًا في تقديم أوراقه وحتى في إعلان ترشحه ولم يقاوم منعه من الترشح من قبل لجنة الانتخابات.
([9])  فيديو.. محمد مرسي: أستطيع توفير 200 مليار دولار خلال 4 سنوات:
وعلى نفس المنوال سار يوسف القرضاوي الذي (توقع) أن تستثمر قطر 20 مليار دولار في مصر إذا وافق الشعب على دستور الإخوان، ولم ينفذ وعده.
([10])  نشر مشروع النهضة موقع الإخوان:
([13])  حكم القاضي ببراءة المتهمين ولم يستأنف النائب العام التابع لمحمد مرسي على الحكم إلا بعد انقضاء المدة القانونية مما دفع محكمة النقض لرفض الاستئناف.
بخصوص الجوانب القانونية لموقعة الجمل يمكن الرجوع لتقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، http://qadaya.net/?p=4258
([16])  للحق حين استعمل مرسي هذا التعبير قصد به شعب مصر، وكان هذا هو السياق الواضح تمامًا في حديثه، لكن المعارضة استعارت منه التعبير قبل الحداثي واعتبرته يقصد جماعة الإخوان وحلفاءها.
([19])  يبدو أن السلفيين ضغطوا لسحب هذا الوعد،
([21])  كشف رئيس الجهاز المركزي للمحساسبات حقيقة الموضوع المبلغ الذي سددته رئاسة الجمهورية وهو نحو 32 ألف جنيه فقط، ولكن لم يشر إلى الجهة التي دفعت تكلفة الطائرة:
([31])  أحد الأمثلة من البرلمان الإسلامي:
([34])  محمد ياقوت، ولم تعلق الرئاسة على الأمر إلا أنها أشارت لوجود مؤامرة على الرئيس أشار إليها أيضًا أمين عام جماعة الإخوان المسلمين،
([36])  بعد أن استولى البلاشفة على السلطة أجروا انتخابات للجمعية التأسيسة فحصلوا على 25% من المقاعد فقرروا حلها وسحق المعارضة بالقوة المسلحة.
([38])  المادة 176: تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء...
([39])  نص الرسالة وصورتها منشورة على: http://gate.ahram.org.eg/News/262873.aspx
([40])  تم تسريب أسماء 3 من حماس بصفتهم مسؤولين عن العملية، لمجلة الأهرام العربي،
 كما سرب اللواء سامح سيف اليزل خبرًا بأن المخابرات تعلم تفاصيل العملية بالكامل،
وكان مدير المخابرات قد  صرح لوكالة «الأناضول» التركية بأن المخابرات كانت تعلم بخطة الهجوم وأنه - هو شخصيًّا - أبلغ الجهات المسؤولة عن توقعاته.
([41])  هم: حسن الخليفة عثمان علي - أحمد عبد القادر بكري محمد - عاطف موسى موسى سعيد - حسين فايد طه مرزوق - أحمد محمود همام عبد الله - محمد محمد إسماعيل خليل - السيد صابر السيد خطّاب - عطية عبد السميع محمود عطية - أبو العلا محمد عبد ربه - عبد الحميد عثمان موسى عمران - محمود عبد الغني فولي - محمد إبراهيم مصطفى أبو غربية.
([47])  استندت المعارضة في ادعائها إلى نشر موقع حزب الإخوان لخريطة مصر بدون منطقة حلايب، متجاهلة أن هذه هيَ خريطة مصر الرسمية منذ عهد بعيد؛ منذ استقلال السودان.
([50])  هذه كلمات لمقدم شرطة أمام قصر الاتحادية وقت هجوم الإخوان على المعتصمين،
([51])  في النهاية ثبت أن مسؤولي المدينة الجامعية هم المهملون وحكم عليهم بالسجن،
 ([53])  منهم مصطفي مشهور، بل ذهب الإسلامي المستنير طارق البشري نفس المذهب، الولاية العامة لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي،
 ([55])  الأقباط  في عهد مرسي،
([58])  نفسه.
([60])  نفسه.
([61])  نفسه.
([68])  لاحظت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية إلى أن السبب الرئيسي وراء التوتر الحاصل بين مؤسسة الرئاسة من جهة والجيش المصري من جهة أخرى، هو قيام الخبراء العسكريين بتدمير الأنفاق الواصلة بين مصر وقطاع غزة دون الرجوع للرئيس،
([69])  اعترف عصام العريان بقيام حماس بتحرير أعضائها المعتقلين في وادي النطرون،
([75])     نقلًا
                          عن: صراع الاخوان والعسكر بين الحاضر والماضي: حقائق وتاريخ دموي،
([76])  نفس المرجع.
([80])  شاهد الفيديو: http://www.youtube.com/watch?v=c8fRGDDBIA4
([83])  شرحت منى مكرم عبيد بعد ذلك بشيء من التفصيل دور السيسي وبعض كبار المثقفين تحت قيادة اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق في التحضير لبيان يحث الجيش على التدخل، http://www.youtube.com/watch?v=vM6TRvOPuOg
([84])  نص البيان: بسم الله الرحمن الرحيم شعب مصر العظيم :
1-  إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التى استدعت دورها الوطني وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هيَ بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي.
2 - ولقد استشعرت القوات المسلحة - إنطلاقاً من رؤيتها الثاقبة - أن الشعب الذي يدعوها نصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته ... وتلك هيَ الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها، وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها وإقتربت من المشهد السياسي أمله وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة .
3 - لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهوداً مضنيه بصوره مباشرة وغير مباشرة لإحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر 2012 .. بدأت بالدعوة لحوار وطني استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة في اللحظات الأخيرة ... تم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه.
4  - كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجي على المستوى الداخلي والخارجي تضمن أهم التحديات والمخاطر التييِّ تواجه الوطن على المستوى ( الأمني / الإقتصادي / السياسي/ الاجتماعي) ورؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لإحتواء أسباب الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.
5 - في إطار متابعة الأزمة الحالية إجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة بالسيد / رئيس الجمهورية في قصر القبة يوم 22/6/2013 حيث عرضت رأيَ القيادة العامة ورفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصري.
6  - ولقد كان الأمل معقوداً على وفاق وطني يضع خارطة مستقبل ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاؤه، إلا أن خطاب السيد / الرئيس ليلة أمس وقبل إنتهاء مهلة ال (48) ساعة جاء بما لا يلبي ويتوافق مع مطالب جموع الشعب .. الأمر الذي إستوجب من القوات المسلحة إستناداً على مسئوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون إستبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك لا يقصي أحداً من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والإنقسام.. وتشتمل هذه الخارطة على الآتي:
-
تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.
- يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة .
-
إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية لحين انتخاب رئيساً جديداً.
-  لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الإنتقالية .
-
 تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.
-
 تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتاً.
-  مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.
- وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيده وإعلاء المصلحة العليا للوطن.
- اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب في مؤسسات الدولة ليكون شريكاً في القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.
 - تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
7- تهيب القوات المسلحة بالشعب المصري العظيم بكافة أطيافه الإلتزام بالتظاهر السلمي وتجنب العنف الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء.. وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أيِّ خروج عن السلمية طبقًا للقانون، وذلك من منطلق مسئوليتها الوطنية والتاريخية.
8- كما توجه القوات المسلحة التحية والتقدير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة والقضاة الشرفاء المخلصين على دورهم الوطني العظيم وتضحياتهم المستمرة للحفاظ على سلامة وأمن مصر وشعبها العظيم. حفظ الله مصر وشعبها الأبي العظيم ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
([85])  تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن فض اعتصام رابعة:
([86])  حوار السيسي مع ابراهيم عيسى ولميس الحديدي، قبيل انتخابه،
([87])  يصور المشروع على أنه سينقل مصر نقلة ضخمة للأمام وأنه لابد أن يتم بسواعد وأموال المصريين عكسما كان يعمل الإخوان وتم إصدار شهادات استثمار بفائدة مرتفعة تسبب خسائر للدولة مقابل حشد الرأي العام وراء المشروع... http://modernization-adil.blogspot.com/2014/09/blog-post.html
([88])  أعلن السيسي أن تكلفة استصلاح 4 مليون فدان تبلغ 250 مليار جنيه،
بينما قدر الخبراء التكلفة للفدان الواحد بـ 50 ألف إلى 150 ألف جنيه، وهيَ تكلفة باهظة وبلا جدوى اقتصادية والأفضل استثمار هذه المبالغ في الصناعة.
([89])  حوار الجزيرة مع مجدي خليل يكشف عملية الحشد في الولايات المتحدة وقت زيارة السيسي:
([91])  بل أصدر عدلي منصور قانونًا بإلغاء الحد الأدنى للحبس الاحتياطي في حالة حكم الإعدام والسجن المؤبد، مما يكرس بطء القضاء وعجزه.
([92])  نص المشروع منشور على: