عادل العمرى
لا شك أن توسع القطاع العام فى مصر فى العصر الناصرى والتوسع فى سياسة دعم السلع الضرورية بأشكال مختلفة (منها بطاقة التموين وإنشاء الجمعيات الحكومية التى تبيع سلعا رخيصة وإنشاء شقق سكنية مدعومة....) وتقديم عدد كبير من الخدمات شبه المجانية وتوظيف الخريجين وغير الخريجين بدون حاجة لخدماتهم..قد ساعد الطبقات الأدنى وقلل من الفوارق الاجتماعية ومن حدة الصراع الطبقى.وكان من الممكن أن تكون هذه الإجراءات مفيدة للنمو الاقتصادى الاجتماعى إذا تمت معالجة أسباب فرضها بتحقيق معدلات نمو مرتفعة وتحقيق قدر من التطور الاقتصادى ووقف النمو السكانى وتطوير نظم التعليم..إلخ بحيث تكون إجراءات مؤقتة فقط لحين معالجة أسبابها. ولكن سار النظام الناصرى ومن تلاه مسارا آخر:
1- فقد استخدم دعم الطبقات الأدنى لكسب تأييد النظام وتأميم الصراع الاجتماعى.
2- لم يتم اتخاذ مايلزم من الإجراءات لتجاوز الأسباب التى دفعت لاستخدام سياسة الدعم بأشكالها سابقة الذكر ولذلك استمر الدعم ضرورة لامتصاص ثورة الفقراء المحتملة دائما وصارت فكرة رفع الدعم مخيفة للنظام.
3- بالعكس عرقلت سياسة الدعم التطور الاجتماعى –الاقتصادى:ويمكن ضرب عشرات الأمثلة سنوجزها:
- لم ينخفض معدل نمو السكان بشكل حاسم،فتربية الأطفال ليست مكلفة كثيرا ورب الأسرة يضمن أن يحصل لهم على الكثير من السلع والخدمات شبه المجانية.
- تتمتع الصناعات الرديئة بحماية جمركية عالية وتحصل على طاقة رخيصة مدعمة وعمالة رخيصة (وهذا أحد أشكال الدعم المقدم للصناعة حيث أن الحد الأدنى للأجور بالغ الانخفاض) ولذلك لم يهتم أصحابها بتطويرها بحيث تنافس الصناعات الأجنبية.
- يصل قدر ملموس من الدعم إلى رجال الأعمال والأغنياء عموما مما يعد إهدارا لقدر من الدخل الحكومى وهذا يساهم كثيرا فى عجز الموازنة.
- الاستخدام غير الرشيد للثروة الاجتماعية،منها سوء استخدام الملكية العامة الضخمة للغاية لعدم وجود آليات للحفاظ عليها لأنها ليست معتبرة فى الواقع ملكا لأحد،واستخدام بعض السلع المدعمة استخداما مفرطا وغير رشيد.إن تقديم كهرباء ومياه رخيصة مثلا يشجع الناس على إهدارهما فى غسيل السيارات مثلا أو عدم الاهتمام بتخفيض استخدام أجهزة غير ضرورية أو عدم الاهتمام بمعالجة أسباب تسرب المياه... تقديم الخبز المدعم طعاما للدواجن وارتفاع معدل استهلاك السكر ،نمو عدد السيارات بشكل كبير بل وامتلاك الأسرة الواحدة لعدد من السيارات أحيانا..وتمتع الأغنياء أصحاب السيارات الفارهة بالوقود المدعم بدون مبرر.
- أدى تخفيض ايجارات المساكن واستمرار الإيجار القديم حتى الآن (وهو دعم مقدم لمستأجرى هذه العقارات)إلى امتناع الملاك عن القيام بصيانة العقارات مما أدى إلى تآكل كبير للثروة العقارية وطبعا لا يقوم المستأجرون بأعمال الصيانة المكلفة لأنهم اعتادوا على دفع إيجار رمزى فقط للوحدات السكنية وليسوا مستعدين للقيام بدور المالك وإلا فما فائدة تخفيض الإيجارات؟.كما شجع هذا التخفيض كثيرا من المستأجرين على تأجير أو شراء وحدات سكنية عديدة مع الاحتفاظ بالعقارات ذات الإيجار الرخيص بينما توجد أسر لا تجد مسكنا ملائما.
- أدى توظيف عدد كبير من الخريجين وغيرهم إلى وجود "بطالة مقنعة"ضخمة مما يعرقل من إمكانية رفع الأجور وبالتالى تنتشر الرشوة وتتدهور الخدمات الحكومية ويعم الفساد مختلف المؤسسات..بل ويعرقل الموظفون نشاط أصحاب الأعمال الحرة ويبتزونهم مما يعيق النمو الاقتصادى(أى صاحب مال يفكر ألف مرة قبل أن ينشيء مشروعا خوفا من الضرائب العشوائية وصعوبة الحصول على ترخيص بدون رشوة...إلخ).
- ضمن أشكال الدعم:الوظيفة المضمونة ومنع الفصل التعسفى،وقد ساهم هذا الأمر مساهمة فعالة فى تدهور إنتاجية العمال والموظفين وإهمالهم لوسائل العمل التى تحت أيديهم وإهمالهم مصالح العملاء وأصحاب الأعمال بمن فيهم الدولة.
************************
فى الواقع إن كانت سياسة الدعم مفيدة للفقراء فهذه الفائدة تكون على المدى القريب فقط ولكن إذا نظرنا الآن للاقتصاد المصرى نجد أنه يعانى من مشاكل عميقة لأسباب من ضمنها استمرار سياسة الدعم طويل الأمد،مما أثر أيضا على الطبقات الأدنى حيث توجد البطالة وانخفاض الدخل عموما وارتفاع الأسعار وأزمة السكن..إلخ.ولا يمكن لإنسان أن يطالب بحرمان الأشخاص المعدمين أوغير القادرين على الكسب لأسباب خارجة عن إرادتهم من المساعدة،ولكن الكلام هنا يتعلق بأولئك الذين صاروا يعتمدون على ما يشبه التكية الحكومية ويطالبون بالمزيد.وإذا تابعنا البرامج الفضائية والتحقيقات الصحفية سنجد – مثلا - من يصرخون لعدم قدرتهم على تربية أبنائهم (الأربعة أو الستة أو أكثر) ولكن لا يطرح عليهم أحد سؤالا يتعلق بمدى مسئوليتهم عن إنجاب هذا العدد بينما دخلهم محدود.
إن استمرار التكية الحكومية إلى أجل غير مسمى يشجع ثقافة التواكل واستنزاف الثروة العامة والاستهلاك المبالغ فيه.
ورغم ذلك مازلنا نجد مختلف جماعات اليسار تصرخ ضد أى عملية رفع لأحد أشكال الدعم شاملة تصفية أحد مراكز التكية الحكومية غير المنتجة فعليا للقيمة المضافة ،بدعوى أن هذا ضد مصالح الجماهير الكادحة ولصالح الليبرالية المتوحشة..إلخ. هكذا يشجع اليسار ثقافة التواكل والكسل والاستهلاك غير المفيد دون إنتاج مقابل.
فى الواقع لن يسلك المواطن المصرى سلوكا منتجا حقا إلا إذا دفع التكلفة الحقيقية لكل خدمة يحصل عليها.
ونحن لا نقصد أن سياسة الدعم أو السياسات "الاشتراكية" هى المسؤول الوحيد عن مشاكل مصر الاقتصادية –الاجتماعية،ولكن تعد أحد الأسباب أو المعوقات المهمة لتجاوز التخلف.وإن تحرير السلع والخدمات تدريجيا وإطلاق آليات السوق والتخلص من العمالة الزائدة يُعد ضرورة لترشيد الفرد المصرى سواء كان من الفقراء أم من رجال الأعمال المدللين.فيجب أن تباع السلعة والخدمة بتكلفتها الحقيقية،ويجب أن يحصل الأجراء على أجور حقيقية وليس مصروف جيب،على أن يقوموا بعمل حقيقى أيضا . ويجب أن يكون الحد الأدنى للأجور مناسبا لتكاليف المعيشة،ويجب أن يدفع كل مواطن تكاليف استهلاكه وإسرافه.هكذا فقط يتعلم المرء كيف يستخدم إمكانياته بأفضل الطرق إنتاجية،وبدلا من مطالبة الدولة دائما بتقديم العون يصبح مطالبا بتحمل المسئولية عن مشروعاته سواء الشخصية أو الاستثمارية.
لقد استمر المصريون يستهلكون أكثر مما ينتجون منذ اتباع السياسات المسماة بالاشتراكية،وهذا وضع لا يمكن أن يساعد على التطور،بل أدى إلى ثقافة الكسل والتواكل والتعود على الأخذ دون عطاء[1].
[1] فى دراسة بعناون:انحطاط الرأسمالية .. مصر نموذجا ،منشورة على:http://fasail.blogspot.com
،ذكر سامح سعيد عبود فى النهاية أن "من يوفرون احتياجاتهم المادية من الاستثمار أو العمل فى استثمارات رأسمالية متطورة فى الصناعة والزراعة والخدمات فقد لا يتجاوزون المليونين من بين ثمانين مليون، وهؤلاء هم الناجون من التخلف والتهميش الذى يقع فيه معظم السكان".
لا شك أن توسع القطاع العام فى مصر فى العصر الناصرى والتوسع فى سياسة دعم السلع الضرورية بأشكال مختلفة (منها بطاقة التموين وإنشاء الجمعيات الحكومية التى تبيع سلعا رخيصة وإنشاء شقق سكنية مدعومة....) وتقديم عدد كبير من الخدمات شبه المجانية وتوظيف الخريجين وغير الخريجين بدون حاجة لخدماتهم..قد ساعد الطبقات الأدنى وقلل من الفوارق الاجتماعية ومن حدة الصراع الطبقى.وكان من الممكن أن تكون هذه الإجراءات مفيدة للنمو الاقتصادى الاجتماعى إذا تمت معالجة أسباب فرضها بتحقيق معدلات نمو مرتفعة وتحقيق قدر من التطور الاقتصادى ووقف النمو السكانى وتطوير نظم التعليم..إلخ بحيث تكون إجراءات مؤقتة فقط لحين معالجة أسبابها. ولكن سار النظام الناصرى ومن تلاه مسارا آخر:
1- فقد استخدم دعم الطبقات الأدنى لكسب تأييد النظام وتأميم الصراع الاجتماعى.
2- لم يتم اتخاذ مايلزم من الإجراءات لتجاوز الأسباب التى دفعت لاستخدام سياسة الدعم بأشكالها سابقة الذكر ولذلك استمر الدعم ضرورة لامتصاص ثورة الفقراء المحتملة دائما وصارت فكرة رفع الدعم مخيفة للنظام.
3- بالعكس عرقلت سياسة الدعم التطور الاجتماعى –الاقتصادى:ويمكن ضرب عشرات الأمثلة سنوجزها:
- لم ينخفض معدل نمو السكان بشكل حاسم،فتربية الأطفال ليست مكلفة كثيرا ورب الأسرة يضمن أن يحصل لهم على الكثير من السلع والخدمات شبه المجانية.
- تتمتع الصناعات الرديئة بحماية جمركية عالية وتحصل على طاقة رخيصة مدعمة وعمالة رخيصة (وهذا أحد أشكال الدعم المقدم للصناعة حيث أن الحد الأدنى للأجور بالغ الانخفاض) ولذلك لم يهتم أصحابها بتطويرها بحيث تنافس الصناعات الأجنبية.
- يصل قدر ملموس من الدعم إلى رجال الأعمال والأغنياء عموما مما يعد إهدارا لقدر من الدخل الحكومى وهذا يساهم كثيرا فى عجز الموازنة.
- الاستخدام غير الرشيد للثروة الاجتماعية،منها سوء استخدام الملكية العامة الضخمة للغاية لعدم وجود آليات للحفاظ عليها لأنها ليست معتبرة فى الواقع ملكا لأحد،واستخدام بعض السلع المدعمة استخداما مفرطا وغير رشيد.إن تقديم كهرباء ومياه رخيصة مثلا يشجع الناس على إهدارهما فى غسيل السيارات مثلا أو عدم الاهتمام بتخفيض استخدام أجهزة غير ضرورية أو عدم الاهتمام بمعالجة أسباب تسرب المياه... تقديم الخبز المدعم طعاما للدواجن وارتفاع معدل استهلاك السكر ،نمو عدد السيارات بشكل كبير بل وامتلاك الأسرة الواحدة لعدد من السيارات أحيانا..وتمتع الأغنياء أصحاب السيارات الفارهة بالوقود المدعم بدون مبرر.
- أدى تخفيض ايجارات المساكن واستمرار الإيجار القديم حتى الآن (وهو دعم مقدم لمستأجرى هذه العقارات)إلى امتناع الملاك عن القيام بصيانة العقارات مما أدى إلى تآكل كبير للثروة العقارية وطبعا لا يقوم المستأجرون بأعمال الصيانة المكلفة لأنهم اعتادوا على دفع إيجار رمزى فقط للوحدات السكنية وليسوا مستعدين للقيام بدور المالك وإلا فما فائدة تخفيض الإيجارات؟.كما شجع هذا التخفيض كثيرا من المستأجرين على تأجير أو شراء وحدات سكنية عديدة مع الاحتفاظ بالعقارات ذات الإيجار الرخيص بينما توجد أسر لا تجد مسكنا ملائما.
- أدى توظيف عدد كبير من الخريجين وغيرهم إلى وجود "بطالة مقنعة"ضخمة مما يعرقل من إمكانية رفع الأجور وبالتالى تنتشر الرشوة وتتدهور الخدمات الحكومية ويعم الفساد مختلف المؤسسات..بل ويعرقل الموظفون نشاط أصحاب الأعمال الحرة ويبتزونهم مما يعيق النمو الاقتصادى(أى صاحب مال يفكر ألف مرة قبل أن ينشيء مشروعا خوفا من الضرائب العشوائية وصعوبة الحصول على ترخيص بدون رشوة...إلخ).
- ضمن أشكال الدعم:الوظيفة المضمونة ومنع الفصل التعسفى،وقد ساهم هذا الأمر مساهمة فعالة فى تدهور إنتاجية العمال والموظفين وإهمالهم لوسائل العمل التى تحت أيديهم وإهمالهم مصالح العملاء وأصحاب الأعمال بمن فيهم الدولة.
************************
فى الواقع إن كانت سياسة الدعم مفيدة للفقراء فهذه الفائدة تكون على المدى القريب فقط ولكن إذا نظرنا الآن للاقتصاد المصرى نجد أنه يعانى من مشاكل عميقة لأسباب من ضمنها استمرار سياسة الدعم طويل الأمد،مما أثر أيضا على الطبقات الأدنى حيث توجد البطالة وانخفاض الدخل عموما وارتفاع الأسعار وأزمة السكن..إلخ.ولا يمكن لإنسان أن يطالب بحرمان الأشخاص المعدمين أوغير القادرين على الكسب لأسباب خارجة عن إرادتهم من المساعدة،ولكن الكلام هنا يتعلق بأولئك الذين صاروا يعتمدون على ما يشبه التكية الحكومية ويطالبون بالمزيد.وإذا تابعنا البرامج الفضائية والتحقيقات الصحفية سنجد – مثلا - من يصرخون لعدم قدرتهم على تربية أبنائهم (الأربعة أو الستة أو أكثر) ولكن لا يطرح عليهم أحد سؤالا يتعلق بمدى مسئوليتهم عن إنجاب هذا العدد بينما دخلهم محدود.
إن استمرار التكية الحكومية إلى أجل غير مسمى يشجع ثقافة التواكل واستنزاف الثروة العامة والاستهلاك المبالغ فيه.
ورغم ذلك مازلنا نجد مختلف جماعات اليسار تصرخ ضد أى عملية رفع لأحد أشكال الدعم شاملة تصفية أحد مراكز التكية الحكومية غير المنتجة فعليا للقيمة المضافة ،بدعوى أن هذا ضد مصالح الجماهير الكادحة ولصالح الليبرالية المتوحشة..إلخ. هكذا يشجع اليسار ثقافة التواكل والكسل والاستهلاك غير المفيد دون إنتاج مقابل.
فى الواقع لن يسلك المواطن المصرى سلوكا منتجا حقا إلا إذا دفع التكلفة الحقيقية لكل خدمة يحصل عليها.
ونحن لا نقصد أن سياسة الدعم أو السياسات "الاشتراكية" هى المسؤول الوحيد عن مشاكل مصر الاقتصادية –الاجتماعية،ولكن تعد أحد الأسباب أو المعوقات المهمة لتجاوز التخلف.وإن تحرير السلع والخدمات تدريجيا وإطلاق آليات السوق والتخلص من العمالة الزائدة يُعد ضرورة لترشيد الفرد المصرى سواء كان من الفقراء أم من رجال الأعمال المدللين.فيجب أن تباع السلعة والخدمة بتكلفتها الحقيقية،ويجب أن يحصل الأجراء على أجور حقيقية وليس مصروف جيب،على أن يقوموا بعمل حقيقى أيضا . ويجب أن يكون الحد الأدنى للأجور مناسبا لتكاليف المعيشة،ويجب أن يدفع كل مواطن تكاليف استهلاكه وإسرافه.هكذا فقط يتعلم المرء كيف يستخدم إمكانياته بأفضل الطرق إنتاجية،وبدلا من مطالبة الدولة دائما بتقديم العون يصبح مطالبا بتحمل المسئولية عن مشروعاته سواء الشخصية أو الاستثمارية.
لقد استمر المصريون يستهلكون أكثر مما ينتجون منذ اتباع السياسات المسماة بالاشتراكية،وهذا وضع لا يمكن أن يساعد على التطور،بل أدى إلى ثقافة الكسل والتواكل والتعود على الأخذ دون عطاء[1].
[1] فى دراسة بعناون:انحطاط الرأسمالية .. مصر نموذجا ،منشورة على:http://fasail.blogspot.com
،ذكر سامح سعيد عبود فى النهاية أن "من يوفرون احتياجاتهم المادية من الاستثمار أو العمل فى استثمارات رأسمالية متطورة فى الصناعة والزراعة والخدمات فقد لا يتجاوزون المليونين من بين ثمانين مليون، وهؤلاء هم الناجون من التخلف والتهميش الذى يقع فيه معظم السكان".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق