عادل العمرى
الفكرة التى تقول بأن الجماهير غير واعية أو وعيها مشوه
وأن المثقفين ينقلون لها الوعى من الخارج؛ أولا تصور الجماهير على أنها مجرد مفعول
به، وثانيا تدعو لعلاقة تبعية بين النخبة والشعب، وثالثا تروج لشيء وهمى: أن هناك
فكر صحيح وفكر خاطيء. أنا أفهم أنه يمكن نشر معلومات أو وقائع غير صحيحة للخداع
والعكس صحيح، أما نشر أيديولوجيا "خاطئة" أو "صحيحة" فهذا
نفسه تفكير أيديولوجي غير بريء. فالشعب ليس مجرد متلق، بل يتفاعل مع الفكر ويختار
حسب تجاربه الخاصة. أما النخب فلا تمثل أحدا أبدا، بل تمثل نفسها فقط وقد تتلاقى
نخبة ما مع جموع شعبية أو تقودها، ولكن دون أن تمثلها؛ لأن كل جماعة - وخصوصا
المثقفين- تعبر عن نفسها. والنخب لا تعرف مصالح الجماهير أكثر منها لأن المصالح
نسبية، فكل امرئ هو الذى يحدد ماهى مصلحته حسب رغباته وأهدافه فى الحياة.
وإذا مددنا هذا الكلام على استقامته سننتهى من الفكرة
الفقيرة القائلة بأن النظرية الفلانية بورجوازية والأخرى بروليتارية أو بورجوازية
صغيرة ...إلخ، حيث أن هناك دائما تميز بين الفكر والواقع وبين منتجي الفكر وغيرهم
من الناس..هناك تلاق..اتفاق..تحالف.. خلاف ..تناقض، بين هذا وذاك، أما التعبير
الخالص لذات عن غيرها فوهم خالص. فلا توجد على هذا الكوكب من البشر شمعة تحترق من
أجل غيرها.
ومن الطبيعى أن منتجي الفكر يملكون سلطة معرفية ما وهم
أقدر على استخدام الفكر المجرد، ولكن لا يمكن اعتبارهم متغيرا مستقلا تجاه الجمهور
العادي، الذى ينتج الفكر أيضا ويكون تصورات عن واقعه..وإلا فكيف كان يعيش البشر
قبل ظهور المفكرين المحترفين؟
أطالب المثقفين من النزول من عليائهم وعدم التعامل مع
الشعب على أنه جماعة من الجهلاء الذين لا يدركون مصالحهم، ومن الممكن الكلام عن
الحوار مع الشعب أو إقامة علاقة معه وليس "توعيته" أو توجيهه. يمكن
الكلام عن قيادة الجماهير بإطلاق المبادرات وتبوء مقعد القيادة فعلا، بضرب المثل
وإظهار الإخلاص للشعارات المرفوعة وتقديم التضحيات وتفهم مطالب الكادحين والفقراء
ومناقشتهم فيها والبحث عن نقط اتفاق. وعلى النخبة أن تتوقف عن التعامل مع الجماهير
كمجرد وقود لمعاركها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق