هذه دعوة للعمل على مناهضة قوى الظلام

واستمرار ركب الحضارة الحديثة

This Is A Call To Work Against The Forces Of Darkness And For Promotion Of Modern Civilization


أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 يونيو 2021

عن الاستبداد الشرقي

 

استمتعت كثيرا بدراسة كتاب فيتفوجل "الاستبداد الشرقي". ورغم وجود بعض التحفظات إلا أن الكتاب حلل بعمق وجدية أساس النظم الاجتماعية في الشرقين الأدني والأقصي (باستثناء اليابان) وأمريكا الوسطى والجنوبية في مجملها، في معظم تاريخها. وقد منح فيتفوجل دورا أساسيا في ظهور هذه النظم، أهمها العوامل الجغرافية (الزراعة النهرية) والعوامل المؤسساتية والثقافية، منها تأثير الغزوات والضغوط الخارجية والتقاليد المتوارثة نتيجة تأثيرات خارجية...

ومما تناوله فيتفوجل هو السؤال القديم والمستمر: لماذ تقدم الغرب واليابان وتحولا إلى الرأسمالية بينما حافظت بلدان الاستبداد الشرقي على ركودها لآلاف السنين.

وضمن ما سجله أن المجتمعات الاستبدادية الشرقية كانت أكثر تقدما من غرب أوروبا من حيث وسائل الإنتاج حتى حدوث التحول الرأسمالي. فكانت الزراعة أكثر تنظيما وأعلى إنتاجية بكثير، والصناعات كانت أرقى وأدق، بخلاف شبكة الطرق الطويلة ونظام البريد الدقيق والمتقدم. ناهيك عن المباني المبهرة، بجانب الجيوش الجرارة المنظمة جيدا (لكن الأقل تدريبا)  

(المعروف أن الهند ومناطق في أمريكا الجنوبية والصين وغيرها كانت أكثر تصنيعا من غرب أوربا حتى حركة الاستعمار ثم ظهور الآلة البخارية).

وخلاصة الإجابة على السؤال إياه (وأنا أرى أنها إجابة معقولة جدا) تتلخص في عامل واحد هو:

سيطرة الدولة على المجتمع المدني

 

 هذا بعكس الحال في النظم العبودية والإقطاعية. وتفاصيل ذلك كثيرة (الكلام طبعا عن الوضع السائد معظم الوقت وليس في كل لحظة ولا في كل نقطة من البلاد وبالطبع هناك استثناءات):

 

- فالطبقة المسيطرة كانت في – في العموم - هي بيروقراطية الدولة العليا، بينما كانت الملكية الخاصة ضعيفة وغير مكتملة وغير مستقرة وبلا قوة سياسية. وقد تعمدت الدولة إضعاف الملكية الخاصة بأساليب مثل تفتيتها عن طريق نظام معين للميراث، ومصادرتها من حين لآخر، وفرض إتاوات وجبايات وضرائب... وحتى نظم "الإقطاع" الشرقي كان من أهم سماتها أن ملكية "الإقطاعيين" ملكية انتفاع فقط، فكان "الإقطاعيون" جامعو ضرائب للدولة بشكل أساسي. وفي فترات كانت الملكية الخاصة تحقق نموا ونفوذا لكن كان الحال ينتهي بانقلاب الدولة عليها ومصادرتها (نظام محمد علي في مصر نموذج واضح، وكذلك الانقلاب الناصري 1952 -عادل). وتمثل الصين استثناء غير مفهوم جيدا لنمو الملكية الخاصة الحقيقية في فترة من تاريخها.

- كانت الدولة – الطبقة الحاكمة تدير شؤون البلد كلها، وتُخضع لها كل السكان بدون هامش يذكر من الاستقلال، بما في ذلك المؤسسات الدينية، والطوائف الدينية والحرفية والتجارية والجماعات الإثنية...

- الدولة – الطبقة الحاكمة كانت تحتكر السلاح والجيش وأجهزة الأمن كلها بدون هامش لأي قوة اجتماعية.

- الدولة احتكرت السياسة والتشريع وكل القرارت الخاصة بالحرب والسلام والاقتصاد... كما كانت القوانين تصدر من طرف واحد.

- بالإضافة إلى قوانين الضرائب، اعتمدت الدولة كذلك على الجباية، بفرض ضرائب ورسوم حسب حاجتها أو رغبة حكامها، بالإضافة إلى مصادرة الأملاك الخاصة حين ترى مسوغا لذلك، سواء الأراضي أو الأموال أو ممتلكات التجار.

- في معظم الأوقات احتكرت الدولة الصناعات والمناجم والأراضي الزراعية، بحيث أعاقت ظهور طبقة من النبلاء والملاك الأحرار.

- كان القمع بشعا يفوق الاستبداد الإقطاعي وإذلال الشعب ممنهجا: طرق جمع الضرائب – طريقة جمع الأنفار من أجل الأعمال العامة- وسائل قمع التمردات المحلية – إجبار الحاشية على السجود للحاكم (فعلها شارلمان في غرب أوربا تقليدا للبيزنطيين -عادل) مع أشكال أخرى للإهانة والإذلال.

 

لهذا لم تكن هناك طبقة قادرة على تحقيق نمو الملكية الخاصة وازدهارها، ولم تتكون مجالس تشريعية أو مؤسسات سياسية أخرى.

- لم يتحول أي نظام استبدادي شرقي إلى الرأسمالية تلقائيا أو من داخله. بل لعبت الضغوط الخارجية دورا أساسيا: الغزو المباشر، التهديد الفعلي أو الضمني، التأثير الثقافي، فرض معاهدات معينة... وقد تمت هذه الضغوط بدرجات متباينة وتفاعلت بالطبع مع الأوضاع الداخلية الخاصة لكل بلد، حيث كانت أنظمة الاستبداد الشرقي متباينة الدرجات (أكثرها نقاء مصر وبيرو).

- هناك بلدان شهدت تحولات في اتجاه الرأسمالية لكن حدثت بها ردة إلى الاستبداد الشرقي، مثل روسيا 1917 والصين 1949، لكن مع طموحات تقدمية للنخب الجديدة المثقفة حاملة الماركسية، (مما شكل بذرة تفكك النظام جزئيا بعد ذلك – عادل)

 

هذا لا يعني أن الإقطاع أو النظام العبودي كان ديموقراطيا. لكن تمتعت طبقة النبلاء بكثير من الاستقلال وشاركت في السلطة وامتلكت جيوشا خاصة ولم تكن ملزمة بدفع الضرائب، كما كانت المدن مستقلة ولها وجود سياسي وتدفع ضرائب قليلة جدا أو لا تدفع أصلا. ووجدت أيضا طبقة من صغارالملاك الأحرار، مع استقلال المؤسسات الدينية.. باختصار كان يوجد مجتمع مدني له حضوره بالفعل. وكل هذا منح الطبقات والمؤسسات المستقلة عن الدولة القدرة على النمو والازدهار. طبعا هذا معظم الوقت وفي معظم مناطق غرب أوروبا، واليابان.

  

أريد أن أسجل ملاحظة: إن بلدان الشرق الأوسط مازالت ترزح تحت نظم استبدادية بالمعنى المذكور سابقا: هيمنة الدولة على المجتمع المدني، الذي يتم إخصاؤه بشكل متكرر، وآخر عملية إخصاء في مصر تمت مع انقلاب  2013، حيث وضعت بيروقراطية الدولة يدها على كامل المجتمع المدني وجندت الرأسماليين لحسابها بجانب إعادة بسط سيطرتها على الأحزاب والنقابات والإعلام الخاص سابقا وغيرها.

ولن يحدث تحول اجتماعي يذكر إلا إذا تغيرت هذه الوضعية، أي بإضعاف الدولة وتحرر قوى المجتمع المدني.

ليست هناك تعليقات: