هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 ديسمبر 2022

الدولة ونظام الري الصناعي

 


عادل العمري

24 ديسمبر 2021

 

هناك فكرة تقول بأنه في المجتمعات النهرية مثل الشرق الأقصى والأدني وأمريكا الجنوبية وشرق أفريقيا تطلبت عملية الري الصناعي جهاز دولة مركزي لإدارة هذه العملية. وبناء على هذا الزعم قيل أن الدولة في هذه المناطق قد لعبت دورًا تاريخيًا تقدميًا.

هذه الفكرة وجدت قبولًا من قبل الماركسيين، ومنحتهم الفرصة لمدح بقرتهم المقدسة: الدولة، رغم أنهم يعتبرونها أداةً للقمع الطبقي.

فنجد إنجلز يقول: "إنَّ الدولة، التي أنشأتها الجماعات البدائية التي شكلتها عشائر من قبيلة واحدة، كانت مهمتها في البداية حماية المصالح العمومية لهم (مثل عملية الري في بلاد الشرق)، ولحمايتهم من الأعداء الخارجيين، ومن هذه المرحلة فصاعدًا صارت لها مهمة حماية وجود وهيمنة الطبقة المسيطرة ضد الطبقة المضطهدة بالقوة"([1]). كما قال في مكان ما، واصفًا الدولة المركزية: "إن الدولة هي المقاول العام لري الوديان الذي بدونه لا تقوم للزراعة قائمة".

وعندنا مثالان لماركسيين مصريين حيث (وبيرو) أكثر الدول مركزية في التاريخ:

في دراسته الضخمة عن نمط الإنتاج الآسيوي في مصر قال أحمد صادق سعد: "فالفلاحون هم الطبقة الأساسية التي تلاقي الاضطهاد ويمارس عليها الاستغلال والقهر. وكثيرًا ما ثاروا على مختلف العصور ثورات دموية طويلة... لم يكونوا يستهدفون بثوراتهم إلا العودة إلى شكل أقدم وأكثر بدائية من المشتركات القروية، شكل متحرر من وجود الدولة، الأمر الذي يناقض حركة التاريخ"([2]). وهذا يتضمن معنى أن للدولة مهمة تاريخية.

 

كما قال طاهر عبد الحكيم: "لو كان الإقطاع قد نشأ في مصر لكان ضد حركة التاريخ. فكان يشكل تراجعًا عن إنجازين تحققا هما الوحدة السياسية والوحدة القومية من خلال الدولة المركزية"([3]). هكذا يكون الاستبداد الشرقي بركوده التاريخي مرحلة تاريخية متقدمة على الإقطاع!

- في الواقع كان المصريون القدماء وقبل نشوء الدولة يقومون بالعمل الجماعي الضروري لتجفيف المستنقعات ولاستصلاح الأراضي ونظام الري الصناعي وبناء الجسور والسدود وتعلية مستوى القرى عن سطح النهر.. إلخ بالتوافق والتعاون، بقيادة زعماء القبائل أو رؤساء القرى، بدون جهاز قمع (=حكومة بدون دولة). فلم تكن هناك ضرورة موضوعية للدولة. كما كانوا يخزنون المحاصيل في صوامع مشتركة للقرية ككل (مثال حضارة مرمدة). وقد تم توحيد الشمال والجنوب بسلسلة حروب دموية بين الدويلات العديدة ثم بين مملكتي الشمال والجنوب انتهت بانتصار الملك مينا الذي بلغ عدد من أسرهم 12 ألف إلى 100 ألف، كما استولى على مئات الآلاف من الماشية (400 ألف) والماعز (1.422.000) من مملكة الشمال، بخلاف قتل الآلاف([4]). هكذا قامت الدولة المركزية في مصر. لم يكن هناك من دور تقني استدعى كل تلك الحروب الدموية، لكن دافع الطمع والجشع فحسب. وقد ساعدت الجغرافيا على تحقق هذه الوحدة القسرية.

ولا يوجد في التاريخ ما يدل على أنَّ الدولة قد نشأت بسبب حاجة الناس لها من أجل عملية الري الصناعي، فلماذا نتصور أنَّ هناك من "يتطوع" لإنشاء دولة بالعنف والمذابح من أجل الري والصرف؟! ولا يتطلب الإشراف على الري الصناعي الجيش والمخابرات والمعتقلات والتعذيب وإهانة الأفراد. في الواقع منحت الحاجة للريّ الصناعي فرصة للدولة، التي نشأت لأسباب لا علاقة لها بنظام الري، لكيْ تمارس المزيد من التسلط والقهر، ولم تكن تلك الحاجة تحتم نشوء الدولة في حد ذاته. ببساطة لقد نشأت الدولة أيضًا في المناطق التي لا تحتاج للري الصناعي. وكان يمكن أيضًا أنْ يستمر الري الصناعي بدون دولة أصلًا؛ بالتعاون وتحت إشراف رؤساء القرى والقبائل كما استمر لآلاف السنين: حكومة بدون جهاز قمع.

وقد رصد ذلك فيتفوجل – الذي أسيء فهمه - وضرب مثال قبائل شرق أفريقيا وقبائل أمريكا([5]): لم تشهد القبائل الصغيرة التي اعتمدت على الري النهري قسوة الاستبداد، لأن الرئيس، كونه قريب من زملائه من رجال القبائل، لم يكن قادرًا على ممارسة السلطة فوق وظائفه التوجيهية. كما لم توجد ظاهرة تقديس الرئيس قبل نشوء جهاز الدولة المركزية في المجتمعات النهرية. كما كانت الأعمال العامة قبل نشوء الدولة تتم بالتعاون والعمل الطوعي لا بالعبودية المعممة التي ظهرت بعد نشوء الدولة المركزية. وبينما كانت أدوات الزراعة ملكية خاصة كانت شبكات الري والمياه ملكًا مشتركًا للقبيلة ككل، وليست ملكًا لرئيسها كما أصبح الحال بعد نشوء الدولة والاستبداد الشرقي. كما لم تكن الملكية الكبيرة شرطًا لتولى زعامة القبيلة وحتى إذا كانت للزعيم ملكيات كبيرة لم تشهد تلك الملكية نموًا على حساب الآخرين إلا حين أصبح الرئيس يمتلك القوة العسكرية؛ آلة الدولة.

 الخلاصة أن نشوء الدولة كان شرطًا للاستغلال والنهب داخل المجتمع؛ شرطًا لتكون الطبقات. وقبل الدولة المركزية عرفت المجتمعات النهرية حكومات مركزية مفوضة بدون جهاز دولة من جيش محترف وأجهزة أمن وسجون..إلخ. فليس للدولة دور تاريخي ولم تكن ضرورة تقنية لعملية الري الصناعي. لقد منحت الجغرافيا للدولة فرصة أعظم للتمركز والهيمنة الشاملة على المجتمع دون أن تكون ضرورة لنشوئها.

 

 

 



([1])  ضد درنج، الجزء الثاني، الاقتصاد السياسي، الموضوع والمنهج.

([2])  تاريخ مصر الاجتماعي الاقتصادي، ص 12.

([3])   الشخصية الوطنية المصرية، ص 35.

([4])  جمال حمدان، شخصية مصر، الجزء الثاني، ص 468.

([5])  كتاب: الاستبداد الشرقي، مواضع متفرقة.

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2022

بمناسبة الانتفاضة الإيرانية الكبرى الحادثة الآن:


كل الثورات ديموقراطية بدرجة أو أخرى.
فالشعوب تثور لكي تحقق أحلامها أو بعضها: أحلامها في الحريات وفي حكم نفسها أو في المشاركة في الحكم على الأقل، وفي انتزاع حقوقها الاقتصادية والثقافية، وفي تحقيق الأمن سواء للأفراد أو للمجتمع ككل.. باختصار لا توجد ثورات ديكتاتورية أبدا. الثورة الفرنسية الكبرى بدأت كذلك ثم انتهت إلى انقلاب الجيروند ثم توجت بانقلاب نابليون الذي كان بمثابة ثورة مضادة صريحة (حتى فترة الإرهاب في عهد روبسبيير كانت إرهابا من جانب الجماهير للطبقة الإقطاعية والبورجوازية الكبيرة وعلى هامش ذلك أصاب الإرهاب بعض الناس من الشعب). والثورة الروسية بدأت أيضا بتحطيم النظام القيصري وتحقيق الحريات إلى أقصى حد وإلى حد حكم المجلس الشعبية، ثم جاءت الثورة المضادة ابتداء من قمع البلاشفة لانتفاضات للعمال والفلاحين والأحزاب، وللنقابات والسوفيتات، وأصبحت ثورة مضادة كاملة الأبعاد بالانقلاب الستاليني وإقامة نظام شمولي. وفي إيران بدأت الثورة ضد الشاه بتطلعات ديموقراطية وشعبية، لكن نجحت الفاشية الدينية بتأييد القطاعات المتخلفة وقبل الحداثية من الجمهور وأقامت المذابح لعشرات الألوف من الثوار وأقامت نظاما شموليا كما نعرف، فكانت ثورة مضادة وحكومة فاشية.
لا يمكن وصف حكومة ديكتاتورية تصادر إرادة الشعب بأنها تمثل ثورة أو بأنها حكومة الثورة، فالحكومة تحقق مصالح النخبة أو الطبقة الحاكمة حتى لو ألقت ببعض الفتات للجماهير.