سمير حمودّة
16 جانفي
(نقلا عن موقع الحزب الديموقراطى التقدمى،تونس)
http://www.pdpinfo.org/spip.php?article94599
http://www.pdpinfo.org/spip.php?article94599
لقد تخلّص الشعب التونسي من بن علي بفضل نضاله وصموده وجرأته وبفضل تضحيات شهدائه. لكننا لم ننته بعد من نظام الدكتاتورية. لا يزال هذا النظام قائما. أقرب المخلصين لبن علي والذين خدموه على مدى سنوات طوال، من أمثال الغنوشي وفؤاد المبزع ومن لف لفهم، لازالوا يمسكون بالحكم. إن كامل جهاز الدولة القديم من وزارات وفرق البوليس المختلفة وهيئة أركان الجيش والولاة والمعتمدين ومديري المؤسسات العامة ورؤساء مراكز الشرطة ورؤساء أجهزة الأمن داخل وزارة الداخلية (وزارة الإرهاب) وبرلمان بن علي، ومؤسسة الإذاعة والتلفزة “الوطنية” كل هذه الأجهزة التي تمّ تعيينها من قبل الدكتاتور السابق كخدم مطيع له ولسياسته لم تتزحزح بعد عن مواقعها.
إن نظام الاستبداد في حالة اهتزاز عميقة ولعله يلفظ أنفاسه الأخيرة. ولكن مهمة الإجهاز عليه نهائيا قبل أن يستعيد قواه وقبل أن يعيد تنظيم صفوفه ويلتف عل ثورة شعبنا لم تنته بعد. ونحن نقولها بكل وضوح أن نظام الاستبداد قادر على التقاط أنفاسه والوقوف على ساقيه إذا لم توجه له جماهير شعبنا الضربات القاتلة الأخيرة.
ثلاث أجهزة تهدد الإنتفاضة وتهدد بإنقاذ نظام بن علي دون بن علي
أولا قوات البوليس بمختلف فرقها، هي التي أغرقت تونس في حمام الدم إلى حد يوم 14 جانفي ولم تتوقف عن ذلك إلى حد الساعات الأخيرة التي تبعت فرار بن علي. كذلك العصابات المسلحة التي تقوم بأعمال عنف وتخريب وترهيب السكان ومن قتل هي جزء من بوليس بن علي وفي مقدمتهم الحرس الرئاسي وميليشيات الحزب الحاكم ومليشيات الطرابلسية. والأخبار الأخيرة تفيد بأن مرتزقة أجانب تعزز هذه المليشيات. والأخطر في الوضع أن قوات البوليس وهذه الميليشيات تتمتع بدعم قيادات النظام القديم. وليست لنا أي ثقة في حكومة محمد الغنوشي وفؤاد المبزع لتصفية هذه العصابات ولا أي حكومة يهمن عليها حزب بن علي.*
ولا يمكن التخلص من فرق الإرهاب نهائيا إذا لم يتمكن الشعب من فرض حكومة مؤقتة ديمقراطية بحق ووطنية بحق وعازمة كل العزم على تصفية بقايا النظام القديم. حكومة نزيهة وتتمتع بدعم الشعب، حكومة لا تضم في صفوفها أي وزير من وزراء بن علي وأي قيادي من قيادي الحزب الحاكم وأي مجرم من مجرمي وزارة الداخلية وأي مسؤول متورط في تقتيل شعبنا. فمحمد الغنوشي وفؤاد المبزع ومن يقف ورائهم هم أيضا مسؤولون على الأقل سياسيا عن أعمال القتل التي ذهب ضحيتها شعبنا. لقد كانوا خدما مطيعا للدكتاتور المخلوع.
الخطر الثاني يأتي من بقايا الحزب الحاكم التي تتوارى اليوم كـ”الجرابيع” ولكنها لازالت قادرة على إلحاق الضرر بانتفاضة شعبنا وستطل برأسها في أول تقهقر لمبادرة الجماهير. وبعض خلايا الحزب الحاكم تشارك في ميليشيات الإرهاب. وسيحاول الحزب الحاكم، حزب الفاشية الارتكاز على الحكومة التي يعد لها الغنوشي-المبزع والتي سيكون له فيها نصيب الأسد. وإذا ما توفر لهذه الحكومة أن ترى النور وأن تتواصل أمله سيسعى عبرها إلى إعادة بسط قبضته على البلاد.
لذلك من الملحّ أن يتم حل هذا الحزب وشل كل تمركز وكل تحرك له. وندعو جماهير الشعب إلى عدم حرق مقراته بل احتلالها ومصادرتها حتى تكون ملك للشعب المنتفض وحتى تكون مقرات للحكومة المؤقتة التي ندعو إليها وحتى تكون مقرات للجان المواطنة المنتخبة التي بدأت تنتشر في مختلف المدن والأحياء والتي بدأت تسهر على أمن المواطنين. “تونس حرّة حرّة والتجمع على برّه”. إن حل حزب بن علي سيتم، لا بالاعتماد على أية قرارات قانونية، بل بالاعتماد أساسا على فعل ويقظة المواطنين وعلى تطوير المبادرات الجريئة التي ستصون الانتفاضة من كل تصفية. لقد قطعت الانتفاضة رأس الأفعى ولكن أبنائها الصغار لازالوا ينشطون هنا وهناك، في الخفاء أحيانا وفي العلن أحيانا أخرى. على قبضة الجماهير أن تجبرها على البقاء في عالم الأموات النهائي.
الخطر الثالث يأتي من مؤسسة الجيش. هناك أخبار ومعطيات متضاربة حول دوره السياسي إلى حد الآن. نقول السياسي لأن دوره الأمني يبرز أكثر هذه الأيام في إيقاف عصابات الأمن الرئاسي. لكن تصفية شق من السلطة لا يكفي لتحديد تموقعه من الانتفاضة. قسم هام من الشعب يثق في وطنية الجيش وفي عدم تورطه في أعمال عنف وقتل. ولكن لابد أن نشير إلى حقائق ثابتة تفيد كلها بأن مؤسسة الجيش لا يمكن لها أن تكون في موقع الحياد. أولا إذا كان يبدو أن القيادة العسكرية أو جزء منها قد رفضت إطلاق النار على المتظاهرين فقد تركت بالمقابل، منذ بداية الأحداث في سيدي بوزيد، فرق البوليس والقناصة طليقة الأيدي في تقتيل المواطنين وساهمت في تطويق المدن والقرى مما يشير إلى تقاسم للأدوار مع باقي الأجهزة الأمنية في صيانة حكم بن علي. ثانيا إن هيئة أركان الجيش معينة بكاملها من قبل الدكتاتور السابق وقد كان قائدها الأعلى. ثالثا تقف اليوم قيادة الجيش وراء زمرة الغنوشي-المبزع. رابعا تمثل حالة الطوارئ الحالية أهم إجراء وأهم محاولة واضحة لشل ديمقراطية الشارع التونسي. كما لن تعيق حالة الطوارئ عصابات الإرهاب التي تعمل في وضح النهار.
لذلك يجب أن يطالب الشعب برفع حالة الطوارئ.
صحيح تماما أنه علينا أن نفرق بين الجندي البسيط وضباط الصف الأول وبين هيئة الأركان العليا للجيش التي لم يُعبر أين كان من ضباطها عن استعداده لصيانة الديمقراطية والحرية التي ينادي بها الشعب التونسي. هل يُمكن لقيادة عسكرية وطنية أن تبقى بكماء عندما يصرخ كامل الشعب مطالبا بالحرية وعندما تسيل دمائه من أجل ذلك ولازالت تسيل؟
نحن لا نعتقد في حياد الجيش لأن قيادته لا تتخذ قراراتها بمفردها بل تخضع لأوامر الحكومة المدنية. فلمن تخضع هيئة أركان الجيش اليوم؟ نحن لم نر أي ثورة في التاريخ وقف فيها الجيش موقف المتفرج. إما أن ينحاز إلى الشعب وإما أن ينحاز إلى دولة الاستبداد. وجيشـ”نا” الوطني ليس له من خيار ثالث. لذلك نقول أنه على الجيش أن يدافع عن إرادة الشعب التونسي بكل حزم ودون تردد. وإرادة الشعب تكمن اليوم في كنس النظام القديم، نظام الاستبداد. ونحن لا ندعوه إلى أي انقلاب بل على العكس نطلب منه أن لا يدعم أي حكومة لا تمثل الشعب ولا شرعية لها كما يعد له محمد الغنوشي وفؤاد المبزع ومن لف لفهم. على الجيش أن ينحاز نهائيا لانتفاضة الشعب وأن لا يخضع لإمرة أي حكومة غير حكومة مؤقتة ديمقراطية تقطع نهائيا مع نظام الديكتاتورية.
أيها الشعب أنت منقذ الجيش كي ينحاز كاملا إلى انتفاضتك ويدعم نضالك من أجل الديمقراطية ولن يكون ذلك إلا برفض كل حكومة منصبة ومواصلة النضال من أجل حكومة لا “تجمع” فيها. وجماهير شعبنا قادرة على كسب الجيش الوطني بشرط أن تواصل نضالها ضد خليفة بن علي وبشرط أن تواصل بجرأة احتجاجاتها وبشرط أن لا تقبل بالحلول التوفيقية التي تهدد بتواصل نظام الاستبداد. يجب أن نضع الجيش أمام الخيار التالي: إما أن يدعم الانتفاضة وإما أن يدعم بقايا النظم المنهار، إما أن يقبلّ الشعب في روعته الثورية وإما أن يطعنه في الظهر. لنصرخ إذا في اتجاه ضباط الجيش وجنوده: “وطنيتكم بين أيديكم”.
الخطر الرابع يتمثل في أجهزة التدخل الأجنبي بدبلوماسييها ومخابراتها ومرتزقتها. إن نجاح الانتفاضة في كنس بن علي يتمثل بالضبط في كون إرادة الشعب أفلتت من كل تدخل ومن كل مناورة للقوى الأجنبية الإمبريالية. لقد تمتعت سلطة بن علي بدعم كامل من هذه القوى. فالإمبريالية الفرنسية والأمريكية خاصة دعمت الديكتاتورية في تونس كما دعمتها في كامل الوطن العربي. وإذا كانت سرعة نهوض الجماهير وتطور الأحداث ونسقها المتسارع قد ترك الدوائر الأجنبية وأجهزة مخابراتها خارج كل تأثير فإن سعيها المحموم لإنقاذ النظام القديم وإنقاذ مصالحا لن يتوقف. وما استعداد حكومة سركوزي لتقديم العون لصيانة النظام العام في تونس إلا دليل واضح على ذلك. وسيتصاعد التدخل الأجنبي بما فيه الصهيوني بأشكال مختلف خلال الأيام القادمة على أمل قيام حكومة تضمن مصالح الرأسمال الأجنبي. ولكي يتمكن شعبنا من إفشال كل تدخل أجنبي عليه بإسقاط كل حكومة يُمسك بها مجرمو النظام القديم وخدمه من الأحزاب الكرتونية الذين ترتبط مصالحهم بمصالح الدوائر الإمبريالية بألف خيط وخيط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق