عادل العمرى
بعد نجاح الثورة التونسية
في حلقتها الأولى بدأ بعض مثقفي مصر ومؤدلجيها يحلمون بتكرارها في مصر، فذهب البعض
إلى بدء التحضير لها، بمطالبة الجماهير بالخروج إلى الشارع يوم 25 يناير، بينما
ذهب جزء آخر لتوجيه الانتقادات للشعب المصري ولثقافته، واتهامه أحيانا بالجبن،
وعقد المقارنات بينه وبين التوانسة للكشف عن نقاط القصور في المصريين. والواضح أنَّ
نجاح الثورة التونسية – حتى الآن - قد أسال لعاب الإنتلجينسيا المصرية، فها هيَ
رفيقتها في تونس بدأت تجني بعض الثمار التى دفعت الجماهير ثمنها دما ودموعا، فلماذا
لا تأخذ هيَ الأخرى نصيبها؟
فالمؤدلجون يريدون أنْ
تقوم الجماهير بثورة في الوقت الذي يناسبهم، بينما تدل كل أحداث التاريخ أنَّ
الجماهير تنتفض حين تريد هيَ، وحسب مزاجها في لحظة ما. صحيح أنَّ الثورات معدية
ولكن ليس بالضرورة أنْ تنتقل من بلد لآخر فورا، ولنتذكر أنه حين حاول الشيوعيون في
ألمانيا التمثل بالثورة الروسية الناجحة سحقوا ومعهم آلاف العمال، ولم يحققوا
نجاحا.
ومن الملاحظ أنَّ
المؤدلجين المصريين قد بدأوا اهتمامهم بالثورة التونسية حين نجحت فقط، أما
قبل ذلك فكانوا مشغولين بمسائل أخرى تماما، بل وتساءل البعض إنْ كان من الضروري أنْ
نهتم بها أصلا. ومنذ بداية الانتفاضة التونسية دعوت على الفيسبوك لإنشاء cause لتأييدها بغرض نشر أخبارها وتعبئة أكبر عدد من المؤيدين معنويا ونشر
روح الانتفاضة وسط العرب، إلا أنَّ الغريب أنَّ عدد المنضمين لها قد بلغ 400 شخصا
فقط حتى الآن، أغلبهم غير مصريين، رغم أنَّ الانضمام لها لا يكلف المرء سوى
الموافقة فقط في ثانية واحدة.
ومن يعرف تونس من الداخل
(وأنا منهم) يعرف أنَّ الشعب التونسي كان مهمشا سياسيا، وأن النخبة المثقفة هناك
قد فر بعضها إلى الخارج هربا من القمع البشع، وكثير من أفرادها انضم إلى الحزب
الحاكم، خوفا من البطش وقلة القلة منها فقط ظلت تقاوم طوال سنوات حكم زين
العابدين. والشعب التونسي قد تعرض لأشكال من القمع لا يتخيلها المصريون أبدا
ولم يقاوم بجدية لسنوات طويلة.. باختصار لا توجد مزايا ثورية خاصة في التوانسة فهم
شعب مثل بقية الشعوب العربية. وفي مصر يتمتع المصريون بقسط أوفر من الحرية بعشرات
المرات، والجماهير استطاعت مرارا أنْ تصطدم بالشرطة ولتلقنها الدروس (انتفاضة
المحلة مثلا) ، ومعظم المثقفين ليسوا في الحزب الحاكم، وليسوا خارج البلاد، وهناك
آلاف الجمعيات الأهلية من كل صنف لا تخضع لإشراف الأمن، وهناك جمعيات غير قانونية
وتعمل في العلن رغم أنف الدولة، ونسبة خريجي الجامعات في مصر أكبر والانتلجنسيا
عموما أقوى بكثير من مثيلتها في تونس..إلخ. فلا يوجد أيُّ مبرر لعقد مقارنات تبرر قيام
الثورة التونسية وتأخرها في مصر بأن التوانسة أفضل أو أكثر ثورية. فالأمر يتعلق
بتفاصيل كثيرة أثرت على مسار الأحداث على مدى سنوات.
كل ما في الأمر أنَّ الإنتلجينسيا
المصرية التى أهملت الانتفاضة التونسية لمدة 3 أسابيع قد غارت وقررت أنْ تحاول
تحقيق المكاسب.. إذن فلتخرج الجماهير الآن، وإلا تتهم بالتخلف والجبن والجهل!!
وأود أنْ أذكر الجميع أنَّ
الجماهير قد خرجت من قبل في 18 يناير 1977، وتعرضت للرصاص، وأدان المثقفون عنفها،
واتهموها بالتخلف، ويومها تعاون حزب اليسار الرسمي مع أجهزة الأمن ضد
الانتفاضة، أو ما أسماه وقتها التخريب. فرجاء للمثقفين المصريين ألا يدينوا
الانتفاضة القادمة أيضا.
فبدلا من استعجال
الجماهير للتضحية بنفسها من أجل الآخرين، أعتقد أنَّه من الأفضل تبنى مطالبها،
وتفهم ظروفها ومزاجها، والتعاون معها، وليس استخدامها كوقود في معركة النخب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق